بسم الله الرحمن الرحيم
خُطبة: الأدلة من الكتاب والسنة في بيان أخطاء (جماعة التبليغ)
المخالفة لأهل السنة والجماعة
فضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مُضل لهُ ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدهُ ورسوله ﷺ وعلى آله وأصحابهِ وسلم تسليمًا كثيرا إلى يوم الدين.
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]
﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا﴾ [النساء: ١]
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠-٧١]
أما بعدُ فيا عباد الله.. جميلٌ أن يُبلَّغَ العلم وأن يُنشرَ على الطريقةِ التي سار عليها النبي ﷺ وسار عليها الصحابةُ رضي الله عنهم، ومن جاء بعدَهم من سلف هذه الأمة، وذلك بعد أن يتعلم الإنسان العلمَ الشرعي الصحيح، فإن تبليغَ العلم من أجلِّ العبادات، فالنبي ﷺ كما في الصحيحين لما أتاهُ وفدُ عبدِ القيس فذكر لهم ما يتعلقُ بالعقيدة وبالأحكام، قال -عليه الصلاة والسلام-:
“احْفَظُوهُنَّ وأَخْبِرُوا بهِنَّ مَن وراءَكُمْ” مَن وراءكم: أي من حيثُ الزمان ممن يأتي من أبناءكم، أو من حيث المكان ممن أتيتم منهم من بلدكم، وفي رواية البُخاري: “احْفَظُوهُنَّ وأَبلغُوُهنٌ مَن وراءَكُمْ”.
النبي ﷺ كما في الصحيحين لما خطب خُطبتهُ الشهيرةَ في يوم النحر في حَجةِ الوداع قال:
“ألاَ هل بلغت؟ ألاَ هل بلغت؟” دل هذا على أنهُ بلَّغَ ﷺ العلم.
ولذلك في الصحيحين لما أتاهُ مالك بن الحويرث ومن معه فالنبي ﷺ قال:
“ارْجِعُوا إلى أهْلِيكُمْ، وعَلِّمُوهُمْ”. وذلك بعد أن تعلموا من النبي ﷺ الأحكامَ التي علمهم.
النبي ﷺ قال كما في المسند: “تَسمَعونَ ويُسمَعُ منكم ويُسمَعُ ممَّن يَسمَعُ منكم” فهذا الحديثُ يبين ويوضح أن العلم ينتشر من جيلٍ إلى جيلٍ آخَر، وذلك حتى يقومَ العلماءُ بالواجبِ المُناطِ بهم
﴿وَإِذ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَلا تَكتُمونَهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧]
ولذلك النبي ﷺ لم يحدد وقتًا لتبليغ العلم بل متى ما أتت فرصةٌ فإنه -عليه الصلاةُ والسلام- يبلغ العلم، ولذلك جاء في المسند أن بعض التابعين أتوا إلى رجلٍ من أهل البادية، فقال هذا الرجل من البادية:
“علمني رسولُ الله ﷺ وكان مما حفظتهُ منه: ” إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءً لِلَّهِ إِلَّا آتَاكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ “.
وهذا يُغني عن الحديث المشهور: “من تركَ شيئًا للهِ، عوَّضهُ اللهُ خيرًا منه في دينهِ ودُنياه” فإنهُ حديثٌ ضعيف لكنه صحيحٌ من حيث المعنى بدلالةِ هذا الحديث الذي ذكرتُه.
إذن هو عليه الصلاةُ والسلام كان يُعلمُ الأعراب.
ابنُ شهاب الزهري الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري -رحمهُ الله- ممن هو واسعٌ في العلم، كان يُعلمُ الأعراب من باب نشر العلم.
بل إنَّ العُلماء السابقين كإسماعيل بنِ رجاء الكوفي -وهو من الثقات ولا حجةً لمن تكلم فيه بلا حجة-
من أنهُ كان يجمع صبيان الكُتَّاب – يعني الصِغار- فيُلقي عليهم من أجلِ أن يَحفظَ الحديثَ عن النبي ﷺ.
ولذلك الصحابةُ -رضي الله عنهم- ساروا على ما سار عليه النبي ﷺ ففي المسند عن عبد الله المكيّ قال: “صليتُ بجنب عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فلما قضى قال: ألا أُعلِّمُكَ تحيةَ الصلاة كما علمنا رسولُ اللهِ ﷺ فذكر لهُ ابن عمر حديثَ التشهد” قال: ” كما علمنا رسولُ اللهِ ﷺ”
فدل هذا دلالةً واضحة -والنصوص في هذا كثيرة- على أن تعليمَ وتبليغَ العلم من أجلِّ العبادات بل يظفر الإنسان بخيراتٍ عظيمة
في المسند وسُنن أبي داود والترمذي وابن ماجه أن النبي ﷺ قال:
“نضَّرَ اللَّهُ امرأ – وفي رواية: -عبدًا- سمِعَ منَّي حديثًا فحفِظَهُ حتَّى يُبَلِّغَهُ” بمعنى:
أن النضارةَ والنورَ والسرور يكونُ على وجهِ من يبلغُ شرعَ الله عز وجل، إضافةً إلى أنه بهذا التبليغ يحصلُ على نضرةِ النعيم في الآخرة: ﴿تَعرِفُ في وُجوهِهِم نَضرَةَ النَّعيمِ﴾ [المطففين: ٢٤]
لكن تبليغُ العلم ونشرُ العلم إنما يكونُ على طريقة النبي ﷺ، لا ببدع ولا بآراء ولا باستحسانات كما تفعلهُ بعضُ الجماعات مهما تعددت، كما يسمى بـ: “جماعة التبليغ” أو ما يَحذو حَذوها مما يستجد، فقد يكون المسمى واحدًا والأسماء متعددة، فتلك الجماعاتُ والأحزاب بشتى أنواعها ليست من شرع الله، هذا من حيثُ الأصل: ﴿مِنَ الَّذينَ فَرَّقوا دينَهُم وَكانوا شِيَعًا كُلُّ حِزبٍ بِما لَدَيهِم فَرِحونَ﴾ [الروم: ٣٢]
﴿إِنَّ الَّذينَ فَرَّقوا دينَهُم وَكانوا شِيَعًا لَستَ مِنهُم في شَيءٍ﴾ [الأنعام: ١٥٩]
إضافةً إلى ما يحدثُ من بعض أفرادِ وقادات هذه الجماعات من البدع والخُرافات التي تخالفُ معتقد أهل السنة والجماعة؛ وأيضًا هم لا يهتمون بالعلمِ الشرعي
وأيضًا لدى بعضِهم جُرأة على كتاب الله وعلى سُنةِ رسول الله ﷺ! فقد يجتمع البعض ممن هو قريبٌ من الهداية فيقولون لهُ: لتلقِ، فيلقي آية أو يُلقي حديثًا لم يسمعهُ من العلماء ولم يفهمهُ ولم يعرف ما تدل عليه هذه النصوص فيكون في ذلك الجُرأة على الله وعلى رسول اللهِ ﷺ
ولدى هؤلاء من ذِكرِ الأحاديث الموضوعة المُختلقة والمكذوبة والضعيفة على النبي ﷺ الكثير!
فكيف يُصَدِّرُ هؤلاء من أرادوا أن يُصَدِّروه وبهذا يُضلون الناس
ويُخالفون معتقد وجماعة أهل السنةِ والجماعة
فالنبي ﷺ لما ذكر الحديثَ الذي ذكرتهُ آنفا عند أحمد والترمذي وابن ماجه” “نضَّرَ اللَّهُ” ماذا قال -عليه الصلاةُ والسلام- في آخر الحديث؟ “ثلاثٌ لا يُغِلُّ-ويصحُ ضبطها: لا يَغِلُّ”
لا يُغِلُّ: من أغلَّ يعني خان، لا يَغِلُّ: من غَلَّ يعني أصابهُ الحقدُ والغيظ
“ثلاثٌ لا يُغِلُّ عَليهنَّ قلبُ مسلم” وفي رواية: “صدرُ مسلم” قال العلماء في هذه الثلاث:
لأن هذه الثلاث تدعو الإنسان إلى أن يكون تبليغُهُ للعلم الشرعي قائمًا فيه بحق الله وبحقِ أهل السنة والجماعة ماهي؟
قال: “إخلاصُ العملِ للهِ” -هذا حقٌ لله- “ومناصحةُ أولي الأمرِ”
والثالثة: “ولزومُ جماعةِ المسلمين فإن دعوتَهم تحيطُ مِن ورائِهُم” وضُبِطت: “تُحيطُ مَن وَراءهم”
فقوله -عليه الصلاة والسلام- بعد ذِكر تبليغ العلم الشرعي قال: “ولزومُ جماعةِ المسلمين” أي: يجب أن يلزمَ المسلمُ ما عليه جماعةُ أهل السنةِ والجماعة من الاعتقاد ومن العلم وما شابه ذلك مما جاء في شرع الله، “فإن دعوتَهم تحيطُ مِن ورائِهُم”
من يَخرج عن جماعةِ أهل السنةِ والجماعة فإنهُ يُحرَم من دعائهم
وأيضاً يُحرَم من دعوتهم المباركة لأنها مبنية على الكتاب والسنة على ما فهمهُ سلفُ هذه الأمة.
وأما ما يُستدل به من قوله -عليه الصلاةُ والسلام- كما عند البخاري: “بلِّغوا عني ولو آيَة” نعم حديثٌ صحيح عند البخاري “بلِّغوا عني ولو آيَة” لكن متى؟
إذا فُهِمَت تلك الآيةُ الفَهْم الصحيح،
أيضًا إذا كنَّا مأمورين بتبليغ آية إذن نحنُ مأمورون بتبليغ الحديث الذي قالهُ النبي ﷺ مما صح عنهُ،
هذا من حيثُ صدرُ الحديث “بلِّغوا عني ولو آيَة” اقرأ آخِرَ الحديث قال:
“ومن كذب عليَّ مُتعمِّدًا فلْيتبوَّأْ مقعدَه من النار”
من يأتي بطرق وبأذكار قبل دعوته! من يأتي بالأحاديث المكذوبة الموضوعة على النبي ﷺ هل يوافق صدر الحديث: “بلِّغوا عني ولو آيَة” !؟
تصديرُ الجَهَلة ممن لا علم عندهُ والخوض في شرع اللهِ عز وجل أهذا يوافق: “بلِّغوا عني ولو آيَة”
بل يدخل تحت الحديث في آخِرهِ: “ومن كذب عليَّ مُتعمِّدًا فلْيتبوَّأْ مقعدَه من النار”
تبليغُ العلم كما قال عز وجل آمرًا نبيهُ ﷺ: ﴿قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ ﴾ على علم وعلى فَهْم وعلى دِراية ﴿أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني﴾ [يوسف:108]
أما قولُ الله عز وجل مما يذكرونهُ: ﴿وَلتَكُن مِنكُم أُمَّةٌ يَدعونَ إِلَى الخَيرِ وَيَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ﴾ [آل عمران: ١٠٤]
فهذه صفاتٌ طيبة، لكنَّ المفلح صفتهُ هو:
الذي يتعلم العلمَ الشرعيَّ الصحيح من أهلهِ، فإذا حَفِظَهُ وفَهِمَهُ وبَلَّغَهُ هُنا يكونُ من المفلحين،
لا أن يفتريَ على شرعِ اللهِ عز وجل!
إذ إنَّ بعضَهم يأتي إلى ما جاء من آياتٍ في الخروج في كتاب اللهِ عز وجل فيفسرها في الخروج الذي لديهم من الخروج ثلاثة أيام أو يخرج أربعينَ يومًا أو ما شابه ذلك!
إذن أيضًا فيه تطاول على كتاب الله وعلى سُنةِ رسول الله ﷺ، فليتنبه لهذا الأمر
بَلِّغ العلمَ الشرعي، لكن متى؟ بعد أن تفهمه، بعد أن تحفظه، وأن تكون الطريقةُ على منهج أهل السُنةِ والجماعة دون أن تُحصَر بأشخاص، أو بأذكار، أو ببدع أو ما شابه ذلك!
فكلٌّ بحسبه وبمقدرتهِ، وليكُن هذا التبليغُ في كلِّ وقت وفي كُلِّ زمن دون تحديدٍ للخروج بأيامٍ معينة.
أسأل اللهَ عز وجل أن يهديَ الجميع وأن يوفقَ الجميع إلى الرجوع إلى منهج أهل السُنةِ والجماعة وإلى تعلم العلم الشرعي الصحيح
وفي المقابل أنت أيُها المُسلم ليس كُلُّ أحدٍ يتحدثُ في شرعِ اللهِ عز وجل تأخُذُ منهُ!
قال ابنُ سيرين كما في مقدمةِ صحيح مسلم: “إنَّ هذا العلمَ دين، فانظروا عمن تأخذون دينَكم “
لأنك تتعبد الله عز وجل بما يُلقى عليك، فيقول قال الله ومعناهُ كذا وهو خطأ! أو قال النبي ﷺ كذا والحديثُ أما أن يكونَ مكذوبًا أو موضوعًا أو ضعيفًا أو أنهُ يُفهَم بِفَهْمٍ غيرِ سليم! وأنت حينها تتعبدُ لله بما قالهُ هذا الشخص.
أسأل الله عز وجل لي ولكم التوفيق والسدادَ في القول وفي العمل، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه أنهُ هو الغفور الرحيم.
الخُطبة الثانية
الحمدُ لله رب العالمين وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدهُ ورسولهُ ﷺ وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين..
اما بعد، فيا عِبادَ الله اعلموا أن خير الحديثِ كِتابُ الله وخير الهُدى هدى محمد وشر الأمور مُحدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةِ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار
هذا وصلوا رحمكم الله على أعظمِ نبيٍّ وأشرفِ هاد، كما أمركم الله بذلك إذ يقول:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦]
اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسُولك؛ محمد وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابةِ أجمعين ونحنُ معهم برحمتك يا أرحم الراحمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشِركَ والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين
اللهم كُنّ لإخواننِا المرابطين على الحدود اللهم كُن لهم ناصراً ومعينا، اللهم ثبت أقدامهم وسددّ رميهم وانصرهم على الرافضة الحاقدين
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئنًا رخاءً سخاءً وسائر بلادِ المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أُمرِنا، اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحِبهُ وترضاه يا كريم، اللهم هيئ لهم البطانة الصالحة التي تُعينهم على الخير وتُدلهم عليه، اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك وتحكِيم سُنةِ نبيك محمد ﷺ
﴿رَبَّنا لا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ إِذ هَدَيتَنا وَهَب لَنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ﴾ [آل عمران: ٨]
﴿رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ﴾ [البقرة: ٢٠١].