بسم الله الرحمن الرحيم
ثمان عقوبات في عرصات القيامة لمن لم يخرج زكاة ماله
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
——————————————————
جرت عادة كثير من الناس أنه يُخرج زكاته في رمضان.
وليُعلم أن الزكاة متى ما وجبت عليك ومضت السنة في ربيع؛ فيتعين عليك أن تُخرجها في ربيع.
في جمادى؛ يتعين عليك أن تُخرجها في جمادى … وهكذا .
ولا يجوز أن تؤخَر الزكاة إلا إذا كان هناك ضرر عليك، أو كانت هناك حاجة أو كانت هناك مصلحة، وإلا فالأصل عدم التأخير.
مثال الضرر:
لو أنك في مكان يكثر به السُّراق؛ فخشيت لو أخرجت زكاة مالك أن يعتدوا عليك؛ هنا أخَّرْتَها للضرورة حتى تأتي إلى مكان آمن.
والأمثلة كثيرة لايُحصر بهذا.
الحاجة:
كأن يحتاج الفقراء إلى أن تؤخر الزكاة
ربما أن عرفًا انبق عند بعضًا من الناس أن زكاة أموالهم يُخرجونها في شهرٍ معين فتكثر الأموال عند الفقراء، لكن يمكن بعد شهرين أو ثلاثة أشهر يحتاج هؤلاء الفقراء لنفاذ ما عندهم، فتقول أؤخرها لحاجة الفقير، أؤخرها حتى يأتي ذلك الوقت الذي يُحتاج فيه إليَّ.
أو لمصلحة:
كأن تجب عليك الزكاة؛ وإذا بفقير تعرفه وليس موجودًا فتقول أنتظر قدومه لمصلحته.
وإلا فالأصل عدم التأخير، ومع هذا كله إذا أخَّرت إخراج الزكاة لهذه الأمور الثلاثة؛ فيتعين عليك
أن تكتب وصية أن تُخرج هذا المال أو تُخبر أهلك وذويك بأن هذه زكاة؛ لأن الإنسان
ما يدري ما يعرض له.
————————————————-
ليس هذا الموضوع هو ما أريد أن أتحدث عنه.
بعض من الناس هداه الله يتهاون في إخراج زكاة ماله، وليُعلم أن هناك عقوبات عظيمة
لمن منع الزكاة أو تهاون فيها، من هذه العقوبات:
1- من عقوبات مانع الزكاة:
أن هذا المال الذي لم يُخرجه؛ يأتي ماله يوم القيامة في العرصات، قبل أن يحكم الله عز وجل
بين العباد؛ يُعذَّب في عرصات القيامة ويُؤتى بهذا المال ويُعذَّب به، في صحيح مسلم
قال ﷺ: “ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا صُفِّحت له صفائح من نار” قِطع حديد ” إلا صُفِّحت له صفائح من نار فيُحمى عليها فيُكوى بها جنبه” –وفي رواية عند مسلم: “جنباه وجبينه وظهره كلما بردت” –وضُبِطت “كلما رُدت” ولا تناقض بينها فهي لما تبرد يُعاد إليها فتُصفح ويُحمى عليها وتُرد عليه “في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد” في تلك المدة يُعذب إلى أن يقضي الله عز وجل بين العباد “حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله” ويصح ضبطها بناءً على مالم يسم فاعله “فيُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار”
{وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللَّهِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ – يَومَ يُحمى عَلَيها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكوى بِها جِباهُهُم وَجُنوبُهُم وَظُهورُهُم هذا ما كَنَزتُم لِأَنفُسِكُم فَذوقوا ما كُنتُم تَكنِزونَ} [التوبة: ٣٤–٣٥] لماذا خص الجبين والجنب والظهر؟
قيل: لأنها –وكل الأقوال صحيحة وتدخل– لأنها أشرف الأعضاء، أشرف أعضائك وجهك وجنبك وظهرك، ولأن من يمنع الزكاة؛ إذا أتاه الفقير يلوي بوجهه بل يُقطب بجبينه ثم يعطي الفقير جنبه ثم يعطيه ظهره، والجزاء من جنس العمل.
وقال ابن حجر رحمه الله –وكلها داخلة؛ قوله هذا داخل– قال: لكي يعذبه الله عز وجل من الجهات الأربع من الأمام جبينه ومن الشمال واليمين برواية “فيُكوى بها جنباه” والظهر عبارة عن الخلف؛ إذن يُعذب هذا العذاب في عرصات القيامة.
2-ومن عقوبة مانع الزكاة:
أن من يمنع الزكاة يُبطح يوم القيامة!
يُبطح من منع زكاة الإبل يُبطح يوم القيامة حتى تعذبه هذه الإبل، قال النبي ﷺ كما في صحيح مسلم: “ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها إلا بُطح لها” وفي رواية عند مسلم ضُبطَت “قعد لها” وضُبطَت “أُقعِد لها” ولا تنافي لأنه أُقعد رغم أنفه فقعد ثم بُطح يعني مُدَّ على الأرض؛ لأن الانبطاح هو: إلقاء الإنسان على الأرض سواءٌ –وهذا كما قال النووي– بعض الناس يظن أن الانبطاح فقط أن يُبطح على وجهه وعلى بطنه لا، قد يُبطح على ظهره، ولذلك رواية البخاري في شأن الإبل في عقوبتها له؛ أنها تَخْبِطُه في وجهه بأخفافها، الشاهد من هذا أنه يُمَدّ، ماذا قال ﷺ –وجزء منه وجملة من هذا الحديث في صحيح البخاري– قال ﷺ في الصحيحين: “فيؤتى بها” في رواية “على خير ما كانت” وفي رواية “على أوفر ما كانت” وعند البخاري “على أعظم ما كانت وأسمن ما تكون” وعند مسلم “لا يُفقد منها فصيل” سبحان الله! المال كله، ليس الذي لم يُخرج الزكاة، قد تجب عليه مثلًا اثنتان من الإبل؛ ما يُعذب بهذه فقط –بهاتين الاثنتين– بل يُعذب بجميع ماله –قال ابن حجر رحمه الله– لأن المال لما لم تُخرج زكاته هو بمثابة المال الواحد لم يتميز ولأن ما لم تُخرج زكاته فإنه لم يتطهر فجميع ما لديه من الإبل يؤتى بها، قال ابن حجر رحمه الله: يخلقها الله عز وجل في عرصات القيامة لتعذبه، ماذا تفعل به؟ قال ﷺ: ” تطؤه بأخفافها” وعند مسلم ” تستَنُّ عليه” كيف تستن عليه؟ أنها ترفع بقوائمها في الأعلى وإذا بها تضع قوائمها معًا –دفعه واحدة– حتى تضربه، قال ﷺ: ” وتعضه بأفواهها” وعند البخاري قال ﷺ: “وتخبط وجهه بأخفافها” انتهى؟ لا، قال: “كلما مر عليه أولاها رُدت عله أُخراها” وورد عند مسلم “كلما مر عليه أُخراها رُدت عليه أولاها” والجملة الأولى ليست تصحيفًا كما قيل، والصحيح أنه يمكن الجمع كما قال الطيبي والقرطبي “كلما مر عليه أولاها” لأن أولاها إذا مر فوصل إلى أُخراها تتابعت؛ فهذا التتابع يصدُق عليه أن الأول منها يمر ثم يُرد الآخر منها، الشاهد من هذا: “كلما مر عليه أولاها رُدت عليه أُخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد فيُرى سبيله” أو “فيَرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار“
3-ومن عقوبة مانعي زكاة البقر والغنم:
قالوا يارسول الله والغنم والبقر؟ قال: ما من صاحب غنم ولا بقر –كما عند مسلم– قال: “إلا بُطِح له بقاعٍ قرقر” بُطح له: كما حدث في عذاب الإبل “بُطح له بقاعٍ قرقر” القاع القرقر: الأرض المستوية الواسعة “بُطح له بقاعٍ قرقر لا يَفْقِد منها شيئًا” على خير ما كانت، كذلك الشأن في الإبل؛ تأتي كلها ولا يُفقد منها شيء، في الإبل لا فصيل وفي البقر وفي الغنم لا يُفقد منها شيء؛ جميع المال على أسمن ما كانت؛ ليشتد العذاب، لِيَعْظم عذابه، قال –في البقر والغنم– قال: “لا يَفْقِد منها شيئًا” لا يفقد منها شيئًا! “ليس بها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء” سبحان الله! ” ليس بها جلحاء” الجلحاء: التي لا قرن لها؛ يعني ليست تأتي جلحاء لا، تأتي لها قرون، تلك التي تأتي سبحان الله! قال: “ليس بها عقصاء” يعني ليست ملتوية القرنين “ولا عضباء” يعني أنها مكسورة القرن من الداخل لا، تأتي كاملة حتى يشتد العذاب، ما عذابها له؟ قال ﷺ: “تَطَؤُهُ بأخفافها وتنطِحُهُ” بكسر الطاء ويصح فتحها والأشهر الكسر “وتنطِحُهُ بقرونها” انتهى؟ لا، قال ﷺ: “كلما مرَّ عليه أولاها رُدَّت عليه أُخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد” وفي رواية: حتى يحكم الله بين العباد. “فيَرى سبيله” أو “فيُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار”
4- ومن عقوبة مانع الزكاة:
أن من منع الزكاة يأتي ماله يطرده في عرصات القيامة: يتبعُهُ. في الصحيحين قال ﷺ: “يَفِرُّ منه” يَفِرُّ منه وإذا به يتْبَعُهُ حتى يُدركه وهذا عذابٌ له –نسأل الله السلامة والعافية– أنه يفر ولكن {كَلّا لا وَزَرَ} [القيامة: ١١] أين المفر؟ أين المفر؟
5- ومن عقوبة مانع الزكاة:
أنه يُطوَّق بهذا المال، ذلكم المال لا يكون مالًا على صورته لا؛ يجعل الله عز وجل ذلك المال ثعبان يقول ﷺ في الصحيحين: “من كان له مال فلم يؤدي زكاته إلا مُثِّل له يوم القيامة شجاعًا أقرع” شجاع: هو الذكر من الثعابين، شجاع: قال النووي رحمه الله هو الذي يقف على ذَنَبِه –على مؤخرته– فيقفز حتى يصل إلى رأس الفارس وهو على فرسه قال: ويوجد في الصحراء.
“أقرع” اِنْحَتَّ شعر رأسه من كثرة السم، بعض العلماء يقول: الحيات ليس بها أو هذا ليس به شعر قال بعض العلماء: يعني أنه من كثرة السم زالت فروة رأسه فأصبحت بيضاء من عِظَم ما فيه من السم “إلا مُثِّل له شجاعًا أقرع له زبيبتان” يُقال زَبَد الرجل: إذا اشتد في كلامه؛ وهو ما يخرج في جانبي الفم من الزَّبَد، وقيل: نقطتان سوداوان عند العين، وقيل غير ذلك وقيل: نابان.
المهم الأشهر أنه يخرج له زَبَد من فيه “له زبيبتان يأخذه بلِهْزمتيه” بكسر اللام يعني: بشدقيه “فيقول أنا كنزك”
“فيأخذه بلهزمتيه حتى يُطوَّقه فيقول: أنا كنزك أنا مالك ثم تلا: {وَلا يَحسَبَنَّ الَّذينَ يَبخَلونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ هُوَ خَيرًا لَهُم بَل هُوَ شَرٌّ لَهُم سَيُطَوَّقونَ ما بَخِلوا بِهِ يَومَ القِيامَةِ} [آل عمران: ١٨٠] ”
يُطَوِّقه هذا الثعبان، ماهو هذا الثعبان؟ مالُهُ، يُطَوِّقه يوم القيامة تعذيبًا له نسأل الله السلامة والعافية.
6- ومن عقوبة مانع الزكاة:
أن المال يأكلُ صاحِبَهُ؛ يأكل أعضاءه يقول ﷺ كما جاء في الصحيحين وعند النسائي يقول ﷺ: “فيَفِرُّ منه صاحبه فيتبعه” فيتبعه! “فإذا رأى أنه مدركه لا محالة فيقول: أنا كنزك خُذ فيضع إصبعه فيقضمها” بفتح الضاد كما قال العلماء إذا كان فعلاً مضارعًا لكن إذا كان فعلا ماضيًا (قَضِمَ) إذا كان فعل مضارع (يقْضَمُ) “كما يقضَم الفحل” في الرواية الأخرى ليس الأصبع فقط
يأتي اتباع؛ يتبع هذا الأمر شيئًا فشيئًا، في رواية “فيَقْضَم يده” وعند ابن حبان: “حتى يأتي على سائر جسده” لا يموت! هذا المال يأكله، يُقطعه تقطيعًا لكنه لا يموت ليس هناك موت لهؤلاء لأن يوم القيامة إما عذاب وإما نعيم، نسأل الله أن يرحمنا.
7- ومن عقوبة مانع الزكاة:
أن المال ينقر صاحبه مع رأسه نقرا فيقول ﷺ كما جاء عند الطبراني: “فيأتي ماله فينقر رأسه“
8- ومن عقوبة مانع الزكاة:
مع تلك العقوبات الجسدية البدنية العضوية؛ يُعاقب عقابًا نفسيًا يعاقب عقابا نفسيًا ولذلك كما مر معنا قوله ﷺ في الصحيحين: “من كان له مالًا فلم يؤد زكاته إلا مُثِّل له يوم القيامة شجاعًا أقرع” ثعبان الذي حتَّ شعر رأسه له زبيبتان،موضع الشاهد: قال يأخذه بلهزمتيه يعني بشدقيه، فيأخذه بلهزمتيه قال ابن حجر رحمه الله هذا من باب العذاب النفسي له؛ من باب التهكم له، فيقول له أنا كنزك أنا مالك”
حتى في رواية مسلم ماذا يقول له؟ انتبه لا تتهاون بالزكاة “فيقول له أنا مالك الذي خبأتَه فأنا غنيٌ عنه” قال: فأنا غني عنه ” فيأخذه فيَقضَم يده كما يقضم الفحل” يعني يقطع يده.
فهذه العقوبات التي ذكرها النبي ﷺ تجعل المسلم على حذر من أن يتهاون بالزكاة وفي المقابل أنصحُك كما نصحك الشرع وأخبر به الشرع؛ إذا أخرجت هذه الزكاة فأخرجها وأنت طيب النفس؛ طيبة بها نفسك، لم؟ حتى حتى تظفر بفوائد، سأذكر فائدتين فقط أمر يتعلق بالدنيا وأمر يتعلق بالآخرة –وكلاهما من أمر الآخرة– ولا شك أن من قام بحق الدين؛ أتته الدنيا وسَعِد في دنياه:
1-إذا أخرجت زكاة مالك طيبة بها نفسك فلتعلم أنه سبب من أسباب دخول الجنة قال النبي ﷺ كما ثبت عند الترمذي قال: “صَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ” أي رمضان “وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طيِّبة بها نفوسكم وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ” يعني الولاة “تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ “ من أسباب دخول الجنة إذا أخرجت هذه الزكاة طيبة بها نفسك.
2-الفائدة الثانية التي هي خير لك في أُخراك وتشعر بها في دنياك قال النبي ﷺ كما ثبت عند أبي داوود قال: “ثلاث من فعلهن طَعِم طَعْمَ الإيمان” تطْعَم الإيمان في دنياك ماهي؟ قال ﷺ: “من عَبَد الله وحده وأنه لا إله إلا الله وأدَّى زكاة ماله طيبة بها نفسه وافدة عليه كل عام” طيبة بها نفسه وافدة عليه كل عام: يعني أن نفسه تعينه كل عام على أن يخرجها؛ فنفسه على أنه يخرجها وإذا أخرجها؛ نَفْسُهُ بذلك طيبة. قال ﷺ: “وأخرج زكاة ماله طيبة بها نفسه وافدَةً عليه كل عام ولم يُخرج الهَرِمة” العجوز كبيرة السن من هذه البهائم “ولا الشَّرر” يعني شرار المال ” ولا المريضة” أنت تُخرج هذه الزكاة تطهيرًا لك وقربة إلى الله عز وجل: {خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها وَصَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ} [التوبة: ١٠٣] . ولا يُخرج المريضة، قال ﷺ: “وإنما يخرجها من أوساط ماله” لاضرر ولا ضرار ولذلك تتمة الحديث: “فإن الله عز وجل لم يأمركم بأن تخرجوا خيار أموالكم ولم يأمركم بأن تُخرجوا شرارها” فأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد والإعانة على الخير.