خطبة اتخاذ الزينة والحضور إلى المساجد على أحسن هيئة من الأمور التي رغب فيها الشرع

خطبة اتخاذ الزينة والحضور إلى المساجد على أحسن هيئة من الأمور التي رغب فيها الشرع

مشاهدات: 2211

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة: (اتخاذ الزينة والحضور إلى المساجد على أحسن هيئة،

 من الأمور التي رغب فيها الشرع) 24/10/14445 هـ

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري حفظه الله

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً- يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}. أما بعد، فيا عباد الله…

المساجد لها مكانتها في الإسلام ولذلك أثنى الله عز وجل على من عمرها بما شرعه عز وجل، فقال:

{في بُيوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فيهَا اسمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فيها بِالغُدُوِّ وَالآصالِ – رِجالٌ} [النور:٣٦ -٣٧]

  وقد اعتنى النبي صلى الله عليه وأله وسلم بالمساجد أشد الاعتناء، ذلك بأنها بيوت الله.

 هي بيوت الله من حيث يتقرب الناس فيها إلى الله وأيضاً جاء في الحديث الصحيح من أن المسجد بيت كل تقي فإذا كانت المساجد بيوتاً للمتقين فبالتالي على المسلمين أن يحافظوا عليها.

 ولذلك كان من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قالت عائشة رضي الله عنها في السنن:

 ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْمَسَاجِدِ أَنْ تُبْنَى فِي الدُّورِ)

 يعني في الأحياء (وَأَنْ تُطَهَّرَ وَتُطَيَّبَ).

 وقال سمرة بن جندب كما عند أبي داوود:

” فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا بِالْمَسَاجِدِ أَنْ نَصْنَعَهَا فِي دِيَارِنَا، وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا، وَنُطَهِّرَهَا ” تُطهَّر من الأقذار، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال لذلك الرجل كما عند مسلم:

 “إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ”

  فتُنظَّف المساجد وتُطيَّب ولذلك عمر رضي الله عنه أسند مهمة تطييب المسجد لرجل اسمه نُعَيْم المُجْمِر، سمي بالمُجْمِر لأنه كان يُجْمِرُ الفحم (يُشعله)  ليطيب المسجد في يوم الجمعة حتى يكون المسجد مهيأً للمصلين وللعبّاد، ولذلك هُيِّأت من أجل أن تُقبل قلوب الناس إلى هذه المساجد حتى يؤدوا العبادات ولا سيما الصلاة على أكمل خشوع وأكمل خضوع لله عز وجل.

 في المقابل من يأتي إلى هذه المساجد عليه أن يكون على أحسن هيئة وعلى أحسن حال من التنظف، من التطيب، من اللباس المناسب لهذه المساجد ولهذه العبادات، ولذلك ما يأتي إنسان بقميص نومه أو بثياب رثة أو برائحة منتنة، فمثل هذا لا يتناسب مع مقام المسجد ولذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما في الصحيحين: إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ فالسكينة: أن يكون الإنسان في حركاته ساكناً ماشيًا على أحسن المشي

 والوقار: الهيئة؛ ما يأتي غير مرتب في لباسه

فما ظنكم بمن يأتي بملابسٍ ليست بتلك، ما تصلح أن تُلبس إلا في البيوت ولا يحسن بالناس عرفاً أن يأتي بهذه الثياب من القمص وغيرها، ما يحسن عرفاً أن يأتي بها إلى الأسواق وفي مجمعات الناس فكيف في بيت من بيوت الله عز وجل. ولذلك ماذا قال عز وجل: {يا بَني آدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ} [الأعراف: ٣١]

 ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((الله أحق أن يتجمل له)) أحق من المخلوق وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما في صحيح مسلم قال:

 إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ” 

لما سئل هل من الكبر أن يأتي الإنسان بثياب حسنة وبنعل حسنة فقال عليه الصلاة والسلام:

إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ “.

 وأسوأ من ذلك أن يأتي من يأتي إلى هذه المساجد فيكدر على المصلين صلاتهم بذهاب خشوعهم من أكله للثوم والبصل والكراث وأشباه هذه الأشياء، وأفظع من ذلك رائحة الدخان الذي هو محرم في شرع الله عز وجل فكيف برائحته؟

 ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال:

 مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ : لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا – “

 بل في عهده عليه الصلاة والسلام إذا وُجِدَت الرائحة من الثوم والبصل في المسجد من الرجل أُخرج منه، فإتيانه إلى المسجد مصلحة لكن في مضامينها مفاسد لإخوانه المسلمين فالإنسان حينما يأتي: يأتي برائحة زكية طيبة ولذلك من سنة النبي عليه الصلاة والسلام أنه يحب الطيب كما عند النسائي قال :

 “حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ

 فالطيب كما أنه يعطي انشراحاً لصدر من يتعطر فأيضا هو يعطي انشراحاً لصدر من يُجالس هذا الرجل.

 ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين قال:

 غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ

من أجل ماذا؟ من أجل أن يأتي من دون أن تخرج منه رائحة.

 ولذلك كان حال الصحابة رضي الله عنهم في أول أمر لم يكن لديهم مال ولا لباس كانوا يلبسون الصوف حتى في الصيف لا يجدون، فأتوا ذات يوم في يوم جمعة فانبعثت رائحة الصوف في المسجد

 فقال عليه الصلاة والسلام: لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا

وقال عليه الصلاة والسلام: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ

 بل رتب عليه الصلاة والسلام على الغُسل مع أمور أخرى أجراً عظيماً في حضور صلاة الجمعة، وليس الحديث في هذه الخطبة عن يوم الجمعة، بل في كل فرضٍ من الفروض ماذا قال عليه الصلاة والسلام كما في السنن:

 مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ، وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا

 وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن الإنسان حينما يأتي المساجد يأتي بحالةٍ حسنة من حيث اللباس ومن حيث الرائحة.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه

 إنه هو التواب الرحيم.

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد، فيا عباد الله…
اعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. هذا وصلوا رحمكم الله على أعظم نبي وأشرف هاد كما أمركم الله بذلك إذ يقول:

 {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في فلسطين اللهم كن لهم ناصراً ومعيناً، اللهم أمن خائفهم وأطعم جائعهم واشف مريضهم واجعل دائرة السوء على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز.

 اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا ووفق ولاة أمرنا، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك اللهم من أراد بهذه البلاد شرًا وفتنة وزعزعة فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا قوي يا عزيز{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.