خطبة (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يتتعتع فيه له أجران)

خطبة (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يتتعتع فيه له أجران)

مشاهدات: 192

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة

 (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يتتعتع فيه له أجران)

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

12/2/1441هـ

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].

أما بعد فيا عباد الله: أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله : الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ

هذا لفظ مسلم، فالحديث أخرجه البخاري ومسلم، وأخرجه غيرهما.

 

الماهِرُ بالقرآنِيعني المتقن للقرآن لفظًا وحفظًا، ويتعاهد ذلك.

 هذا هو الماهر زيادة على حفظه، فإن رواية البخاري تبين ذلك،

 مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مع السفرَةِ الكرامِ

 وفي هذا فضيلة لمن حفظ القرآن، ولذا فإن النبي كما عند البخاري من حديث جابر رضي الله عنه لما كثر القتلى في غزوة أحد، جعل يدفن الرجلين في القبر الواحد، فكان يسأل: “«أيُّهُما أكْثَرُ أخذًا للقُرآنِ؟» فَإذَا أُشيرَ لَهُ إِلَى أحَدِهِمَا قَدَّمَهُ في اللَّحْدِ

وعند أبي داود بإسناد حسن:فَيُقَدِّمُهُ إِلَى القِبْلَةِ، وذلك لشرف حافظ القرآن، لكن ليعلم أن المقصود من هذه الجملة في هذا الحديث الماهر بالقرآن مع حفظه هو مَن مهر به لفظًا وحفظًا مع حفظ حدوده،

أما من حفظه وأقام حروفه وضيع حدوده، فإنه لا يدخل.

ولذا فالخوارج كما جاءت بذلك الأحاديث يقرؤون القرآن،

 ومع ذلك ذمهم النبي .

إذًا من حفِظ القرآن وخالف شرع الله، أو أنه أخذ هذا القرآن

 وقرأه في مواطن، نهى الشرع عن القراءة فيها، فإنه لا يكون حافظًا لحدود القرآن، ولذلك مما يؤكد ذلك أنه قال في تتمة الحديث:

مَعَ السَّفَرَةِ وهم الملائكةالْكِرَامِ يعني هم كرام عند الله، وقال:

 ” الْبَرَرَةِ يعني أنهم مطيعون لله.

 فالذي حفظ القرآن يتعين عليه أن يكون مشابهًا لهؤلاء الملائكة

 في هذه الصفات من طاعة الله عز وجل، ومن كونهم

 يُبَلِّغون كلام الله عز وجل.

ولذلك قال: مع السفرَةِ

 كما قال تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس:15-16]

فالسفرة هم الملائكة الذين يُبَلِّغون وحي الله عز وجل،

 وهم مطيعون لله عز وجل.

ولذا هو إن أقام القرآن حفظًا ولفظًا وحدودًا، فهو مع الملائكة كيف؟

قيل: إنه في منازلهم يوم القيامة، وقيل: من أنه مثلهم فيما يبلغون به شرع الله، قلت: ومما يقوي هذا؟

رواية الإمام أحمد كما ثبت بإسناد صحيح:مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ ماذا قال؟

  مِثْلُ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ. فدل هذا على ماذا؟

على أن من حفظ القرآن وأقام حدوده، وأتقنه فإن عليه أن يبلغ

شرع الله، وأن يكون مطيعًا لله عز وجل حتى يظفر بهذه المنقبة العظيمة، وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ يَتَتَعْتَعُ فِيهِيعني يتردد فيه باعتبار أنه لا يتقنه، لكنه حريص على قراءته، وليس معنى هذا أن الإنسان يترك القرآن،

 ولا يحافظ عليه حتى يقع في مثل هذه التعتعة وفي هذه المشقة.

ولذلك في رواية البخاري قال: ومَثَلُ الذي يَقْرَأُ وهو يَتَعاهَدُهُ يعني أنه يشق عليه القرآن، لكنه لا يهمله يعني يحرص عليه بأن يقرأه

وأن يتعلمه فقال : وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ يَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ .. “

في رواية البخاري: ” وهو عليه شديد

 في رواية مسلم: ” وهو يَشْتَدُّ عليه

 في رواية الإمام أحمد رحمه الله: “ وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ تَشْتَدُّ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهُ يعني القراءة صعبة عليه، ومع الصعوبة يتتعتع يعني يتردد ماذا له؟

ولا ننسى رواية البخاري، وهو يَتَعاهَدُهُ يعني أنه يستمر في قراءته، فلا يترك، ولا يهجر القرآن له أجْرانِ ، وهما أجر المشقة وما يحصل من تعب، وأجر التلاوة له أجْرانِ“.

في رواية الإمام أحمد وسنن ابن ماجه أكد له أجرانِ اثنانِ.

في رواية الإمام أحمد له أجْرُهُ مَرَّتَيْنِ هنا دل هذا على ماذا؟

على أن مثل هذا له من الفضل ما له.

 له أجرانِ“: أجر القراءة، وأجر المشقة، لكن أيفهم من هذا

 من أن الذي يتتعتع في القرآن أفضل من الماهر؟

قيل: بهذا، والصواب الذي لا مرية فيه من أن الماهر أفضل، فكيف يُفضَّل من هو يتتعتع فيه على من حرص على أن يكثر من قراءته وأن يتعاهد حفظه، حتى صار ماهرًا به، لكن هنا من باب تشجيع هذا الصنف

 من الناس على قراءة القرآن، وعلى معاهدته.

ومن ثم فإن هاتين الجملتين في الحديث تدلان على ماذا؟

الجملة الأولى: الْماهِرُ بالقُرْآنِ

 والجملة الثانية: والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ

هاتان الجملتان تحثان الأمة على قراءة القرآن، كل بحسبه

 وكل على قدر استطاعته.

 الماهر حسب ما منحه الله عز وجل.

 الذي يتتعتع في القرآن ويشق عليه، عليه أن يقرأ القرآن،

وعليه ألا يهجره.

إذًا الأمة مأمورة بقراءة القرآن.

 

 أردْتُ بذكر هذا الحديث التنبيه والتذكير، لأنه للأسف أصبحت صفة ظاهرة فيما نراه من ضعف في التلاوة، ومن ضعف في الإقبال على حفظ كتاب الله، بل ومن ضعف ظاهر لكثير من الناس لقراءة القرآن، مع تيسر حصول قراءة القرآن عبر هذه الأجهزة التي تُحمَّل فيها البرامج

 ومن بين هذه البرامج: المصحف، ومع ذلك نجد أن هناك صدودًا

 عن قراءة القرآن {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30] فإياك وإياك أن يشكوك رسول الله إلى ربه

 يوم القيامة لدلالة هذه الآية على أحد قولي المفسرين.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه

 إنه هو الغفور الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد فيا عباد الله: اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها،

 وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، هذا وصلوا رحمكم الله على أعظم نبي وأشرف هاد كما أمركم الله بذلك إذ يقول: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56] اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وأرضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، ونحن معهم

 برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا، اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم

 وانصرهم على الرافضة الحاقدين، اللهم اجعل هذا البلد أمنا مطمئنًا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحبه وترضاه يا كريم،

اللهم هييء لهم البطانة الصالحة الناصحة التي تعينهم على الخير، وتدلهم عليه، اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك،

 وتحكيم سنة نبيك محمد ، اللهم من أراد بهذه البلاد في دينها

 وفي عقيدتها وفي أمنها وفي رخائها سوءا وبلاء وشرًا وفتنة،

اللهم فأشغله في نفسه اللهم فأشغله في نفسه اللهم فأشغله في نفسه

ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا عليه

 يا قوي يا عزيز، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.