﴿بسم الله الرحمن الرحيـــــــم﴾
الخطبة الرابعة من المسائل والأحكام لمن يذهب إلى الصحراء
لفضيلة الشيخ/ زيد البحري – حفظه الله –
٧ – ۳ – ٧ ۳ ٤ ۱ هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما بعد فيا عباد الله؛ لعلَّ هذه الخُطبة تكون آخَر المسائل المتعلقة بأحكام الصحراء.
من المسائل:
أن الإنسان فيما لو أجنب وهو مُخيِّمٌ في الصحراء، وكان البردُ شديدا، ولم يكن لديه نارٌ يسخنُ بها الماء؛ ولم تكن هناك محطة أو قرية ليذهبَ إليها فيغتسلَ منها، وخشيَ على نفسه من الهلاك:
فإنه يتيمم؛ وإضافة إلى التيمم فإنه يتوضأ وضوءَه للصلاة؛ ويغسل ما استطاع مِن بَدَنِه
الدليل: ما جاء في المسند وسنن أبي داود:
أن عمرو بن العاص رضي الله عنه أجنب؛ وكان البردُ شديدا؛ فخشيَ على نفسِه مِن الموت؛ فتيمم
وفي رواية: ” أَنَّهُ غَسَلَ مَغَابِنَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ “
المغابن: هي ما انطوى مِن أعضاءِ ابن آدم مما خفي كالآباط ونحو ذلك
فصلّى بأصحابه الصبح
قال البيهقي رحمه الله:
” يحتمل أن يكون قد فعل ما نُقِلَ في الروايتين جميعًا: غَسَلَ ما قدر على غسله، وتيمم للباقي “
غَسَلَ ما قدر على غسله: مما لا يتضرر بذلك؛ وتيمم فصلى بهم.
فلما أتى القوم أخبروا النبيَّ ﷺ؛ فقال: ما حملك على هذا؟ فقال يا رسول الله خفت على نفسي من الموت والله جل وعلا يقول: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} ] النساء -29[
فضحك النبي ﷺ وأقره على ذلك الفعل.
وليُعلم: أن التيمم للجنابة كالتيمم للحدث الأصغر سواءً بسواء
لما جاء في الصحيحين من حديث عمار بن ياسر؛ أن النبي ﷺ وضح له التيمم:
ضربة واحدة يضربها على الأرض؛ ثم يمسح وجهه؛
ثم يمسح بكفه اليسرى على كفه اليمنى؛ ثم يمسح اليسرى.
هذا هو التيمم سواءٌ كان للحدث الأصغر أو كان للحدث الأكبر الذي هو الجنابة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من المسائل:
وهذه تصدقُ سواء كان الإنسان في الصحراء أو لم يكن لكن، قد يحتاجُ إلى ذلك في الصحراء:
لو شاء الإنسان بعد ما يقضي حاجته ألا يستنجي بالماء وإنما يستجمر؛ ينظف بولَه وغائطَه بأحجار أو بمناديل؛ حتى لو مع وجود الماء؛ حتى لو كان الماءُ وفيرا،
لا شك أن الاستنجاء بالماء أفضل؛ لكن لو أنه اكتفى بالاستجمار أجزأ ذلك، قَلَّ الماء عنده أم كَثُر
الدليل: حديث عائشة رضي الله عنها كما في المسند وسنن أبي داود كما ثبت عنه ﷺ أنه قال:
” إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ؛ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ “.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من المسائل: على الإنسان أن يتأمل وأن يتذكر وأن يعظ نفسه ولاسيما في الصحراء؛ كيف؟
لمَّا يرى ما ينبت في السيل في جانِبِه مِن ورقةٍ صفراء ملتوية؛ فلْيَتَذَكّر ما ذكره النبي ﷺ كما في الصحيحين قال: ” يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ»، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ. فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الحَيَاةِ؛ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ » يعني البذر « كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ»
قال: « أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً»
يتذكر هنا خطر الذنوب؛ وإن الذنوب تودي بالإنسان إلى النار ولو كان مُوَحِّدًا؛ فلربما لا يغفر اللهُ له، فقد يدخل النار قبل أن يغفر الله له أو قبل الشفاعة، هنا يتعذب بقدر ما فَعل مِن ذنب؛ ثم يكونُ حالُه ومآلُه إلى الجنة كحال هؤلاء الذين يُلقَون في نهرِ الحياة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من المسائل: على الإنسان أن يتأمل وأن يتذكر؛ بل عليه أن يتعظ في مثل ما يراه في هذه الصحراء كما قال ﷺ مبينا خطر الذنوب ولو كانت صغيرة:
قد تكونُ في أرضٍ فلاة فتحتاج إلى حطب؛ أو إلى أوراق أو إلى أشجار لِتُشعِلَ النار؛ لِتُنضِجَ به طعامَك وطعامَ أصحابك
ماذا قال النبيُّ ﷺ كما ثبت عنه في المسند؟
قال: ” إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ” يحتقرها العبد ” إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ” وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا، كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ ” يعني: صحراء
” فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ ” من أجل أن يوقدوا النار لينضجوا طعامهم ” فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا، فَأَجَّجُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا “
هذا مَثَل لِمُحَقَّرات الذنوب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن المسائل: على المسلم ألا يفهم حديثَ النبي ﷺ على غيرِ الفَهْمِ السليم
النبي ﷺ قال كما في الحديث الحسن مِن حديثِ معاذٍ رضي الله عنه أنه قال:
” وَاذْكُر الله عِنْد كل حجر وَعند كل شجر “
طبعاً هذا يكثر في الصحراء؛ ليس معنى هذا الحديث أن كل شجرة أو حجرة تذكر الله عندها! لا
المقصود من ذلك كما قال المُناوي في فيض القدير: يعني على الدوام.
يعني: أكثِر مِن ذِكْرِ الله على سبيل الدوامِ والاستمرار؛ وليس عند كلِّ رؤية شجرٍ أو حجر؛ وإنما المقصود من ذلك الدوام.
قلتُ: بدليل ما قبلَها لأنه قال: ” اعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ واعدد نَفسك فِي الْمَوْتَى “
ثم قال ﷺ: “ وَاذْكُر الله عِنْد كل حجر وَعند كل شجر؛ وَإِذا عملت سَيِّئَة فاعمل بجنبها حَسَنَة “
لِمَ؟ لأن الحسنات يُذهبن السيئات.
ماذا قال بعدها؟
” السِّرّ بالسر وَالْعَلَانِيَة بالعلانية “
ما معنى هذا؟
يعني: إذا عملتَ سيئةً في السر؛ فاعمل حسنة في السر لتمحوها؛
وإن عملتَ سيئةَ علانية؛ فاعمل حسنةً علانية.
قال المُناوي رحمه الله في فيض القدير: وهذا هو الأنسبُ لهذا الحديث؛ وليس كما زعَمَه بعضُهم من أنه إذا اذنبَ ذنبا سِراً أنه لا يُكَفَّرُ ذنبُه إلا بتوبةٍ علانية! لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن المسائل: أن الناس يسعدون بالمطر وبنزوله؛ ولاسيما إذا استمر استمراراً عظيما
لا شك أن به منفعة للناس
لكن لتعلموا أن هناك منفعةً أعظم للعباد من هذا المطر الذي لو نزل أربعين يوما؛ لِمَ؟
لأنه أمْرٌ يتعلقُ بالآخرة؛ يتعلقُ بالدين؛ قال النبي ﷺ كما في سنن النَّسائي وابن ماجه:
” حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ” كما ثبت عنه ﷺ.
” حدٌّ ” مِن حدود الله عز وجل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احذر أن تفعل هذا الشيء في الصحراء: احذر منه لكيلا يعاقبَك الله بأربع عقوبات
ما هو هذا الشيء؟
قد يأتي إنسان إلى ماءٍ في الصحراء؛ وإذا به يمنعُ الناس الذين يمرون عليه مِن أن يشربوا؛ أو أن يُشرِبُوا بهائمَهم؛ هذا له أربع عقوبات.
هذا الماء ليس حقًّا لك! وليس مُلكًا لك!
قال النبي ﷺ كما في الصحيحين: ” ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ ” هذا هي العقوبة الأولى
” وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ ” هذه هي الثانية
” وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ” هذه هي الثالثة
” وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ ” هذه هي الرابعة
قال: ” رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالفَلاَةِ يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ “
فلا يحق لإنسان أن يأتيَ إلى غديرٍ أو ما شابه ذلك ويمنع الناس من أن يشربوا؛ أو أن يُشرِبوا بهائمَهم مِن هذا الماء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن المسائل: الشجر يكثر في الصحراء؛ والناس يحتاجون إليه
لا تكن من المُستراح منه؛ لا تكن من المستراح منه
كن في الدنيا كما وصفكَ النبي ﷺ إذا غادرتَ منها من أنك مستريح وليس مستراحا منه
بعضُ الناس يُستراح منه؛ كيف؟
في الصحيحين: ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَال: مُسْتَرِيحٌ، وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟
قَالَ: ” الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ،
وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن المسائل: إذا ذهبتَ إلى الصحراء إن كان سفراً، إن كان الذهابُ إلى الصحراء بعيدا مسافة سفر، فإن الواجبَ عليك إن كان معك ثلاثة فأكثر أن يكونَ هناك أمير
لقوله ﷺ كما عند أبي داود كما ثبت عنه: ” إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ، فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ “.
حتى ولو كانت المسافةُ قصيرة؛ تذهب إلى فلاة
في الحديث الذي عند أحمد وإن كان فيه ما فيه لكن يؤيده الحديث السابق: ” إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ، فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ ” قال: ” وَلَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ يَكُونُونَ بِأَرْضِ فَلَاةٍ إِلَّا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من المسائل: النجومُ في هذا الزمن قد لا يراها مَن يعيشُ في المدن؛ لكن إذا ذهب في الصحراء فإنه يراها رؤيةً واضحة
هنا يُذَكِّر نفسَه بالرؤية إلى هذه النجوم؛ ويُذَكِّر نفسَه بالرؤيةِ إلى السماء
فالنبيُّ ﷺ كما في صحيح مسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه أنه قال:
“كان رسول الله ﷺ كثيراً ما يرفع بصره إلى السماء -ثم ماذا قال لما يتأمل هذه النجوم في الصحراء فتراها كثيرة؟
قال النبي ﷺ: ” النُّجُومُ أَمَنَةٌ ” -ويصح ضبطها بضم الهمزة أُمَنَة-
” النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ “
ما معنى هذا الحديث؟
معنى هذا الحديث: أنه مادامت هذه النجومُ باقيةً في السماء فإن الدنيا مازالت باقية؛ ولم تتأثر السماء، فإذا سقطت النجوم: هنا زالت الدنيا وقامت القيامة؛ وصار للسماء ما يصير لها كما أخبر الله عز وجل في كتابه عمَّا يجري لها يومَ القيامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن المسائل: [تنبيه على أحاديث ضعيفة لا تصح]
الأطفال يعشقون أن يلعبوا بالرمل وبالتراب
وهناك حديث لكنه حديثٌ ضعيفٌ جداً لا يصح عن النبي ﷺ حتى لا يستدل به:
” التُّرابُ رَبيعُ الصِّبْيانِ “
وكذلك لا يصح حديثُ النبي ﷺ حتى لا يُطَبَّق، الآن انتشرت وسائل التواصل
فربما وصل إلى بعض الناس مثل هذه الأحاديث!
ما جاء: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا لَمْ يَرْتَحِلْ مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّىَ رَكْعَتَيْنِ “
فهو حديثٌ ضعيف
وكذلك الحديث «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا سَافَرَ فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَأَرَادَ أَنْ يَرْتَحِلَ وَدَّعَ الْمَنْزِلَ بِرَكْعَتَيْنِ»
هذا حديثٌ ضعيف لا يصح عنه ﷺ.
وهنا مقولة يتداولها بعضُ الناس لما يذهب إلى الصحراء ويرى الخُضرة ويرى المياه؛ وما شابه ذلك
وقد يكون لديه مثلا في مزرعته أو ما شابه ذلك
يقولون: « ثَلَاثَةٌ يُجَلِّينَ البَصَر»: يعني يقوين البصر
« ثَلَاثَةٌ يُجَلِّينَ البَصَر: النَّظَرُ إِلى الْمَاء الجارى، والنَّظَرُ إِلَى الْخُضْرَةِ، وَالنَّظَرُ إِلَى الْوَجْهِ الْحسَنِ ».
ليعلم أن هذا حديث؛ ولكنه حديثٌ ضعيف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ