الخطبة الثانية من المسائل والأحكام لمن يذهب إلى الصحراء

الخطبة الثانية من المسائل والأحكام لمن يذهب إلى الصحراء

مشاهدات: 616

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الثانية من المسائل والأحكام لمن يذهب إلى الصحراء

فضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري

۲ ۲۲٧ ۳ ٤ ۱ هـ

____________________

ما زلنا في ذكر الأحكام والمسائل والآداب التي تتعلقُ بالصحراء

لاسيما أن هذا الوقت هو وقتُ خروجِ الناس كما جرت العادةُ عندنا؛ أن هذا الوقتَ وما بعدَه مِن أوقاتٍ

حتى ينتهيَ فصلُ الشتاء أنه وقتٌ لخروج كثير من الناس إلى البر.

____________________

من المسائل: إذا أردت أن تخيم في البر؛ أو أن تبقى فيه ساعات؛

فاجتنب المكانَ الذي تكون به جُحور، فإنها مَظِنّةُ وصولِ الأذى إليك.

الدليل: قال النبيُّ ﷺ كما في الصحيحين: لا يُلدَغُ المؤمنُ من جُحرٍ مرَّتينِ

 فأرشد النبي ﷺ أن يكون المؤمن فطِنًا في التعامل مع الناس،

كما أنه فطن في توقّي الشر الذي ربما يُصيبه؛ فيما لو كان قريبا من الجُحر أو أدخل يدَه في الجُحر.

____________________

ومن المسائل: أن من أراد أن يقضي حاجتَه في الصحراء، فإنه لا يرفع ثوبَه حتى يكون قريبا من الأرض؛ لفعله ﷺ، والسبب لئلا ترى العورةُ مِن قِبَلِ الآخَرين، في سنن أبي داود من حديث أنس رضي الله عنه كما ثبت عنه ﷺ: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أراد الحاجةَ لم يرفعْ ثوبَه حتَّى يدنوَ من الأرضِ.

____________________

من المسائل: معلومٌ أن المسلم إذا أراد -يعني قبل دخوله إلى ما يسمى

بدورات المياه- يعني الحمام قبل دخوله يقول ما ثبت وجاء في الصحيحين

أن النبي ﷺ يتعوذ بالله من الخبْث والخبائث، وتنطق الخبُث والخبائث،

الخبُث: معناها ذكران الشياطين، الخبائث: إناث الشياطين

أو بالتسكين (الخبْث) بتسكين الباء، فيكون المعنى -وهذا أعمّ-

أعوذ بالله من الخبْث يعني: من الشر بجميع أنواعه، والخبائث: يعني من الشياطين الذكور منهم والإناث.

 

 هذا يقال: إذا أراد الإنسان أن يدخل الحمام لقضاء حاجته

أيقال في الصحراء؟

ج/ نعم؛ لِتَقُل هذا الذكر، لما جاء في الأدب المفرد، كما ثبت عنه ﷺ:

كانَ إِذَا أَتَى الْخَلَاءَ بهذه الصيغة كَانَ إِذَا أَتَى الْخَلَاءَ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ

فدل هذا على أن هذا الذكر يقال عند إرادتك لقضاء حاجتك في الصحراء.

____________________

ومن المسائل: إذا أردتَ أن تقضيَ حاجتك، فاختر مكانا لينا حتى لا يرتد إليك بولُك،

 فإن لم تجد إلا مكانا صلبا: فلتنكث بعود حتى يجتمع لك تراب فتبول في هذا التراب.

جاء حديث، لكنه ضعيف من أنه ﷺ

كان إذا أتى إلى أرض صلبة نكت بعود حتى يجتمع الرمل فيبول فيه،

لكن وإن كان ضعيفا، إلا أن المعنى يدل عليه معاني الأحاديث تدل على هذا، وهو التوقي من النجاسة، لأنه جاء في الصحيحين وفي غيرهما:

أن من أسباب عذاب القبر أن الإنسان لا يستتر ولا يتنزه من بوله.

____________________

ومن المسائل: إذا أردت أن تقضي حاجتك في الصحراء فاحذر أن تستقبل القبلة أو أن تستدبرها

احذر فإنه أمر محرم؛ لنهي النبي ﷺ عن ذلك كما في الصحيحين من حديث أبي أيوب رضي الله عنه.

 

 وبما أنني ذكرتُ ما يتعلق بقضاء الحاجة في الصحراء بألا تستقبل القبلة، وألا تستدبر أثناء قضاء الحاجة -انتبه! كذلك التفل:

وهذا شامل في صحراء، في مدينة، بعض الناس يتفُل تجاه القبلة

– طبعا إذا كان في الصلاة معروف ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال النبي ﷺ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى “.

هذا في الصلاة معروف، لكن لو أنك في غير صلاة:

 بعض الناس ربما يكون سائرا يتمشى مثلا في الصحراء، وأراد أن يتفل؛ فتفل تجاه القبلة،

أو ربما بعض الناس يخرج من المسجد يريد أن يذهب إلى بيته

أو يخرج من أي مكان؛ المهم يتوجه إلى بيته وطريقه تجاه القبلة فيتفل -التفل العادي- فما ظنكم بما هو أعظم؛ من نخامةٍ ونحو ذلك! فالتفل تجاه القبلة

كنت في صحراء، كنت في مدينة، في صلاة في غير صلاة؛ احذر! لم؟

قال النبي ﷺ كما ثبت عنه عند أبي داود:

مَنْ تفلَ تِجاهَ القِبْلَةِ، جاءَ يومَ القيامةِ تفلُهُ بينَ عينَيْهِ“.

____________________

ومن المسائل: أن الإنسان إذا أراد أن يقضي حاجتَه في الصحراء،

أو في مكان فضاء وهو يشمل الصحراء، أو في مكان فضاء عمومًا

أنه يحذر من أن يتبول أو يتغوط في أماكن يحتاجها الناس؛ كتحت شجرة

أو أشجار يحتاجها الناس، فإنه إن ورد حديث نهى النبي ﷺ أن يُتغوط تحت شجرة وبه ما به من الضعف، لكن قال ﷺ كما في صحيح مسلم: اتَّقوا اللَّاعنَينِ، قالوا: وما اللَّاعنانِ يا رسولَ اللهِ؟

اتَّقوا اللَّاعنَينِ يعني ما يجلب لعن وسخط الناس عليك

قَالُوا : وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ” الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ

ومن هنا تأتي مسألةٌ أخرى وهي مسألة ماذا؟

والحديث ينطبق على هذه المسألة وينطبق على المسألة الآتية وهي:

أن بعضا من الناس، ربما يضع مخلفاته المتبعثرة المتناثرة تحت تلك الأماكن والأشجار التي يستفيدُ الناسُ منها! تحت شجر أو غير الشجر، وهذا أمر محرم ولا يجوز له؛ لم؟

لأنه إن فَعل كلُّ شخصٍ هذا الفعل، ولوث المكان، فما ظنكم فيما لو لوّثَه بتغوط أو بول، هذا من باب أعظم، فلو أن كل شخص أو كل مجموعة لوثت وعفّنت المكان الذي تخرُجُ منه، هنا تُضيِّق الأماكن على الناس الآخَرين، والنبي ﷺ قال وهو في جهاد، جهاده ﷺ كان في سفر قال ﷺ كما ثبت عنه عند أحمد وأبي داود مَن ضَيَّقَ مَنزِلًاهذا تضييق للمنازل كما مر معنا مَن ضَيَّقَ مَنزِلًاهذا معنى له: أن بعضَهم يجتمعون؛ يجتمع بعضهم إلى بعض حتى يضيق المنزل بهم، أيضا من المعاني أن يضيق المكان بهذا التلويث:

من ضيَّقَ منزِلًا، أو قطعَ طريقًا، أو آذَى مؤمِنًا، فلا جِهادَ لَهُ“.

انظر: إذا كان هذا فيما يتعلق بذهابهم للجهاد، فما ظنكم فيمن ذهب للتنزه أو للصيد أو ما شابه ذلك.

____________________

 

ومن المسائل: أنك إذا كنت في الصحراء، ولو كنتَ وحدَك

فاحرص على أن تؤذن ولو كنت وحدك؛ مع أن المشهور عند العلماء

أن الأذان والإقامة في حق المنفرد وحده سنة، يعني ليس بلازم، لكن مع ذلك احرص على أن تؤذن، وأن تقيم ولو كنت وحدَك

الدليل: ما ثبت أن النبي ﷺ قال كما عند أبي داود: يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ الشظية: القطعة من الجبل، وقيل: هي الصخرة التي تكونُ في أعلى الجبل كأنه أنفٌ للجبل.

المهم سواء كان في الجبل أو لم يكن المهم أنه في فلاة:

يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا ؛ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، يَخَافُ مِنِّي، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ “.

دليل آخَر لمن كان يرعى في الصحراء، أو ذهب لأي غرض من الأغراض في الصحراء قال النبي ﷺ كما في صحيح البخاري – يعني الأذان كما سلف يؤذن ويقيم، يزيد على ذلك أنه يرفع الصوت لا يُسمع نفسه، لا، بل يحرص على أن يرفع الصوت بقدر المستطاع، بدون أن يشق عليه، أو أن يؤذيه؛ المهم أنه يرفع صوته قال ﷺ كما عند البخاري: فإذا كنتَ في غنمِكَ أو باديتِكَ، فأذَّنْتَ للصلاةِ، فارفَعْ صوتَكَ بالنداءِ، فإنَّه لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ ولا إنْسٌ ولا شيءٌ إلَّا شَهِدَ له يَومَ القِيامَةِ

 

الوارد في الصحاح :في الصحيحين وفي غيرهما :أن من صلى في جماعة فله خمس وعشرون درجة.

لتعلم :أنك إذا كنت في الصحراء وكنت وحدك هذا يشمل أنك وحدك، ومن باب أولى :أن تكون في جماعة؛ وهذا يشملك ولو كنت وحدك على الصحيح من قولَي العلماء، ولا يلزم أن تكون في جماعة إذا صليتَ بهذه الشروط فلتعلم أن لك خمسين صلاة، أن لك ماذا؟

أن لك خمسين صلاة، وهذا يشمل الرجال والنساء فيما لو أن المرأة مثلا أو أن النساء خرجن مثلا في مخيم مع أهليهم، فصلت المرأةُ مع النساء جماعة، أو صلت وحدها، فإن هذا الأجر يحصل لها كما يحصل للرجال

ما هو -حتى نظفر بخمسين صلاة-؟

ثبت عند أبي داود أن النبي ﷺ قال: الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً قال: فإذا صلَّاها في فلاةٍ هذا موضع الشاهد، فإذا صلَّاها في فلاةٍ فأتمَّ رُكوعَها وسجودَها ومع السجود الوضوء، لأنه حديث أبي سعيد عند أبي داود كما ثبت عنه، وفي رواية عند الحاكم بإسناد صحيح عن أبي سعيد:

 فَأَتَمَّ وُضُوءَهَا وَرُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ صَلَاتُهُ خَمْسِينَ دَرَجَةً

لهم خمسون صلاة سبحان الله! لماذا هذا الفضل؟

طبعا إن كان في جماعة فقد قال الشوكاني في نيل الأوطار:

 إن كان جماعة وصلاها بهذه الشروط، فأتم وضوئها وركوعها وسجودها تضاعفت تضاعف مَن صلى في جماعة؛ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء

الشاهد من هذا لو قال قائل: لماذا هذا الفضل؟

ولتعلم لو كنت مسافرا يصدق عليك هذا الحديث، ويصدق عليك لو كنت مارا بمحطة، محطة بنزين أو محطة استراحة يشمل، أما ما يقوله ويُنشر ويُذاع ويُذكر من بعض الناس في وسائل التواصل: أنه إن كان في سفر فلا يصلي في المحطات، وإنما يذهب إلى أرض ويصلي فيها! هذا ليس بصحيح، لأن المحطة أصلا في أرض فلاة فيشمل لو صليت في مسجد المحطات شمَلك هذا الحديث لم؟

لأن المحطة أصلا في أرض فلاة، فالشاهد من هذا: لماذا هذا الفضل؟

بعض العلماء يقول لأنه أبعد عن الرياء.

بعض العلماء وهو الأقرب قال:

لأن الصلاة في الصحراء في أرض فلاة مظنة المشقة والسرعة، وهو في تلك الحال لما صبر وصابَر وتمهل في صلاته في ركوعه في سجوده وأحسن وضوءَه، هنا لما غالب تلك المشقة ما غالبها إلا لإيمانٍ في قلبه وتعظيم لله عز وجل، فعظم هذا العمل لعظم ما في قلبه من تعظيم هذه الصلاة، فإنه لما قاوم نفسه وخشع فيها، وأتم الوُضوءَ والركوع والسجود نال هذا الأجر من الله عز وجل.

وهذا يُتفطن إليه، فهي فرصة عظيمة للمسلم فيما يخص هذه الصلاة.

 

سُنّة ثابتة: الصلاة في النعال

النبي ﷺ كما ثبت عنه عند أبي داود من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أنه قال:

 خالِفوا اليهودَ؛ فإنَّهم لا يُصَلُّون في نِعالِهم ولا خِفَافِهم.

وجاء عند الطبراني كما ثبت عنه ﷺ من حديث شداد قال ﷺ:

صلوا في نعالِكمْ ولا تشبهُوا باليهودِ.

إذًا نحن في مثل هذه المساجد لا يتيسر لنا أن نصلي بنعالنا، حتى لا تتلوث الفرشة وفُرَش المسجد، لكن بما أنك في الصحراء، وخرجت في الصحراء، فطبق هذه السنة صل في نعالك إذا كنت في أرض فلاة أو في صحراء أو في المدن، لو كنت في المدينة، ولم يكن هناك مسجد مفروش وإنما في مكان فضاء فصل في نعالك فإنها سنة ثابتة عنه ﷺ.