الدرس ( 86 )باب شروط الصلاة ( 8) ( يجب قضاء الفوائت فورا ـ حكم ترتيب قضاء الفوائت )

الدرس ( 86 )باب شروط الصلاة ( 8) ( يجب قضاء الفوائت فورا ـ حكم ترتيب قضاء الفوائت )

مشاهدات: 563

بسم الله الرحمن الرحيم

مواقيت الصلاة

الدرس السادس والثمانون من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: [يجبُ قضاء الفوائت فورا]

الشرح: أصلُ هذه المسألة قول النبي ﷺ كما في الصحيح:

” مَن نام عن صَلاةٍ أو نَسِيَها فلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَها ” وقوله ﷺ ( فلْيُصَلِّها) صيغةُ أمْر تقتضي الوجوب، يعني: وجوب المبادرة، ولأن الإنسان لا يدري ماذا يَعرِضُ له،

والنبي ﷺ لما فاتته صلاةُ العصر في غزوة الأحزاب كما جاء في الصحيحين صلّاها بعد غروبِ الشمس، وكذلك ما جاء عند الترمذي: ” انه فاتته أربع صلوات وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء ” فبعض العلماء يضعف هذا الحديث وبعضهم يحسنه، ومن ثَم:

 قال البعض من العلماء: إن غزوة الأحزاب زادت أيامُها فمرةً فاتتة الصلوات الأربع، ومرةً فاتته صلاة العصر،

قال: على ثبوت الحديث – وقد سبق أنه ثابت –

ولكن القول الحسن أن يقال: إن بعض الرواة اختصر الحديث، ولعل اختصاره ناشئًا عن قول النبي ﷺ في تحديد صلاة العصر في الفضل: ” شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى صَلاَةِ الْعَصْرِ”

 أو أن البعض نقل ما رآه، وذلك لأن تعدد أيام غزوة الأحزاب يحتاج إلى دليل،

وأيضاً يُنبئُ عن ترْكِ النبي ﷺ لصلواتٍ حتى خرج وقتها في أكثر من حالة، وهذا خلافُ الأصل.

 

فيجبُ قضاء الفوائتِ فوراً، ولكن مالم يتضرر في بدنه أو في معيشته:

 فإذا تضرر: فإن له أن يؤخر بعضاً من هذه الفوائت،

وإلا فالأصل أنه يجب أن يؤديها من حين تذكره لها.

 

 وما يظنه البعض من أنه يصليها عند دخول وقتها من اليوم التالي!

 كما لو فاتته صلاةُ الظهر والعصر والمغرب والعشاء في هذا اليوم، فيتركُها حتى يدخل وقتُ صلاةِ ظهرِ الغد فيُصليها مع فرضها، ثم يصلي العصر إذا دخل وقت صلاة عصر الغد، وهكذا!

 فهذا ظن خاطئ، وإنما يجب عليه أن يؤديها ولو في وقتِ نهي، فلو كانت عليه صلواتٌ في خمسةِ أيام واستطاع أن يقضيها في ساعةٍ أو ساعة ونصف فيجب عليه، أما إذا تضرر فإن له أن يؤخرها،

 

 وأما ما جاء عند أبي داود من أن النبي ﷺ قال في صلاة فرضٍ ترَكَها -أظنها صلاةَ الفجر – لكنَّ مَوضِعَ الشاهد، أنه لما صلاها عليه الصلاة والسلام بعد ماخرج وقتها قال:

” فإذا كان الغَدُ فليُصلِّها عندَ وَقتِها ” فهذه قد تُحدث إشكالاً، ولكن لا اشكالَ في ذلك، لأن أحاديث النبي ﷺ لا تتعارض، فهو القائل كما عند أبي داود: ” لا تُصَلُّوا صلاةً في يومٍ مَرَّتَيْنِ “

 

وهو القائل كما قال بعض العلماء- ولم أقف على درجته من الصحة أو غيرها – قال بعض المحدثين في توجيه هذا الحديث، المراد: أن الصلاة التي في يوم غد تصلى في وقتها، ولا يجوز أن تؤخر لأن هذه الصلاة التي أو قعوها خارج الوقت كانت من عذر، فلا يظن ظان أن يوم غد يجوز أن تُخرج الصلاةُ عن وقتها، وذكر حديثاً أن النبي ﷺ قال ( اينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم )

 وقال بعض العلماء: إنه يؤديها على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب،

ولكن الصواب: ما ذُكر من التوجيه الأول،

 

فإذا كان هناك مضرة في بدنه أو في معيشته التي يحتاج إليها (ولابد من هذا القيد) إذا كان هناك ضرر في معيشته التي يحتاج إليها جاز له التأخير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 وإذا كانت هذه الصلاةُ جهرية، فيُصليها جهريةً ولو كان القضاءُ بالنهار،

 ولو كانت الصلاةُ سرية فيُسِرُّ بها ولوكان القضاءُ بالليل،

 ودليلُ ذلك: قوله ﷺ: ” مَن نام عن صَلاةٍ أو نَسِيَها فلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَها “

فقوله ( فلْيُصَلِّها) يدخل فيه وصْفُها من الإسرارِ أو الجهر،

ولما جاء في الصحيحين عن أبي قتادةَ في قصة نوم النبي ﷺ قال:

” فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ ” بمعنى: أنه جَهرَ بها مع أن الشمس قد طلعت، وهذا الحديثُ حديثُ أبي قتادة دليلٌ على القاعدة الفقهية ( القضاءُ يحكي الأداء )
 فإذا كانت الصلاةُ مؤداةً بالجهر تُقضى بالجهر، بل إن الجماعة تُشرَعُ لها، ولذا عند مسلم:

 ( فأمر النبي ﷺ بلالاً أن يؤذن ثم صلى ركعتي الفجر ثم صلى الفجر )

وهذا القولُ بالفورية هو قولُ الجمهور، بخلاف الشافعية، فإن الشافعيةَ يقولون يجوز تأخيرُها سواءٌ كانت هناك مضرةٌ في بدنه أو معيشته أو لم يكن، ودليلهم: أن النبي ﷺ في قصة نومه عن صلاة الفجر أمَرَ الصحابة أن يرتحلوا عن هذا المكان، فلو كانت على الفور لما أمرهم بالارتحال،

ولكنه قولٌ مرجوح، والصواب هو قول الجمهور، فالجمهورُ يقولون: يجب قضاؤها فوراً، ويجوز تأخيرُها لغرض صحيح كانتظار جماعةٍ أو نحو ذلك، فإن أمْرَ النبي ﷺ لصحابته بالارتحال لعلَّةٍ ذَكَرَها فقال ” فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ 

 ولذا مر معنا: أن الحمام مأوى الشياطين، ولا تُصلّى فيه الصلاة، وكذلك في معاطنِ الإبل، ذكر النبي ﷺ ( أنها خلقت من الشياطين ) وقد جاءت رواية عند أبي داود:

” تحوَّلوا عن مكانِكم الذي أصابَتْكم فيه الغفلةُ ”  فأمرَ بلالًا فأذَّنَ، وأقامَ وصلَّى.

 

 

فخلاصةُ القول: أنه تجب أن تُقضى فوراً، لقول النبي ﷺ: ” فلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَها “

 مالم يتضرر في بدنه أو معيشته التي يحتاج إليها، ويجوز تأخيرها لغرض صحيح كانتظار جماعةٍ ونحوه، ويجوز تأخيرها لغرض صحيح يتعلقُ بمصلحة الصلاة لفعله عليه الصلاة والسلام، فإن هذا المكان قد حضر فيه الشيطان، وهو ﷺ قد نهى عن الصلاة في الحمام قال ﷺ:

” الأرضُ كلُّها مسجِدٌ إلَّا المقبرةَ والحمَّامَ “

 

سؤال / من نام عن الصلاة في غرفة حتى خرج وقتُها، فهل يصلي في هذه الغرفة بعد الاستيقاظ؟

الجواب/ إذا نام عن الصلاةِ حتى خرجَ وقتُها في غرفة، فلا يُصلي في هذا المكان، يصلي في غرفةٍ أخرى.

ـــــــــــــــــــ

 

وهذه الصلواتُ الفوائت يجب أن تؤدى مرتبة:

 فلو فاتته أربعُ صلوات ابتداءً مِن الظهر، فيجبُ عليه أن يصليَ الظهرَ أولاً ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء، ولا يجوزُ له أن يقدم صلاةَ العصر على صلاة الظهر.

 

واختلف العلماء في هذا الترتيب، أهو على سبيل الاستحباب؟ أم على سبيل الوجوب؟

 فبعض العلماء يرى أن الترتيب يكونُ على سبيل الاستحباب ودليلُهم: ما جاء في صحيح البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لتلك المرأة:

” أرأيتِ إنْ كان على أمِّكِ دَيْنٌ؛ أكنتِ قَاضِيَةً؟ قالت: نعم، فقال ﷺ: اقضُوا اللَّهَ، فاللَّهُ أحقُّ بالوفاءِ “

ووجه الاستدلالِ بهذا الحديث: أنها ديون، والديونُ لا يَلزَمُ فيها أن تكونَ مرتّبة، فلو استدان الآدميُّ مِن آخر ومن شخص آخر وثالث، فله أن يقضيَ الثالثَ قبل الأول، ولأن الترتيبَ يحتاجُ إلى دليل آخَر وليس ثمت دليل، ويختار هذا القول ( النووي / وابن رجب ) وهو قولُ الشافعية.

 

القول الثاني/ وهو قول جمهور العلماء: يرون أن الترتيب في القضاء واجب، ويستدلون على ذلك بأدلة:

1/ قول النبي ﷺ ” مَن نام عن صَلاةٍ أو نَسِيَها فلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَها ” وهذا يشملُ الصفةَ والهيئةَ والترتيبَ المكانيّ، فمَن عليه ثلاثُ صلوات، فلْيُصلها كما كان يصليها فيما لو لم تفُتْهُ، ويعضُدُه من حيث المعنى حديثُ أبي قتادةَ رضي الله عنه كما في الصحيحين، في قصة نوم النبي ﷺ قال:

 ” فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ ” وكذلك ما ذُكر في رواية أبي داود كما سبق، في قصة نومه لما قال ( ويصليها من الغد الوقت ) نفس القصة.

 

2/ الدليل الثاني: أن النبي ﷺ كما جاء في سنن الترمذي فاتته أربعُ صلوات في يوم الأحزاب فقضاهن مرتبةً.

 

3/ الدليل الثالث: ما جاء في مسند الإمام أحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب ( صلى صلاةَ المغرب، ثم قيل له إنك لم تصلِّ صلاةَ العصر، فقام ﷺ فصلّى العصرَ ثم أعاد المغرِب.

 

4/ الدليل الرابع: قول النبي صلى الله عليه وسلم:

” مَن نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام، فليصل التي هو فيها، ثم ليصل التي ذكرها ثم ليصل التي صلاها مع الإمام”.

 

5/ الدليلُ الخامس: حديث: ” لا صلاةَ لمن عليه صلاةٌ “.

وهذا هو القولُ الراجح، ورُجحانُه في قوةِ الاستدلالٍ بالحديث الأول:

” مَن نام عن صَلاةٍ أو نَسِيَها فلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَها “

معضودا بحديث أبي قتادة في قصة نومه ” فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ “

 

أما حديثُ قضاء النبي ﷺ للأربع صلوات عند الترمذي، فهذا مجردُ فِعل، والقاعدة الأصولية ( ان الفعل المجرد من النبي ﷺ لا يدل على الوجوب)، أما حديث ( أنه صلى المغرب ثم ذُكِّرَ بصلاة العصر فصلاها ثم أعادها ) أي: أعاد المغرب، فهو ضعيف جداً كما قال الألباني في إرواء الغليل،

 

قلتُ: وكذلك من حيث المتن، فإنه يعارض ماجاء في الصحيحين إذ قال ﷺ:

” شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى صَلاَةِ الْعَصْرِ” فصلاها ثم صلى بعدها المغرب، فما في الصحيحين صريحٌ بأنه كان ذاكراً لها.

وأما حديث: ” مَن نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام، فليصل التي هو فيها، ثم ليصل التي ذكرها ثم ليصل التي صلاها مع الإمام”. فالصحيح وقْفُه على ابن عمرَ رضي الله عنهما، وهذا الموقوف يقوّي الاستدلالَ بحديث:

” مَن نام عن صَلاةٍ أو نَسِيَها فلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَها “

 

وأما حديث ” لا صلاةَ لمن عليه صلاةٌ ” قال ابنُ الجوزي: لا أصل له،

 وعلى افتراض ثبوته أو أن له أصلا، فالمرادُ: لا نافلةَ تُفعَلُ قبل قضاءِ الفريضة،

ولا حاجة إلى هذا التوجيه، مع أنه لا أصلَ لهذا الحديث،

 ومع ذلك الجمهور يتسامحون في الترتيب في بعض المواضع:

1/ الموضع الأول: النسيان. 2/الموضع الثاني: إذا خشي خروج وقت الصلاة المختارِ للحاضرة.

 3/الموضع الثالث: الجهل. 4/ الموضع الرابع: ما لا يمكن قضاؤه على وجه الانفراد.

 5/ الموضع الخامس: إذا خشي فواتَ الجماعة.

 

1/ فأما النسيان:

فلعموم الأدلة التي رفع اللهُ عزوجل فيها المؤاخذةَ على الناس، كقوله تعالى:

{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦]

قال النبي ﷺ كما عند مسلم: ” قال الله عزوجل ” قدْ فَعَلْتُ ” وفي رواية له: ” نعم “

 ولما عند ابن ماجه قوله ﷺ: ” إنَّ اللهَ تجاوزَ عن أمتي الخطأَ، والنِّسيانَ، وما استُكرِهوا عليهِ “.

 

2/ الموضع الثاني: إذا خشي خروج وقت الصلاة المختار للحاضرة:

 وقلنا إن الصلاة التي لها وقتان هي صلاة العصر، فله وقتٌ مختار ولها وقتٌ اضطراري، هذا على ما رُجِّح، فإذا كانت عليه صلاةُ الظهر ثم خَشِيَ أن تصفَرَّ الشمس، فليصلِّ العصرَ ثم ليصلِّ الظهرَ،

فعُفي عن الترتيب حتى لا تخرج صلاةُ العصر، فبدل أن تكون هناك فائتة، تكونُ هناك فائتتان، وتقليل الفوائت أمْرٌ مهم.

 

3/ الموضع الثالث: الجهل:

 وهذا مختلَفٌ فيه، فقد قال بعض العلماء: أن الجهل لا يُعد عذراً، وذلك لان الجاهل لا يسلمُ من التقصير إذ لم يسأل، ولكن الصحيح: أنه عذر، لعموم الأدلة التي جاءت برفع المؤاخذة عن الجاهل، فمثلاً: لو أن انسانا عليه فائتتان، صلاةُ الظهر والعصر، فصلّى العصرَ قبل الظهرِ جاهلاً، ثم سأل فصلاتُه صحيحة،

وقد قال فقهاء الحنابلة: -ولم يجرِ بحثٌ عميقٌ في هذه المسألة ومحَلُّها بإذن الله في الجمع بين الصلاتين- قالوا: إن الترتيب بين المجموعتين لا يسقط بأي حال من الأحوال، وذلك لأن الجمع بين الصلاتين ليس عن فائتة، وإنما هي صلواتُ أداء، لأن الوقت الأول ضُمَّ إلى الوقتِ الثاني، فصار كالوقتِ الواحد.

 

4/ الموضع الرابع: ما لا يمكن قضاؤه على وجه الانفراد:

وذلك كالجمعة، فإن الجمعة لو فاتت المسلم ما استطاع أن يأتي بها على هيأتِها، وإنما يأتي بالبديل عنها وهذا البديلُ هو صلاةُ الظهر، فلو أن انسانا لم يصلِّ صلاةَ الفجر، ثم أتى إلى الجمعة وخشي أن تفوتَه صلاةُ الجمعة، فيُقدمُ الجمعةَ على صلاة الفجر.

 

لكن يطرأ سؤال هنا: بمَ تُدرَكُ الجمعة؟

الجواب: تُدرَكُ الجمعة بإدراكِ ركعةٍ، لقوله ﷺ كما عند ابن ماجه: ” من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى ” وهذا يدل على أن الصلاة تدرَك بركعة،

لأن الخلاف وقع فيما عدا صلاة الجمعة، فالصلوات، هل تُدرَكُ بإدراكِ ركعةٍ؟ أم بإدراكِ جزءٍ من الصلاة بمقدارِ تكبيرةِ الإحرام؟

 فالمذهبُ يرى: أنها تدرك بإدراك جزءٍ بمقدار تكبيرة الإحرام، وذلك لأن مَن أدرك جزءً كان في حكم من أدرَكَ الكل، ولأن النبي ﷺ قال كما في الصحيحين: ” فَما أدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وما فَاتَكُمْ فأتِمُّوا “

 

 

 واما القول الآخر: فلا تُدرَك الصلاةُ إلا بإدراكِ ركعة، وإدراكُ الركعةِ كما هو معلوم -وسيأتي له حديثٌ بإذن الله- يكونُ بإدراكِ الركوع، فمن أدرَكَ الركوعَ في آخِرِ ركعةٍ فقد أدرَكَ صلاةَ الجماعة،

وحديثُنا هنا عن الوقت لا عن الجماعة، ودليل هذا القول:

 قول النبي ﷺ كما في الصحيحين: ” مَن أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ، فقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ “

مفهومُ هذه الجملة الشرطية: أن من لم يدرك الركعةَ لم يدرك الصلاة، وهذا هو الراجح،

وأما ما استدل به اصحابُ القول الأول: فإنما هي عِلّة، أو استحسان، والنص يقضي على العلل،

 وأما الحديث المُستدَلُّ به: فليس فيه عَلاقةٌ بإدراك الوقت أو بإدراك الجماعة، إنما فيه الأمْرُ بالسكينة والوقار، ولأن الجمعة تُدرَكُ بإدراك ركعة، فكذلك بقيةُ الصلوات،

 فالقياسُ بين الجمعةِ والصلوات الاخرى قياسٌ تام، ومِن ثَم: على ما مضى:

 لو أن الحائض، أو أن الكافر، إذا أسلم أو أن الصغير إذا بلغ، أدرك قبل أن تغرب الشمس جزءاً يسيراً بمقدار تكبيرة الإحرام: فعلى المذهب: يصلون الظهر والعصر، وعلى القول الآخر: من يرى أنه يُلزَم بصلاة الظهر مع العصر، فلا يكون مدرِكاً لها إلا إذا أدرك وقتاً بمقدار ركعة، وعلى ما رُجِّح: إذا أدرك مقدارَ ركعةٍ من الوقت فليس عليه إلا صلاةُ العصر (والمسألةُ مرّت).

وكذلك في مسألة سابقة: لو أدركت المرأةُ من الوقت جزءاً بمقدارتكبيرة الإحرام، ثم حاضت، فإنها إذا طهُرَت تقضي على أحد الأقوال، وعلى القول الآخَر: أنها لاتقضي إلا إذا أدركت من هذا الوقت الذي حاضت فيه، إلا إذا أدركت من الوقت مقدار ركعة،

 وعلى رأي شيخ الإسلام: أنها لا تقضي،

 وقد تأملتُ نصوصا كثيرة في لفظةِ الإدراك، فوجدتُ أنها بهذه اللفظة تدل على آخِرِ الشيء،

وجملةٌ من النصوص وقفتُ عليها -والله أعلم إن كان هناك نصٌّ يلغي هذا الضابط- وقد وعدتكم فيما سبق بالرجوع إلى لقطة الإدراك.

 

فنعود إلى الموضع الرابع: فما لا يمكن قضاؤه على وجه الإنفراد كصلاة الجمعة فيسقط الترتيب،

ومَثّلَ بعضُ العلماء بصلاة العيد، وهذا التمثيل لا ينضبط مع قائله إلا إذا قال بأن صلاةَ العيد فَرْضُ عين، لأن المسألة فيها خلاف، وسيأتي لها حديثٌ بإذن الله، ثم إن صلاة العيد تُقضى على وجه الانفرادِ عند بعض العلماء (ولها حديثٌ إن شاء اللهُ تعالى).

 

5/الموضع الخامس: إذا خشيَ فواتَ الجماعة:

 وهذه المسألةُ مُختَلَفٌ فيها كالمسألة السابقة، فبمَ تُدرَكُ صلاةُ الجماعة؟

 هل تدرك بوقتٍ يَسَعُ تكبيرةَ الإحرام؟ أو بمقدارِ تكبيرةِ الإحرام؟ كما لو أتى في آخِرَ التشهد الأخير،

 أم أنها لا تدرك إلا بركعة؟

 الصحيح أنها تُدرَكُ بالركوع، الذي بإدراكه تُدرَكُ الركعة، فالصحيح أنها لا تُدرَكُ إلا بركعة، ولها حديثٌ إن شاء الله في صلاة الجماعة،

 ومِن ثَم/ لو أتى لصلاة العصر والناسُ في الركعة الأخيرة وفي الركوع منها، فهل يصلي الظهر أم يصلي العصر، ثم بعد صلاته للعصر يصلي الظهر؟

 فالجواب/ أنه يصلي العصرَ ثم يصلي بعدها الظهر، لأنه لو صلى الظهرَ قبل دخولِه مع الإمام فاتته الركعة بفوات الركوع، وإذا فاتته الركعة فاتتهُ صلاةُ الجماعة لأنها هي الركعةُ الأخيرة.

 

وقال بعض العلماء: لا يسقط الترتيب إذا خشيَ فواتَ صلاةِ الجماعة، بل يدخل مع الإمام بنية صلاة الظهر ثم إذا فَرَغ (مع أن الإمام يصلي العصر) فإذا فرغ من هذه الصلاة التي مع إمامه يصلي صلاة العصر، وهذا هو الراجح.

 وهذه المسألة مبنيةٌ على مسألة مُختَلَفٍ فيها، وهي مسألةُ اختلافِ نيّةِ الإمامِ والمأموم:

 فمن يرى أن الترتيب يسقط بناءً على أنه لا يجوز أن يصلي هذا المأموم بنية الظهر التي تُخالِفُ نيّةَ إمامِه (ولها حديثٌ بإذن الله في آخِرِ شرطٍ مِن شروطِ صحةِ الصلاة، وهو: شرطُ النيّة).