بسم الله الرحمن الرحيم
الخُطبة الثانية من: أحاديث ومسائل وفوائد نادرة عن شهر شعبان
لفضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه هي الخُطبة الثانية عن المسائل المتعلقة بشعبان
من المسائل المتعلقة بشهر شعبان:
النبيّ ﷺ قال كما في حديث أُسامة رَضِيَ اللهُ عنه كما في المُسنَد وسُنَن النسائيّ بإسنادٍ ثابتٍ عنه ﷺ أنّه سُئل عن صيام شهر شعبان، فقال ” ذاكَ شَهرٌ يغفل الناس عنه “
وقَدْ أَفَضتُ الحديثَ فيما مَضَى في مَوطنٍ غَيْرِ هذا الموطن مِن إثباتِ صحّةِ هذا الحديث
وأنّ هذا الحديث صحّحه ابْنُ خُزَيمَةَ وابنُ رَجَب وابنُ حَجَر، وحَسَّنَهُ المُنذِريّ وحَسَّنَهُ الألبانيّ
فَهُوَ حديثٌ صحيحٌ، فإن لَمْ يكن صحيحًا فَإنَّ أَقَلّ أحوالهِ أن يكونَ حديثًا حَسَنًا
وثابت بنُ قَيس وهو أبو غُصن حَسَنُ الحَدِيث، وَلَمْ يَتَفَرّد بهِ، بل تُوبِع.
الشاهدُ مِن هذا:
النبيُّ ﷺ كما في حديثِ أُسامةَ في المُسنَد وسُنَن النسائيّ كما ثَبَتَ عنه، أنّه سُئِل عن صيام شهر شعبان، فقال ﷺ: ” ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ “، فكانَ يَصُومه ﷺ.
تنبيه: لا يُؤخَذ مِن هذا الحديث كما أَخَذَ البعض، لا يُؤخَذُ منه استحبابُ صيام شهر رجب، لأنّه لمّا قال: ” ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ”
رمضان يُصام، قد يُظَنّ أنّ رجب أيضًا الناس يصومونه! ويَغفُلون عن شهر شعبان
[[ وهذا الِاستِدلال غيرُ صحيح ]]، فَشَهرُ رجب كَسائر الشهور
وما وَرَدَ كما سَلَفَ فيما مضىٰ، ما وَرَدَ مِن أحاديث تُبَيِّن فَضْلَ الصَّوم في رجب فإنّها أحاديثُ لا يَفرَحُ بِها عالِم، كذلك أيُّ حديثٍ وَرَدَ في فَضلِ الصلاة – كما قُلنا – وكذلك الصوم في شهر رجب فإنّها أحاديثُ لا تَصِحّ عن النبيّ ﷺ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِنَ المسائل المتعلقة بشعبان:
النبيّ ﷺ كما سَلَف كان يصومُ شهرَ شعبان، وجاء أنّه كان يَصُومُ الشهرَ كُلَّهُ
-وبَيَّنَّا أنّه كان يَصُومُ أكْثَرَ الشهر كما جاءت بِذلك الأحاديثُ عن عائشة رضي الله عنها:
مِن أنّه لَم يَستَكمِل شهرًا إلّا رمضان كما عند مُسلم،
وثَبَت أيضًا في الصحيحين مِن حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما.
إِذًا/ كان ﷺ يَصُوم ⇐ أَكثَرَ شعبان.
وما قاله الطِّيبِيّ: مِن أنّه كان يَصُوم في بعض السنوات كُلَّ شعبان؛ وفي بعض السنوات كان يَصُوم أَكثَرَه
وما قيل: مِن أنّه كان يَصُومُ بَعضَ الأيّام مِن أوّله وبعضًا مِن أَوساطه وبعضًا مِن آخِرِه حتّى يَصدُقَ عليه أنّه صام الشهرَ كُلَّه
فإنّ المُتَعَيِّن ما جاء في الحديث الذي وضّح: أنّه كان يصوم أكثَر شعبان
فهو يوضّح رواية: ” كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ “.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومِنَ المسائل المتعلقة بشعبان:
شهر شعبان كان يَصُومُه ﷺ ⇐ لِفَضلِه
وما وَرَدَ مِن حديثٍ عند الطبرانيّ عن عائشةَ رضي الله عنها:
أنّه ﷺ كان يَصُومُ ثلاثةَ أيّامٍ مِن كُلّ شَهرٍ، ولَرُبَّما أَخَّرَها في السَّنَة حتّى تَجتَمِعَ عَلَيه في شعبان
إِذًا: كأنّ هذا الحديث يُشير إلى أنّه كان يَقضِي ما يفوتُه مِن صيامِ التَّطَوُّعِ في شهر شعبان، ولَم يَكُن يَقصُد شعبانَ نفسَه
وهذا الحديث ضعيف لا يصحّ عنه ﷺ.
بل كان ﷺ يَصُومُ شعبانَ لِذاتِ شعبان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومِنَ المسائل المتعلقة بشعبان:
النبيّ ﷺ قال كما في حديث أُسامة كما ثَبَت عنه في المسند وسُنَنِ النسائيّ:
لَمّا سُئل: ” يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ “
قال: ” ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ “.
قال ابْنُ رجب رحمه الله كما في لَطائف المعارِف: لمّا قال ” يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ “
قال ابن رجب: فيه استحبابُ كَثرَةِ العِبادة والإقبال على العِبادة في زَمَنِ غَفلةِ الناس
لأنّ الناس إذا انصَرَفُوا وأَصابَتهم الغَفْلةُ، هُنا يَقِلُّ المُعِين، لَكِن لَو أنّ النَّاسَ أكثَروا مِن العبادة فهناك مَن يُعِينُه.
لَكِن مع قِلّة الأعوان صارَ لِلعِبادة فَضلٌ في زَمَنِ صُدُودِ النّاسِ
ليس معنَى ذلك أنّ الإنسانَ [[ يَختَرِع ]] عِبادات مِن عندهِ. لا!
وإنّما يُقبِل على طاعةِ الله بما شَرَعَهُ الله مِن عِباداتٍ مُطلَقَة أو مِن عباداتٍ مُقَيَّدَة
قال ابن رجب -رحمه الله- (وقَولُه صحيح) قال: ولِهذا أَدِلَّة.
يَعْنِي: إذا رأيتَ الناسَ قد انصَرَفوا ورأيتَ قِلَّةَ المُعِين فَاحرِص على أن تُقبِلَ على طاعةِ الله.
ولذلك -كما في صحيح مسلم- ماذا قال ﷺ؟
قال: ” الْعِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ “، في الهَرْجِ: يَعنِي الفِتنَة، لِمَ؟
قال رحِمَه الله: لِأنّ في وَقْتِ الفِتَن، الكُلّ -إلّا ما رَحِمَ رَبِّي- يَتَّبِعُ هَواهُ، يَتَّبِعُ ما تَهواهُ نَفسُه
فإذا انصرفَ الإنسانُ عن طريقة هؤلاء في اتِّباعِ أَهوائِهم وأَقبَلَ على الطاعة، فَكَأَنَّ حالَه كَحالِ مَن هاجرَ إلى النبيّ ﷺ بِدِينِه، فيَكُونُ له فَضْل مَن هاجرَ إلى النبيّ ﷺ، ولِهذا أدِلّة.
يعني: إذا رأيتَ النّاسَ ينصرفون عن الطاعة، فأَقبِل على طاعة الله عزّ وجلّ
تأمّل هذا الحديث، وأحاديث كثيرة:
النبيُّ ﷺ كما ثَبَت عنه عند الترمذيّ قال عن جَوفِ اللَّيل الآخِر:
” أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ؛ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ “، في تلك الساعة الناس نِيام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هُنا فائدة لَطِيفة وهي عن معنى كلمة ” السَّاعَةِ ” في الأحاديث:
الساعةُ في الأحاديث هي: [جُـزءٌ مِـن الـوَقـت قَـلَّ أَمْ كَـثُـرَ]
أحاديثُ كثيرةٌ وَرَدَت فيها كلمة [ساعة]
بَعضٌ مِن الناس يقول: الساعة ليست موجودة في عَصر النبيّ ﷺ!
انْـتَـبِــه: لَيسَ المقصود الساعة الّتي هي أربعٌ وعشرونَ ساعة. لا
الساعةُ في الأحاديث مِثل، الحديث عن يوم الجمعة:
” مَن راحَ في السَّاعةِ الأُولى فكأنَّما قرَّبَ بَدَنةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً “
وحديث في الصحيحين: ” إنَّ في الجُمُعَةِ لَساعَةً، لا يُوافِقُها مُسْلِمٌ، قائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا، إلَّا أعْطاهُ إيَّاهُ “، وأحاديث كثيرة.
فالساعةُ في الأحاديث هي: [جُـزءٌ مِـن الـوَقـت قَـلَّ أَمْ كَـثُـرَ]
ما يأتي إنسان ويقول: واللهِ، ما جاءت مِن أحاديث في كلمة فيها [ساعة] فَالساعة غير موجودة في عَصر النبيّ ﷺ! هذا خطأ، ليس المقصود (أربعًا وعشرين ساعة) كما في وَقتِنا. لا
كلمة [الساعة] إذا ذُكِرَت في الأحاديث ولَم يكُن المقصود بها يوم القيامة، وإنّما قُصِد بها: ساعةٌ مِن الزَّمَن، فيكون المقصود مِنْهَا: جُزءٌ مِن الوقت، سَواءٌ كان قليلًا أو كانَ كثيرًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نعود للكلام عن العبادة في زمن الغفلة:
في زَمن الغَفلة يَحرِص الإنسان على طاعة الله، ولذلك كان النبيّ ﷺ يُفَضِّل أن يُؤَخِّر صلاةَ العِشاء إلى ثُلُث الليل أو إلى نِصفِ الليل، لِمَ؟ لِأنّه وقت غَفلَة الناس، ولذلك لمّا عَلَّلَ قال ﷺ:
” إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي “
وليست هي العِلّة وحدَها فقط، لا، قال ﷺ -لمّا خرجَ عليهم بعد أن تأخَّر-:
” مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ غَيْرَكُمْ “، فدلّ هذا على فَضلِها.
ونحنُ نحتاج إلى ذِكْر مثل هذا الأمر -وهو الحرص على العبادة زمن الغفلة-، وربّما أستَفيض في هذا الأَمْر في هذه المسألة بِما أنّها ذُكِرَت، لأنّنا في زَمَن انصرفَ الناسُ فيه، أو انصرَف كثيرٌ مِن الناس بِسَبَب الفِتَن
والفِتَن -أيُّها الإخوة- لَيست محصورةً فقط في الدِّماء، الدماء مِن أَعظَم الفتن، لكنّ الفتن أنّ الناس يَنشَغِلون فيما لا طائلَ مِن ورائه.
وأَرَى أنّ مِن أعظَم الفتن في مثل هذا الزمن: وسائل التواصل، التي أشغلت الناس وأضاعت منهم الأوقات والأعمار، وأصبحت محلّ تفاخُر، وأقبَل الناسُ على الدُّنيا -نسألُ اللهَ السلامةَ والعافية- بِالنَّظَر إلى ما لدَى الآخرين، فنحن نحتاج إلى ذِكر مثل هذا الأمر.
ولذلك النبيُّ ﷺ -كما ثبتَ عنه في الحديث الحَسَن- كما في سُنَن أبي داود؛ ماذا قال؟
” إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ ” قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: ” أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ “
سبحان الله !! قال: قَالَ: ” أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ” يَعني: مِن الصحابة، نعم، كيف يكونُ ذلك؟
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: ليس معنَى هذا أنّ مَن كان في آخِر الزَّمَن أنّه يَكُون مِثل السابقين الأوّلِين، مِثل أبي بكر وعُمَر رضي الله عنهما،
يقول: لا يُمكِن أن يعملَ إنسان مِثل ما عَمِلَه السابقون مِن الأعمال، لكنْ قَد يَعمل عَمَلًا مِمّا عَمِلَه أولئك رضي الله عنهم ( لكنْ مجموعُ العَمَل لا يُمكِن ) فيكونُ له مِثل هذا الأجر، وليس معنَى ذلك أنّه يكون مِثلَهم أو أنّه أَفضَل مِنهم، لأنّ لَهُم فضلًا عظيمًا رضي الله عنهم
ولذلك في حديث عند الترمذيّ وعلّقَ عليه رحمه الله:
” مَثَلُ أُمَّتي مثل المَطَر، لا يُدْرَى أوَّلُهُ خَيرٌ أَمْ آخِرُه “
يقول ابن تيميّة رحمه الله:
في هذا فَضلٌ لِلمُتَأَخِّرِين إذ إنّهم يُقارِبون المُتَقَدِّمِين مِن الصحابة رضي الله عنهم
مَن هُم المتأخّرون؟
الّذين يَسِيرون على ما سارَ عليه النبيّ ﷺ وأصحابُه رضي الله عنهم.
قال: فيه فَضلٌ للمتأخّرين إذ إنّهم (يُقارِبون) يُقارِبون، ولكنْ لا يُمكِن أن يَصِلُوا
يُقارِبون مَن؟ يُقارِبون المُتَقَدِّمِين مِن الصحابة رضي الله عنهم.
.
ولذلك كما قال ابن قُتَيبَة: قَد تَقُول مَثَلًا: ( لا يُدرَى وَجْهُ هذا الثَّوب أَفضَل أَم مُؤَخِّرَتُه )
مع أنّك تَعلَم أنّ المقدِّمة مِنهُ أَفضَل، لكنْ مِن بابِ المُقارَبة، فهذا لا يدلّ على أنّ مَن في هذا العصر يساوي الصحابة رضي الله عنهم! لكنْ هناك فَضلٌ ومِيزة.
ولذلك عَلَّق رَحِمَه الله علىٰ حديثٍ عند ابن نُعَيم، إنْ ثَبَت، فِيه ما فِيه لَكِنْ هو أَورَدَهُ رحمه الله، مِن أنّ في الحديث: ” أَفضَلُ هذه الأُمَّة أَوَّلُها وآخِرُها؛ أَوَّلُها أنا فِيهِم -يقول ﷺ أنا فيهم- وآخِرُها فيهم عيسى ابنُ مريم. قال: وبَينَهم ثَبَجٌ أَعوَج لا خَيرَ فِيهم ” يَعني وَسَطٌ أَعوَج لا خَيرَ فيهم.
يقول: هُنا أيضًا في آخر الزمان، هناك خَيرِيّة في آخر الزمن لِمَن يَسِير على طريقة النبيّ ﷺ وعلى طريقة أصحابِه رضي الله عنهم. ولا يدلّ على أنّهم أفضل مِن الصحابة رضي الله عنهم.
وكذلك حديث: ” مَن أَعجَبُ الناسِ إيمانًا؟ “
هذا إن ثَبَت، لكنْ جَزَمَ بِنِسبَتِه ابنُ كثيرٍ إلى النبيّ ﷺ، حديث لمّا سألهم، قال:
” يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَعْجَبُ الْخَلْقِ إِيمَانًا؟» قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ. قَالَ: «وَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُ الْمَلَائِكَةُ وَهُمْ يُعَايِنُونَ الْأَمْرَ؟»
قَالُوا: فَالنَّبِيُّونَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وكَيْفَ لَا يُؤْمِنُ النَّبِيُّونَ، وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ»، قَالُوا: فَأَصْحَابُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُ أَصْحَابِي وَهُمْ يَرَوْنَ مَا يَرَوْنَ؟
” أي: كيف لا تَكُونُون وأنا بَينَ أَظهُرِكم “
قال: ” وَلَكِنَّ أَعْجَبَ النَّاسِ إِيمَانًا، قَوْمٌ يَجِيئُونَ مِنْ بَعْدِي، يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي، وَيُصَدِّقُونِي وَلَمْ يَرَوْنِي، أُولَئِكَ إِخْوَانِي “
وفي حديث: ” إنَّ أشدَّ أمَّتي حبًّا لي قومٌ يأتونَ مِن بَعدي، يُؤمنونَ بي و لم يرَوني، يعمَلونَ بما في الورَقِ المعلَّقِ ” يَعني: بِالمصاحِف.
فَدَلّ هذا على أنّ – وهذه وَصِيَّة لِنَفسي أَوّلًا ثُمَّ لَكُم- في زمن الفِتَن وزمن صُدود الناس، وإذا غَفَل الناس أَقبِل علىٰ طاعة الله عزّ وجلّ، فإنّ لها أجرًا عظيمًا عند الله، ولذلك ماذا قال هُنا؟ قال:
” ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومِنَ المسائل المتعلقة بشعبان:
هناك حديثٌ وهو أنّ النبيّ ﷺ كما في حديث عِمران في الصحيحَين قال، له أو لِغَيرِه
” أَصُمتَ الشَّهرَ وسَرَرَهُ؟ ” بِفَتح السين، ويَصحّ ضَمُّها وفَتحُها .
[السَّرَر] الصحيح أنّه آخر أيّام شعبان كما سيأتي.
ولذلك عند مسلم قال ﷺ: ” أَصُمتَ مِن سَرَر شعبان؟ ” ويَصِحّ وسُرَرِه وسِرَرِه، المهمّ أنّ الراء مفتوحة دائمًا لكنّ السين الأَشهر الفَتح، ولكَ أن تَضُمّ ولكَ أن تَكسِر
الشاهِد مِن هذا قال ﷺ: ” أصمتَ مِن سرَرِ شعبان؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرتَ، فَصُمْ يومين “.
القُرطُبيّ -رحمه الله- ماذا قال؟
قال: هذا يدلّ على أنّ صيام يوم مِن شعبان يَفضُل على صيامِ يومٍ آخَر في غَير وَقتِه مَرَّتَين.
يَعني: أنّ اليوم في شعبان أَفضَل مِن صيامِ يَومَين في غَيرِه.
قال ابن حَجَر -رحمه الله- وقد اعتَرَضَ على القُرطُبيّ ثُمَّ رَجَع. قال:
” لكنْ وَرَدَ في سُنَن أبي مُسلِم الكَجِّيّ ” ويصحّ (الكَشِّيّ) وهو إبراهيم بن عبدالله صاحِب السُّنَن، وهو عنده عُلُوُّ إسنادٍ، وهو صاحِب الثُّلاثِيّات.
الإسناد الثلاثيّ هو: ما كان بَينَ المُصَنِّف وبَينَ النبيّ ﷺ ثلاثة ( الصحابيّ والتابِعِيّ وتابع التابعيّ ) يَعني يَكُون الضَّعف في السَّنَد قليل؛ لأنّه عالي الإسناد.
وأَكثَر الكُتُب مِن الكُتُب السَّبعَة إسنادًا هو: مُسنَد الإمام أحمد، أكثَر مِن ثلاثمئة سَنَد بِالمُكَرَّر ثُلاثِيّ.
الشاهِد مِن هذا، قال: وَرَدَ عند أبي مُسلِم الكَجِّيّ أو الكَشِّيّ -يصحّ النطقُ بِهذا وبهذا- قال ﷺ:
” أَصُمتَ مِن سَرَر شعبان؟ قال: لا. قال: فَصُم مكانَ ذلك اليوم ” نَصَّ علىٰ إفراد اليَوم
” فَصُم مكانَ ذلك اليوم يَومَين “
لأنّه رضي الله عنه كان مُعتادًا على الصِّيام في شهر شعبان، فلمّا سَمِعَ بِحديث النبيّ ﷺ:
” لا تَقَدَّمُوا رمضانَ بِصِيامِ يومٍ أو يَومَين ” ظَنَّ أنّه لا يُكمِل،
وسيأتي إن شاء الله بَيان الحديث أكثَر
لمّا سمِعَ بِالحديث ظَنَّ أنّه لا يُكمِل مع أنّه كان مُعتادًا رضي الله عنه على الصِّيام، فلمّا لَم يَصُم أَمَرَه ﷺ بِأن يَصُوم يَومَين بَعدَ ذلك.
فدلّ هذا ( هي إشارة ) هي إشارة ليس هناك نَصّ واضِح مُؤكَّد، لكن هناك إشارة على فضيلة صِيام شعبان.
فَصُم ما استطعتَ عبدَ الله، صُم ما استطعتَ مِن أيّامٍ في هذا الشهر (وهو شهرُ شَعبان) اقتِداءً بِالنبيّ ﷺ، ولَعلَّكَ تَحُوز على هذا الفَضل وهو ما استَشَفَّهُ القُرطُبيُّ -رحمه الله- مِن أنّ صِيام يَومٍ مِن شعبان كأنّه عن صيامِ يومَينِ في غَير شعبان.
ولِلحَديث إن شاء الله تَتِمَّة في الخُطبة الثالثة من المسائل المتعلقة بشهر شعبان.