خطبة ( احذر من تغير الأحوال بعد رمضان )

خطبة ( احذر من تغير الأحوال بعد رمضان )

مشاهدات: 258

بسم الله الرحمن الرحيم

 خطبة (احذر من تغير الأحوال بعد رمضان)

3-10-1445

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].

أما بعد فيا عباد الله انتهى موسم رمضان، وهكذا الدنيا تمر سريعًا، فمن وفق فيما مضى فليحمد الله عز وجل وليزدد من الخير، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:17]، ومن فرط فإن باب التوبة مفتوح {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:53]، {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:110]، والنصوص في مثل هذا المعنى كثيرة.

إذًا باب التوبة مفتوح لمن فرط فيما مضى، وربك يجب أن تعبده في كل زمن، وفي كل مكان، انتهى رمضان وقد رتب النبي ﷺ عليه وعلى رمضان الذي قبله رتب عليه مغفرة الذنوب، وهذا يدل على عظم هذا الشهر ففي صحيح مسلم قال ﷺ: “الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ” ما أعظم فضل الله تكفير للصغائر كل يوم، تكفير للصغائر كل أسبوع، تكفير للصغائر كل سنة، فما أعظم هذا الدين.

فالصلوات فيما بينها تكفر، الجمعة إلى الجمعة تكفر، ما بين الرمضانين تكفر الذنوب لمن قام بحق رمضان بما أوجب الله عز وجل عليه، ويا عجبا لأناس كانوا على خير في رمضان وبعد رمضان تغيرت الأحوال، النبي عليه الصلاة والسلام قال لعبد الله بن عمرو كما في الصحيحين قال: يا عبد الله لا تكن مثل فلان ماذا صنع فلان أو ماذا ترك فلان؟

قال: كان يقوم الليل ليس في رمضان هذا الحديث ليس في رمضان، وإنما في أيام السنة قال: كان يقوم الليل فترك قيام الليل، قيام الليل سنة مؤكدة، ومع ذلك لم ينكر عليه الصلاة والسلام بأسلوب أشد لأنه سنة مؤكدة لكن هذا يدل على ماذا؟

يدل أولا على فضيلة قيام الليل.

ثانيًا: يدل على أن الإنسان ما ينبغي له إذا تعود سنة من السنن أن يدعها؛ لأنه إن تركها تناقص وإذا تناقص الإنسان لا يشعر بنفسه هذه النفس لا يعلم صاحبها تقلبها إذا به يتناقص حتى يصل إلى الفرائض وإذا بحاله يظن أنه ما زال على خير وعلى هدى لا، لا بد أن تتعهد النفوس أناس وليسوا بالقلة لما اعتادوا على الصلاة في البيوت أيام وزمن قرونا، إلى الآن بعضهم يصلي في بيته ليس به علة ولا مرض وليس لديه عذر، ويظن أنه على خير هذه هي النفس.

ولذلك عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم قالت: كان رسول الله ﷺ إذا عمل عملا أثبته أي عمل؟ سنة الواجبات مفروغ من أن يمتثل العبد بفعلها، المحرومات مفروض وواجب على العبد أن يمتثل تركها، بل في رواية القاسم عنها قال: كانت عائشة إذا عملت العمل لزمته لأنه بلزوم العمل الصالح تحيا القلوب، وتحب أن تعمل العمل الآخر، لكن إن فطرت هنا كما سلف تتناقص.

ولذلك لما سئلت رضي الله عنها كما في الصحيحين عن عمل النبي ﷺ قالت: كان عمله ديمه الديمة هو المطر المستمر كم يكون لهذا المطر المستمر من نفع للأرض من حيث نباتها، من حيث مائها، من حيث نظرتها، من حيث زهرتها، من حيث ما يمشي عليها من بشر ودواب كان عمله ديمه.

ولذلك قال العلماء الذي يعمل العمل ثم يتركه، وهذا من باب النكوص يكون هو أحمق مثل المرأة التي كانت بمكة تغزل الغزل وتتعب فيه ثم بعد ذلك تنقضه هكذا، {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} [النحل:92]، فهذا يدل على سوء هذا الفعل.

ولذلك على المسلم أن يكون متنبهًا متفطنًا، النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح كان إذا نام من الليل أو مرض عذر صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، لأنه يصلي بالليل عليه الصلاة والسلام إحدى عشرة ركعة، فهو يصلي شفعا، ولذلك لو أن الإنسان فاتته صلاة الليل يصلي في الضحى عدد ما كان يصلي بالليل ويشفع بركعة، يعني لو كان يصلي مثلا خمس بالليل، يصلي بالنهار إذا فاتته ست ركعات كل ركعتين بتسليمة هذا إن دل يدل على ماذا؟

يدل على أن الإنسان لا غنى له أبدا عن القرب من الله عز وجل، وأعظم ما يتقرب به العبد إلى الله عز وجل هذه الصلاة التي بآخرته، هذا فيما يتعلق بسنة من السنن ما ظنكم بمن يترك الفرائض ويبيح لنفسه فعل واقتراف المحرمات بعد رمضان، فإن القلب إذا قسى قسا إلا أن يتداركه الله برحمة منه.

ولذلك عاتب الله عز وجل في قوله تعالى في سورة الحديد عاتب أهل الإيمان {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحديد:16]، ولم يقل فساق {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16].

أسال الله لي ولكم الصلاح لقلوبنا أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وأتوب إليه إنه هو التواب الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد.

فيا عباد الله من أعظم ما يجعل العبد يزداد في الخير قراءة القرآن وتدبره، اضرب لكم مثالا وهو دليل واضح تسمعونه كل سنة من الخطباء في الصحيحين كان جبريل يعارض النبي ﷺ القرآن في كل سنة مرة فإذا أصبح رسول الله ﷺ فلا رسول الله مع أنه جواد عليه الصلاة والسلام كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان متى؟ حين يدارسه القرآن فلا رسول الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة انظروا إلى نفع القرآن.

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم قال: “من نام عن حِزْبِهِ من الليلِ، فقرأهُ فيما بينَ صلاةِ الفجرِ والظهرِ، كُتب له كأنه قرأهُ من الليلِ” ما ينبغي أن يهجر هذا القرآن {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]، عجب والله إني لأعجب، والموفق من وفقه الله، أعجب من مسلم يمر عليه اليوم ولم يقرأ شيئا من كتاب الله، ولو صفحة ولو نصف صفحة بعضهم يمر عليه الأسبوع ما يقرأ إلا سورة الكهف فقط، هذا إن قرأها كاملا وأتى مبكرا بعضهم لا يقرأ إلا في رمضان، بعض الطلاب لا يقرأ ولا يعرف القرآن قراءة له إلا في المدارس، كيف تزكو النفوس؟ كيف تصلح؟

والبعض بل كثير وللأسف من الناس بعيدون عن قراءة هذا القرآن فكيف بتدبره؟ عجيب القرآن هذا حياة كما أن الماء حياة للأرض، الأرض التي نراها في الصيف جدباء بيضاء إذا أتى المطر اخضرت وازدهرت وتزينت هكذا القرآن.

ولذلك لما عاتب عز وجل أهل الإيمان {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]، ما الذي بعدها؟

{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد:17]، يعني كما أن الأرض تحيا بهذا الماء وتخضر وتزداد وتزدهر وتتزين كذلك هذه القلوب ما تزدهر ما تسعد ما تفرح ما تغنم، إلا بقراءة هذا القرآن وبتدبره وبقراءته وتدبره تنفذ للعبد أبواب من الخير للتقرب إلى الله عز وجل، والموفق من وفقه الله.

ومن أعظم الطوام والمصائب والحجج التي هي حجة على الناس في مثل هذا الزمن أن المصاحف في أجهزتهم وين قراءتهم يظل ساعة، ساعتين، ثلاث، ست ساعات، سبع ساعات ما يسقط هذا الجوال والجهاز من يديه يتطلع ويشاهد ويقرأ كلام من؟ كلام بشر في الغالب يضر، إن لم يضر فلا نفع منه ألا يجعل الإنسان جزء من هذا الوقت ومن هذه الساعات أعوذ بالله من النكوص ومن القسوة ومن الغفلة ألا يجعل الإنسان ولو ربع ساعة لو ربع ساعة في اليوم لو خمس دقائق في اليوم مع أنها قليلة في حق القرآن لكن نقول شيء أحسن من لا شيء، أما أن يظل الإنسان بالأيام والشهور ويقول لماذا أنا لست بسعيد أنا كما يقال من العبارة طفشان ما الذي بك؟ تأكل، تشرب، تنام في أمن، في رخاء طفشان من ماذا؟

القلب في الصحيحين “ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ” لكن أن نترك قلوبنا هكذا تعصف بها الملهيات والمغريات والصوارف يمنة ويسرة، ثم إذا بالإنسان تضيع منه الأيام والشهور.

رمضان كنا نستقبله وانتهى وهكذا دواليك هذه أيام عمرك، فلا ينصرف نصيحتي لنفسي أولا ثم لك لا ينصرف يوم من أيامك إلا وقد قرأت شيئا من كلام الله عز وجل، وهذا ينسحب على ماذا؟

ينسحب على أن الفرائض والواجبات مؤداه أنه أمر مفروغ منها؛ فنسأل الله الهداية ولجميع المسلمين، ونسأله الثبات على الحق والخير حتى نلقاه، وألا يزيغ قلوبنا وأن يتوفانا وهو راض عنا والموفق من وفقه الله، والمعان من اعانه الله، والمخذول من خذله الله، فأسال ربك الإعانة وتعوذ به من الخذلان.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم كن لإخواننا في كل مكان يا رب العالمين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا ووفق ولاة أمرنا، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم بارك لنا في ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وبارك لنا في دنيانا التي فيها معاشنا، وبارك لنا في آخرتنا التي فيها ميعادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.