بسم الله الرحمن الرحيم
خُطبة (ثلاثون فائدة مختصرة عن النار وأهوالها وأحوال أهلها)
فضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد.
فيا عباد الله تحدثنا في الجمعة الماضية عن بعض صفات الجنة مما جاء في كتاب الله، ونتحدث في هذا اليوم عن بعض ما جاء في القرآن النار -أعاذنا الله وإياكم منها-
أهلها يرونها يوم القيامة في عرصات القيامة {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا} أي: أيقنوا {أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الكهف:53]
وهي تراهم مع شدةِ غضبها وغيظها وشدة صوتها:
{إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان:12]
لأنه يُجاءُ بها تُقادُ بسبعين ألف زمام؛ مع كل زمام سبعون ألف ملك كما جاء بذلك الحديث:
” يُؤْتَى بجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لها سَبْعُونَ ألْفَ زِمامٍ، مع كُلِّ زِمامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَها “
وقد قال تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] أهلُها يُساقون جماعات مع العنف واللوم، كل جماعة مع ما يُشاكلها في الكفر والتكذيب {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} [الزمر:71] أي: جماعات
{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:22-25] كحالكم في الدنيا!
يُساقون إليها بعنف؛ ويوقَفون على حافّتِها {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام:27]
وصِفتهم إذا أوقفوا عليها: هم جاثون على الركب {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} [مريم:68] أي: على الركب.
وينظرون إليها مع ذل ويُسارقون النظر إليها
{وَتَرَىٰهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَٰشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىٍّۢ } [الشورى: 45]
وعلى حافتها يدفعون بعنف {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور:13] أي: يدفعون إليها دفعا، مع ماذا؟ مع اللوم والتقريع: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء:39] وأثناء هذا الدفع تسألهم ملائكةُ النار {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا} [الملك:8-9]
وكلُّ جماعة إذا ألقيت الجماعة التي تليها لا تُرحب بها:
{هَٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ۖ لَا مَرْحَبًۢا بِهِمْ ۚ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ} [ص:59]
بل يلعنُ بعضهم بعضا {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:38]
ويتساءلون {وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ} [ص:62-63] فيسألون عنهم.
في النار تُسحَبُ الوجوه {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [القمر:48] يتقون النار بوجوههم حتى لا تصيبَ أجسادَهم لأنهم لا يستطيعون أن يَردوا عنه شيئًا {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:24]، {وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم:50]
الوجوه تُقَلَّب {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [الأحزاب:66]
{فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى ٱلنَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: 90]
كما أن النارَ تأتي الوجوه تأتي الظهور {لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [الأنبياء:39]
النار من فوق ومن تحت {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزمر:16]
{لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ} [الأعراف:41] وهو ما يُوضَع في الأرض
{وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف:41] أي ما يُغَطى به.
الثياب {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} [إبراهيم:50] وهو النحاس المُذاب، مأخوذ مِن (قَطَر الشيء) إذا سال {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19]
الطعام {مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية:6] وهو نوعٌ من أنواع النباتات الشائكة {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:6-7]
الزقوم وهي شديدة المرارة {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ} [الدخان:43-44]
الماء {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] قد انتهت حرارته في الشدة وعَظُمَت، لأن في النار عينًا {تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً- تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} [الغاشية-4،5]
أي: شديدة الحرارة
هذا الماء الحار يُصَب من فوقهم: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ} [الحج: 19]
{ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ -ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:48-49]، {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن:44].
النارُ عبادَ الله يجبُ الحذرُ منها، والحديثُ عنها كثير في كتاب الله عز وجل، ولذلك يحذر المسلم مِن أن يتتبع طرقها وأن يتتبع مَن يدعو إليها {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [البقرة:221]
في الدنيا من البشر {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص:41]
ومَن له طاقةٌ بهذه النار! ولذلك يفرون منها يوم القيامة، قال مؤمن آل فرعون:
{وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ- يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} [غافر:32-33] إذا أرادوا الفرار {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ} [الرحمن:35]
لا مهرَب! {شُوَاظٌ} وهو اللهب الذي لا دخانَ فيه
{وَنُحَاسٌ} هو الدخان الذي لا لهبَ فيه، أو هو النحاس المعروف الذي يُذاب، لأن أهلها تشتعلُ بهم {فِى ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِى ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر: 72]
مواد إيقادها من الحجارة ومِن البشر {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} {التحريم: 6]
{فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة:24]
{عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]
أصحابُها {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} [طه:102] قد أزرقّت عيونُهم؛ أو عميت عيونُهم؛ أو عطِشوا، كل هذه الأقوال فيها وهي صحيحة.
الوجوه {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106] ومع سوادِ الوجه تسود البشرة {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} [المدثر:29] أي: مُغَيرة للونِ جلد الإنسان ولبشرته حتى تسوَّد.
الجلود {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:56] تحطم كلَّ شيء {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} [الهمزة:5] لأنها تُحَطِّمُ كلَّ شيء، ولذلك في سورة المدثر {لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} [المدثر:28]
هم في النار وما يُحيطُ بهم مما يُحيط بالبناء مِن سورٍ وجدار أيضًا من نار {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:29] أين الفرار؟ هم في النار، والسرداق من النار قد أحيطت به كما يحيط بالبيت سورُه، وهي مغلقة عليهم {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ} [الهمزة:8]
ومِن باب ألا يدخل إليهم خير {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة:9] والعمَد هي أوتاد، ممددة طويلة من أول الأبواب إلى آخِرها -أعاذنا الله وإياكم منها-
والحديث عن النار يطول، ولكن اكتفي بهذا القدر
فلنتأمل كتابَ الله عز وجل حتى تسعدَ القلوب؛ وتُقبِلَ إلى ربها.
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروا وتوبوا إليه إنه التواب الرحيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعدُ فيا عباد الله
مَن وفقهم الله عز وجل من عباده فإنه يتقي هذه النار، وأيضًا يدعو الله عز وجل أن يجنبه هذه النار {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]، {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:16]
{مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191]
عباد الله الذين يبيتون الليل للتهجُّد {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:64] ماذا يقولون؟ {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:65] يعني: مُلازِمًا فلا خروجَ منها لأهلِها الذين كتب اللهُ عليهم الخلود -نسأل اللهَ السلامةَ والعافية-
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في فلسطين، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا، اللهم أمن خائفهم، واطعم جائعهم، واشف مرضيهم، واجعل دائرة السوء على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم اجعل هذا البلد آمِنّا مطمئنًا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمِنّا في أوطاننا، ووفق ولاة أمرنا اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك، اللهم مَن أراد بهذه البلاد فتنة وشر وزعزعة، فاشغله في نفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا قوي يا عزيز
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.