الخطبة الرابعة من أحاديث ومسائل وفوائد نادرة عن شهر شعبان

الخطبة الرابعة من أحاديث ومسائل وفوائد نادرة عن شهر شعبان

مشاهدات: 592

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الرابعة من أحاديث ومسائل وفوائد نادرة عن شهر شعبان

لفضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحريّ

https://youtu.be/fXXKkTDq4I8

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

هذه هي الخُطبة الرابعة المتعلِّقة بشهر شعبان:

 

مِن المسائل والفوائد:

سَبَقَ في الجُمُعة الماضية أن تحدَّثنا عمّا يتعلّقُ بِنِصفِ شهر شعبان.

وبَعدَ مُضِيّ الخُطبة بِأيّامٍ وَرَدَت إليّ بعضُ الأسئلة مِنها:

أنّ بعضًا مِن الناس اقتَحَمَ شَرعَ الله جلّ وعلا بالاحتِفال بِلَيلَة النِّصفِ مِن شعبان، بل زادَ على ذلك فقالَ: إنّه مِن السُّنَّة!

 

ولْيُعلَم -كما سَبَقَ- أنّ الاحتِفاءَ بِها ليس مشروعًا وليس جائزًا ولَم يَفعلْه النبيُّ ﷺ ولا صحابَتُه الكِرام، وذَكَرنا فيما مضَى التفصيلَ فيما يتعلَّق بهذه المسألة.

 

ومِن ثَمَّ: فإنّه ما يُفعَلُ في بعض المناطِق كما وَرَدَ إليَّ: مِن أنّهم يَحتَفِلون احتِفالًا مُصَغَّرًا، وقد يكونُ في بعض المناطِق احتفالًا مُكَبَّرًا لكنّهم يحصُرونَه بالأطفال! فإنّ هذا لا يجوزُ في شرع الله.

وكما يُفعَل مِن تَقسيمِ بعض الحَلوى على الأطفال أو ما شابَهَ ذلك فإنّ هذا ليس بِمَشروع.

 

خُذها -بارك الله فيك-: ما أتَى به الشرعُ وما أتَى به الصحابةُ رضي الله عنهم فَعَلَى العَين والرأس.

 

لا احتفالات في لَيلة النصف من شهر شعبان، ولا فِعل أيّ عبادة.

-وكما سبق- لَم يَرِد حديثٌ صحيحٌ في فَضلِ لَيلَة النِّصفِ مِن شعبان.

 

حتّى إنّهم أَورَدُوا حديثًا لا يصح: ” إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ نَادَى مُنَادٍ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ فَلَا يَسْأَلُ أَحَدٌ شَيْئًا إِلَّا أُعْطِي إِلَّا زَانِيَةً بِفَرْجِهَا أَوْ مُشْرِكًا “

وهذا حديثٌ لا يَصِحّ.

 

وهذا يؤكِّد ويُقَرِّر ما سَبَقَ: مِن أنّ الاضطرابَ موجودٌ في حديثِ بَيانِ فَضلِ لَيلَة النِّصفِ مِن شعبان، فهي كَسائر الليالي.

 

وما يُذكَر مِن أنّ عليّ بن أبي طالِب رضي اللهُ عنه أنّه خَرَجَ لَيلَة النِّصفِ مِن شعبان فَنَظَرَ إلى السماءِ أكثرَ مِن مرّةٍ، فَقال: خَرَجَ داودُ عليه السلام في مِثلِ هذه الساعَة فَنَظَرَ إلى السماءِ فَقال:

” إنَّ هذهِ السَّاعةَ ما دَعا الله أحدٌ إلَّا أجابَهُ، ولا اسْتَغْفَرَ أحدٌ في هذهِ الليلةِ إلَّا غَفَرَ لهُ، ما لم يَكُنْ ساحرًا أو شاعرًا أو كاهنًا أو شرطيًّا أو صاحبَ كوبةٍ ” أي: صاحِب طَبل.

هذا ليس بِحديث عنِ النبيُّ ﷺ، ومع هذا كُلِّه فلا يَصِحّ عنه رضي اللهُ عنه، فهو أَثَرٌ ضعيف.

فتنبّه رعاك الله:

كُلّ ما وَرَدَ في لَيلَة النِّصفِ مِن شعبان -كما حَقَّقَهُ العُلُماء- لا يَثبُت عن رسول الله ﷺ،

والخَيرُ كُلُّ الخَير في اتّباع هَديهِ صَلَواتُ رِبّي وسلامُه عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مِنَ المسائل المتعلقة بشهر شعبان:

[أربع حالات لصوم آخِر يومين من شعبان: فرض- احتياط- تطوع-عادة

فما هو الجائز؟ والممنوع؟]

 

النبيُّ ﷺ قال كما في الصَّحيحَين:

” لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ “

” لَا تَقَدَّمُوا ” أصلُها: لا تتقدّموا.

” إِلَّا رَجُلٌ ” رُفِعَ هُنا بِاعتِبار أنّه بَدَل مِن الواو التي هي فاعِل في” لَا تَقَدَّمُوا ” لأنّ الاستثناءَ هُنا غَير مُوجَب (الموجَب يعني غير المؤكَّد) لأنّه تَقَدَّمَه إمّا نَفيٌ أو نَهيٌ أو استِفهام، هنا تَقَدَّمَه نَهيٌ:

” إِلَّا رَجُلٌ ”  

وَوَرَدَ كما عند البخاريّ: ” إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ ” فيكونُ فاعِل لِكانَ التّامَّة.

 وَوَرَدَ ( إلّا رَجُلًا )بِاعتبار النَّصب على الاستِثناء. فَيَصِحُّ الوَجهان ( إمّا البَدَلِيَّة وإمّا النَّصب إذا كان الاستثناءُ تامًّا غَيرَ موجَب )

 

فالشاهِدُ مِن هذا:

قال ﷺ: ” لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ “

 

انتَبِه: في آخِر أيّام شعبان، في اليوم الأخير؛ في اليَومَين الأخيرَين، هُنا:

إن صامَ الإنسانُ احتِياطًا لِشهرِ رَمضان: فإنّه مَنهِيٌّ عنه لِهذا الحَديث،

 بل قال عمّار بن ياسِر كما ثَبَتَ عنه: ” مَن صامَ اليَوم الّذي يُشَكُّ فيه فَقَد عَصَى أبا القاسِم ﷺ “

 والصحيح أنّه يستوي في ذلك النَّهي عن صيام آخِرِ يوم مِن شعبان سَواء كان الجَوُّ صَحوًا أو كان غَيمًا.

 

لكن إن صامَه بِنِيّةِ القضاء: (عليه قضاء) فلا حَرَجَ ولا إشكال في ذلك.

 

إن صامَه بِنِيّةِ التطوّع: يُرِيدُ التطوّع، لا يُرِيدُ الاحتياط لِشهر رمضان، وليس قضاءً، وإنّما أرادَ التطوّع، هُنا:

 إن كانت عادَتُه جَرَت بِأن يصوم مثلًا شهر شعبان: فَهُنا لا إشكالَ في ذلك، كما مرّ مَعَنا.

إن كان الرجُلُ مَثلًا كان مِن عادَتِه أن يصومَ يوم الاثنين، فَصادَف يوم الاثنين اليوم الأخير مِن شهر شعبان، أو اليوم الذي هو قبل اليوم الأخير من شهر شعبان: فَلا إشكالَ في ذلك. لِمَ؟

لأنّ عادتَهُ جَرَت بذلك. ولذلك في الحديث: ” إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ “

يعني: كانت مِن عادَتِه

 

أمّا إذا أرادَ التطوّع مُطلقًا: (يعني لَم تكُن له عادة) فإنّه مَنهِيٌّ عنه.

 

ولا يُعارِض هذا الحديثُ الحديثَ الذي أورَدناه فيما مضىٰ في الصحيحَين حديث عِمران

النبيُّ ﷺ قال لِرَجُلٍ: ” أصمتَ مِن سرَرِ شعبان؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرتَ، فَصُمْ يومين “.

(السَّرَر) هنا على الصحيح أنّه آخر الشهر؛ لأنّ القمر يَستَتِرُ فيه،

ولا يصحّ على أنّه أوّل الشهر كما قيل.

 

والنوَوِيّ -رحمه الله- يَميل إلى أنّ السرَر هُنا بِمعنى الوسط؛ لِروايةٍ عند مسلم:

 ” أصمتَ مِن سُرَّة شعبان ” والسُّرَّة هي الوسط في بَدَن الإنسان.

 

لكنّ الصحيح الذي عليه المحقِّقون: ” أَصُمتَ شعبان وسَرَرَهُ؟ “

 ويَصِحّ كما سَلَف ( وسِرَرَهُ ) ( وسُرَرَهُ ) بِالضَّمِّ والفَتحِ والكَسر ( والفَتح أشهر كما سَلَف )

 

فَهُنا: ” قال: لا يا رسولَ الله ” لماذا لَم يَصُم؟ لأنّ هذا الرجُل كان يَظُنُّ أنّ هذا الحديث يَشمَل الجميع:

” لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ “

يَظُنُّ أنّه يَشمَل الجميع.

لا، فَمَن عادَتُه أن يصومَ شعبان، فلا يَدخُل في ضِمنِ حديث:

” لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ “.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المسألةُ التي تليها:

 

مِنَ المسائل المتعلقة بشهر شعبان:

لَو قال قائل: لماذا نَهى الشرعُ عن صِيام آخرِ يَومَين؟

قال ابنُ رجب رحمه الله كما في لَطائف المعارِف: نُهِيَ عن ذلك حتّى لا يُزاد في رمضان ما لَيسَ منه، كما وَقَعَ أهلُ الكِتاب إذ أَدخَلوا في الفَرض؛ أدخَلوا فيه النَّفل.

فحتّى لا يُزاد في هذا الشهر.

ولذلك كما قال ابن رَجَب: لماذا حُرِّمَ؟ مِن أَوجُه تحريم صَوم يوم العيد:

 حتّى لا يُدخَلَ في رمضان ما ليس مِنه.

ومِن الحِكَم: أنّه يُفصَل بَينَ الفَرض والنافِلة، لأنّ الفَصل بَينَ الفَرض والنافِلة كما في حديث:

” أَنْ لا تُوصَلَ صَلَاةٌ بصَلَاةٍ “، أَمرٌ نَدَبَ إليه الشرع.

 

وأمّا ما يُقال مِن أنّ صيامَهما قد تُضعِف بَدَن الصائم، فَيُعطَى فُرصة حتّى لا يَثقُل عليه صيام رمضان، فهذا ليس بِصَحيح؛ لأنّ هذا مَنقوض بما ذُكِرَ: مِن أنّ الشرع نَدَبَ إلى صيامِ شهرِ شعبان أو أكثَر صيام شهر شعبان.

 

وأمّا كما قال ابنُ رجب رحمه الله في لطائف المعارف: ما ظنّه بعضُ الجُهّال؛ مِن أنّه نُهِيَ عن الصوم في آخر أيّام شعبان حتّى يأخُذَ الإنسان حقّه مِن الأكلِ والشُّربِ قَبلَ دُخولِ رمضان

قالَ: ويُسمُّونها بـ[ِتَودِيع الأَكل] يُوَدِّعون الأكلَ! لأنّ رمضان سَيدخُل عليهم

قال: هذا جَهل، قال: ولذلك يُسمُّونه بِـ [أيّام التنحيس]!

 

[لَعلَّه في زمنهم، ولا يُدرَى ربّما أنّه تُرَوَّج رسائل أو تأتي بدع نسأل الله السلامة والعافية مع هذا الانفتاح في وسائل التواصل الانفِتاح العالميّ؛ الذي دَخَلَ على المسلمين ودَخَلَت عليهم الشرور قد يُرَوَّج]

قال: يُسمُّونها بِـ [أيّام التنحيس]، يعني: مأخوذ مِن الأيّام النَّحِسَة المَشؤومَة! نسأل الله السلامة والعافية

قال: وما قال بعضُهم -حتّى يُجَمِّلَ ذلك- يقول بعضهم إنّه يُسَمِّيها (تَنهيس) مِن النَّهس وهو الأَكل

قال: غَلَط هذا خطأ، وإنّما كانوا يُسمُّونها بـ (أيّام التنحيس) مأخوذ مِن الشُّؤم

 

قال ابنُ رجب رحمه الله: وهذا إن دلّ، يدلّ على أنّ هؤلاء يَصعُبُ عليهم ويَثقُلُ عليهم صيام رمضان، حتّى إنّ بعض الشعراء (كما ذَكَرَ) كان يَسُبّ رمضان! فَابتلاه الله عزّ وجلّ بِالصَّرَع، فَلَم يُدرِك رمضان الذي أتَى بَعده.

وذلك يظنّون أنّ رمضان مَشَقَّة وعَنَت! كَلَّا فهو خير، ولذلك كان النبيّ ﷺ يُبَشِّرُ أصحابَه بِدُخولِ رمضان كما ثَبَت في حديث أبي هُرَيرَة رضي الله عنه في مُسنَد الإمام أحمد وسُنَن النسائيّ:

” أتاكم رمضانُ شهرٌ مباركٌ “

 

ولذلك كما قال ابنُ رجب: باعَ بعضُ السَّلَف جارِية إلى قوم؛ فلمّا أتَى رمضان إذا بِهم يستعدّون قَبل رمضان بِالأطعمة [يعني استعداد الناس بِالأطعمة في مثل هذا الزمن قَبل رمضان، هذا ليس وَلِيد هذا العَصر؛ لا، مِن القِدَم]

فَرأتهم يُعِدُّون لِرمضان ويشترون الأطعمة والأشرِبة، فَقالت: ما هذا؟ قالوا: مِن أجل رمضان. فقالت: أَوَلا تصومون إلّا رمضان؟! واللهِ، لَقَد جِئتُكم مِن قَومٍ كلّ أيّامِهم رمضان. رُدُّوني إليهم.

 

المُوَفَّق مَن وَفَّقَه الله.

 

ولذلك كما قال ابن رجب رحمه الله: باعَ شخصٌ جارية؛ أو بِيعَت جاريةٌ إلى قَوم، فَلَمّا جاءَ نِصفُ الليل، قالت: الصلاة الصلاة، توقظهم. فقالوا: أَطَلَعَ الفجرُ؟ قالت: لا، أَوَلا تُصَلُّون إلّا الفريضة؟!

فَذهبت إلى صاحبها وقالت: رُدَّني إليك، فإنّ هؤلاء قَوم سُوء.

قَوم سُوءٍ باعتبارِ هذا ما تراه، لكنْ مَن أتَى بِالفريضة فلَيس بِرَجُلِ سوء.

 

ولذلك النبيّ ﷺ قال كما في صحيح البخاريّ في الحديث القُدسيّ قال الله عزّ وجلّ:

” وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه “

الفريضة أحبُّ إلى الله مِن النافِلَة. لِمَ؟

قال ابنُ حَجَر رحمه الله في الفَتح: لِأنّ مَن لَم يأتِ بِالفريضة سَيُعاقَب

ولأنّ الفريضة هي الأَصل والقاعدة، والنافلَة مُتَمِّمة ومُكمِّلة، ولذا صارت الفريضةُ أحبَّ إلى الله عزّ وجلّ مِن النافِلَة.

 

لا شكّ أنّ الإنسان إذا كان قادِرًا على فِعل الخَير فَلْيَحرِص عليه، أو كان ممّن يُنسبُ إلى الخير فَعَلَيه أن يحرص على الخير، فلذلك في الصحيحَين ماذا قال النبيّ ﷺ لِعبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ” نِعْمَ الرَّجُلُ عبدُ اللَّهِ لو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ “

 

ليس معنَى ذلك أنّ عبد الله رضي الله عنه ليس بِشَخصٍ مُثنًى عليه

” نِعْمَ الرَّجُلُ عبدُ اللَّهِ لو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ “

( لَو) هُنا لِلتَّمنِّي ” لو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ” ليست لِلشرط؛ بِدليل أنّه لَم يُذكَر لها جواب

فهو رجلٌ صالِحٌ مِن الأساس، لكن يتمنّى النبيّ ﷺ أن يقوم الليل، ولذلك في الرواية الأخرى قَبلَها قال: ” إنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صالِحٌ “

” لو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ “

فدلّ على أنّ عبد الله رَجُلٌ صالِح مِن حيث الأصل، لكن يتمنَّى النبيّ ﷺ أن يَقُوم عبدُالله الليلَ

” قَالَ سَالِمٌ: فَكانَ عبدُ اللَّهِ-بعد ذلك- لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إلَّا قَلِيلًا “.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مِنَ المسائل المتعلقة بشهر شعبان:

لَو قال قائلٌ: النبيّ ﷺ قال كما في الصحيحَين: ” أفضَلُ الصّيام صيامُ داودَ، كان يَصُومُ يومًا ويُفطِرُ يومًا ” فلماذا لَم يَصُم النبيّ ﷺ كَصيام داود؟

قال ابن رجب رحمه الله كما في لطائف المعارف: وَرَدَ في الصحيحَين أنّه ﷺ أَخبَرَ عن صيام داود أنّه ” شَطر الدَّهر ” يعنِي نِصْف الدهر، قال: ومَن تأمَّلَ حالَ النبيّ ﷺ لَمّا فَرَّقَ صيامَه في الأيّام الفاضلة وَجَدَ أنّها كَشَطرِ ونِصف صيام الدهر إذا جُمِعَت.

 

لكن لماذا لَم يَصُم؟

لأنّه ﷺ كان مشغولًا بِتبليغ الرسالة، وبِتبليغ الوحي، وهذا ولا شكّ أنّه أفضَل مِن صيام التطوّع

ولذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول:

” إِنِّي إِذَا صُمْتُ ضَعُفْتُ عَنِ قراءة القرآن، وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ أَحَبُّ إِلَيَّ من الصوم “

وذلك لأنّ قراءة القرآن أفضل مِن صيام التطوّع، كما نصّ على ذلك سُفيان الثَّورِيّ وغَيرُه مِن الأئمَّة

بَل إنّ تَبليغ العِلم أفضَل مِن صيام التطوّع؛ إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يجمعَ بينهما.

ولذلك نَصَّ الأئمّةُ الأربعةُ كما قال ابنُ رجب -رحمه الله- كما في لطائف المعارف:

  أنّ العِلمَ ونَشرَ العِلمَ أفضل مِن صلاة التطوّع.

إذًا مِن بابِ أَولَى أنّه أَفضَل مِن صيام التطوُّع؛ لأنّ الصلاة أفضل مِن الصَّوم.

 

سبحان الله! ولذلك ماذا قال ابنُ المبارك رحمه الله كما في سِيَر أَعلام النُّبَلاء عن الإمام مالك؟

قال: ” مَا رَأَيْتُ رَجُلًا ارْتَفَعَ مِثْلَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ لَيْسَ لَهُ كَثِيرُ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ سَرِيرَةٌ “

عَلَّقَ الذّهبِيّ فقال: ” إنّ ما يقومُ بِه مِن تَعَلُّم العِلم ومِن نَشرِه أَفضَل مِن الصلاة والصيام -يعني: التطوّع- إذا أرادَ الإنسانُ بذلك وَجهَ الله عزّ وجلّ “

 

وتأمّل معي -رعاك الله- بما أنّني ذكرتُ ذلك قال ابنُ المبارك:

” مَا رَأَيْتُ رَجُلًا ارْتَفَعَ مِثْلَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ لَيْسَ لَهُ كَثِيرُ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ سَرِيرَةٌ “

 

انتبِه ” إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ سَرِيرَةٌ “

 

مع وُجود وسائل التواصل

سبحان الله! أين السرائر التي كان يَحرِص عليها أمثالُ هؤلاء؟!!

فما ظنّكم بِمَن في وسائل التواصل يقول: نحن في الطريق لِمكّة لِأداءِ عُمرة! نحن في الطريق إلى المدينة! وصلنا وفَرَغنا مِن العمرة! التقينا بِالشيخ أو بِالعابد الفُلانيّ، فَالتَقَينا به وألقَينا كلمة، قرأنا من القرآن كذا في هذه الرحلة، صُمنا كذا مِن الأيّام، أتيتُ إلى والدَتي فقَبَّلتُ يَدَها، ذهبتُ لِكَي أَقضِيَ حاجةً لِوالِدِي…. وإذا بِالعبادات تُنثَر وتُنشَر.

فأَين الإخلاص؟!!

 

الأصلُ في العبادات أن تُكتَم، وأن تُستَر، هذا هو الأصل

ولا يُباح بِها إلّا في أَندَر النوادِر لِمصلَحةٍ شرعيّة.

ولذلك ماذا قال النبيّ ﷺ كما ثبتَ عند الضياء؟

قال: ” مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ “

” مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خِبْءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ “

قال: ” خَبِيئَةٌ ” وفي روايةٍ: ” خِبْءٌ “

يعنِي: سريرة تَختَصُّ بها أنتَ، لا يَعرفُ بها أَحَد، حتّى أقرَب الناس إلَيك، حتّى لَو كانت زوجةً لك، أو ولدًا لك، أو أُمًّا لك، لا يَعلَمُ بِها إلّا الله عزّ وجلّ.

 

ولذلك بعضُ السَّلَف كما ذَكَرَ ابن رجب -رحمه الله- في لطائف المعارف، قال:

صامَ أربعينَ سَنَةً فَلم يَدرِ أَحَدٌ أنّه صام، فكان يأخُذ الرَّغِيفَين مِن بَيتِه، فيَظُنّ أَهلُه أنّه يأكُلُها في السوق، وإذا بِه يَتَصَدَّقُ بِها، فيَظُنّ الناس أنّه قد أَفطَر في بيتِه.

ولذلك حتّى إنّ بعضهم إذا صام يَدَّهِن حتّى يُذهِب عنه غُبار وآثار الصوم، كما سلف؛ لأنّ الغبار هناك أَوضَح مِن هذا الزمن.

 

وصية: فَلتَكُنْ لك سَرِيرَة.

 

ومع ذلك، هؤلاء القَوم مع أنّ لَهُم سرائر؛ إلّا أنّهم لا يَرَونَ أنفسَهم شيئًا

 سبحان الله!! نَعَم:

في سِيَر أعلام النُّبَلاء قِيل لِعُمَر بن عبد العزيز جزاك اللهُ عن الإسلامِ خيرًا، فقال: بَل جَزَى اللهُ الإسلامَ عنّي خيرًا.

الإمام أحمد كما في سِيَر أعلام النُّبَلاء لَمّا قال له رَجُل: جزاك الله عن الإسلامِ خيرًا، فَغَضِب وتَغَيَّرَ وَجهُه واغْتَمَّ رحمه الله فقال: بَل جَزَى اللهُ الإسلامَ عنّي خيرًا.

ثمّ استَفهَمَ قال: أنا أنا؟ (يَعني: يُقال عنّي هذا الكلام؟!) ثمّ استَفهَمَ: وما أنا؟! (يعني: لستُ بِشيء)

ولذلك لمّا قِيل له: يُرجَى أن يُدعَى لك في جميع الأمصار. فماذا قال رحمه الله؟

قال رحمه الله: وما يَنفعُ الإنسانُ ماذا يُقال فيه في الأمصار إذا عَرَفَ نَفسَهُ؟!

قال: أنا أَعرَفُ مِن الناس بِنفسي.

سبحان الله!!

 

ابنُ عمر رضي الله عنهما كما ذكرَ الذهبيّ في سِيَر أعلام النُّبَلاء، لمّا قيل له:

 أنتَ خَيرُ الناس وابنُ خَيرِ الناس. فماذا قال؟

قال: بل أنا عبدٌ أخافُ اللهَ وأَرجُو الله، وإنّكم لَن تَزالُوا بِالإنسان حتّى تُهلِكُوه (لن تَزالُوا بِه بِالمَدح وبِالثناء حتّى تُهلِكوه، حتّى يَهلَكَ دِينُه)

 

ولمّا قيل له -لابن عمر-: إنّ الإسلام لا يزالُ بِخَيرٍ ما كُنتَ باقِيًا، فغَضِب رضي الله عنه، فقال: إنّي لَأحسبُكَ عِراقيًّا (لأنّ بعضَ الغُلُوّ والطوائف خرجَت من العِراق، لعلّ هذا هو المقصود)

قال: ” إنّي لَأحسَبُكَ عِراقيًّا، وما تدري ماذا يَفعَلُ ابنُ أُمِّكَ إذا أَغلقَ عَلَيهِ بابَه؟! “

(يقولُ أَتَعرِفُني وتَعرفُ حالي إذا أَغلقتُ على نفسي الباب؟ ما تدري ماذا أفعل!)

 

لذلك لمّا قِيل هذا القول لِمَيمُون بن مِهران، قيل له: لا يَزال الإسلامُ بِخَيرٍ ما أَبقاكَ في الناس،

 فَنَظَرَ إليه وقد غَضِب، فقال: عليكَ بِشَأنِك (يَعنِي: ليس لك في هذه الأُمور)

 وإنّما لا يزالُ الناسُ بِخَيرٍ إذا اتَّقَوا اللهَ فإنّهم لن يزالوا بِخَير.

 

لا تُعَلِّق الدِّينَ بِأُناس، الحقُّ سيَظهَر، الدِّين سيظهر،

 والمُوَفَّق مَن جَعَلَه اللهُ سَبَبًا لإظهار الحقّ، وإلّا فَالحَقُّ سيَظهَر.

 

بعض الناس الآن لمّا يَكثُر عنده المتابِعون؛ يَفرَحُ بذلك ويطيرُ بذلك فرحًا كأنّه مَلَكَ العالَم، مع أنّها مِثل هذه الأعداد في المتابَعات في وسائل التواصل في تويتر في الفيس بوك فيما يُقال سناب شات وما أدري ماذا يُقال في مِثل هذه الوسائل، فَرَحَ بذلك واستَبشَر وتَلَقَّى التَّهانِئ وما شابه ذلك!

سبحان الله!!

سُفيان الثَّورِيّ، جَبَلٌ؛ إمامٌ مِن الأئمّة، لمّا أتَى إلى مكّة واجتمعَ الناسُ حَولَهُ؛ ماذا قال؟

قال: ” إنّا لِله! أَخشَى أن تضيعَ الأُمّة لمّا جعلَ اللهُ جلّ وعلا حاجتَهم إليّ “.

انظر، قال أخشى أن تضيعَ الأُمّةُ لمّا احتاجَ الناسُ إليّ.

 

ولمّا قيل له: لَقَد رُؤِيَ فيك ذلك المَنام وذلك المَنام (منامات طيّبة)

قال: وماذا أصنعُ بِالمنامات؟! وماذا يدري أهلُ المنامات عنّي؟ أنا أَعلمُ بِنَفسي مِن أصحاب المنامات.

 

سبحان الله العظيم! نسألُ اللهَ أن يرحَمَنا، نسألُ اللهَ أن يرحَمَنا، نسألُ اللهَ أن يرحَمَنا وأن يُثَبِّتَنا.