بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (107) من الفقه الموسع
من شروط الصلاة: اجتناب النجاسة
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن المسائل المتعلقة بهذا الشرط: اجتناب النجاسة
[الصلاة في الأرض المغصوبة]
ما حكم الصلاة في الأرض المغصوبة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة:
بعض العلماء وهو المشهور في مذهب الإمام أحمد:
أن الصلاة في الأرض المغصوبة لا تجوز ولا تصح
بمعنى: أنه آثم بالغصب، والغصب هو: أخْذ الشيء من الغير قهراً بغير حق.
أما إن كان بحق: كما لو أُكرِهَ المُفلِس من قبل الحاكم على أن يبيع ماله من عقار أو نحو ذلك ليسدد الناس؛ فهذا إكراه بحق، ولا يكون في حكم الغصب.
ودليلُهم: أن الشرع نهى عن غصب هذا المكان فكيف تتعبد لله عز وجل في هذا المكان!
ولأن النصوص جاءت بتحريم أخذ مال الغير بغير حق.
والقول الثاني: أن الصلاة في الأرض المغصوبة محرم
ويكونُ الغاصب آثما لكن الصلاة صحيحة.
ودليلهم: أن النهي هنا ليس مرتبطاً بالأمر، فإن الإنسان مأمور بالصلاة في نص، ومنهيٌّ عن الغصب في نص آخر.
ولذا يكون هؤلاء العلماء: إن الجهة منفكة، فجهة الأمر غير جهة النهي.
إذ لو قال: ((لا تصلوا في الأرض المغصوبة))
لكانت جهة الأمر وجهة النهي متحدة، لكن ليس هناك ذِكْرٌ للنهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة، فنحن نصحح صلاته لكنه آثم.
وهذا هو القول الراجح.
ـــــــــــــــــــــــ
ومما يُرد على ما ذهب إليه أصحابُ القول الأول
أنهم تناقضوا في مسألة أخرى وهي:
يقولون في باب صلاة الجمعة: لو أن إنسانا أتى في الصف الأول ووضع سُجاداً ثم خرج لقضاء مصالحه الدنيوية، فإنه لا يجوز لأحد أن يُزيحَ هذا المصلى أو هذه السجادة وله أن يصلي فيها ما لم تحضر الصلاة!
فنقول: إن المسجد مكان مشاع، وإذا أتى هذا وحَجَزَ مكاناً ثم خرج ليقضي حوائجَه، فإنه غَصَبَ هذا المكان الذي هو حقٌّ لعموم المسلمين وليس حقا لفرد واحد
ومع ذلك تصححون الصلاة في هذا المكان لصاحبه مع أن هذا المكان مُغتَصَب!
والمسألة -تأتينا إن شاء الله في أحكام صلاة الجمعة-
لو قال قائل: يُمكن أن يعترض على أصحاب القول الثاني بأن هذا المصلي ليس غاصبا، وإنما صلى في هذه الأرض التي غصبها فلان القريبُ له أو البعيد عنه. فكيف يكون آثما؟
فقد يُحتج عليهم بأن هذا المكان لم يغتصبه هو، وإنما اغتصبه غيرُه وصلى هو فيه.
فهنا ليست هناك جهة أمْرٍ ولا جهة نهي:
الجواب/ نفس الحكم هو هو، هذا إذا كان عالماً؛ وذلك لأن الأيادي المترتبة على حكم الغصب عشرة؛ لأن الحكم لا يتعلق بالغاصب وحدَه بل إن المشتري، والوكيل، والمستعير وما شابه هؤلاء يأخذون حكمَ الغاصب، وقد قررنا هذا في مذكرة المعاملات في [أحكام الغصب]
إذًا/ الصلاة في مثل هذه الأماكن ليست محرمة لكسْبِها، كالصلاة مثلا في أرض الخسف.
مسألة: لو قال قائل: هذا الرجل صلى في هذه الأرض المغصوبة وهو لا يعلم أنها مغصوبة؛
فما حكم صلاته؟
الجواب عن هذا/ على القول الثاني: صلاته صحيحة وغيرُ آثم.
على القول الأول: تنازعوا، فالمشهور -عند مذهب الأمام احمد- عندهم أنهم لا يعذرون بالجهل.
ولذا: لو أن الإنسان في ليلة من رمضان أكل يظن أن الليل باقٍ، فتبين له أن الفجر قد طلع، وأنه قد أكل بعد طلوع الفجر الثاني: فيقولون: هو غيرُ آثم ولكن يلزمه القضاء.
وبالتالي تنازعوا في مثل هذا الأمر:
فالمشهور أو المعروف عنهم: أنه لا يُعذر بجهله في صحة الصلاة، فالصلاةُ غيرُ صحيحة
وبالتالي: عليه أن يعيد الصلاة.
الرواية الثانية في المذهب: أنه لا إعادة عليه.
وبالتالي: تتوافق هذه الرواية مع القول الثاني، في ماذا؟
في صحة الصلاة في الأرض المغصوبة إذا كان جاهلاً أن هذه الأرض مغصوبة.
وهذا هو القول الصحيح: أنه لا إعادة عليه حتى على الاختلاف في هذه المسألة في المذهب نفسِه.
للأدلة التالية:
أولا: قوله عز وجل:{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} ] البقرة -286[
قال عز وجل -كما في الحديث القدسي عند مسلم- قال: “قد فعلت”، وفي وراية: “نعم”
الدليل الثاني: ما جاء عند -ابن ماجه وغيره- قوله ﷺ:
” إنَّ اللهَ تجاوزَ عن أمتي الخطأَ ، والنِّسيانَ ، وما استُكرِهوا عليهِ “
الدليل الثالث: أن البخاري -رحمه الله- ذكر في صححيه -وسبق معنا في التوحيد- أنه: يعني عمر، رأى أنس – رضي الله عنه – يصلي عند القبر فقال: القبر القبر
ولم يُلزمه بالإعادة ولم يُعد -رضي الله عنه-
وبالتالي تأتينا المسألة الكبرى، وهي:
إذا جهِلَ هذه الأماكن التي مرت معنا، والتي لا تصح الصلاة فيها فصلى، أتصح صلاته أم يُلزم بالإعادة؟
ج/ قولان: وهما القولان السابقان، والقول فيها كالقول فيما سبق وهو: صحةُ الصلاة ولا يُلزَم بالإعادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لو قال قائل: هذا هو الجاهلُ بعينها، فما حكمُ صلاةِ الجاهلِ بِحُكْمِها؟
هو يعرف أن هذا مَعطِنُ إبل.
يعرف أن هذه مقبرة.
يعرف أن هذا حمام.
فصلى فيه جاهلا بالحكم، فما حكم صلاته؟
لو صلى فيها وهو يجهل حكمَها فالقول فيها هو القول فيما سبق من الخلاف
والصواب فيها: ما سبق من الصواب فيما سبق وهو: صحةُ الصلاة.
أما قضية أهو مقصر أم غير مقصر؟
فهي مسألة أخرى لأن الذي يعنينا هو الجهل الذي يعذر فيه الإنسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فائدة: أن الجهل في الشرع نوعان:
ــ جهلٌ بالحكم، وهذا يصدق على المسألة السابقة.
ــ الجهلُ بالحال، وهو يصدق على المسألة التي قبل السابقة.
وذلك لأن المسألة قبل السابقة هو يعرفُ حكمَ الصلاة في هذه المواطن لكنه جهِل بحاله
وأما الجهل في اللغة فهو نوعان:
جهل بسيط، وجهل مركب
والجهل المركب أعظم.
فالجهل البسيط: أن يُسأل الإنسان مثلا: متى فُرض رمضان؟
فيقول: لا أدرى، هذا جهل بسيط.
الجهل المركب: هو الذي يُسأل متى فرض رمضان؟
فيقول: في السنة السابعة مثلا، فهذا جهل مركب!
لم؟ لأنه ادعى العلم وهو عارٍ عنه.