بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة
(بعض الأعذار التي تبيح التخلف عن صلاة الجماعة ) مع توجيهات مهمة
لفضيلة الشيخ / زيد بن مسفر البحري .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾
أما بعد: فيا عباد الله صلاة الجماعة واجبه وقد بينا فيما مضى الأدلة الكثيرة على وجوبها ومما يدل على وجوبها أن النبي ﷺ في شدة الحرب صلى بأصحابه جماعة.
وهذه الصلاة –وهي صلاة الجماعة– جعل الشرع لها أعذارًا في التخلف عنها وكون الشرع يجعل أعذارًا للتخلف عن صلاة الجماعة يدل ذلك على أن المتعين وأن الأصل أن تُحضر صلاة الجماعة وأن لا يُتخلف عنها وهذه الأعذار التي جعلها الشرع أعذارًا للتخلف عن صلاة الجماعة، إنما هذا من باب اليسر على المسلم.
ونذكر في هذا اليوم بعضاً من هذه الأعذار:
منها: المرض وليس كل مرض يُجوِّز للإنسان أن يتخلف عن صلاة الجماعة فالمرض الخفيف فإن صاحبه يلزمه أن يحضر صلاة الجماعة لكن المقصود من المرض؛ المرض الذي يؤخِّر –بحضوره لصلاة الجماعة قد يحضر وتحصل عليه مشقه– فيؤخر الشفاء، أو أن الألم والمرض يتضاعف فهذا عذر ولذا النبي ﷺ في أول أيامه في مرض موته حضر صلاة الجماعة وصلى بالصحابة رضي الله عنهم لكن لما اشتد عليه المرض ﷺ صلى في بيته.
إذا هذا هو الفرق بين المرض الذي يبيح للإنسان التخلف عن صلاة الجماعة مما لا يبيح له التخلف.
ومن الأعذار أن يحضر طعام يشتهيه وتتوق إليه نفسه ولذلك النبي ﷺ قال كما في صحيح مسلم “لا صلاةَ بحَضْرَةِ طعامٍ” فإن الإنسان إذا قُدِّم بين يديه وليس على وجه الاعتياد لا وإنما حصل أنه صادف أن الأكل الذي تتوق إليه نفسه يوافق صلاة الجماعة فإنه يأكل من ذلك ولو لم يدرك من صلاة الجماعة أي شيء ولذلك في صحيح البخاري: ” كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ، وَتُقَامُ الصَّلَاةُ فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ “ وكان يأكل رضي الله عنه.
لكن لو أن الطعام لا تتوق نفسك إليه فليس بعذر ولذلك النبي ﷺ كما في الصحيحين كان ” يَحْتَزُّ ” يعني يقطع “مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ ” بالسكين ” فَدُعِيَ إلَى الصَّلاةِ فَألْقاها وَالسَّكينَ الَّتِي كَانَ يَحْتَزُّ بِهَا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى “ هذا يدل على ماذا إما يدل كما قال بعض العلماء على أنه ﷺ لا تتوق نفسه إلى هذا الطعام فقام وإما كما قال بعض العلماء من أن قوله لا صلاة بحضرة طعام يُستثنى منه الإمام الراتب وذلك حتى لا يتأخر فيشق على المأمومين وبعض العلماء حمله على ماذا على أن هذا ليس على وجه الوجوب بمعنى لو قُدِّم إليك طعام تشتهيه وأردت أن تأتي إلى الصلاة فلا جناح في ذلك إذاً هذا من باب التيسير على المسلم لكن أن يجعل الإنسان ديدنه أنه كلما أقيمت الصلاة رُتِّب على أن الأكل يُقدَّم هذا فيه تلاعب من باب أن يتخلف عن صلاة الجماعة عمداً.
ومن الأعذار أن يدافع الأخبثين البول والغائط أو أنه يدافع أحدهما ولذلك قال ﷺ: “لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ“
وذلك لأن الإنسان إذا كان يدافع الأخبثين فإن قلبه يكون مشغولاً ومن ثم فإنه لا يحضر قلبه ولا يخشع في صلاته وكذلك الشأن فيما يتعلق بحضور الطعام الذي تتوق نفسه إليه فإنه لو صلى فإنه في مثل هذه الحال سينشغل قلبه وليُعلم أن قوله ﷺ في صحيح مسلم “لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ“
يشمل حتى النفل لو أراد الإنسان أن يتنفل وكان يدافع الأخبثين أو أن هناك طعاماً تتوق نفسه إليه فالحكم هو هو يشمل النفل ويشمل الفرض.
ومن الأعذار أن يخاف على نفسه فقد يُنادى لصلاة الجماعة وهو في مكان يعرف أن هذا الطريق موحش ويخشى على نفسه من أذيه فإن مثل هذا يعتبر عذراً من الأعذار، أو أنه يخاف على أهله وعلى أولاده فلربما يكون مسافراً يكون في مكان معين وهذا المكان ليس بمأمون ويخاف على أولاده وعلى زوجته فيما لو أنه خرج يخاف عليهم لعدم وجود الأمن الكافي فهذا عذر من الأعذار التي تبيح أن يترك صلاة الجماعة، وأن يصلي في بيته أو أن يخاف على ماله تصور لو أن الإنسان مثلاً أخذ مالاً معه صرفه من البنك أو ما شابه ذلك وهو في الطريق وهو في سيارته فهو يخشى مثلاً على هذا المال وقد يكون مالا كثيراً ولا يستطيع أن يحمله معه فيخشى أنه لو تركه في السيارة أن يؤخذ أو أنه يصلي فينشغل قلبه بما في سيارته من هذا المال فهذا عذر من الأعذار أو أنه يخاف على فوات ماله أو ممتلكات غيره ممن اؤتمن عليها وهذا يحصل، ولذلك بعض الحُرَّاس يسأل يقول تحين صلاة الجماعة وأنا حارس على هذا المكان لو ذهبت لأصلي صلاة الجماعة لخُشي على هذا المكان من السرقة أو من التلاعب أو ما شابه ذلك فإن هذا يعد عذراً من الأعذار التي يتختلف عن صلاة الجماعة ويصلي في مكانه بعض الناس قد تحضر صلاة الجماعة وإذا يتوافق أن وقتها يُخشى لو صلى الجماعة أن الإقلاع للطائرة أن تفوته هنا له أن يترك صلاة الجماعة وله أن يذهب حتى يُدرك موعد رحلته ويصلي في طريقه أو يصلي في المطار قال تعالى:
﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ﴾.
ومن الأعذار أن تهطل الأمطار بغزارة ولا يستطيع أن يحضر لصلاة الجماعة بمعنى أنه في بيته وهطلت أمطار غزيرة جداً ولا يستطيع!
هنا عذر؛ يصلي في بيته ولذلك النبي ﷺ كما في الصحيحين: ” إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ – إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ – يَقُولُ : أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ” يعني صلوا في بيوتكم ولو أن الإنسان تكلف وأتى مع شدة الأمطار إلى صلاة الجماعة فله ذلك ولذلك في صحيح مسلم قال ﷺ“لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فِي رَحْلِهِ“دل هذا على ماذا على أنه لو شاء أن يتكلف وأن يأتي فله ذلك.
وهنا أمر وهو قد يقرأه البعض في كتب الفقهاء أو ربما أنه ينشر في وسائل التواصل فأردت التنبيه عليه وهو أن الفقهاء ذكروا أن من الأعذار أن يغلبه النعاس فبعض الناس ربما يقول هذه معلومة جديدة انشرها غلبة النعاس كما قال الفقهاء يقول هو كما قال الفقهاء من أنه عذر انتبه ليس المقصود غلبة النعاس اليسير لا إنما غلبة النعاس الشديد وهذا قد يحصل بعض الناس ربما يأتي من سفر ولم ينم ليلة أو ليلتين وحضرت صلاة الجماعة فيقول لو صليت مع الإمام ما أدركت شيئاً من صلاتي لا أعرف ماذا قرأ وماذا قلت في صلاتي بمعنى أنه يحتاج إلى غفوه أو هذا الوقت من النوم اذا استيقظت بعد نصف ساعة أو بعد ساعة إلا ربع فإني أصلي وقلبي حاضر لكن ستفوتني صلاة الجماعة هنا هذا عذر أما إنسان يغلبه النعاس الشيء الخفيف ثم يقول والله قال الفقهاء كذا لا، المقصود أنه لو حضر ما أدرك شيئاً من صلاته بل ربما لو حضر لسقط من قيامه إلى جلوسه ولكن إذا كان بهذه الصورة من شدة النعاس فإنه والحالة هذه لا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها انتبه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها بتاتاً لأي عذر من الأعذار السابقة إنما الأعذار السابقة في التخلف عن صلاة الجماعة أما كونه يقول هذه أعذار تبيح لي أن أؤخر الصلاة عن وقتها لا، قال تعالى ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ وبينا ذلك من أن الصلاة لا يجوز أن تؤخر عن وقتها لأي عذر من الأعذار فهذه أعذار إن وُجدت فإنها تكون أعذارًا تبيح التخلف عن صلاة الجماعة لكنها لا تبيح لك أن تؤخر الصلاة عن وقتها.
هذه جمله من الأعذار واسأل الله عزوجل أن يفقهني وإياكم في دينه فالنبي ﷺ قال كما في الصحيحين: ” مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، “ فإن من فُقِّه في دين الله عزوجل عَبَدَ الله على بصيره حتى تكون عبادته مقبولة عند الله عزوجل، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمدالله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ أما بعد فيا عباد الله اعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعه وكل بدعه ضلالة وكل ضلالة في النار هذا وصلوا رحمكم الله على أعظم نبي وأشرف هاد كما أمركم الله بذلك إذ يقول ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود اللهم كن لهم ناصراً ومعينا اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الرافضة الحاقدين اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح ائمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحبه وترضاه يا كريم اللهم هيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة التي تعينهم على الخير وتدلهم عليه اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم سنة نبيك محمد ﷺ عباد الله هناك تنبيه نبهت عليه مراراً ومن ثم فإنه على المسلم أن يتبين وأن يعلم هذا الأمر؛ بعض الناس يبيع ونحن نخطب يبيع ومما يساعد هؤلاء أن البعض قد يجهل هذا الحكم فيشتري من هؤلاء ومن ثم حتى يكون هناك تعاون على البر والتقوى ( وَتَعاوَنوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوى ﴾ [المائدة: 2] إذا رأيت أمثال هؤلاء وأنت قادم إلى المسجد وهو يبيع فلْتُنبِّهه بعد الصلاة ويؤتى إليه ويُنبه هؤلاء فليُتنبه لمثل هذا قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ من حين النداء الثاني لما يأتي الخطيب لا بيع ولا شراء ولو كان لمساويك أو ما شابه ذلك فإن مثل هذا البيع على الصحيح لا يصح ويكون بيعاً باطلاً اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.