العشر الأواخر من شهر رمضان وفضل ليلة القدر

العشر الأواخر من شهر رمضان وفضل ليلة القدر

مشاهدات: 495

العشر الأواخر من شهر رمضان وفضل ليلة القدر

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

 

أما بعد ، فيا عباد الله :

قبل أن أدخل في موضوع الخطبة في هذا اليوم أحب أن أنبه إلى أن البعض الذين هم خارج المسجد يبيعون ويشترون  أنه لا يحل لهم أن يبيعوا أو يشتروا إذا دخل الإمام  لخطبة الجمعة ، ونودي لها لقوله تعالى : (({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ))

ومن ثم فإن البيع باطل وكذلك الشراء ولا يجوز له أن يستبيح له ما اشتراه )(  من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .

عباد الله :

من نعمة الله جل وعلا علينا ومن فضله ومن كرمه أن بلغنا هذا الشهر ثم بلغنا هذه العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم

ثم إن هذه العشر كما أنها نعمة على البعض فهي نقمة على البعض يوم القيامة ، إذ تشهد عليه هذه العشر بالتفريط وبالتقصير فيها

وهذه العشر من مزاياها :

أن النبي صلى الله عليه وسلم اهتم بها اهتماما بالغا ، بخلاف ما عليه كثير من الناس في هذا الزمن ، فإنهم يجعلون هذه العشر أياما وليالي للتجوال وللتسوق وللسفر وللنزه وللسمر ونحو ذلك . 

وهذا من المصاب الذي يصاب به الإنسان

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على هذه العشر :

فكان عليه الصلاة والسلام يخلط العشرين بنوم ، لكن إذا أتت هذه العشر ، فإنه يحيي ليله ، فلا مجال ولا مكان للنوم ؛ لأنها ليالي معدودة عما قليل ستنصرم

وإن أمد الله في عمري وفي أعماركم إلى الجمعة القادمة فإن هذه العشر على وشك الانتهاء والرحيل

هذه العشر من فضلها :

أن الله جل وعلا أقسم بها على قول بعض المفسرين كما نُقل عن ابن عباس رضي الله عنهما :

فقال جل وعلا : ((وَالْفَجْرِ{1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ{2} ))

فأقسم الله جل وعلا بها على هذا القول ، وهذا يدل على مكانتها وفضلها

والله جل وعلا لا يقسم بشيء إلا لعظمته

وكان النبي صلى الله عليه وسلم – كما قالت عائشة رضي الله عنها – عند مسلم : ” كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها “

وقالت رضي الله عنها –  كما في الصحيحين – : ” إذا دخل العشر شدّ مئزره – كناية عن اعتزال الجماع فلا مكان لجماع النساء ولا مكان للتشهي ، ولا مكان لممارسة المباحات التي تصرف العبد عن طاعة الله جل وعلا : ” شد مئزره وأحيا ليله “

فلم ينم عليه الصلاة والسلام ، ولا يعني أنه عليه الصلاة والسلام قام الليل كله :

فقد ثبت عند مسلم أنها رضي الله عنها قالت : ” لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم الليل كله “

وإنما هو قام عليه الصلاة والسلام في هذه العشر بالصلاة وبالذكر وبالسحور ونحو ذلك من العبادات فيشد مئزره ” وأحيا ليله وأيقظ أهله “

ومن مزايا هذه العشر:

أن الله جل وعلا جعل فيها ليلة هي خير من ألف شهر ، وهي ليلة القدر :

ونبيكم صلى الله عليه وسلم كما جاء عند البخاري-  التمسها في العشر الأول ثم التمسها في العشر الوسطى  ثم أُخبر أنها في العشر الأواخر : فقال عليه الصلاة والسلام :  (( التمسوها في العشر الأواخر))

ثم إنه عليه الصلاة والسلام اعتكف في هذه العشر من أجل ماذا ؟

من أجل أن يحوز على فضل هذه الليلة المباركة ألا وهي ليلة القدر

وليلة القدر :

اختلف العلماء في تحديدها : في أي ليلة من الليالي ؟

لكن القول الجامع لهذه الأقوال : أن هذه الليلة لا تبقى في ليلة واحدة ، بل تنتقل من ليلة إلى أخرى في كل سنة من السنوات :

فأُبي بن كعب رضي الله عنه يقسم بأنها ليلة سبع وعشرين

والنبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة كما في الصحيحين أن يلتمسوها في ليلة سبع وعشرين

ولكن مع ذلك وردت أحاديث أنها حصلت في غير ليلة سبع وعشرين ، وهذا من رحمة الله جل وعلا بنا أن أخفاها من أجل أن نجتهد في طاعة الله عز وجل في هذه الليالي المباركة

فالقول الجامع : أنها تنتقل

ومما يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين :

أن أبا سعيد رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم : (( إني أريت ليلتها أن أسجد في صبيحتها في ماء وطين ))

فقال أبو سعيد : ”  فأمطرت السماء ليلة إحدى وعشرين “

قال أبو سعيد : ” فصلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح في اليوم الحادي والعشرين وإذا بي أرى أثر الطين في جبهته عليه الصلاة والسلام

وسميت هذه الليلة بليلة القدر ؛ لأن مقام العبادة فيها مقام كبير:

ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين – : (( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه ))

أيضا سميت بهذا الاسم : لشرفها وعظمتها وعلو مكانتها ؛ ولذا فخَّمها جل وعلا بالاستفهام : إذ قال جل وعلا : ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ{3} ))

ولأن هذه الليلة يُقدر فيها ما يكون في هذه السنة إلى السنة الآتية ، ولذا قال جل وعلا : ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ{3} فِيهَا- ماذا ؟-  يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ{4} أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ{5} ))

وقد كتب الله جل وعلا ما هو كائن إلى يوم القيامة :

كم اثبت ذلك في صحيح مسلم – أنه عليه الصلاة والسلام قال : ((  قدَّر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء ))

لأنه جل وعلا كما جاء في سنن أبي داود : ((   خلق القلم فقال له اكتب ، فقال القلم : ” يا ربي ، وماذا أكتب ؟ قال : ” اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ))

وفي رواية الترمذي :

(( فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ))

إذاً ما في اللوح المحفوظ قد سُطِّر وقد كتب ، وإن حصل تغيير أو تبديل فإنما يحصل في الصحف التي في أيدي الملائكة : (({يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ – ولكن –  وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }

أصله وهو اللوح المحفوظ :

وهذه التقادير التي تحصل : منها التقدير العمري الذي يُكتب لجنين إذا تم أربعة أشهر: عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد

وكذلك ما يجري في كل يوم : ((كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }

{يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }

يعني من شأنه جل وعلا في كل يوم : أنه يفرج هما

ينفس كربا

يشفي مريضا

يعطي سائلا

كما جاءت بذلك الأحاديث والآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم 

فهذه المقادير إنما تؤخذ من الأصل وهو اللوح المحفوظ ، فيقدر الله جل وعلا ما هو كائن في هذه السنة :

بمعنى : أن فلانا من الناس إن كان مريضا سيُشفى من مرضه

سيفتقر فلان

سيغتني فلان

سيُولد فلان

سيموت فلان

وهلم جرّا

وكان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على هذه الليلة – أعني ليلة القدر – حرصا عظيما بليغا ، حتى إن عائشة رضي الله عنها كما جاء في المسند والسنن ، قال : ” يا رسول الله أرأيت إن أدركتها ، فماذا أقول فيها ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ((  قولي : اللهم  إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنّي ))

فلنحرص على هذا الدعاء في سجودنا في صلاتنا في خلواتنا

ولا تظنن أن هذا الدعاء ليس شاملا لمعاني العفو ، لا بل إنه شامل :

فيشمل العفو من البلاء

يشمل العفو من الأمراض

يشمل العفو من شدة سكرات الموت

ومن أهوال القبر

ومن أهوال يوم القيامة

ومن أهوال النار

(( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ))

ومن فضل هذه الليلة :

أنه الله جل وعلا أنزل فيها سورة تتلى إلى قيام الساعة وهي سورة القدر

((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ))

يعني : أنزل جل وعلا هذا القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا إلى بيت العزة – كما قال ابن عباس رضي الله عنهما

ويقول القرطبي : ” يكاد أن يكون إجماعا أنه نزل جملة واحدة ثم بعد ذلك نزل على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقا مُنَجَّما حسب الوقائع والأحداث “

فأُنزل هذا القرآن

وقد جاء في معجم الطبراني بإسناد حسنه الألباني رحمه الله : ” أن صحف إبراهيم أنزلت في أول ليلة من رمضان ، وان التوراة أنزلت لست خلت من رمضان ، وأن الإنجيل أنزل  لثلاث عشرة خلت من رمضان ، وأن الزبور أنزل ليلة ثماني عشرة خلت من رمضان ، وأن القرآن أنزل ليلة أربع وعشرين ))

((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ))

ولقد فُضل النبي صلى الله عليه وسلم بالمفصل كما جاء في معجم الطبراني بإسناد حسنه الألباني رحمه الله : قال عليه الصلاة والسلام : (( أعطيت مكان التوراة السبع الطوال ( والسبع الطوال من سورة البقرة إلى يونس ) وأعطيت مكان الزبور المئيين ( والمئين هي السور التي تزيد على مائة )

وأعطيت مكان الإنجيل المثاني ( وهي السور التي أقل ممن مائة ، لأنها تثنى وتكرر )

ثم قال عليه الصلاة والسلام : (( وفُضلت بالمفصل ( والمفصل من سورة ” ق ” إلى الناس  ) ))

((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ))

ثم فخمها وعظم شأنها فقال : ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ{3} ))

يعني من قام هذه الليلة ، نسأل الله بكرمه وفضله وجوده أن يمن علينا بإدراكها وان نحوز فيها الأجر والثواب منه جل وعلا

قال جل وعلا :  ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ{3} ))

يعني :  أن العبادة فيها أفضل من عبادة ألف شهر

تصور : لو أن إنسانا يعبد الله جل وعلا ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر ليس فيها ليلة القدر : كم يكون من الثواب ؟

يمكن أن يحصل على هذا الثواب في هذه السنوات المديدة الطويلة إذا قام ليلة القدر ، ويُضمن لك بإذن الله جل وعلا إذا قمت ليالي العشر أن تدرك هذه الليلة وأن تحوز على فضلها بفضل الله جل وعلا

((لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ{3} تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ))

الملائكة تتنزل وقد جاء في المسند بسند حسنه الألباني والهيثمي رحمهما الله : (( أن  الملائكة في ليلة القدر أكثر من عدد الحصى ))

((تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ))

الروح : هو جبريل ، وإنما خُص لفضله ولعلو مكانته على سائر الملائكة

((تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ))

بم ؟

((بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ))

أي بكل أمر قضاه الله جل وعلا

هذه الليلة من غروب الشمس إلى طلوع الفجر

((سَلَامٌ هِيَ ))

أي فيها السلامة من الشرور

فيها السلامة من الآفات

فيها السلامة من الأهوال

فيها السلامة من النيران

((سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ))

وهذه الليلة  لها علامات مصاحبة لها ،  ولها علامات لاحقة

فمن علاماتها اللاحقة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في المسند بسند حسنه الألباني والهيثمي رحمهما الله :

أن النور ، فيها من الضوء ما ليس في غيرها من الليالي

والجو فيها معتدل

والرياح ساكنة

فلا حارة ولا باردة

والرياح ساكنة

ولا يُرمى فيها بنجم

أما علامتها اللاحقة :

فإن الشمس تطلع صبيحتها – كما قال عليه الصلاة والسلام عند مسلم لا شعاع لها يعني : لا تصدر أشعة ولا حرارة

وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث – كما في المسند – فقال : (( تطلع كالقمر ليلة البدر ))

والقمر ليلة البدر يكتمل ويسطع نوره ، لكنه لا يصدر أشعة

ومن خصائص هذه العشر:

أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف فيها

والاعتكاف سنة ، ولا يجب إلا بالنذر

ولذا لو أن الإنسان شرع في الاعتكاف المسنون ليس الواجب إذا شرع في الاعتكاف المسنون ثم بدا له أن يدع الاعتكاف له ذلك ولا يُلزم بذلك

ولكن الأفضل للمسلم إذا شرع في عبادة أن يتمها

قال ابن قدامة رحمه الله : ” ليس هناك من النوافل ما يجب إتمامه في الشروع فيه سوى نافلة العمرة والحج ، وأما ما عداها من النوافل فللإنسان أن يقطعها “

ولكن نقول : ينبغي ويجدر بالمسلم إذا شرع في عمل فاضل صالح ألا يدعه وعليه أن يتمه

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على الاعتكاف :

فقالت عائشة رضي الله عنها – كما في الصحيحين – : (( اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله ))

ومن مزايا هذا الاعتكاف :

أنه موجود في الأمم السابقة

((وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ – لمن ؟ – لِلطَّائِفِينَ  – ثم قال : وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }

والاعتكاف وُجد في هذا اللفظ حرف ” التاء “  وحرف التاء يدل على المعالجة والمشقة

ولكن لتعلم أنك متى ما استعنت بالله جل وعلا في أي عبادة كانت حتى قيام الليل سُهِّلت عليك :

بعض الناس يقول : إن قيام الليل من أشق ما يكون ، ولكنني أقول : من استعان بالله جل وعلا وروَّض هذه النفس وصبَّرها وصابر عليها في عبادة وإن وجد فيها مشقة فسرعان ما تكون هذه العبادة يمارسها بالخفة وبالسهولة كما يمارس العادة

ولذا النبي صلى الله عليه وسلم قال – كما عند ابن ماجة – قال : (( الخير عادة ))

يعني : أن من اعتاد على الخير وشرع فيه فإنه يشق عليه ، لكن سرعان ما يأتي بهذه العبادة على أنها كسائر العادات في الخفة وفي السهولة وفي اليسر

وقال : (( والشر لجاجة ))

يعني : القلب الذي امتلأ بالإيمان والنور والطاعة لو اقترف الذنب فإن قلبه يكون كالبحر تتلاطم فيه الأمواج لا يستقر ؛ لأن هذا القلب نظيف لم يعتد ولم يألف هذه المعصية

والنبي صلى الله عليه وسلم  ؟ـــــــ ماذا قال كما في سنن أبي داود إذا فزعه أمر ؟

(( أرحنا بها ))

وهذه الصلاة كأنها مثل الجبال – نسأل الله العافية –  كأنها مثل الجبال على كثير من الناس وهي خمس صلوات

ماذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ؟

يقول : (( أرحنا بها يا بلال ))

يقول النبي صلى الله عليه وسلم – كما في سنن النسائي – : (( جُعلت قرة عيني في الصلاة ))

ما معنى قرة العين ؟

أن تسعد ، وأن تستلذ بهذا العمل الذي تمارسه

ولذا يقول بعض السلف : ” مساكين أهل الغفلة ، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها ، قيل : وما اطيب مل فيها ، قال : ذكر الله والأنس به “

إبراهيم بن أدهم يقول : ” لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف “

ويقول شيخ الإسلام رحمة الله عليه : ” إذا لم تجد للعمل الصالح لذة وحلاوة فاتهمه ، لأن الرب شكور يكافئ العبد في دنياه على هذه اللذة قبل الآخرة “

إذاً هذا الاعتكاف فيه مشقة

ولكن يا أخي على أقل الأحوال تعتكف ليلة

تعتكف يوما

فلا تحتقر ما تؤديه من العبادة

ربما هذه الليلة تؤدي بك وتسارع بك إلى أن تعتكف  أياما وليالي أخرى

والاعتكاف : هو لزوم المسلم العاقل ولو مميزاً لا غسل عليه مسجدا طاعة لله جل وعلا

وإنني أحذر في هذا المقام ولاسيما شرائح الشباب الذين يجعلون الاعتكاف وقت أنس وراحة وسمر ومجاذبة حديث بين زملائهم

هذا ما ينبغي ، فلست في نزهة

إنما اعتكفت لتنقطع عن الخلائق إلى رب الخلائق جل وعلا

ولذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يشتغل بالقرب ويشتغل بالطاعة

لا مانع أن تحدث صاحبك و لو قليلا

أما أن يظل الإنسان في اعتكافه في حديث وفي حديث

فهذا لا ينبغي

وكأن الاعتكاف عند البعض كأنه من النزه ومن اللذة ومن الراحة والسمر

وليُعلم : كما قال شيخ الإسلام رحمة الله عليه : ” أن من أتى المسجد لصلاة أو تلاوة قرآن ونحو ذلك من العبادات لا ينوي الاعتكاف “

وهذا هو الصحيح ــــــــــــــــــ لماذا ؟

لأنه لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ذلك

وأيضا لا يجوز أن يعتكف في مسجد يترتب على الاعتكاف في هذا المسجد أن يشد الرحل إلا للمساجد الثلاثة :

المسجد الحرام

والمسجد النبوي

والمسجد الأقصى

الذي نسأل الله عز وجل أن يخلصه من أيدي ومن براثن اليهود الظالمين إنه ولي ذلك والقادر عليه

وليعلم : أن الاعتكاف في الجامع أفضل إذا تخلل الاعتكاف جمع أما إذا لم يتخلل الاعتكاف فالأمر سيان

لكن الجامع أفضل إن تخلل اعتكافه جمعة

ثم لتعلم : يا من وُفقت وأُكرمت – ولله المنة والنعمة والفضل أولا وآخرا – يا من وفقت للاعتكاف في هذه العشر الأواخر إذا نقص الشهر مثلا فلتعلم : بأن العشر قد كُتبت لك ولا ينقص من أجرك شيء

ذلك فضل الله جل وعلا

ولتعلم : أن الاعتكاف – أيها المعتكف – يبطل بالوطء ، ويبطل أيضا بغير الوطء إذا باشر فأنزل ، وكذلك يبطل بالخروج لغير عذر  أو من نوى الخروج حتى ولو لم يخرج فإن اعتكافه يبطل

أما الخروج :

فهو أنواع ثلاثة :

  • من خرج لموجب شرعي :

يعني : من اضطره الشرع إلى ان يخرج : كأن يخرج مثلا لغسل جنابة

كأن يخرج مثلا وهو معتكف في مسجد يخرج لأداء صلاة الجمعة

كأن يخرج أيضا لوضوء واجب

أما تجديد الوضوء : فإنه لو خرج فإن اعتكافه ينقطع

وكذلك له ان يخرج إذا أوجب الحس ذلك :

كأن يحتاج إلى أن يقضي حاجته

أو أن يأتي بطعامه إن لم يأت به أحد

وكذلك يجوز له أن يخرج إذا اشترط عبادة مسنونة لا تجب عليه ، والاشتراط يكون قبل دخول الاعتكاف

والأفضل للمسلم المعتكف ألا يشترط ، لأن الاشتراط أصلا لم يدل عليه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم  ، وإنما هو مقيس على الاشتراط في الإحرام : إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني “

قاس الفقهاء مسألة الاشتراط في الاعتكاف على مسألة الاشتراط في الإحرام

إذاً لك أن تخرج إذا كان هناك موجب  شرعي

أو كان هناك موجب حسي

أو كان الخروج لعبادة قد اشترطتها قبل دخولك في الاعتكاف

ولتعلم : أن للمعتكف أن يتنظف  وأن يتطيب وأن يتجمل

عباد الله :

هذه نتف يسيرة استحضرناها في هذا المقام عن هذه العبادات

وهي : عبادة ليلة القدر والاعتكاف

أسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يجعلنا ممن أدرك ليلة القدر وحاز على الثواب والأجر، وأن ينفعنا بكتابه العزيز، وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الكريم

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي كان توابا رحيما

 

الخطبة الثانية :………………………………………..