خُطبة: ” أربعون فائدة عن فضائل مكة والكعبة في القرآن “
لفضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى اللهُ عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا عباد الله نتحدثُ في هذا اليوم عن بعض ما جاء في القرآن عن مكةَ والكعبة
١/ أول من بناها إبراهيم عليه السلام بمساعدة ابنه إسماعيل:
{وَإِذ يَرفَعُ إِبراهيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيتِ وَإِسماعيلُ رَبَّنا تَقَبَّل مِنّا إِنَّكَ أَنتَ السَّميعُ العَليمُ} [البقرة: ١٢٧].
٢/ هذا البيت جعله الله عز وجل آمنًا، حتى إن الكفار في الجاهلية يرى الرجل قاتل أبيه في البيت فلا يتعرض له {وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧].
٣/ ويدخل في ذلك من أنَّ هذا خبرٌ بمعنى الأمر
{وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا} يعني أَمِّنوا من دخل فيه.
٤/ هذا البيت دعا له إبراهيم عليه السلام – قبل أن يبنيه – بالأمن في سورة البقرة:
{وَإِذ قالَ إِبراهيمُ رَبِّ اجعَل هذا بَلَدًا آمِنًا} [البقرة: ١٢٦] وبعد أن بناه كرر الدعوة أيضًا بأن يكون آمنًا في سورة إبراهيم: {وَإِذ قالَ إِبراهيمُ رَبِّ اجعَل هذَا البَلَدَ آمِنًا} [إبراهيم: ٣٥]
أو أنه كرره من باب الإلحاح في الدعاء على القول الآخر ولكن الأول هو الأظهر،
ولذلك قال تعالى: {أَوَلَم يَرَوا أَنّا جَعَلنا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِن حَولِهِم} العنكبوت: ٦٧].
٥/ هذا البيت جعله الله عز وجل مثابةً ومرجعًا يرجع إليه الناس؛ كلما خرجوا منه أحبوا أن يعودوا إليه {وَإِذ جَعَلنَا البَيتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَأَمنًا} [البقرة: ١٢٥] وهذا فيه دلالة على أن دعوةَ إبراهيم قد استُجيبت إذ قال: {فَاجعَل أَفئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهوي إِلَيهِم}[إبراهيم: ٣٧].
٦/ هذا البيت هو أول بيت وُضع للناس لأن يُتعبَّدَ فيه لله {إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ}
آل عمران: ٩٦].
٧/ هذا البيت فيه شعائر من شعائر الله وهما الصفا والمروة {إِنَّ الصَّفا وَالمَروَةَ مِن شَعائِرِ اللَّهِ}
وذلك بأن يُتعبد لله بالسعي بينهما، ولذا قال: {فَمَن حَجَّ البَيتَ أَوِ اعتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِما} [البقرة: ١٥٨].
٨/ هذه الكعبة جعلها الله عز وجل قبلةً وسطًا ولذا قال: {وَكَذلِكَ جَعَلناكُم أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة: ١٤٣] يعني كما أن قبلتكم وسطًا إذ وجهناكم إليها {وَكَذلِكَ جَعَلناكُم أُمَّةً وَسَطًا} يعني: خِيارًا عُدولًا.
٩/ هذه الكعبة أُمر النبي ﷺ أن يُتوجه إليها ثم أُفردت الأمة بالأمر بالتوجه إليها كما قال عز وجل:
{قَد نَرى تَقَلُّبَ وَجهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبلَةً تَرضاها فَوَلِّ وَجهَكَ شَطرَ المَسجِدِ الحَرامِ} ثم لعموم الأمة {وَحَيثُ ما كُنتُم فَوَلّوا وُجوهَكُم شَطرَهُ} [البقرة: ١٤٤].
١٠/ هذه الكعبة هي قبلةُ كلِّ مسلم في أي بلد وفي أي مكان {وَحَيثُ ما كُنتُم فَوَلّوا وُجوهَكُم شَطرَهُ} [البقرة: ١٥٠] لأن من كان عند الكعبة: يتوجه إليها فيصيب عينَها
ومن كان بعيدًا عن الكعبة في مكة أو في البلدان الأخرى: أُمِرَ بالتوجه إليها،
ومن كان في البراري والصحاري: فإنه أُمِرَ بالتوجه إليها
ولذلك كرر الأمر بالتوجه إليها في سورة البقرة ثلاث مرات.
١١/ هذه القبلة وهي الكعبة من نعمة الله عز وجل علينا إذ وُجِّهنا إليها كما أنعم الله عز وجل علينا بإرسال الرسول محمد ﷺ {وَلِأُتِمَّ نِعمَتي عَلَيكُم} ومن ذلك التوجه إلى الكعبة في الصلاة
{وَلِأُتِمَّ نِعمَتي عَلَيكُم وَلَعَلَّكُم تَهتَدونَ (150) كَما أَرسَلنا فيكُم رَسولًا مِنكُم} [البقرة: – ١٥١].
١٢/ هذه البلد الساكنُ لها إذا تمتع بالحج ما يُلزَم بهدي بخلاف غيره ممن يقدم إليها:
{فَمَن تَمَتَّعَ بِالعُمرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا استَيسَرَ مِنَ الهَديِ فَمَن لَم يَجِد فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبعَةٍ إِذا رَجَعتُم تِلكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ} أي ذلك الحكم: {لِمَن لَم يَكُن أَهلُهُ حاضِرِي المَسجِدِ الحَرامِ} [البقرة: ١٩٦].
١٣/ الله عز وجل أمر بأن يُجعل من مقام إبراهيم مُصلى يُصلى خلفَه {وَاتَّخِذوا مِن مَقامِ إِبراهيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥] ولذلك صلى خلفه عليه الصلاة والسلام كما في حجته.
١٤/ هذا البيت أُمر إبراهيم وإسماعيل بتطهيره، لمن؟ لمن يطوف ولمن يُصلي وللركع وللسجود وللقائمين؛ يعني لمن هم فيه أو القائمين في الصلاة:
{وَعَهِدنا إِلى إِبراهيمَ وَإِسماعيلَ أَن طَهِّرا بَيتِيَ لِلطّائِفينَ وَالعاكِفينَ وَالرُّكَّعِ السُّجودِ}[البقرة: ١٢٥] وفي سورة الحج: {وَطَهِّر بَيتِيَ لِلطّائِفينَ وَالقائِمينَ وَالرُّكَّعِ السُّجودِ} [الحج: ٢٦].
١٥/ هذا البيت جُعِلَ ببلد وهي مكة وتُسمى ببكة لم ؟ لأن الناس يتباكُّون فيها ؛ يعني أنهم يزدحمون فيها. أو: من البكّ وهو الدقّ لأن من أرادها بسوء أهلكه الله عز وجل وقَطَعَةُ:
{إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ} [آل عمران: ٩٦].
١٦/ هذا البيت جعله الله عز وجل مباركًا وهدى للعالمين باعتبار ما يُتقرب فيه إلى الله عز وجل ولذلك تُضَعَّف الصلاة فيه، إلى غير ذلك مما وردت به السنة والنصوص {إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكًا وَهُدًى لِلعالَمينَ – فيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبراهيمَ } [آل عمران:٩٦ – ٩٧].
١٧/ الله عز وجل أمر بأن يُحج إلى هذا البيت لمن استطاع:
{وَلِلَّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطاعَ إِلَيهِ سَبيلًا} [آل عمران: ٩٧] .
١٨/ الله عز وجل أمر بتأمين من دخل في الحرم، كذلك أمر بتأمين من قصد الحرم في طريقه إلى الحرم، في طريقه إلى مكة {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تُحِلّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهرَ الحَرامَ وَلَا الهَديَ وَلَا القَلائِدَ وَلا آمّينَ البَيتَ الحَرامَ} ولا قاصدي البيت الحرام {يَبتَغونَ فَضلًا مِن رَبِّهِم وَرِضوانًا}[المائدة: ٢].
١٩/ صيدُ هذا البلد لمن هو في الحرم – في حدود الحرم – ليس في الحل؛ يَحرُم سواءً كان محرمًا أو كان مُحِلًا لابسًا الثياب المعتادة {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَقتُلُوا الصَّيدَ وَأَنتُم حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥]
يعني حال لُبسكم الإحرام أو أنكم في حدود الحرم.
٢٠/ هذه الكعبة جعلها الله عز وجل لقيام مصالح الناس في دنياهم وفي دينهم:
{جَعَلَ اللَّهُ الكَعبَةَ البَيتَ الحَرامَ قِيامًا لِلنّاسِ} [المائدة: ٩٧] تقوم مصالحهم الدينية والدنيوية عليه.
٢١/ الله عز وجل جعل أولياء هذا البيت هم المتقون وليس الكفار {وَما كانوا أَولِياءَهُ} لما ادَّعوا أنهم أولياء البيت {وَما كانوا أَولِياءَهُ إِن أَولِياؤُهُ إِلَّا المُتَّقونَ وَلكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمونَ} [الأنفال: ٣٤].
٢٢/ الله عز وجل ندد بصنيع أهل الجاهلية من التصفير والتصفيق فيه، فكذلك لا يجوز أن تُرفع فيه شعائر الجاهلية وشعائر أهل البدع وأشباه هؤلاء ولذلك قال تعالى ذامًا لصنيعهم:
{وَما كانَ صَلاتُهُم عِندَ البَيتِ إِلّا مُكاءً وَتَصدِيَةً} [الأنفال: ٣٥] فالمُكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق.
٢٣/ الله عز وجل جعل فضلًا لمن سقى الحجيج ولمن عمر المسجدَ الحرام:
{أَجَعَلتُم سِقايَةَ الحاجِّ وَعِمارَةَ المَسجِدِ الحَرامِ كَمَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَجاهَدَ في سَبيلِ اللَّهِ} ماذا قال ؟
{لا يَستَوونَ عِندَ اللَّهِ} [التوبة: ١٩] يعني في الفضل، وهذه وردت كما في صحيح مسلم في حق المسلمين؛ لأنه في صحيح مسلم: لما اختصم بعض الصحابة فقال: “ما أُبالي بعد الإسلام إلا أن أسقي الحجاج”
وقال آخر: “ما أبالي بعد الإسلام إلا أن أعمُرَ المسجد الحرام”
وقال الآخر: “ما أبالي بعد الإسلام إلا أن أُجاهد في سبيل الله”، فقال عمرُ رضي الله عنه:
“لا ترفعوا أصواتكم وإذا خرج النبي ﷺ سألتُهُ”-وكان ذلك يوم جمعة-
فأنزل الله هذه الآية مما يدل على أن سقاية الحجاج وعمارة المسجد الحرام لها فضل ذكره اللهُ عز وجل.
٢٤/ الله عز وجل قال لطهارة هذا البيت:
{يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّمَا المُشرِكونَ نَجَسٌ فَلا يَقرَبُوا المَسجِدَ الحَرامَ بَعدَ عامِهِم هذا} [التوبة: ٢٨].
٢٥/ موسى عليه السلام لما ضَيَّقَ عليه فرعون، أُمِرَ بأن يصلي وأن يجعل البيوت يُتوجه بها إلى الكعبة على أحد القولين – وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما – قال في حق موسى:
{وَاجعَلوا بُيوتَكُم قِبلَةً} يعني إلى الكعبة {وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ المُؤمِنينَ} [يونس: ٨٧].
٢٦/ هذا البلد في وادي ليس به زرع ولا طعام ولكن تؤتى إليه الخيرات ولذلك ماذا قال إبراهيم:
{رَبَّنا إِنّي أَسكَنتُ مِن ذُرِّيَّتي بِوادٍ غَيرِ ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحَرَّمِ} [إبراهيم: ٣٧] سبحان الله لا أنيس به ولا طعام ولا شراب ولكن ماذا قال عز وجل -في سورة القَصَص-؟
{أَوَلَم نُمَكِّن لَهُم حَرَمًا آمِنًا يُجبى إِلَيهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيءٍ رِزقًا مِن لَدُنّا وَلكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمونَ}.
٢٧/ الله عز وجل جعل هذا البلد مُحَرَّمًا؛ أتدرون من أجل ماذا؟ من أجل إقامة دين الله ومن أعظم ذلك الصلاة كما قال الطبري رحمه الله
{رَبَّنا إِنّي أَسكَنتُ مِن ذُرِّيَّتي بِوادٍ غَيرِ ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحَرَّمِ} من أجل ماذا؟ {رَبَّنا لِيُقيمُوا الصَّلاةَ} [إبراهيم: ٣٧].
٢٨/ الله عز وجل جعل إسراء النبي ﷺ ابتداءً من المسجد الحرام: {سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا} [الإسراء: ١].
٢٩/ الله عز وجل هيأ ووضح وبين لإبراهيم مكان البيت ليس من أجل فقط الصلاة، لا، أيضًا من أجل أن لا يُشرَكَ بالله {وَإِذ بَوَّأنا لِإِبراهيمَ مَكانَ البَيتِ أَن لا تُشرِك بي شَيئًا} [الحج: ٢٦]
فدل على أن هذا البيت جُعِل محرَّمًا لإقامة شعائر الله من العبادات ولإخماد الكُفريات والشركيات والبدعيات.
٣٠/ الله عز وجل أمر إبراهيم بعد أن بناه أن يؤذن في الناس بالحج:
{وَأَذِّن فِي النّاسِ بِالحَجِّ يَأتوكَ رِجالًا} يعني على أقدامهم {وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ} يعني على كل بعير هزيل ؛ يعني من حبهم لهذا البيت يأتون على أقدامهم ويأتون حتى على الدواب الهزيلة، على البعير الهزيل {وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأتينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ} [الحج: ٢٧] ولذا تجد أن الأفئدة بعيدة عن البلد الحرام -عن مكة- ومع ذلك النفوس تشتاق إليه ولذلك في دعوة إبراهيم {فَاجعَل أَفئِدَةً} ولم يقل: فاجعل الناس فقط، بل الأفئدة {فَاجعَل أَفئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهوي إِلَيهِم}[إبراهيم: ٣٧].
٣١/ الله عز وجل أمر -كما تدل عليه الآية التي في سورة البقرة- أمر بالمبيت بمنى: ( الحجاج ) ورمي الجمار{وَاذكُرُوا اللَّهَ في أَيّامٍ مَعدوداتٍ} في أيام التشريق {فَمَن تَعَجَّلَ في يَومَينِ فَلا إِثمَ عَلَيهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثمَ عَلَيهِ لِمَنِ اتَّقى} [البقرة: ٢٠٣].
٣٢/ الله عز وجل أمر بطواف الإفاضة إذا فُرِغَ من الحج {ثُمَّ ليَقضوا تَفَثَهُم وَليوفوا نُذورَهُم وَليَطَّوَّفوا بِالبَيتِ العَتيقِ} [الحج: ٢٩].
٣٣/ ولذا من فضائله أنه وُصف بالبيت العتيق لم؟ لأنه هو القديم {إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ}
[آل عمران: ٩٦].
٣٤/ وأيضًا هو عتيق أعتقه الله عز وجل من الجبابرة فمن أراده بسوء أعتقه الله من شره فقصم الله عز وجل هذا الشرير وشرَّهُ.
٣٥/ الله عز وجل بين أنه يُتقرب إليه بالهدي إلى هذا المكان، إلى الحرم {ذلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِن تَقوَى القُلوبِ – لَكُم فيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} من حيث الشرب من حيث الأكل قبل أن تُعَينوها هديًا، أو من احتاج حال الهدي أن يركبها بالمعروف:
{ ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى البَيتِ العَتيقِ} [الحج:۳۲ – ٣٣] إلى أن تُذبح في الحرم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخُطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى اللهُ عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
أما بعد فيا عباد الله:
٣٦/ جعل الله عز وجل هذا البيت للناس فيه سواء، ولذلك أنكر على كفار قريش: {إِنَّ الَّذينَ كَفَروا وَيَصُدّونَ عَن سَبيلِ اللَّهِ وَالمَسجِدِ الحَرامِ الَّذي جَعَلناهُ لِلنّاسِ سَواءً العاكِفُ فيهِ وَالبادِ} [الحج: ٢٥]
العاكف: يعني المقيم الساكن فيه. {وَالبادِ} يعني: الذي يأتي إليه من البلدان الأخرى.
٣٧/ الله عز وجل جعل لهذا البلد مزية، وهي: أن من أراد أن يفعل فيه معصية عظُمَت أو صغُرَت وهو ليس بها وإنما عزم فقط دون أن يفعل وهو بعيد عنها:
أن الله عز وجل سيُذيقه العذاب الأليم {وَمَن يُرِد فيهِ بِإِلحادٍ بِظُلمٍ نُذِقهُ مِن عَذابٍ أَليمٍ} [الحج: ٢٥]
فما ظنكم بمن هو فيها، فما ظنكم بمن فعل فيها؟
٣٨/ الله عز وجل أقسم بهذا البيت، فقال تعالى: {وَالبَيتِ المَعمورِ} [الطور: ٤] على أحد القولين،
القول المشهور: أنه بيت في السماء تدخله الملائكة، وقولٌ آخر: {وَالبَيتِ المَعمورِ} أقسم بالكعبة،
وسُمي بالمعمور لأنه يُعمر بالحج وبالعمرة وبسائر العبادات من المسلمين.
٣٩/ الله عز وجل أهلك أبرهة لما أراد أن يهدمه ولذلك أنزل الله عز وجل سورة الفيل:
{أَلَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصحابِ الفيلِ – أَلَم يَجعَل كَيدَهُم في تَضليلٍ – وَأَرسَلَ عَلَيهِم طَيرًا أَبابيلَ – تَرميهِم بِحِجارَةٍ مِن سِجّيلٍ – فَجَعَلَهُم كَعَصفٍ مَأكولٍ} [الفيل: ١-٥]
٤٠/ مع تلك النعم التي أنعم الله بها عز وجل على أهل ذلكم البلد ما الذي يتوجب؟
أن يُشكر الله ولذا قال في سورة قريش: {لِإيلافِ قُرَيشٍ – إيلافِهِم رِحلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيفِ} أهلك عدوهم أبرهة وجعل لهم ما يأتلفونه من الرحلة بالتجارة إلى اليمن وإلى الشام في الصيف وفي الشتاء،
إذن ما الواجب: {لِإيلافِ قُرَيشٍ – إيلافِهِم رِحلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيفِ – فَليَعبُدوا رَبَّ هذَا البَيتِ – الَّذي أَطعَمَهُم مِن جوعٍ وَآمَنَهُم مِن خَوفٍ} [قريش: ١-٤]
ولذلك فلنشكر الله عز وجل ونحن في هذا البلد؛ علينا أن نشكر الله عز وجل بالقيام بعبادته عز وجل.
هذه جملة من الفوائد عن بعض ما ذكره عز وجل في القران عن هذا البلد الحرام.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين ، اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود ، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا ، اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الرافضة الحاقدين ، اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك ، اللهم من أراد بهذه البلاد سوءًا وشرًا وزعزعة اللهم فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرا عليه يا قوي يا عزيز ، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.