الدرس ( 10 ) شرح منهج السالكين ( باب المسح على الخفين والجبيرة الجزء الثاني)

الدرس ( 10 ) شرح منهج السالكين ( باب المسح على الخفين والجبيرة الجزء الثاني)

مشاهدات: 584

 شرح كتاب ( منهج السالكين ) ـ كتاب الطهارة الدرس ( 10 )

من باب المسح على الخفين حتى كتاب الصلاة

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

باب المسح على الخفين

المسح على الخفين ، هذا ما عليه أهل السنة والجماعة خلافا للروافض الذين لا يرون المسح على الخفين ، ولا يرون غسل القدمين ، إنما يرون أن تُمسح القدم بالماء وهي مكشوفة على أعلى القدم ، وما ذهبوا إليه هو خلاف صريح كلام الله سبحانه وتعالى وخلاف صريح السنة المطهرة ، ولا اعتداد بخلافهم ولا بشذوذهم.

 

قال المؤلف رحمه الله :

( فإن كان عليه خُفَّان ونحوهما مسح عليهما إن شاء :يوما وليلة للمقيم,وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر )

الخفان يُمسح عليهما ، قال رحمه الله ( ونحوهما ) يعني الجوارب ، والخف : ما كان مصنوعا من جِلد ، وأما ما صُنع من غير ذلك فإنه يسمى جوربا ، ولذلك الشُرَّاب الذي نلبسه يسمى جوربا .

والصحيح من قولي العلماء : أن الجورب يُمسح عليه كما يسمح على الخف ولا فرق بين هذا ولا هذا ، خلافا لمن منع المسح على الجوارب لعدم صحة الأدلة عنده ، ولكن الصواب أن الأدلة صحيحة وصريحة وثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن على قدميه خفان أو نحوهما فإنه يمسح .

والمسح يكون من بعد الحدث ، فيحسب المقيم يوما وليلة ، يعني[ أربعا وعشرين ساعة ] ويحسب المسافر ثلاثة أيام بلياليهن ، يعني [ اثنتين وسبعين ساعة ] وبداية مدة المسح: من المسح الذي يكون بعد الحدث ، فلو أن المسلم توضأ فلبس خفيه ثم أحدث ثم توضأ ، البداية تكون من هذا الوضوء الثاني ، فلو أنه لبس الجورب أو الخف الساعة[ الخامسة فجرا ، ثم أحدث في الساعة التاسعة صباحا ثم مسح في الساعة الثانية عشرة ظهرا ] فإن المسح يبدأ من الساعة الثانية عشرة ظهرا إلى الساعة الثانية عشر التي تأتي من اليوم التالي .

مَسْحَ عَلَيْهِمَا إِنْ شَاءَ ( )

1- يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ – وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهنَّ لِلْمُسَافِرِ.

 

ويدل لهذا ما جاء في صحيح مسلم من حديث علي رضي الله عنه ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : يمسح المقيم يوما وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن ) .

وحديث علي رضي الله عنه هذا يرد على الروافض لأنهم يرون أن أعظم الأئمة عندهم هو علي رضي الله عنه ، ومع ذلك علي رضي الله عنه روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأخذوا به ، فدل على أنهم خالفوا أعظم أئمتهم، وهذا يدل على خُبث طريقتهم وسلوكهم .

قال المؤلف رحمه الله :

( بشرط أن يلبسهما على طهارة  )

إذا أراد أن يمسح على الخفين أو الجوربين يلزم أن يلبسهما بعد طهارة ، فلو لبسهما على غير طهارة فإن المسح غير صحيح ، ومن ثَمَّ فإن صلاته غير صحيحة ، فلابد أن يكون بعد طهارة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( لما أهوى المغيرة لخلع خفيه قال : دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) .

( ولا يمسحهما إلا في الحدث الأصغر )

المسح لا يكون إلا في الحدث الأصغر ، فلا يكون في الحدث الأكبر ، بمعنى أنه لو كان عليه الخفان ثم أحدث حدثا أكبر كأن يُجنب ، فإنه لو شاء أن يغسل جميع بدنه وقال القدمان مستورتان بالجورب فأنا أمسح عليهما ، نقول : هذا المسح لا يصح لأنه مسح في الحدث الأكبر وإنما المسح المجزئ يكون في الحدث الأصغر .

( عن أنس مرفوعاً “إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما وليصل فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة” رواه الحاكم وصححه ) .

فهذا دليل يدل على ما ذُكر من اشتراط الطهارة في المسح على الخفين ، ومن اشتراط صحة المسح في الحدث الأصغر دون الحدث الأكبر . وإذا قال الراوي ( مرفوعا ) فمقصوده : أن هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فليس من قول الصحابي ، وإنما هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم  ( فإن كان على أعضاء وضوئه جبيرة على كسر، أو دواء على جرح، ويضره الغسل : مسحه بالماء في الحدث الأكبر والأصغر حتى يبرأ ) .

لما ذكر المصنف رحمه الله ما يتعلق بالمسح على الخفين ، ذكر ما يتعلق بالجبيرة ، والجبيرة : هي عبارة عن أعواد ويُلف عليها بخرقة على العضو المكسور ، وهي تسمى ( كسيرة ) لكنها سُمِّيت ( جبيرة ) من باب التفاؤل بأن يجبر الله سبحانه وتعالى كسر هذا الكسير .

فالجبيرة تأتي فجأة ، ويدخل ضمنها ما يسمى بـ [ الجبس ] الذي يوضع في المستشفيات .

فإن هذه الجبيرة تأتي فجأة ومن ثم لا يشترط لها طهارة  , ويكون المسح عليها في الحدث الأصغر وفي الحدث الأكبر ,ويكون المسح عليها من جميع الجوانب دون جهة ، وإنما من جميع جوانبها ، فلا يدع شيئا منها .

ومما يدل على صحة المسح على الجبائر ، قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لما كان هناك رجل بين طائفة من أصحابه فأجنب وكان قد أصابه جرح ، فسألهم هل يجدون له رخصة في التيمم ؟ قالوا : لا ، فاغتسل فأثَّر فيه هذا الغسل فمات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : شفاء العي السؤال ، وإنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جُرحه خِرقة ، ثم  يمسح عليها ) وهناك حديث عن علي رضي الله عنه يؤكد ويقرر هذا .

قوله ( أو دواء على جرح ) كذلك ما يشبه الجبائر : الدواء الذي يكون على الجروح ، فإن الجبيرة إذا لم يتمكن الإنسان من خلعها أو خاف بخلعها الضرر ، وكذلك الجرح الذي يكون عليه دواء لو أزال الدواء لتأثر بالغسل ، فهنا يمكن أن يمسح على هذا الجرح الذي عليه دواء أو الذي عليه خِرقة ولا بأس بذلك ، أما إذا كان هذا الجرح لو أزيل عنه الدواء وغسل لم يتأثر فيلزمه أن يزيله وأن يغسله ، فالقضية متعلقة بالمشقة من عدمها .

قال المؤلف رحمه الله : أ

 

( وصفة مسح الخفين : أن يمسح أكثر ظاهرهما ) .

المسح على الخفين أتى رخصة وتوسعة من الشرع على المسلم ، ومن ثم فإن المسح لا يكون على جميع الجورب بخلاف الجبيرة فإنه يكون على جميعها كما أسلفنا بينما الخف يكون على ظاهره ، تكون يداه مبلولتين بالماء ثم يضع يده اليمنى على رجله اليمنى ويده اليسرى على رجله اليسرى من فوق ثم يضع يده من أطراف أصابع القدم إلى أول الساق ، يسمح الظاهر الأعلى ، أما مسح باطن الخف أو العقب فإنه لا يدل عليه دليل صحيح ولا سيما باطن القدم ، ولذلك يقول علي رضي الله عنه ( لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمح ظاهر خفيه ) ولذا لو اقتصر على مسح باطن الخف أو على العقب ولم يمسح الظاهر فإن مسحه غير صحيح .

وتكون الأصابع متفرقة أثناء المسح على ظاهر الخفين ، لورود آثار موقوفة تدل على هذا الفعل ، وهذا يدل على أن الأمر في المسح على الخفين يدل على السعة .

( وأما الجبيرة : فيمسح على جميعها ) .

أما الجبيرة فيمسح على جميعها ، لم ؟ لأنها ليست رخصة وإنما هي عزيمة ، لأنها أتت فجأة ، فلما أتت فجأة فإنها لا يشترط فيها ما يشترط في المسح على الخفين ، فإن المسح على الخفين يشترط :

أولا : [ التوقيت ] فيكون ( يوماً وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر ) بينما الجبيرة لا يشترط هذا .

ثانيا : المسح على الخفين يكون في الحدث الأصغر ، بينما المسح على الجبيرة يكون في الحدثين كليهما .

ثالثا : المسح على الخفين يكون على أكثره وعلى ظاهر الخف ، بينما الجبيرة يكون على جميع جوانبها .

رابعا : المسح على الخفين يشترط أن يكون الإنسان متطهرا ، بينما الجبيرة لا يشترط ذلك لأنها تأتي فجأة فيحتاج الإنسان بل يضطر إلى أن يعالج في حينه ولا يكون عنده وقت للوضوء .