العلامات الصغرى للساعة ـ الجزء الأول

العلامات الصغرى للساعة ـ الجزء الأول

مشاهدات: 508

   العلامات الصغرى للساعة ـ الجزء الأول

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

أما بعد : فيا عباد الله :

تحدثنا في الجمعة الماضية عما يُزعم من أن عام 2011مـ ستقوم فيه الساعة ، وبيَّنا أن هذا من الخزعبلات التي تخرق عقيدة المسلم ، وذلك لأن علم الساعة وكذلك تحديد زمن علاماتها لا يعلم بها الخلق ، ثم ثنينا ببعض ذكر العلامات الصغرى للساعة ، وسنتحدث إن شاء الله تعالى عن هذه العلامات الصغرى للساعة  تباعا .

 

فمن العلامات الصغرى للساعة :

( ظهور الفتن قبلها ) كما جاء عند أحمد وأبي داود ، قال عليه الصلاة والسلام ( إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم )

والنبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم ( أمر بالتعوذ من الفتن ما ظهر منها وما بطن ) وقد تحدثنا في ثلاث جمع عن الفتن ،

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( أن الفتن تخرج من جهة المشرق ) وبالفعل وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، ظهرت الخوارج من المشرق ، ظهرت الجهمية من المشرق ، ظهرت المعتزلة من المشرق ، ظهرت الروافض من المشرق .

كذلك التتر في القرن السابع ، وسيأتي لها حديث إن شاء الله ، ولا يزال خروج الفتن من المشرق حتى يظهر المسيح الدجال من جهة المشرق ، وحتى يظهر يأجوج ومأجوج من جهة المشرق  .

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفتن تُكسر لما يقتل عمر ، كما جاء في الصحيحين ( لما سأل عمر حذيفة رضي الله عنهما عن الفتن ؟ قال إن بينك وبينها بابا ، فقال عمر أيفتح ذلك الباب أم يُكسر ؟ قال بل يُكسر ، قال إذاً لا يُغلق أبدا ) وذلك الباب هو عمر ، ولذلك لما قُتل عمر ما الذي جرى للأمة ؟ جرت فيها الفتن العظام ، ولذلك لما مات عمر وقعت الفتنة بمقتل عثمان رضي الله عنه ، ثم وقعت موقعة الجمل

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله في منهاج السنة ” لم يخرجوا للقتال إنما خرجوا للصلح ، ثم تبين لعائشة رضي الله عنها أن ترك الخروج كان أولى لها من الخروج ، ولذلك لما تذكر وقعة الجمل تبكي بكاءً شديدا حتى تبل خمارها من كثرة الدموع ،وهكذا عامة السابقين كطلحة والزبير لم يكن لهم قصد في القتال ، وما كان علي راضيا بقتل عثمان ، بل كان يحلف ” والله ما قتلت عثمان ولا مَلأتُ عليه ” ،  يقول شيخ الإسلام ” وهو الصادق البار في يمينه ” لكن قتلة عثمان خشوا أن يفتضح أمرهم ، فماذا صنعوا ؟ أقدموا على وفد عائشة وطلحة والزبير فشنوا حربا عليهم فظن الزبير وطلحة أن عليا قد هجم عليهم ، فدافعوا عن أنفسهم ، فظن علي – وهو لا يدري – فظن علي أن طلحة والزبير هاجموه فوقع القتال بينهم بغير اختيارهم ، قال شيخ الإسلام ” وعائشة راكبة على بعيرها لم تقاتل ولم تأمر بالقتال ” فهذه فتنة وقعت للمسلمين .

 

ثم وقعت موقعة ( صفين ) وهي مكان في آخر حدود العراق والشام ، بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ، وقد أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( لا تقوم الساعة حتى تقتتل طائفتان من أمتي مقتلة عظيمة ) ووقعت هذه الوقعة في سنة ستٍ وثلاثين للهجرة

قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في منهاج السنة ، قال ” أكثر الذين كانوا يختارون القتال من الطائفتين لم يكونوا ليطيعوا عليا ولا يطيعوا معاوية ، وكان علي ومعاوية رضي الله عنهما أطلب لكف الدماء من هؤلاء المقاتلين ، لكن عليا ومعاوية غُلبا على أمرهما ، ووقعت الفتنة وإذا وقعت الفتنة وثارت عجز الحكماء عن إخماد نارها “

ولذلك قال رحمه الله ” لم يكن أصحاب معاوية يقاتلون من أجل معاوية ، بل لأسباب أخرى “

ثم قال رحمه الله ” وقتال الفتنة كقتال أهل الجاهلية لا تنضبط مقاصد أهله واعتقاداتهم ” – صدق والله رحمه الله – كما يُقال عند العام ” كلٌ في رأسه صوت “

ثم ما الذي حصل ؟ ظهرت الخوارج ، لما حصلت هدنة بين علي ومعاوية وجرى ما جرى ، رجع علي رضي الله عنه إلى العراق ، وفي أثناء الطريق خرجت عليه طائفة وهم الخوارج ونقموا عليه ، وتحصنوا في مكان يقال له ” حروراء ” وقد خرج من جيشه من هؤلاء قيل ثمانية آلاف وقيل ستة عشر ألفا ، وكانوا يقتلون كل من يمر بهم ، حتى مر بهم عبد الله بن خبَّاب بن الأرت ، فقتلوه وكانت زوجته حاملا فقتلوا زوجته وبقروا بطنها وأخرجوا ولدها ، فلما علم علي رضي الله عنه بهذا الأمر ، سألهم من قتلهم ؟ قالوا كلنا جميعا قتلناهم ، فتجهز علي رضي الله عنه لهم وهزمهم شر هزيمة في موقعة تسمى ( بالنهروان ) وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الطائفة في مثل هذه المحنة التي وقعت بين علي وبين معاوية ، ومثل هذه الأخبار لما تقع تجعلنا أكثر إيمانا ، وأكثر تمسكا بديننا ، لأن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وقع ، فماذا قال عليه الصلاة والسلام عند مسلم ؟ قال ( تمرق مارقة ) يعني الخوارج ( تمرق مارقة عند فُرقة من المسلمين  يقتلها أولى الطائفتين بالحق ) ولذلك جمع غفير من أهل السنة والجماعة يقولون إن أقرب الناس إلى الحق هو علي رضي الله عنه ، ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم في مثل هذا القتال ، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة المشهور عنهم على أن مثل هذا القتال يقال فيه إن الجميع مجتهد ، من أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد ، ولا يؤنب ولا يُعنف على أحد منهما “

 

ولتعلموا :

أن الخوارج ما زالوا يخرجون على ولاة الأمر ، يرون أن مرتكب الكبيرة كافر ، فهؤلاء الخوارج لا يزالون يخرجون تباعا ، فعند ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ينشأ نشأٌ يقرءون القرآن لا يُجاوز تراقيهم ) يعني أنهم لا يفقهون ما يقرءون ، وإنما يؤولون القرآن على ما يريدون ، لأنهم لا فقه لهم ولا علم ، قال ( كلما خرج قرن قُطع ، قال ابن عمر رضي الله عنهم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين مرة قال كلما خرج قرن قُطع حتى يخرج في عِراضهم الدجال ) يعني أنهم لا يزالون يخرجون حتى يخرج الدجال .

ثم ما الذي جرى بعد ذلك ؟ وقعت موقعة ( الحرة الشرقية ) في المدينة ، فلما حصل الصلح واستتب الأمر لمعاوية بعد أن تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه لمعاوية ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وأشار إلى الحسن وقال ( إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله به بين طائفتين من المسلمين بينهما مقتلة عظمية ) في عام الجماعة تنازل الحسن لمعاوية ، فاستتب الأمر لمعاوية رضي الله عنه ، توفي معاوية رضي الله عنه ، من الذي خَلَفَه ؟ خلفه ابنه الظالم يزيد بن معاوية ، يقول الذهبي رحمه الله ” إن كانت له حسنة ، فإن حسنته لما أرسله أبوه لفتح القسطنطينية وكان معهم أبو أيوب الأنصاري ولم يتم لهم فتح”

فلما رأى بعض الناس أن يزيد قد ظلم خرج عليه بعض أهل المدينة ، وهذا يدل على أن الخروج على الأئمة مهما جاروا ومهما ظلموا لا خير فيه ، بل فيه الشر المحض ، في عام ثلاثة وستين أرسل جيشا إلى المدينة بقيادة رجل اسمه ” مسلم بن عقبة المري ” فاستباح المدينة وقتل سبعمائة من الصحابة وقتل من غير الصحابة عشرة ألاف ، فسماه السلف ” مسرفا ” وقد أخذه الله عز وجل وهو في طريقه إلى مكة ، ثم لما سقطت الدولة الأموية ، ظهرت الدولة العباسية واستتب لها الأمر وكان لها شأن ، فما الذي جرى ؟ ظهرت فتنة خلق القرآن التي تزعمها المأمون ، وهذه فتن وشرور وبلايا ، ولا تزال الفتن تظهر في الأمة إن لم يعودوا إلى دينهم .

 

ومن العلامات الصغرى للساعة :

( تقليد الكفرة )  جاء عند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون شبرا بشبر وذراعا بذراع ، قيل يا رسول الله كفارس والروم ؟ قال فمن الناس أولئك ) وفي رواية أخرى في الصحيحين ( اليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟ )

قال ابن حجر رحمه الله في الفتح ” وقد وقع معظم ما ذكر عليه الصلاة والسلام ” وكذا قال النووي رحمه الله ” ولا يزال التقليد مستمرا ” هذا في عهد النووي وابن حجر رحمهما الله ، فما ظنكم بزمننا هذا ؟ ولذا نرى الآن التشبه ، خاصة في مجتمعنا – المجتمع السعودي – ظهرت صور كثيرة من التشبه بالكفرة ، فيما سبق كان الناس يحلقون لحاهم ويبقون شواربهم ، الآن الشارب واللحية تحلقان معاً ، فهذا من صور التشبه بهؤلاء الكفار ، وهذا خطر عظيم ، ينبغي للمسلم أن يتنبه إليه ، قال النووي رحمه الله في شرح مسلم ” والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب التمثيل بشدة الموافقة ، والمراد الموافقة لهم في المعاصي دون الكفر ، وهذا معجزة ظاهرة قد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم “

 

ومن العلامات الصغرى للساعة :

( ظهور مدعي النبوة )  ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تقوم الساعة حتى يُبعث دجالون كذابون قريبٌ من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول )

وفي رواية بالجزم أنهم ثلاثون ، وعند أحمد أنهم ( سبعة وعشرون ) فإن قيل إن هذا للمبالغة فلا إشكال ، وإن كان المحدد أنهم ثلاثون فقد ظهر أكثر من ذلك ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم بهؤلاء الثلاثين من ظهر له كلمة وكانت له شوكة ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند ( أن من بينهم أبع نسوة يزعمن أنهن أنبياء )

وبالفعل خرج مسيلمة الكذَّاب في آخر زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقُتل في زمن أبي بكر في معركة اليمامة ، وخرج الأسود العنسي في اليمن وقتله الصحابة رضي الله عنهم في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وظهرت سَجَاح وادعت النبوة ، فتزوجها مسيلمة الكذاب ، ثم لما قُتل مسيلمة عادت ورجعت هذه المرأة إلى الإسلام ، وادعى النبوة طُلَيّحة بن خويلد  الأسدي ورجع وتاب وحسن إسلامه ، ثم ظهر المختار بن أبي عُبيد الثقفي ، أبوه أبو عُبيد الثقفي من أعظم الصحابة حُبا للجهاد رضي الله عنه ، وقد أبلى بلاء حسنا ، ولكن لله عز وجل حكمة حينما يُخرج الطغاة من أصلاب هؤلاء الشرفاء ، فظهر المختار وأظهر حبه لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وطالب بدم الحسين رضي الله عنه فكثر أتباعه حتى غلب على الكوفة في زمن عبد بن الله بن الزبير رضي الله عنهما ثم ادعى النبوة ، ومدعو النبوة لا يزالون يخرجون حتى يخرج المسيح الدجال ، ففي المسند عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون آخرهم الأعور الكذاب )

 

ومن العلامات الصغرى للساعة :

( انتشار الأمن ) وقد انتشر الأمن في زمن الصحابة رضي الله عنهم ، ومما يدل على ذلك ما جاء في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تقوم الساعة حتى يسير الراكب من العراق إلى مكة لا يخاف إلا ضلال الطريق )

ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعدي بن حاتم رضي الله عنه ( أتدري ما هي الحِيرة ؟ قال نُبئت عنها ولم أرها ، قال يوشك إن طالت بك حياة أن ترى الظعينة ) يعني المرأة ( أن ترى الظعينة تسير من الحِيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله )

وانتشار الأمن سيحصل أيضا في آخر الزمن في زمن المهدي حينما يعم العدل .

 

ومن العلامات الصغرى للساعة :

( ظهور نار الحجاز ) ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى ) وبصرى مدينة في الشام ، وقد خرجت في القرن السابع عام أربع وخمسين وستمائة – كانت نارا عظيما ، خرجت من المدينة ، يقول النووي رحمه الله في شرح مسلم ” خرجت في زماننا نار بالمدنية من الجهة الشرقية وراء الحرة وتواتر العلم بها في بلاد الشام وسائر البلدان ، وقد أخبرني من حضرها من أهل المدينة “

وكذلك قال ابن كثير في النهاية ، قال ” إن غير واحد من الأعراب في الشام رأوا هذه النار وقد أضاءت أعناق الإبل ببصرى ) وكذا قال القرطبي في التذكرة ، وكذا نقل ذلك ابن حجر في الفتح ، وهذه ليست النار التي تحشر الناس قبل القيامة – لا- النار التي تحشر الناس يوم القيامة سيأتي لها حديث إن شاء الله تعالى .

 

ومن العلامات الصغرى للساعة :

( قتال الترك ) حينما يقاتل الترك المسلمين ويأتون إليهم ثلاث مرار ، وتكون الغلبة للترك ، كما جاء في مسند الإمام أحمد ، ولذا كان بريدة يضع له بعيرين أو ثلاثة ومتاعا من الزاد ينتظر متى يأتي هؤلاء حتى يفر ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ( اتركوا الترك ما تركوكم ) وأخبر في حديث استشهد فيه ابن حجر رحمه الله ( إن بني قنطوراء ) وهي جارية لإبراهيم عليه السلام ولدت له أولادا ( إن بني قنطوراء سيسلبون ملك أمتي ) أمته من النسب ، لأن الدولة العباسية ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء أسقطوا الخلافة العباسية في بغداد ، الشاهد من هذا أن ما ورد عند أبي داود من أن الغلبة تكون للمسلمين ، هذا وهم كما بين ذلك الحفاظ ، المهم قوله عليه الصلاة والسلام عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمين الترك ، قوم وجوههم كالمجانِّ المطرقة ) مثل الترس الذي يوضع عليه الجلد ، يعني أنهم أصحاب حُمْرة ( يلبسون الشعر ويمشون في الشعر ) وعند البخاري ( هم صغار الأعين حُمْر الوجوه ذلف الأنوف ) يعني أن أنوفهم قصيرة وهي منبطحة ( كأن وجوههم المجان المطرقة )

وقد وقع هذا في القرن السابع ، كما بيَّن ذلك النووي رحمه الله في المنهاج شرح صحيح  مسلم ابن الحجاج .

وقد دخل كثير من هؤلاء في الإسلام ، وهذه سنة الله عز وجل في كل دولة وفي كل أمة لا تقيم شعائر الله إلا ومآلها إلى السقوط ، كانت الدولة العباسية قوية ، لكن لما ضعفت في آخر أمرها بالذنوب والمخالفات ، حتى كانت الجارية ترقص عند الخليفة ، وشربت الخمور وفعلت المنكرات ، أسقطها الله عز وجل ، بهؤلاء الترك ، وهؤلاء الترك بعد زمن دخل كثير منهم في الإسلام ، ونفع الله بهم الإسلام ، وكوّنوا دولة إسلامية فتحوا القسطنطينية ، وذلك الفتح ليس الفتح الذي في آخر الزمن ، وإنما هو تمهيد للفتح الأعظم ، وتفتح في آخر الزمن من غير قتال ، كما سأذكره إن شاء الله عز وجل ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر قتال الترك كما عند البخاري من حديث أبي هريرة ، لما ذكر قتال الترك للمسلمين قال ( تجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر حتى يقع فيه ، والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام ) يعني تجد أن بعضهم أفظع ما لديه الإسلام ، لكن إذا وقع فيه صار له شأن آخر  ،وهذه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء سينفع الله بهم الإسلام بعد حين .

 

ومن العلامات الصغرى للساعة : 

( قتال العجم ) كما جاء عند البخاري من حديث أبي هريرة

( لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خُوزا وكرمان ) وهي بلاد الأهواز من بلاد الأعاجم ( حُمْر الوجوه فطس الأنوف صغار الأعين ، كأن وجوههم المجان المطرقة ، نعالهم الشعر )

هل هم الترك ؟

قال ابن حجر رحمه الله إن هذا الحديث غير حديث قتال الترك ، ويجمع بينهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أنذر بخروج هاتين الطائفتين ، ومما يقويه كما عند أحمد ( يوشك أن يملأ الله أيديكم من العجم ثم يكونون أُسدا لا يفرون فيقتلون مُقاتلتكم ويأكلون فيئكم )

 

الخطبة الثانية

أما بعد فيا عباد الله /

 

ومن العلامات الصغرى للساعة :

( ضياع الأمانة ) كما جاء عند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة ، قيل يا رسول الله ما إضاعتها ؟ قال إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) ومتى ما ترى في مجتمع أن أناسا قد سادوا وليسوا بأهل وليسوا بأهل إخلاص وتفاني في أعمالهم ، فاعلم أن هذا من العلامات الصغرى للساعة .

وقد بيِّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمانة تقبض من القلوب حال النوم ، قال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري من حديث حذيفة رضي الله عنه ( ينام الرجل النومة فتُقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوَكْت  ) والوكت : أي نقطة تخالف اللون السائر في الجسد ، هذا أثر انتزاع الأمانة ( ثم ينام النومة الأخرى فتنزع الأمانة فيبقها أثرها مثل المَجْل ) إذا عمل الإنسان بيديه فربما تخرج قرحة بيضاء ليست بشيء ، ومثَّل النبي صلى الله عليه وسلم لها ( كجمر دحرجته على رجلك فنفط ) يعني انتفخ مثل البثرة فيها ماء  ( فتراه مُنْتَبِرا وليس بشيء ) يعني فيه ورم ( فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة فيقال إن في بني فلانا أمينا ، ويقال للرجل ما أعظمه وما أعقله وما أظرفه وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان )

 

ومن العلامات الصغرى للساعة :

( قبض العلم وظهور الجهل )

جاء في الصحيحين من حديث أنس ( من أشراط الساعة أن يُرفع العلم ويثبت الجهل )

قال ابن حجر رحمه الله في الفتح ” ولا يعني أن العلماء يندثرون – لا – وإنما هم مغمورون لا يؤبه لهم ولا قدر لهم عند الناس ، وهذا من المصاب .

وقبض العلم بقبض العلماء ، متى ما رأيت العلماء يتفانون ويذهبون ويموتون فاعلم أن هذا رفع العلم ، كما بيَّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من صدور الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا ) وانظروا – قال ( رؤوسا ) لأن من يدعي العلم يريد الزعامة ، ولذلك من جعل العلم طريقا إلى الشهرة أو إلى الزعامة فاعلم أنه قد خاب وخسر ( حتى إذا لم يُبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا )

ويزيد هذا الأمر أن هذا العلم يزول حتى لا يعرف الناس الفرائض ، جاء عند ابن ماجة قال النبي صلى الله عليه وسلم ( يَدْرُس الإسلام كَوشْيِ الثوب ) يعني أن الإسلام يزول مثل ما تزول زخرفة الثوب مع طول الزمن ( حتى لا تُعلم صلاة ولا صدقة ولا صوم ويُسرى على كتاب الله عز وجل فلا يبقى منه على الأرض شيء ، حتى يقول الشيخ الكبير والعجوز أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها ) لا يعرفون إلا هذه الكلمة ، يعني أن الفرائض قد زالت وانمحت ،

قال شيخ الإسلام رحمه الله ” فلا يبقى في الصدور والمصاحف منه شيء “

وأعظم من ذلك – عباد الله – ألا يتلفظ باسم الله عز وجل ( الله ) يعني كلمة الله لا تُقال في الأرض ، جاء عند مسلم قال عليه الصلاة والسلام ( لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله ) هذا من ذهاب العلم ، قال ابن كثير رحمه الله ” يحتمل أن الناس قد انغمسوا في الدنيا فلا يعرفون المعروف ولا يُنكرون المنكر ،  ويحتمل أن الذنوب والكفر يعم الأرض ويظهر الكفر والشرك بالله عز وجل فلا يقال في الأرض (  الله )  .

هذه جملة من العلامات الصغرى للساعة ، والحديث يتتابع إن شاء الله تعالى في الجمعة القادمة .

 

الخاتمة : ……………………..