الدرس ( 45 ) باب المسح على الخفين ( 7 )( المسح على الجبيرة ـ الجرح إن كان مكشوفا أو مستورا)

الدرس ( 45 ) باب المسح على الخفين ( 7 )( المسح على الجبيرة ـ الجرح إن كان مكشوفا أو مستورا)

مشاهدات: 484

الدرس الخامس والأربعون

من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

مسألة: تمسح كل الجبيرة أعلاها واسفلها من جميع الجهات، ويشترط فيها ألا تتجاوز قدر الحاجة فإن ستر شيء قريب منها لا يحتاج إليه في شدها فيجب نزعها إلا ان ترتب على النزع ضرر فيبقيها ويتيمم لهذا الزائد على أقرب القولين

الشرح: هذه المسألة تتعلق بالجبيرة، والفقهاء إذا ذكروا المسح على الخفين وعلى العمامة أدرجوا ضِمنا أحكام المسح على الجبيرة

والجبيرة: هي التي توضع من أعواد على الكسر ليلتئم، فهي عبارة عن أعواد توضع على العظم المكسور وتلف بلفافة ليلتئم ويجبُرَ هذا الكسر.

 وهم يعبرون عنها بالجبيرة مع ان التعبير في الأصل هو التعبير بالكسيرة، لكنهم عدلوا عن الأصل إلى هذه التسمية من باب التفاؤل، فيتفاءلون بأن الله يجبر كسر العظم، كما يقال للأرض التي لا ماء فيها ولا شجر مفازة أي من الفوز تفاؤلا، وكما يقال عن الملدوغ أو عن اللديغ، يقال السليم من باب التفاؤل.

 

والمسح على الجبيرة جاء فيها حديث جابر كما اخرج ذلك أبو داود في سننه:

 وذلك ان سرية احتلم أحدُهم وكان قد جُرِح فقال لهم أيحق لي التيمم؟ قالوا لا نرى لك رخصة ، فاغتسل فمات فأخبِرَ النبي ﷺ فقال قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا إنما شفاء العي (أي الجاهل ) السؤال ثم قال ﷺ : انما كان يكفيه ان يعصب على حرجه عصابة ويمسح عليها ويتمم ويغسل سائرَ جسده )

 وهذا الحديث اختلف العلماء في ثبوته:

 فبعض العلماء: يضعفه كابن حزم والالباني وغيرهم

وهناك من يحسنه

 وهناك من يحسن لفظة ( انما شفاء العِي السؤال ) وذلك كالالباني رحمه الله

 فقد طعن بعض العلماء في سنده، وطعن البعض في متنه اذ قالوا: إنه جمع بين التيمم والمسح ،وانما الواجب احدهما.

 وعلى هذا الاختلاف في سنده ومتن الحديث اختلف العلماء :

القول الأول :يسقط المسح والتيمم ويكون بمثابة العضو الذي قُطِع فكأنه لا وجود له

القول الثاني :يتمم وهذا رأيُ ابنِ حزم وذلك لأن حديث المسح على الجبيرة ضعيفٌ عنده

القول الثالث :وهو مذهب الإمام أحمد قالوا : بالمسح على الجبيرة ، وهذا هو القول الصحيح

 

 أما ما استدل به من يقول بسقوط المسح والتيمم قياسا على العضو المقطوع:

 فقياسٌ مع الفارق ذلك بان العضو موجود، وفرقٌ بين العضو المقطوع وبين العضو المستور فهذا العضو باق فيكون فرضُه إما المسح واما التيمم.

 واما قول من يقول بالتيمم مستدلا بضعف الحديث الوارد:

 فلا نسلم له بعدم انجبار هذا الحديث بحديث آخر، فحديثُ جابر قد أيده حديث ضعيف آخر وهو حديث علي قال ” انكسر أحدُ زَندَيّ، فأمرني رسول الله أن أمسح على العصابة ” وهذا الحديث وان كان ضعيفا فهو يقوي حديث جابر لاسيما ان بعض الصحابة قد مسح على الجبيرة.

 فلو قالوا: ان سلمنا لكم ان السند منجبر فلا نسلم لكم بأن المتن مقبول، فكيف يجمع بين المسح والتيمم؟

فنقول: إن جميع من روى هذا الحديث عن جابر لم يذكر زيادة التيمم انما ذكرها راوٍ واحد، فجميع من رواها عن عطاء ابن أبي رباح عن جابر لم يذكروا لفظة التيمم، وبهذا يسلَمُ هذا الحديث من النقد في السند والمتن ، ولأن طهارة المسح أولى من طهارة التيمم، لان طهارة المسح طهارةٌ بالماء وهي الأصل بينما طهارةُ التيمم طهارة بالتراب وهو فرع

ثم لو سلمنا بصحة الجمع بين المسح والتيمم: فإنّا نحملها على من وضع جبيرة زائدة على القدر المحتاج إليه وخشي مع النزع الضرر، فالصوابُ ما ذُكِر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 وبما أن الجبيرةَ من باب العزيمة لا من باب الرخصة:

 فإن المسحَ فيها مُشَدّد ليس مخففا كالمسح على الخفين والعِمامة،

 ذلك بأن المسح على الخفين والعمامة من باب الرخصة -كما سلف-:

 ولذا لم يأتِ المسح من باب الرخصة إلا في عضوين الرأس والقدم، وأما ما عداهما فلا يجوز المسح عليه من باب الرخصة، فلو كانت الكفُّ أو البعضُ منها مستورا فلا يجوزُ أن يَمسحَ عليها؛ ولذا خطأَّ العلّامةُ ابنُ عثيمين رحمه الله مَن يقولُ بجواز مسْحِ المرأةِ على المناكير، وقال إن النبي ﷺ كما في حديث المغيرة بن شعبة كانت عليه جُبّة شامية فعجَزَ النبي ﷺ أن يحصِرَ أكمامَه فقام فأخرج يديه وغسَلها، ولو كان المسح يجزئ لفَعَلَه، فلا مسح رخصة إلا في الرأس والقدم،

أما المسحُ عزيمة فتكونُ في أيِّ مَوضِعٍ مِن البدن وهي ما تسمى بالجبيرة

 

 وبما أن الجبيرةَ مِن بابِ العزيمة:

فإن الواجبَ أن يمسَحَ عليها كلِّها أعلاها وأسفلِها وجوانِبِها

 

 وكذلك يُشترط أن توضَعَ بقْدر الضرورة للقاعدة الشرعية [ الضرورةُ تُقَدَّرُ بِقَدَرِها ] ولذا لو احتاج إلى أن يُغَطِّيَ هذا العضو، واحتاج معه لتثبيتِها أن يغطيَ ما حولَها بمقدارِ شِبر فلا يتجاوز إلى شِبرين،

 فإن تجاوز إلى شبرين فيجبُ عليه أن ينزَعَها ويُعيدَ وَضْعَها مرةً أخرى، إلا إذا خَشِيَ من النزع ضررا فيُبقها، للقاعدة الشرعية [ الضررُ لا يُزالُ بضرر ] وإذا أبقاها مع هذا الضرر، فقد قال بعضُ العلماء: بالمسح عليها، وقال بعضُ العلماء: يمسحُ عليها، والعضو الذي سُتِرَ مِن غيرِ حاجة يتيمم عنه،

وقلنا إنَّ هذا هو الأقرب، ولا يعني ضَعفَ القول الآخَر، وذلك لأن القولَ الآخَر له وِجهةٌ: قد يُستدلُّ على قولِهِ بالقاعدة الأصولية [ التابعُ تابِع ] وهذه القاعدة هي المعروفة بقاعدة [ يثبتُ تبعا ما لا يثبت استقلالا ]

فلما كان الأصلُ فرْضَه المسح فيأخُذُ هذا التابع حُكْمَه ( فالتابعُ تابع )

والقول الآخر: بناءً على التسليم بصحة ما جاء في إحدى روايات حديث جابر: ” أن يمسحَ على العِصابة ويتيمم ” وكلاهما كما سبق فيه شيءٌ من القوة.

 

وأيضا لما كانت من باب العزيمة: فإنه على الصحيح لا يُشترط أن توضعَ على طهارة -خلافا لما ذهب إليه بعض العلماء، من ان من شروط المسح على الجبيرة ان توضع على طهارة – والقياسُ على الخفين قياسٌ مع الفارق وذلك لعدم الدليل، ولأن الحكم في المسح على الجبيرة من باب العزيمة أما المسح على الخفين فمن باب الرخصة.

 

 وبما أنها من باب العزيمة فكذلك: لا توقيتَ فيها محدد: وإنما ينتهي المسحُ على الجبيرة بالبُرء، فمتى بَرِئ فينتهي المسحُ عليها، ولو ظلّت دهورا وشهورا.

 

 وبما أن المسح على الجبيرة من باب العزيمة: فإنه يُمسَحُ عليها حتى في الحدث الأكبر:

 بينما المسحُ على الخفين والعِمامة إنما يكونُ في الحَدَثِ الأصغر.

 ومِثْلُ الجبيرة: ما هو معروفٌ في هذا العصر ما يسمى بـ: [الجبس أو التجبيس]

 ومِثْلُه: دواء وُضِعَ على جُرح فَخُشِيَ مِن نَزْعِهِ، فإنه يمسَحُ على هذا الدواء.

 

ثم إذا نَزَعَها بعد الشفاء وكان على طهارة، هل تنتقض طهارتُه أم لا؟

سبق معنا أن المسحَ على الخفين بعد الحدَث اختلف العلماءُ في بقاء الطهارة من انتقاضها إذا خلع خفيه، ورُجِّحَ: عدمُ انتقاضُ الطهارة،

 لكنَّ المسحَ على الجبيرة بعد -حَلِّها- ونَقْضِها انتقضت طهارتُه أم تكونُ باقية؟

المشهورُ من المذهب: أن الطهارةَ تنتقض، فإذا أراد أن يصليَ فلا يصلي بالطهارة السابقة وإنما يجبُ عليه الوضوء، هذا إذا كان المسح على الجبيرة في الحدَثِ الأصغر،

 وأما ان كان المسح عليها في الحدث الأكبر، فيقولون:

 يلزمُه فقط غَسْلُ موضِعِها، وذلك لأن الموالاة في الغُسْل غيرُ مُشتَرَطَة.

 وقال بعضُ العلماء: وهو اختيارُ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول:

إن طهارتَه باقية، والدليلُ هو عدمُ الدليل، ولأنها طهارة ثابتة بمقتضى دليل شرعي فلا تنتقض إلا بمُقتضى دليلٍ شرعيّ، وهذا هو الصواب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

[مسألة: الجُرح إن كان مكشوفا وجَبَ غسْلُه، فإن تَعَذَّرَ فيمسح، فإن تعذر فيتيمم،

 فإن كان مستورا فالمسح فإن تعذر فليتيمم]

الشرح

هذه المسألة ذُكِرَت عُقَيبَ مسائلِ المسح، ذلك بأن الجُرح إن كان مستورا فقد سبق بيانُه في مسائل الجبيرة، وأما إن كان مكشوفا فيجبُ ما يأتي وجوبا مرتبا:

أولا: يجبُ غَسْلُ هذا الجُرح الذي هو في موضِعِ أعضاءِ الوضوء، أو في مَوضِعٍ مِن البَدَن إن كانت الطهارةُ عن حَدَثٍ أكبر

 فإن تضرر بغسْلِه: فلْيعدل إلى المسح، وذلك لأن المسح تابعٌ للأصل، فإن الأصلَ هو الغَسْل، والغَسْلُ إنما هو بالماء، فتكونُ طهارةُ المَسْح طهارةً مائيّة.

 فإن شَقَّ وتضرر: فلْيَعدِل إلى التيمم، فينتقلُ مِن الأصل الذي هو التطهُّرُ بالطهارةِ المائيّة، يَعدِلُ عنها إلى الفرع وهو التطَهُّرُ بالتراب، هذا إن كان الجُرح مكشوفا.

 

 فإن كان مغطىً بلفافةٍ أو خِرقَةٍ أو دواءٍ يعجَزُ عن إزالته:

فلْيمسَح، وذلك لأن المستورَ الفَرْضُ فيه الطهارةُ المائيةُ مَسْحًا، ولو طهّرَهُ بطهارةٍ مائيّةٍ غَسْلًا لم يُجزئ، فلو غَسَلَ الجبيرة لما أجزأ، إلا إن فُرّعَ على قولٍ في مسألةٍ سابقة وهي: مسألةُ غَسْلِ الرأسِ في الوضوء مع إمرارِ اليد، أو غَسْلِ الخُف مع إمرار اليد، فإن فُرِّعَ على هذا القول: فيُجزئ.

 

 فيكونُ فَرْضُ ما سُتِرَ: الطهارة المائية مَسْحًا، فإن تعذَّرَ: فالطهارةُ بالتراب وهي طهارةٌ فرعيّة.

 وبهذا ينتهي الحديثُ عن مسائلِ المسْحِ رُخصةً وعزيمةً.