بسم الله الرحمن الرحيم
خُطبة/ أحكام فقهية مختصرة بأدلتها الشرعية عن:
نواقض ومبطلات الوضوء
لفضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحدثنا فيما مضى عن صفةِ الوُضوء، ونتحدثُ في هذا اليوم عن شيءٍ مِن مُبطلات ونواقِض الوضوء.
مِن نواقض الوضوء: الخارج من السبيلين:
فكلُّ ما خَرَجَ مِن الإنسان من دُبُره، أو مِن ذَكَره، أو مِن فرج المرأة؛ فإنه يُعدُّ ناقِضًا من نواقض الوضوء، سواءٌ كان خَرَج: بول أو غائط أو دم أو دود أو ما شابه ذلك، فكلُّ ما خرج مِن هذَين السبيلين فإنه يكونُ ناقضًا للوضوء، والدليل: ما جاء في الصحيحين قوله ﷺ:
” لاَ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا ” فدل هذا الحديثُ على ما ذُكِرَ من هذه القاعدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن نواقض الوضوء: لو أن الإنسان انسدَّ المَخرُج الأصليّ له – عافانا اللهُ وإياكم – إنسان لم يَعُد مخرَجُه- الدُّبُر- وكذلك الذَّكَر -أو حتى لو كان فرج المرأة – لم يعد صالحًا مِن حيثُ الصحة أن يخرُجَ منه شيء، فأجرِيَت له عمليّة، فأصبح يُخرِجُ مِن بطنِه أو مِن جُزْءٍ مِن أجزاءِ بَدَنِه:
فإنَّ هذا الشيءَ الذي فُتِحَ له بديل المَخرَج الأصلي: ينتقض الوضوء لو خرَجَ منه بولٌ أو غائطٌ أو ريح، هذه الأشياء الثلاثة فقط لأنها معتادة.
ولذا: هذا المَخرَج الذي عُمِلَ لهذا المريض – نسألُ اللهُ عزوجل أن يشفيَ مرضانا ومرضى المسلمين –
لا يأخُذ هذا المخرَج أحكام المَخرج الأصليّ:
لو أن الإنسان مسَّه بيده فلا ينتقض وضوؤه – كما سيأتي في النواقض الآتية –
فدل هذا على أنه متى ما خرج مِن هذا المخرج -الذي هو غير أصلي-:
بول أو غائط أو ريح فإن وضوءه ينتقض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من نواقض الوضوء: زوال العقل، ولو ثانية،
زوال العقل ما هو؟ مثل الجنون، مثل الإغماء، إنسان يُغمى عليه لو ثانية أو ثواني فإن وضوءَه -لو كان على وضوءٍ سابق- فإن وضوءه يبطُل، لم؟
لأنه لا شعورَ له؛ فهو أعظم مِن النوم المستغرق، فالنوم المستغرِق -كما سيأتي- يُبطِل الوضوء، فما ظنُّك بهذا الشيء الذي هو إغماء أو ما يُقال غيبوبة ولو قلَّت وما شابه ذلك، فإنه يكونُ ناقضًا للوضوء فهو أعظم من النوم، لم؟ لأن النائم لو كان مُستغرقًا فأيْقَظْتَه استيقظ، لكنَّ هذا لو أيقظْتَه وهو في غيبوبة أو في إغماءه فإنه لا يستيقظ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن نواقض الوضوء: النوم المستغرق
النوم الكثير، وقد دلّت الأحاديثُ النبويةُ الكثيرة، منها: حديث صَفوان بن عسّال من أن النومَ ينقُض الوضوء، لكن ليسَ كل نوم، وإنما: النوم الذي يَذهب شعورُ الإنسان فيه، فإنه إذا ذهب شعورُه بحيث لا يشعُر بما لديه فإن وضوءَه يكونُ قد انتقَض.
لكن لو كان النومُ يسيرًا: بمعنى أنه لم يستغرق في نومه، يعني مثل إغفاءة؛ أوضِّحُها أكثر:
لو أنَّ الإنسان أخَذَتْهُ نَوْمَة – هو يسمع مَن حولَه – يسمع أصواتًا فقط، لكن هل يسمع ما قال فلان أو قال فلان؟ لا يسمعُ شيئًا، يعني: لا يتفهَّم ما يقولونه، هو يسمع أصواتًا نعم، لكنه لا يعرف ماذا يقولون وعمَّا يقولون، فإنَّ هذا هو النوم القليل الذي لا ينقُض الوضوء.
إنما الذي ينقضه: إذا ذهب شعورُه، والدليل على هذا التفريق:
ما جاء في الصحيحين في مُجمَلِهما قال ﷺ:
” إذا استيقظَ أحدُكُم من نومِهِ فلا يغمِسْ يدَهُ في الإناءِ حتَّى يغسلَها ثلاثًا” السبب؟ قال:
“فإنَّه لا يدري أين باتَتْ يدُهُ”
“فإنَّه لا يدري”: يعني ذهب شعورُه، دل هذا على أنَّ هذا النوم هو المؤثر “فإنَّه لا يدري أين باتَتْ يدُهُ”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن نواقض الوضوء: مسُّ الفَرْج
يعني: أن يَمَسَّ الإنسانُ فَرْجَهُ، يعني: ذَكَرَهُ أو حَلْقَة الدُّبُر، أو أن تَمَس المرأة فَرْجَها أو حَلْقة دُبُرِها، وقلنا: ” الحَلْقَة ” لأنه لو مسّ مَقعدَتَه أو مَسَّ أَلْيَته
أو مسّ ” الأنثيين” يعني: الخُصيتين، فلا إشكالَ في ذلك
نحن نقول: ” الذَّكَر وحلْقة الدُّبُر وفَرْج المرأة، ويكونُ مِن غيرِ سِتر ” لو كان هناك حائل فإنه لا تأثيرَ على وضوئه، مثل: ما لو أن المرأة مثلا غَسَّلَت طِفلها ومَسّتْهُ مِن غيرِ حائل انتقضَ الوضوء، لكن لو كان بحائل مثل قُفّاز أو ما شابه ذلك فإن وضوءَها لا ينتقض.
إذًا/ إذا كان من غير حائل: فينتقض الوضوء، لكن إن كان بحائل: فلا إشكال في ذلك.
والأدلة على ذلك كثيرة منها: ما جاء في المسند وغيره: ” مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ “
وفي المسند أيضًا وفي غيره:” مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ ” الفَرْج: يشمل الذَّكَر وحَلْقَة الدُّبُر وفرْج المرأة.
ولذا/ لو أنَّ الإنسان مَسَّ فرجَ امرأته- وهذا مباحٌ له – وهو على وضوء: فوضوؤه يبطُل
لو أن المرأة هي التي مَسَّت ذَكَرَ زوجِها: فإنَّ وضوءها ينتقض.
وهذا إنما يخُص مَن؟ يخُص الآدميين، أما لو مسّ دُبُر البهائم:
إنسان ذهب إلى سوق الغنم أو عنده بهيمة فمَسَّ دُبُرَها؛ -طبعًا المقصود بذلك المس الاعتيادي، أما مس الشهوة أو كذا فإن هذا لا يجوز لا في البهائم ولا في غيرها –
نحن نتحدث فقط عن قضية فقط نقض الوضوء المعتاد،
مثل ما يفعل بعض الناس: يذهب ويشتري له بهيمةً، وإذا به ينظُر إلى أليتها ويَمَس أليتها فإذا به يَمَس دُبُرَها: لا إشكال، بمعنى: أن وضوءهَ باقٍ،
فلا تأثيرَ لهذا الأمْرَ فيما يتعلق بالبهائم إنما هو فيما يتعلق بالآدميين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهنا مسألة ترِد كثيرًا وهي: لو أن الإنسان مَسّ امرأتَه، هل ينتقض وضوؤه؟
الصحيح: أنه لا ينتقض وضوؤه حتى لو كان بشهوة، بمعنى: أنه لو ضَمّها أو قَبّلها أو لَمِسَها:
فلا إشكالَ في ذلك، أما قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} فالمراد من ذلك: الجماع.
إذًا/ لو أنه مَسَّ امرأته بشهوة أو بغير شهوة وهو على وضوء فإن وضوءَه صحيح.
ولذلك في بعض الأحاديث الني يُحسنها بعضُ العلماء:
أن النبي ﷺ قبّلَ بعضَ أزواجِه -يعني: زوجاته – ثم خرجَ يصلي عليه الصلاة والسلام ولم يتوضأ.
إلا إن حصل بعد هذا اللمس أو في ثناياه خروج شيء مِن مَذي أو غيره: فهنا ينتقض الوضوء، لم؟ للناقض الأول الذي ذكرناه وهو: الخارج من السبيلين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن نواقض الوضوء -على الصحيح- أكْل لحم الجَزور وهو لحم الإبل:
سواءً كان صغيرًا أو كبيرًا، أَكَلَه مطبوخًا أو غيرَ مطبوخ، والدليل:
ما جاء في صحيح مسلم أن النبي ﷺ سئل عن الوضوء من لحم الإبل:
” أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال ﷺ: نعم “
وجاء الأمر منه ﷺ كما ثبت عنه في مسند الإمام أحمد: ” تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ “
وهل يدخل في هذه اللحوم: الكبد وما شابه ذلك مِن أعضاءِ الإبل؟
الصحيح: أنه يدخُل لأنه لا وجهَ للتفرقة بين هذا وبين هذا، فالمقصودُ من ذلك هو:
أكْل ما يتعلق بالإبل، ولذلك لما حَرَّمَ اللهُ عزوجل الخنزير قال: {وَلَحمَ الخِنزيرِ} فهل معنى ذلك أن ما عدا لحم الخنزير أنه يجوز؟ الجواب: لا
فدل هذا على ماذا؟ على أنه متى ما أكَل ما يتعلق بهذه الإبل مِن أجزائها، فالصحيح: أنه ناقض للوضوء.
هناك قول لبعض العلماء: يستثني الكبد وما شابه ذلك، لكن الذي يظهر من حيثُ الأدلة:
أنه ﷺ ذَكَر اللحم لأنه هو أغلب ما يأكلُه الإنسان، وهو أغلب ما يكونُ على بهيمة الإبل.
فأكْلُ لحم الإبل يكونُ ناقضًا للوضوء.
أما اللبن – حليب الإبل: فالصحيح: أنه لا ينقض الوضوء، لم؟
لأن النبي ﷺ كما في الصحيحين لما أمَرَ العُرَنيين لما اشتكوا بطونَهم: أمَرَهم أن يَخرُجُوا إلى إبل الصدقة، فأمرهم أن يشربوا من أبوالها ومن ألبانها حتى استصَّحُوا، فلم يأمرْهُم ﷺ بأن يتوضؤوا إذا شربوا من ألبان الإبل، لكنَّ الأفضل أن يتوضأ
عند الطبراني: جاء أعرابيّ إلى النبي ﷺ فقال:
” أنتوضأ من لحوم الإبل وألبانها؟ فقال ﷺ: نعم ” هنا هذا الحديث: للاستحباب، لأنه لم يأمر العُرَنيين، والعرنيون أتوا وقد أسلَموا حديثًا وهم يجهلون هذا الأمر،
فلو كان الوضوءُ من ألبان الإبل متعينًا لذكره لهم ﷺ.
هذه جملة من المسائل المتعلقة بنواقض الوضوء أسألُ اللهَ لي ولكم العلمَ النافع والعمل الصالح.