بسم الله الرحمن الرحيم
خُطبة/ أحكام فقهية مختصرة بأدلّتها الشرعية عن:
(المسح على الخُفَّين)
فضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نتحدث عن أحكامٍ فقهيّةٍ مختصرة بأدلتها الشرعية عن المسح على الخفين.
أولاً/ المسحُ على الخفين اتفق عليه أهلُ السنة ولم يُخالف في ذلك إلا الرافضة، ولْيُعلم أن ما رُوي عن الامام مالك أو غيرِه من عدم المسح فإنَّ الروايات الصحيحة تدلُّ على أنهم يرون المسح، ولذلك قال ابنُ عبدِ البر: الروايةُ الصحيحة عن الامام مالك المسح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانيًا: الأدلةُ على المسحِ على الخفين:
قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ}
{أرجلِكم} على قراءة الخفض، فإنها حُمِلت على أحد ِالأقوال بأنها المسح على الخفين.
والمسح على الخفين: مسَحَ النبيُّ ﷺ بعد نزول آية المائدة ومسح الصحابة رضي الله عنهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثًا/ المسحُ على الجَوربين يختلف عن المسح على الخفين، فالمسح على الجوربين جاءت الأحاديثُ بإثباتِ ذلك ويؤيدها فِعلُ الصحابة رضي الله عنهم، لكن لو قيل ما الفرق بين الخف والجورب؟
الأشهر/ أن الخُفَّ: هو ما صُنِعَ من جِلْد، هذا يُطلق عليه أنه خُف (مأخوذٌ من خِفافِ الإبل)،
أما ما صُنِعَ مما عدا ذلك من صوف أو قطن أو ما شابه ذلك: فإنه يسمى جوربًا، ولذلك الشُّراب التي نلبسُها نحن تسمى جوربًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعًا/ قال شيخُ الإسلام رحمه الله: باتفاق العلماء لا يصحُّ المسح على جوربٍ دون الكعبين فإنه لا يُسمى خُفًّا، وهذا ظهر في مثل هذه السنوات هناك من يلبس شُرابا أو يلبس خفًّا مما صُنِعَ من جلد –على اختلاف مسمياتها بين الناس- هذه المصنوعة من جلد إذا كانت تحت الكَعبين فإنه لا يصح المسحُ عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خامسًا/ المسحُ على الخُفّ يصح ولو كان مُخرّقًا ما دام اسم الخُف يُطلَقُ عليه، ولذا الصحابةُ رضي الله عنهم كانوا يمشون على خِفافِهِم وهي لا تسلم من الثقوب، والنبي ﷺ يراهم ولا يُنكرُ ذلك، فإذا كانت هناك بعضُ الخروق مما لا تُذهِب مسمى الخف بحيث تكونُ يسيرة، فإنه على الصحيح:
لا حرج في المسحِ على ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سادسًا/ المسح على الخفين لا يصح إلاَّ بعد كمالِ الطهارة، يعني: أن يُدخِلَ الخفين وقد توضأ، والصحيح: إذا توضأ وُضوءًا كاملا؛ لحديث المغيرة كما في الصحيحين:
لما أهوى لينزع خُفّيّ رسول الله ﷺ قال: ” دَعْهُمَا، فإنِّي أدْخَلْتُهُما طَاهِرَتَيْن “
ولكن ليُعلم: أن المسحَ لا يكونُ إلا بعد طهارة الحدث الأصغر، أما الحدث الأكبر: لا،
مثالُ ذلك: لو أنَّ الانسان كانت عليه الخفان أو الجوربان، يعني الشراب؛ مثلا،
ثم أجنَب –صار جُنبًا- وكان قد أدخَلَ الخُفّين على طهارة، ثم أجنَب، فأراد أن يغتسل وعليه الخفان، فقال: أمسح على الخفين، نقول: لا، إنما المسح على الخفين بعد الحدَثِ الأصغر الذي هو الوضوء،
-يعني نختصرُها: الذي هو الوضوء-
أما ما يلزم فيه الغُسْل فلا يصح فيه المسح لحديث صفوان بن عَسَّال في المُسند عند الإمام أحمد وعندَ غيرِه كما ثبت:
أنه ﷺ لما ذكر المسح قال: ” إلا من جنابة ” –ثم استثنى الحدث الأصغر- ” لكن من بولٍ وغائطٍ ونوم “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سابعًا/ لو أنَّ الانسانَ لبِسَ –وسَأُمثِّل على الشُرَّاب لأنها هي المشهورة، وهي: الجورب-
لو أنَّ الانسانَ لبِسَ الشُرَّاب بعد كمال الطهارة فمَسَحَ عليها، ثم احتاجَ إلى أن يلبسَ شُرابًا ثانيًا لِشِدَّةِ البرد، فهل له أن يمسح على الأعلى؟ الصحيح: أنه له أن يمسح على الأعلى ولا إشكالَ في ذلك.
عكْسُها: لو أنَّ الإنسان مثلا كان في شدةِ برد ولَبِسَ شُرَّابَين على طهارة، ثُمَّ قَلَّ البرد أو جاء هناك حر، فأراد أن يخلعَ الأعلى، فالصحيح: أنَّ له أن يخلع الأعلى وأن يمسح على الأسفل وذلك لعدم الدليل على عدم صحة ذلك فالأدلةُ مُطلقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثامنًا/ لو أنَّ الانسان لبِسَ –وهذه مسألة للجنود- لَبِسَ ما يسمى بـ: “البُسطار”: وهذا يُغطي الكعبين،
فهل له أن يمسح عليه؟ نعم له أن يمسحَ عليه، وذلك بعدما يتوضأ، فإذا لَبِسَهُ وحضرت الصلاة وأراد أن يمسحَ عليه فلا إشكال في ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاسعًا/ مدة المسح على الخفين للمقيم: يومٌ وليلة، وللمسافر: ثلاثةُ أيام بلياليهن كما جاء في ذلك الحديث بل الأحاديثُ الكثيرة عند مسلم وغيره.
إذًا للمقيم: أربعٌ وعشرون ساعة؛ وللمسافر: اثنتانِ وسبعونَ ساعة،
وليس كما يُفْهَمُ من أنها خمسةُ فروض، لا! أربع وعشرون ساعة، وذلك من أول ما تمسح بعد الحَدَث.
مثالُه: لو أنني لَبِسْتُ الشُّراب -على طهارة- لماَّ قَدِمْت هذا اليوم لِخُطبة الجُمُعَة، صليتُ الجمعة بهذا الوُضوء وعليَّ الشُّرَّاب، لمَّا يأتي العصر- الساعة الثالثة مثلاً- أحدثْتُ فمسحتُ،
المدة تبدأ من: الساعة الثالثة، ليس من الساعة العاشرة صباحا التي لبستُ فيها الشراب، لا؛ من أول ما تمسح بعد الحدث.
يعني: الساعة الثالثة عصرا مسحتُ، إذًا: الساعة الثالثة عصرا من يوم السبت ينتهي المسح،
لكن: إذا كان المسحُ عن حَدَث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مثال آخَر: من مَسْحٍ ليس بعدَ حَدَث:
لو أنني لَبِسْتُ الشُراب الساعة العاشرة صباحا من هذا اليوم، جاءت الساعة الثالثة عصرا لم أُحدِث، أنا على طهارتي من الجُمُعة لم أُحدِث، فقلت: سأتوضأ تجديدا -الساعة الثالثة – فتوضأت،
لما جاء المغرب -الساعة الخامسة- أحدَثْتُ فأردتُ أن أتوضأ، إذًا: سأمسح الساعة الخامسة عند المغرب، إذًا/ المدة تبدأ من الساعة الخامسة أم من الساعة الثالثة؟
من الساعة الخامسة؛ لأن الساعة الثالثة مسحتُ مسْح تجديد ليس عن حَدَث، أما عند الساعة الخامسة المغرب مسحتُ مسحًا عن حدَث، إذًا: تبدأ المدة من الساعة الخامسة من المغرب إلى الساعة الخامسة من مغرب اليوم الذي يليه أي: من يوم السبت. هذا هو ضابطُ المسح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عاشرًا/ لو أنَّ الانسان مسَحَ وهو مُقيم في بَلَدِه ثُمَّ سافر، يعني مثلا: مَسَحَ اليوم، ثم لما جاء العصر – لم تمضِ المدة- يعني في نفسِ اليوم هو سافر مثلا العصر أو المغرب،
مدة المسح: هل هي أربعٌ وعشرون ساعة باعتبار أنه مسح في الإقامة؟
أم له أن يمسح اثنتينِ وسبعين ساعة؟
الصحيح من قولي العلماء أنه: يمسح مسْح مسافر؛ لإطلاق الأدلة التي جاءت بالمسح للمسافر، من أنه يمسح اثنتين وسبعين ساعة، بعدمِ اعتدادِ مسحه في الإقامة،
لكن لِيُعلم في المسألة السابقة: لو أنه سافر مثلاً من يومه المغرب ثم رجع -مثلا- العشاء أو الفجر:
يعود للمسح الأول مسح مقيم؛ لأنه رجع إلى بلده.
عَكْسُ ذلك: لو أنَّ الانسان كان مُسافرا فمَسَحَ على الشُّرَّاب، كم له؟ اثنتان وسبعونَ ساعة:
لو قَدِمَ إلى بلدته، هل يستمر على اثنتين وسبعين ساعة؟ نقول: لا، يعني: إذا كانت أربعٌ وعشرون ساعة قد انتهت، فنقول: اخلَع خُفَّيك وتوضأ وينتهي المسح بالنسبة إليك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحادي عشر/ صفةُ المسح على الخفين:
أنه يمسح ظاهر القدم، (يعني لنعتبر هذه هي القدم -الشيخ مثَّل على يده أثناء الخُطبة، يُعاد لمقطع اليوتيوب-)
يعني: يمسح من أطراف الأصابع إلى الساق، يمسح الأعلى فقط؛ لأنه هذا فِعْلُ النبي ﷺ
ومن ثَمّ/ فإنه لا يمسح لا العَقِب ولا الأسفل ولا يُكرِر المسح؛ لعدمِ وُرودِ ذلك، إنما المسح على الخفين مبناهُ على التخفيف، يمسح فقط ظاهر الخُف من أطراف الأصابع إلى الساق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه جمُلة مختصرة عن المسح على الخفين لعل الله عز وجل ينفع بها،
أسأل الله لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح.