الدرس ( 8 ) من شرح منهج السالكين ( باب صفة الوضوء الجزء الثاني )

الدرس ( 8 ) من شرح منهج السالكين ( باب صفة الوضوء الجزء الثاني )

مشاهدات: 551

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح منهج السالكين – صفة الوضوء

كتاب الطهارة ـ الدرس ( 7 )  والدرس (8)

فضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحابته وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد..

ثم قال المصنف رحمه الله: (باب صفة الوضوء)

إذا قيل الوُضوء: المراد منه الفِعل

وإذا قيل الوَضوء: المراد منه الماء

فإذا فتحت الواو كان المرادُ الماء، وإذا ضُمّت كان المراد الفِعل

مثل السَّحور والسُّحور: فالسَّحور الوجبة، والسُّحور هو الفعل

ومثله الطَّهور والطُّهور، وعلى هذا فقس.

والحديثُ هنا عن ضمِّ الواو (الوُضوء).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [وهو أن ينويَ رَفْعَ الحَدَث أو الوُضوءَ للصلاةِ ونحوِها]

الشرح/

النية: معناها الإرادة، فمتى ما أردتَ الشيء فقد نويتَه، وبالتالي فإن أمْرَ النية أمر سهل،

وما يتحرّج منه كثير من الموسوسين في وضوئه أو في صلاته فإنه منافٍ لسماحة الشرع،

فإنه إن أتى إلى دورة المياه أو إلى المغاسل فهذه هي النية.

ـــــــــــــــــــــ

 

قال رحمه الله: [وهو أن ينويَ رَفْعَ الحَدَث أو الوُضوءَ للصلاةِ ونحوِها]

ممكن أن نُجمِلَ هذا الكلام فيما يلي:

أولا/ إن نوى رفْع الحدث ارتفع حدثُه: كأن يتوضأ لرفْعِ الحَدَث الذي به،

والحدَث: هو معنًى قائم بالبدن، ليس شيئاً محسوساً وإنما هو معنى قائمٌ بالبدن،

هذا المعنى القائم بالبدن كيف يرتفع؟ يرتفع بالوضوء.

ــــــــــــــــــــــــــ

الحالةُ الثانية/ ألّا ينويَ رفْعَ الحدث وإنما نوى بهذا الوضوء أن يصليَ، فإن نوى بهذا الوضوء ما يجبُ له الوضوء فقد ارتفع حَدَثُه، الوضوء متى يجب؟

يجب في أشياء كثيرة، لكن مِن بينها: إذا أراد أن يَمَسَّ المصحف فيجب عليه الوضوء،

إذاً/ لو توضأ من أجل أن يمس المصحف ثم بدا له أن يصليَ بهذا الوُضوء، أتصح صلاته؟ نعم.

مثال آخَر فيما يجب له الوُضوء: صلاة نافلة، فلو توضأ من أجل أن يصلي صلاة الضحى فحضرت صلاة الظهر، هل يصلي بهذا الوضوء؟ نعم يصلي بهذا الوضوء.

ــــــــــــــــــــــــــ

الحالةُ الثالثة/ أن يتوضأ لما تُسنُّ له الطهارة،

مثاله: يُسن الوضوء عند النوم، فتوضأ إنسان من أجل أن يُطبِّقَ هذه السُّنَّة وأن ينام على وُضوء، ثم بدا له أن يصلي صلاةَ نفل، أو تَذَكّرَ صلاةَ فرضٍ عليه، هل يصلي بهذا الوضوء؟ نعم يصلي.

 

إذًا يحصل الوضوء بإحدى حالات ثلاث:

  1. إما أن ينوي أن يرفع الحدث، مقصودُه فقط أن يرفع الحدث.
  2. أن يتوضأ لما تجبُ له الطهارة كالصلاة ومس المصحف، أو الطواف على رأي الجمهور.
  3. أن ينويَ لما تُسنُّ له الطهارة، مثلُ الوُضوء قبل النوم.

فهنا يرتفعُ حدثُهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [والنيةُ شرطٌ لجميع الاعمال من طهارة وغيرها، لقوله ﷺ: “إنما الاعمال بالنيات، وإنما لكل إمرى ما نوى” متفق عليه]

الشرح/

النيةٌ شرط كما ذكر رحمه الله، ومحلُّها القلب، والتلفظُ بها بدعة، سواءٌ كان هذا التلفظُ جهراً أو كان سِرًّا؛ خلافاً لبعض فقهاء الحنابلة الذين يُجَوِّزون أن يَنطُقَ بها سِرًّا، وقد رَدَّ عليهم شيخُ الإسلام رحمه الله، فالنطقُ بها في تلك الحالتين الجهر أو السر بدعة، لمَ؟

لأن هذا لم يُنقل عن النبي ﷺ ولا عن صحابته الكرام رضي الله عنهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وإذا كانت النيةُ شرطاً فإنه يجب أن تتقدم الوُضوء وأن تستمرَّ معه إلى أن يفرُغَ منه:

فإنه لو نوى ثم في أثناءِ الوُضوء قَطَعَ هذه النية بَطَلَ وضوؤه،

ولذا قال الفقهاء رحمهم الله إن النية تُنَزَّلُ على حالات:

الحالةُ الأولى/ أن يستصحب ذِكرَها بحيث لا تغيبُ عن خاطرِه، فهو من حين ما ابتدأ        الوضوء والنيةُ حاضرةٌ معه متذكراً لها إلى أن فَرَغَ مِن الوُضوء،

 فهذا ما يُسمى باستصحاب ذِكْر النية،

 وهذا سُنَّة ليس بواجب،

 وذلك لأن استشعارَ الإنسان عند كل عضو يغسِلُه أنه في وُضوء يُثابُ عليه، لأنه متذكرا لهذه العبادة التي أُمِرَ بها،

ولذا ينبغي له -مما يؤكد السُنِّيّة- ينبغي أن يتذكرَ حالَ وضوئه أنه يمتثل أمْرَ الشرع،

 وأنه يتأسى بالنبي ﷺ، وأن خطاياه تتناثرُ منه مع آخِرِ قَطْرِ الماء كما جاءت بذلك الأحاديث، فإذا تذكر هذه الأشياء التي ذكرتُها ألا يكون مستصحباً لذكر النية؟ بلى.

 

الحالة الثانية/ أن يستصحبَ حُكمَها، وفَرْقٌ بين العبارتين، الأولى أن يستصحبَ ذِكْرَها، وهنا أن يستصحبَ حُكمَها، بمعنى: أنها قد غابت عن خاطره، لكنه يعلمُ أنه في وضوء، ولذا لو سئل: ماذا تصنع يا فلان؟ لقال: أتوضأ، فهذا حكمه واجب، واجبٌ عليه أن يستصحبَ حُكمَها.

 

الحالةُ الثالثة/ أن يزولَ عنه استصحابُ حكمِها، بمعنى: أنه قطَعَ نيّةَ الوُضوء، فهذا لو شاء أن يُكمِلَ وضوءَه، نقول له: يجب عليك أن تستأنفَ لأن ما مضى قد قطعته.

 

الحالة الرابعة/ أن ينويَ قَطْعَ النيّة بعد الفراغِ مِن الوضوء، بمعنى: أنه لما فرغ من الوضوء قال: قطعتُ نيّة الوضوء، فهنا: لا أثرَ لهذه النيّة، لأن العمل قد انتهى وفرغ منه، والنبي ﷺ قال (إنما الأعمال بالنيات) هل هناك عمل؟ هل هناك وضوء؟

ليس هناك وضوء، إذاً لا أثر لهذه النية.

وهذه الاحوال نَزِّلْها على سائر العبادات كالصلاةِ ونحوها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

قال المصنف رحمه الله: ثمّ يقول ” بسم الله “

الشرح:

البسملة اختلف العلماءُ في وجوبها، فبعضهم يرى أنها واجبة لقول النبي ﷺ ” لا وضوءَ لمن لم يذكر اسمَ الله عليه” وهذا هو رأي الحنابلة: أنها واجبه مع الذكر.

وأما الجمهور: فيرون أنها سنة، وذلك لأن الحديث الوارد المذكور آنفاً فيه ضَعف،

وهناك قاعدة وهي: [أن الحديث إذا جاء في سياق الأمر وفيه شيءٌ مِن الضعف، ليس ضَعفا شديدا، يُنَزّل بين منزلتين، وهي منزلة الاستحباب، فلا يقال بأنه مباح، ولا يقال بأنه واجب وإنما بين الواجب والمباح وهو الاستحباب،

وكذلك لو كان الحديثُ واردا في سياق النهي فإنه لا يكون في جانب التحريم ولا في جانب المباح، إنما يكون في جانب المكروه،

ولذا فالجمهور يرون أن الحديث فيه ضعف.

والذي ينبغي للمسلم: ألا يدع التسمية.

 

وهل يزيد عليها (الرحمن الرحيم)؟

موضع خلاف أيضا، والذي يظهر أنه يقتصر على الوارد، والوارد البسملة: ” بسم الله “.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

ثم قال المصنف رحمه الله: (ويغسل كفيه ثلاثاً)

الشرح:

غَسْلُ الكفين سُنّة قبل الوُضوء ليس واجبا، وذلك لأن الآيةَ، وهي آية الوضوء في سورة المائدة لم تذكر غَسْلَ الكفين، والآيةُ إنما ذَكرت الفروضَ والواجبات،

ولذا يَعضُدُ رأيَ الجمهور بأن قول (بسم الله) سنة أنها لم تُذكر في الآية.

 

ولكن هناك حالةٌ يجب فيها غَسْلُ الكفين على القول الراجح وهي:

إذا استيقظ من نوم الليل، فإنه يجبُ عليه قبل أن يدخلَهما في الإناء أن يغسِلَ كفّيه ثلاث مرات، لما جاء في صحيح مسلم وعند البخاري بنحوه قال ﷺ:

” إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ “

إذًا/ غَسْلُ الكَفّين سُنّة، ولا يجب إلّا عند الاستيقاظ من نوم الليل.

 

والكف: من أطراف الأصابع إلى الرُّسغ.

والرُّسغ هو: [ما بين عظْم الكوع وعظم الكرسوع] ما بينهما يسمى رُسغًا.

فالعظم الذي يلي إبهامَ اليد يسمى (كوعا)

والعظم الذي يلي خنصر اليد يسمى (كرسوعا)

وأما (البوع) فهو العظم الذي يلي إبهام القدم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله:( ثمّ يتمضمض)

الشرح/ والمضمضة هي (إدارةُ الماء في الفم)

فإذا كان الماء الذي في الفم قليلاً: فإن الواجبَ فيه أن يُديرَ الماء في فمه أدنى إدارة.

وأما إذا كان الماء الذي في فمه كثيراً: فلا تلزم الإدارة،

وذلك لأنه إذا كان كثيراَ فقد استوعب الفم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [ويستنشق ثلاثاً بثلاث غَرَفات]

الشرح/ الاستنشاق هو: جذْبُ الماء بالنَّفَس إلى الخيشوم،

والواجبُ فيه: أن يصِلَ الماءُ إلى أنفِه مِن الداخل لقول النبي ﷺ: ” ثم ليجعل في أنفه ماءً “

والسنة كما ذكر رحمه الله (أن تكون بثلاث غَرَفَات)

 بمعنى: أنه يجمع بين المضمضة والاستنشاق بغَرفَة واحدة،

فيجعل في كفِّه ماءً، ثم يجعل جزءً من هذا الماء الذي في كفه في فمه، والجزء المتبقي في أنفه،

فلا يفصل بين المضمضة والاستنشاق، وإنما يأخذ الماء في كفه،

يبدأ من الفم ثم يرفع كفَّه إلى أنفه، هذه مرة، ثم يأخذ غَرفَةً أخرى هكذا ثم الثالثة،

وهذا هو الواردُ عن النبي ﷺ فيما صح عنه،

ولها أوجه متعددة في السنة ليس هذا المقام مقام طرحها،

ولكن الفصل بين المضمضة والاستنشاق ما ورد فيها إلا حديثٌ ضعيف كما قال ابن القيم رحمه الله:

 لم يصح عن النبي ﷺ حديثٌ في الفصل بين المضمضة والاستنشاق،

 لأن البعضَ يأخذُ ماءً فيتمضمض ثلاث مرات، ثم يأخذ ماءً فيستنشق ثلاث مرات، هذا الفعل صحيح،

 لا شك أنه صحيح وأنه مُجزئ ولكنه ليس هو السنة، السنة كما قلنا:

أن يجمعَ بين المضمضة والاستنشاق بغَرفَةٍ واحدة.

ــــــــــــــــــــــ

 

والسنة إذا تمضمض واستنشق أن يُخرِجَ ما في فمه وأنفه:

ويُعفَى عما عَلَق بالأسنان من بقايا الطعام إذا كان يسيرًا، وكذلك ما يكونُ في الأنف مما هو يسير.

ــــــــــــــــــــــ

والسنةُ أن يبالغ في المضمضة والاستنشاق:

وقد جاء في السنن من حديث لقيط بن صَبِرَة

” وبَالِغْ في الاستِنشاقِ إلَّا أن تَكونَ صائمًا “

ووردت رواية عند غير أهل السنن: ” بالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائماً “

هناك رواية بزيادة (المضمضة)

فالسنة في المضمضة والاستنشاق أن يبالغ فيهما المسلم.

فالمبالغة في المضمضة: أن يدير الماء في فمه، وأن يكرر إدارتَه،

 وإن أدْخَلَ أصبعه في فمه فهذا شيءٌ حسن، قد ثبت هذا عن النبي ﷺ مِن فِعلِه.

 

وأما المبالغة في الاستنشاق: أن يَجذِبَ بِنَفَسِه الماء إلى أقصى خَيشومه،

ولكن إن كان به مرض حساسية أو ما شابه ذلك فقد يَحتقن الأنف،

 فإن الشرع جاء بالتخفيف في مثل هذا، فلا يَضُر الإنسان نَفْسَه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والمضمضة والاستنشاق واجبان على القول الصحيح

وذلك لأن الله جل وعلا قال في آية الوُضوء: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6]

ومعلومٌ أن مِن ضمن الوجه (الفم والأنف) فهما مِن الوجه في الظاهر،

 ولذا يجوز للصائم أن يتمضمضَ وأن يستنشقَ،

فدل على أن الفم والأنف من الخارج، إذ لو كان مِن الداخل لَبَطَلَ صومُه.

 

وقد واظب على ذلك النبيُّ ﷺ وقال ﷺ كما في سنن أبي داود: ” إذا توضأت فمضمض ” (أمْر)

ــــــــــــــــــــ

والسنة في الاستنشاق: أنه إذا استنشق استنثر، لقول النبي ﷺ كما عند البخاري وغيره:

” إذا توضأ أحدكم فليستنثر “

والسنة في هذا الاستنثار أن يكون بيده اليسرى: كما ثبت من فِعله ﷺ كما عند النسائي.

 

وهذا الاستنشاق في الوُضوء يُغني عن الاستنشاق الواجب عند الاستيقاظِ مِن النوم:

فإن النبي ﷺ قال كما في الصحيحين:

” إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثَ مرات؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيشومِه “

 

فإنه لو استيقظ من النوم مريداَ للوُضوء

 فإن استنشاق الوُضوء يُغني عن الاستنشاق الواجب بعد القيام من نوم الليل لرواية البخاري:

” إذا اسْتَيْقَظَ أحَدُكُمْ مِن منامه فَتَوَضَّأَ، فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاثًا؛ فإنَّ الشَّيْطانَ يَبِيتُ علَى خَيْشُومِهِ “.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [ ثمّ يغسل وجهه ثلاثاً ]

الشرح/ غسْلُ الوجه فرْضٌ مِن فروضِ الوُضوء، لأن الآية نصت على ذلك في سورة المائدة

والتنصيص على الثلاث هو السنة: وإلا فإن الغسلة الواحدة كافية،

 كما أن المضمضة والاستنشاق يحصلُ الإجزاء بواحدة، لكن الأولى والأكمل أن تكون ثلاثاً.

 

والمقصود من الغَسْلَة: [هو تعميم العضو بالماء، بقطع النظر عن عدد الغَرَفات]

فلو أخذتَ ماءً بكفَّيك فغسلتَ مثلاً الجزءَ الأيمن من الوجه،

ثم أخذتَ غَرفةً أخرى فغسلتَ الأوسطَ مِن الوجه،

 ثم أخذتَ غَرفةً أخرى فغسلتَ الجانبَ الأيسرَ مِن الوجه،

 حَصَلَ تعميمٌ للعضو، فتُعَدُّ غسلة واحدة، فالمراد مِن الغَسلَة:

ليس عدد الغرفات وإنما تعميم العضو بالماء بقطع النظر عن عدد الغرفات،

 فإذا حصل مثلُ هذا تُعَدُّ غَسلة واحدة،

فإن عمم الوجهَ مرةً أخرى بغَرفةٍ أو بأكثر تُعد غَسلةً ثانية، وهلمّ جَرًّا،

وهذا ضابطٌ في غَسْلِ اليدين والقدمين كما هو ضابطٌ في غَسْلِ الوجه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

والوجهُ مِن حيثُ تحديده

طولاً: من مُنحنى الجبهة إلى ما نزل مِن الذقن وشعر اللحية، فشعرُ اللحية داخِلٌ ضِمْنَ الوجه.

وتحديده عرضا: من الأذن إلى الأذن.

وهذا البياض الذي يكون بين شعر اللحية وبين الأذُن، هذا من الوجه:

ولذا السنة أن يُقبِلَ بإبهاميه إذا غَسَل وجهَه مما يلي أذُنَيه،

بمعنى: أن الإبهامين يكونان أثناء غسل الوجه، يكون الإبهامان في هذا البياض،

 لورود ذلك في سنن أبي داود من فعله ﷺ إذ قال: ” أقبَل بإبهاميه مما يلي أذنيه لما غسل وجهه “

فهذا البياض الذي لم ينبُت فيه شعر، هذا يُعد من الوجه.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

والسنة أن يَضربَ بوجهه الماء

خلافاً لمن أنكر هذه السنية، السنة أن يضرب بوجهه الماء فعند أبي داود:

” أدخل يديه في الإناءِ جميعًا فأخذ بهما حِفنةً من ماءٍ فضرب بها على وجهِه

 

وفي رواية أحمد: ” فغسَلَ يديْهِ وتمضمَضَ واستنشقَ ثمَّ أخَذَ بيدِهِ فصكَّ بهما وجهَهُ

بمعنى: أن يُحدِثَ صوتاً،

 فهذا ثابتٌ في المسند والسنن، أن يضرب الماء في وجهه إذا غَسَلَ وَجهَه.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

وشعر اللحية من الوجه

لماذا قلنا إن شعرَ اللحية من الوجه؟

لأن شعرَ اللحية مما يُواجِهُ به الإنسان مَن هو أمامَه.

 

فإن كانت له لِحيةٌ كثيفة قد غطت البشرة: فإن الواجبَ أن يغسل ما ظهر منها، ليغسِلَ الظاهرَ فقط.

وأما إذا أراد الأفضل: فالأفضل أن يُخَلِّلَ لحيتَه.

 

وأما إن كانت اللحيةُ قليلةً تظهَرُ منها البشرة:

فإن الواجبَ أن يغسِلَ الشعرَ والبشرةَ معا، لأن البشرةَ والشعرَ مما تحصُلُ بهما المواجهة.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

والسنة له إذا كان في مآقيه (وهو مسيل الدمع) إذا كان فيهما شيء مِن وَسَخ:

أن يزيلَهما وأن يتعاهدهما كما ثبت في سنن أبي داود.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

والسنة كما ثبت من حديث علي رضي الله عنه في السنن:

 إذا غَسَلَ وجهَه أن يصب على ناصيته غَرفَةً مِن ماء حتى يسيلَ الماءُ على وجهِه،

مبالغةً في تنظيفه.

وهذه مُختلف فيها بين العلماء، هل هذه من بين الثلاث الغَرفات أو أنها مستقلة؟

ولكن الأولى أن تكون ضمن الغرفات الثلاث للنهي عن الزيادة عن الثلاث كما سيأتي.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله:( ويديه مع المرفقين ثلاثاً)

الشرح/ اليد حدُّها مِن أطراف الأصابع إلى المرفق

وهنا يحصُلُ خطأٌ فاحش من البعض ويقع فيه كثيرٌ مِن عوام الناس، ويجب أن يُنَبّهوا عليه

وهو: أنهم إذا وصلوا إلى غَسْل اليدين وهم قد غَسَلوا أكُفّهم في أولِ الوُضوء، أنهم لا يغسلون مِن أطراف أصابع اليد وإنما يغسلون من الرُّسُغ، باعتبار -على ظنّهم- أنهم غسلوا الكفين مِن قبل! وهذا خطأ!

لأن غَسْلَ الكفّين في أول الوُضوء سُنّة، بينما غَسْلُها هنا فرض مِن فروض الوُضوء.

إذًا/ الواجب عليه أنه إذا وصَلَ إلى غَسْل اليدين: أن يبدأ من أطراف أصابع اليد إلى المرفق.

 

وعليه أن يتعاهدَ ما نَزَلَ مِن يده من الخلف قبل المِرفَق، في موطن منخفض من اليد:

فالبعض من الناس يُسرِع، فأحياناً لا يُصيبُه الماء!

فلْيتعاهد هذا الموطن،

 لأن البعض قد يغسِل يدَيه ثم لا يُصيب الماء هذا الموطِن أو لا يُصيب شيئًا منه.

ولذا النبي ﷺ كان يدلك ذراعه في الوضوء.

ولكن المعاهدة لا يلزم منها الوسوسة!

 لأن البعض قد يُسرِف ويُجازف في هذا الأمر، فيُفضي به الأمر إلى الوسواس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والمؤلف رحمه الله هنا نص فقال: [غسل اليدين مع المرفقين]

 والآية: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ} [المائدة:6] فتكون (إلى) بمعنى (مع) المرافق، ما الذي أدرانا؟

ج/ فِعلُ النبي ﷺ فإنه كما في صحيح مسلم: ” لما غسل يدَه أشرَع في العَضُد “

بمعنى: أنه أدخَل المِرفَقَ، مبتدأً بغسل شيءٍ من العضد،

 وفي حديث آخَر يحسنه بعض العلماء كالألباني رحمه الله أن النبي ﷺ: ” أدارَ الماء على مرفقيه “

وما في صحيح مسلم يعضُد هذا الحديث.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وعليه أن يتعاهدَ باطن كفيه أيضا

والسنة له أن يخلل أصابع كفيه: حتى يتيقّنَ من وصول الماء لقول النبي ﷺ:

” وخَلِّلْ بيْنَ الأصابِعِ ” لكن ليس بواجب لمَ؟

لأن الماء سيّال، فيَصِلُ إلى هذه المواطن، لكن من باب السنية يتعاهد ما بين الأصابع بالتخليل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

والسنة له أن يُقَدِّمَ اليد اليمنى على اليسرى

لكن لو قدم يده اليسرى على الأيمن أجزأ، والدليل على الجواز أن الآيةَ أطلقَت، قال تعالى:

 {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ} ولم يقل اليمنى ثم اليسرى،

ولكن السنة أن يبدأ باليمنى، ومما يُقَوِّي هذا: حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيح:

” كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ “.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويحرم أن يزيد على ثلاث

فإن النبي ﷺ كما في سنن أبي داود وغيره لما أتاه رجل يسألُه عن الوضوء توضأ له ثلاثاً، فقال:

” هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وتعدّى وَظَلَمَ “.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ولا يُشرَع له أن يزيدَ على مَحَلِّ الفرض

فإذا غَسَلَ يدَيَه فلا يغسلْ العَضُدَ كلَّه، أو يُوصل الماء إلى الكتف، فإن هذا ليس من المشروع،

وإنما غسَلَ النبيُّ ﷺ يدَه حتى أشرَعَ في العضد من أجل أن يُعَمِّمَ مَحَلَّ الفرض،

ما هو محلُّ الفرض؟ المِرفق

ولا يكونُ تعميمُه إلا بِغَسْلِ جزءٍ يسيرٍ من العضد، وأما حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه:

” إنَّ أمّتي يأتون يومَ القيامة غُرًّا مُحَجَّلين مِن آثار الوُضوء، فمن استطاع منكم أن يُطيلَ غُرَّتَه فلْيَفْعَل “

 جملة: ” من استطاع منكم أن يُطيلَ غُرَّتَه فلْيَفْعَل “

هذه ليست من الحديث وإنما هي مدرجة من أبي هريرة رضي الله عنه،

ولذا كان يتأولُها رضي الله عنه، ولذا يقول ابن القيم رحمه الله:

هذا اجتهادٌ منه رضي الله عنه، ولذا كان إذا توضأ يختفي عن أعيُن الآخَرين.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [ويمسح رأسه من مقدمه الى قفاه بيديه، ثمّ يعيدهما الى المحل الذي بدأ منه مرةً واحدة]

الشرح/ مسح الرأس فرضٌ من فروض الوضوء

 

ومبتدأه من حيث الطول: مِن مُنحنى الجبهة مما يلي الرأس إلى القفا.

أما من حيث العرض: فإنه من الأذن إلى الأذن، والمقصود أن الأذنين داخلتان في ضمن مسح الرأس كما سيأتي بيانُه إن شاء الله تعالى.

فيكون هذا البياض الذي يكون أعلى الأذن مما لا ينبُتُ فيه شعرٌ: هذا من الرأس

ــــــــــــــــــ

 

ويكونُ المسح بكلتا يديه

وهذه هي السنة الواردة عند أبي داود، وأن تكون الطريقة؛ وهي صفة من صفات مسح الرأس:

أن يبدأ مِن مُقَدَّمِ رأسِه إلى قفاه (الخلف) ثم يعود مرةً أخرى إلى المقدمة.

أو/ وهي الصفة الثانية: أن يعكِسَ، كيف؟

ج/ أن يبدأ من مؤخرة الرأس إلى المقدمة، ثم يعود مرة أخرى.

كلُّ هذا ثابت عن النبي ﷺ

وطريقة هذه الصفة سُنّة ليست واجبة، إنما الواجب المسحُ بأيِّ طريقةٍ كانت، بيدٍ واحدة أو بيَدَين تجزئ، ولذا لو أخذ ماءً ومَسَحَ رأسَه بيدٍ واحدة دون أن يبدأ بمقدمة أو بمؤخرة وإنما حرّكَ كفَّه على رأسِه حتى عمم الرأس فإنه مجزئ،

والدليل أن الآية أطلقت: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

والسُّنَّةُ أن يمسحَ كلَّ الرأس ولا يجوزُ غيرُه على القول الصحيح

خلافاً لمن قال: يُكتفى بمسح بعض الرأس، وذلك لأن الله عزوجل قال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6] فالباء هنا للإلصاق ليست للتبعيض، وقد وضحها أكثر: فِعلُ النبي ﷺ.

ولا يلزم أن يمسح كل شعرة بعينها، إنما المقصود أن يُعَمِّمَ الرأسَ بالمسح مرةً واحدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب الطهارة ـ الدرس ( 8 ) من شرح منهج السالكين (باب صفة الوضوء- الجزء الثاني)

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [ ثمّ يدخل سبابته في أذنيه، ويمسح بإبهامَيه ظاهِرَهما]

الشرح/

هذه هي الواردة عن النبي ﷺ كما جاء في السنن، كسنن النَّسائي فإن هذه الصفةَ واردة عنه ﷺ

وذلك أن يدخل سبَّاحَتَي يدَيه في صِماخَي أذُنَيه، ويمسح بإبهامَيه ظاهِرَهُما،

ولو مسَحَ بأيِّ صفةٍ أجزء، ولكن السنة ما ذُكِرَ هنا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [ ثمّ يغسل رجليه مع الكعبين ثلاثاً، ثلاثا]

الشرح/

السنةُ أن يبدأ بغسل القدمين من أطراف الأصابع ثم يكون الانتهاء إلى الكعبين، لقوله تعالى:

{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] فدل على أن الابتداء من الأصابع والانتهاء إلى الكعبين،

 ولو خالف فبدأ بالمؤخرة قبل المقدمة أجزأ هذا، ولكن السنة ما ذُكِر.

 

ويُراعي في ذلك الكعبين وباطن القدمين

فقد جاء في الصحيحين قول النبي ﷺ: ” ويل للأعقاب من النار”

وفي زيادة في المسند: “وبطونِ الأقدام من النار”

وقال ﷺ عند مسلم: ” وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ “

ــــــــــــــــــــــــ

والسنةُ كما في حديث المستورِد رضي الله عنه أن يُخلل أصابعَ قدَميه بخنصره

والخنصر هو: أول الأصابع، وهو الصغيرُ منها، فالسنةُ أن يخلل أصابعَ قدَميه بهذا الأصبع.

والتخليلُ ليس واجبًا: وذلك لأن الماءَ سيّال بِطَبْعِه، فَيَصِل إلى هذه المواطِن، لكن من باب التأكيد على الإسباغ عليه أن يُراعيَ هذه السُّنَّة.

ــــــــــــــــــــــــ

ويكونُ الغَسْلُ مع الكعبين

فالآية أطلقت فقال تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ} فلها مبتدأ ومنتهى، فالمنتهى: إلى الكعبين

لكن (إلى) بمعنى (مع) والذي أخرجَها من هذا المعنى (وهو معنى الانتهاء) أخرَجَها الدليل،

الدليل: ما جاء في صحيح مسلم أن النبي ﷺ ” غسَلَ قدَمَيه حتى أشرَعَ في الساق “

 وليس معنى شروعِه في الساق أن الإنسان يُبالغ إلى أن يرتقيَ بالغَسل إلى أنصاف الساقين أو إلى ركبتيه! ليس هذا هو المعنى

 وإنما أشرع في الساق عليه الصلاة والسلام من باب استيعاب الواجب في محل الفرض،

 من باب أن يستوعب الكعبين في غَسْلِ القدمَين.

والكعبان: هما العظمان الناتئان في مؤخرة القدم،

ولذلك كان الصحابةُ رضي الله عنهم كما جاء عند البخاري: ” يُلزِقُ أحدُهم كعبَه بكعب صاحبه “

فدل على أن الكعبَ في المؤخرة،

ليس كما زعمته الرافضة من أن الكعب ما تكعّب وارتفع في أول القدم! فهم يجعلون ما يلي أصابع القدمين من هذا المرتفع يجعلونه كعبا!

 مع أنهم لا يرون الغَسْل وإنما يرون المسح! يمسحون إلى ما تكعب وعلا في مقدمة القدم!

وهذا ضلالٌ مبين، إذ لو كان المقصود من الكعب هذا، لقال عزوجل (وأرجلَكم إلى الكعاب) كما قال في اليدين {وأيديكم إلى المرافق} فلما تغيّر التعبير والأسلوب في قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ} وفي الأرجل: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ} دل على أن في كلِّ قدم كعبَين، وأن في كل يد مِرفَقًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [ وهذا أكملُ الوضوء الذى فعله النبي ﷺ،

والفرض من ذلك: أن يغسلها مرة واحدة]

الشرح/ هذا هو الواجب، فأعضاءُ الوُضوء أربعة وهي فروضُه:

  1. غَسْلُ الوجه مع المضمضة والاستنشاق.
  2. غَسْلُ اليدين.
  3. مَسْحُ الرأس.
  4. غَسْلُ القدمين.

المغسول من هذه الأعضاء إن اقتصر على غسلِها مرةً واحدة أجزأ، ما الدليل؟

الدليل: الآية، فالآيةُ أطلَقَت، والإطلاق في النصوص الشرعية كما هو مقرر في أصول الفقه الإطلاق: لا يقتضي أكثر من مرة، فالإطلاق يصدُقُ على مرةٍ واحد فقد قال تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] ولم يذكر عددا.

 

الدليل الثاني: فِعل النبي ﷺ، فقد ثبت في الصحاح أنه عليه الصلاة والسلام توضأ ثلاثاً ثلاثا وتوضأ اثنتين اثنتين، وتوضأ مرةً مرة، وتوضأ مرةً فَغَسَلَ الوجهَ ثلاثا واليدين مرتين والقدمين مرة واحدة

فلو نوَّع الإنسان مرةً ومرة، ويكونُ أغلبُ أحوالِه أن يجعلَها ثلاثا، فهذا هو الأفضل،

لكن الأكمل كما قال الماتن رحمه الله: الأكمل أن يأتي بالثلاث.

 

والغَسْلَةُ ما هي؟

تعميمُ العضو بالماء بقطع النظر عن عدد الغرفات، أهمُّ شي أن يستوعِبَ الماءُ محَلَّ الفرض، بِغَرفَة أو غَرفَتَين أو ثلاث أو عشر، هذه الغَسْلَة الواحدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [وأن يرتبها على ما ذكره الله بقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} المائدة 6]

الشرح: هذا هو الفرض الثاني الذي يلزم المسلمَ أن يأتيَ به في الوُضوء، ما هو؟

أن يرتبَ أعضاء الوضوء الأربعة كما رتبها اللهُ عز وجل:

أولا/ الوجه.

ثانيا/ اليدان.

ثالثا/ الرأس.

رابعا/ القدمان.

والدليل على وجوب الترتيب: الآية

فإن الآيةَ رتبت، وذلك لأنه أدخل ممسوحاً بين مغسولات فدل هذا على وجوب الترتيب، لمَ؟

لأن مقتضى البلاغة أن تكون المغسولات سرداً دون أن يفصل بينهن بفاصل، فلما فصل بين المغسولات التي هي من جنس واحد، لما فصل بينها بجنس آخر، الفرضُ فيه المسح، وهو مسح الرأس، دل على وجوب الترتيب

وأكّد هذا فِعلُ النبي ﷺ فإنه ما قدَّمَ عضوًا على آخَر.

 

لكن الترتيب ليس في فروع هذه الأعضاء، وإنما في الأعضاء ذاتِها ما هي هذه الأعضاء؟

الوجه اليدان الرأس القدمان.

لكن الترتيب بين فروعها أو أجزائها ليس واجبا

فالوجه له أجزاء: الفم والأنف، فلو أنه ابتدأ بغسل الوجه ثم أعقب ذلك بالمضمضة والاستنشاق صح الوضوء، لكن الأولى والأفضل أن تكون المضمضةُ ثم الاستنشاق ثم غسْلُ الوجه.

 

اليدان لهما فروع: اليمنى واليسرى، فلو أنه غَسَلَ يدَه اليسرى قبل أن يغسل يدَه اليمنى صح وضوؤه، لكن الأولى أن تُقدمُ اليمينُ على اليسار.

 

الرأسُ له فروع وهي: الأذنان، ولذا جاء في حديث فيه مقال بين العلماء (الأذنان من الرأس)

كما جاء في سنن أبي داود وغيرِه، ومَن يُضعفه من العلماء يقول: لأن مسْحَ الأذنين سُنّة ليس فرضا، فلو أنه مسَحَ الرأسَ فقط ولم يمسح مع الرأس الأذنين صح وضوؤه لمَ؟!

قال: لأنه ليس هناك دليلٌ يُوجِبُ مَسْحَ الأذنين، إذ إن الأذنين لم يدل دليلٌ على أنها من الرأس (هذا على من يقول بتضعيف الحديث)

أما من يقول بتحسين الحديث: فإن المسحَ فرض.

وممن كان يصححه: الألباني رحمه الله ثم تراجع فضعفه، وضعفه غيرُه، ولكن الناظر في النصوص الأخرى التي جاءت بفضل الوضوء وما يكونُ للمسلم من حسنات وتكفير للذنوب من جرّاءِ الوُضوء يُوجِبُ ويُوقِنُ بأن الإذنين من الرأس، فقد صح عن النبي ﷺ أنه لما ذَكَر فضْلَ الوضوء وأنه يَحُطُّ الخطايا وأن الذنوبَ تخرُجُ مع آخِرِ قَطْرِ الماء، قال:

” فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ

فدل على أن الأذنين من الرأس،

 فلو مسح الأذنين قبل أن يمسحَ الرأس صح وضوؤه، لكن الأكمل أن يبدأ بالرأس ثم الأذنين.

 

القدمان لهما فروع: اليمنى واليسرى، فلو غسَلَ قدَمَه اليسرى قبل اليمنى صح وضوؤه لكن الأكمل كما سلف أن يبدأ باليمين، لقول عائشةَ رضي الله عنها كما في الصحيحين:

” كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ “.

فلما ذكرت الطُّهور دل على أن التيامُن سُنّة وليس بواجب، ولأن الآيةَ أطلَقَت:

 {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ} ولم يذكر يمنى ولا يسرى،

وقد قال النبي ﷺ كما عند أبي داود لما أتاه ذلك الأعرابي ليسألَه عن الوُضوء قال:

” توضأْ كما أمَرَكَ اللهُ “.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [ وأن لا يفصل بينهما بفاصل كثير عُرفًا، بحيث ينبني بعضُه على بعض، وكذا كلُّ ما اشتُرِطَت له الموالاة ]

الشرح/ هذا هو الفرض السادس من فروض الوُضوء وهو: الموالاة.

ما هو الفرض الأول؟

 الوجه، ثم الثاني: اليدان، ثم الفرض الثالث: الرأس،

الرابع: القدمان، الخامس: الترتيب، السادس: الموالاة.

 

ما هي الموالاة؟

قال هنا: [ ألا يفصل بينهما بفاصل كثير عُرفًا، بحيث ينبني بعضُه على بعض]

يتضح هذا بالمثال: لو غَسَلَ وجهَه فلا يتأخر عن غَسْلِ يدَيه حتى ينشَفَ ماءُ وجهِه، إذا كان في زمنٍ معتدل ليس في الشتاء ولا في الصيف

فلو خالف ونشَفَ الماءُ الذي في الوجه مثلًا ثم غسَلَ يدَيه فإن وضوءَه لا يصح، لم؟

لأنه ترك الموالاة.

إذًا/ ألا يؤخرَ غَسْلَ عضوٍ إلى أن يَنشَفَ العضو الذي قبلَه بزمَنٍ معتدل،

فلو أنه مسَحَ رأسَه بعدما نَشَفَ الماءُ الذي في اليدَين: لا يصح الوُضوء، لكن قلنا في زمنٍ معتدل وذلك لأن بعضَ الأزمان كزمن الشتاء يمكن أن يبقى الماء طويلا، وإذا كان في فصل الصيف وفي شدة الحرارة وهُبوب الرياح يمكن أن ينشَفَ الماءُ بأسرَعِ ما يكون، فهنا لا بد من الاعتدال.

ـــــــــــــ

وخالف بعضُ العلماء فقال: إن الموالاة سُنّة ليست واجبة لأن النبي ﷺ كما في صحيح مسلم لما رأى رجلا وفي قدمه لُمعة لم يصِبْها الماء قال:

” ارْجِعْ فأحْسِنْ وُضُوءَكَ “

فهذا يدلُّ على أن هذا الرجلَ قد فصَلَ بين أعضائه بزمن،

 ولكن يُقال: بأن رواية أحمد تدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام أمَرَ بإعادة الوضوء والصلاة؛ فلا تعارُضَ بينهما، لمَ؟

لأن راويةَ أحمد تدل على أن الفاصلَ كان طويلًا،

وأما روايةُ مسلم تدل على أن الفاصلَ كان يسيرًا.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ