خطبة ( ثمان مسائل عن الجمع بين الصلاتين ) مع تنبيهات مهمة

خطبة ( ثمان مسائل عن الجمع بين الصلاتين ) مع تنبيهات مهمة

مشاهدات: 911

بسم الله الرحمن الرحيم

ثمان مسائل عن الجمع بين الصلاتين مع تنبيهات مهمة

لفضيلة الشيخ: زيد بن البحري حفظه الله

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدي.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾  أما بعد :

فيا عباد الله، تحدثنا في الجمعة الماضية عن مسائل مختصرةٍ عن قصر الصلاة، ونتحدث في هذا اليوم عن مسائل مختصرة عن الجمع بين الصلاة:

أولًا: لِيُعلَم أن هناك فرقًا بين الجمعِ والقَصْر، فإن القصر: هو أن تُصلى الصلاة الرباعية فَتُقصَر إلى ركعتين، الظهر تكون اثنتين والعصر اثنتين، والعشاء اثنتين؛ هذا هو القصر.

وهذا القصرُ لا يمكن بأي حال من الأحوال يكونُ في الإقامة إنما يكون في السفر.

أما بالنسبة إلى الجمع: فالجمع أن تَجمعَ بين الصلاتين بحيث تُقدم العصر فتُجمع مع الظهر، أو تُؤخِّر الظهر فتُجمع مع العصر، أو أنك تُقدم العشاء مع المغرب، أو تُؤخر المغرب مع العشاء، هذا هو الجمع بين الصلاتين.

ولا قصر فيه ولا قصر فيه إلا إذا كنت مسافرًا لأن الجمع بخلاف القصر، الجمع: يكون في الحضر ويكون في السفر كما سيأتي بيان ذلك من أن النبي عليه الصلاة والسلام أَذِنَ للمُستحاضة، والاستحاضة: مرض، أَذِنَ لها بالجمع وهي في الإقامة، ففرقٌ بين الجمع والقصر.

الخلاصة : القصر: لا يكون إلا في السفر، قصر الرباعية إلى ركعتين.

الجمع: يكون في السفر ويكون في الحضر، والجمع أن تجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء.

هذا هو الخلاصة.

ثانيًا: إذا كنت مسافرًا وَجَدَّ بك السير، يعني: وأنت في الطريق ماشٍ فيُتأكد في حقك بأن هذا هو الفعل المستمِر عليه ﷺ.

لو أنك مسافر وأنت باقٍ في مكان، يعني: -جلستَ في مكان وأنت مسافر- هل لك أنت تجمع بين الصلاتين؟

قُلنا: يُتأكد في حقك الجمع يُتأكد في حقك الجمع إذا جَدَّ بك السير، لكن لو أنك مسافر وأنت في مكان مقيم فلك أن تجمع مع أنك ستبقى يومَكَ كُلَّه، فيجوزُ لك، يجوز لك لأن النبي ﷺ في أحدِ أسفارِه جمع بين الظهر والعصر ثم دخل خيمته، ثم خرج فصلى المغربَ والعشاء ثم دخل خيمته، فدل هذا على أنك إذا كنت مُسافرًا وأردت أن تجمع ولو أنك مقيم في مكان فلك ذلك، لكنَّ الأفضل من أنَّ الجمع لا يكونُ إلا إذا جَدَّ بك السير، يعني إذا كنت ماشيًا في الطريق.

ثالثًا : مما يُباح له الجمع: المريض، لكن ما ضابطُ هذا المرض؟

ضابطُهُ: أن تحصُلَ لهذا المريض مشقة في تِكرار الوضوء من حيث القيام والقعود، يشق عليه أن يقوم وأن يقعد ويكرر الوضوء.  هذا هو المريض الذي يُباحُ له الجمع.

ولو أنك في ماذا؟ ولو أنك في بلدتك.

انظر: الجمع هنا جاز ولو أنك في بلدتك، يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

لكن: هل يجعل الظهر ركعتين والعصر ركعتين والعشاء ركعتين؟

لا ، لأنك في بلدتك، -فقط إنما هو يجوز لك الجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء – والدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه: أَذِن للمستحاضة أن تجمعَ بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، والاستحاضة: مرض .

رابعًا : من الأعذار التي تُبيحُ الجمع: نزولُ المطر الذي تحصُلُ به مشقة، ولذلك في صحيح مسلم: قال ابنُ عباس رضي الله عنهما: ( جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر ) ، كونُهُ ينفي المطر دلّ هذا على ماذا؟

دلّ على أن المطر سببٌ يُبيح الجمع إذا حصلت المشقة، إذا حصلت المشقة.

قيل لابنِ عباس رضي الله عنهما: ماذا أراد عليه الصلاة والسلام؟ قال : ( أراد أن لا يُحرج أُمَّتَهُ )  أراد أن لا يُحرج أمته.

ومن ثَمَّ فإنَّ الناسَ إذا كانوا في المسجد وهَطَلَت الأمطار، وحصلت مشقة فلهم أن يجمعوا، لماذا الجمع؟

من بابِ تحصيلِ الجماعة، وهذا يدل على عظيمِ فضلِ الجماعة.

وهنا تنبه لأمر وهو: بعضُ الناس ربما يأتي والناس قد جمعوا بين الصلاتين، فهنا هو هو يجمع نقول لا، لماذا أُبيح الجمع ؟ من أجل تحصيل الجماعة ، نقول انتظر حتى يدخلَ وقتُ العشاء ثم صَلِّ صلاة العشاء في وقتها.

النساء في البيوت لا يجمعن بسبب المطر، المرضى في البيوت -وهو مرض يعني غير موجب للجمع- لا يجمعون، لم؟

لأن سبب الجمع من أجل المطر من أجل تحصيل الجماعة، وهؤلاء:

إما أن يكونَ الصِنف الأول: فاته الجماعة، أو أنه ليس من أهل الجماعة كصِنف النساء فيصلين في وقتها، كل صلاة في وقتها.

لأن بعضًا من الناس ربما يأتي والناس قد صَلَّوا فيجمع بين الصلاتين فنقول : لا، صَلِّ المغرب وإذا دخل وقتُ العشاء صلِ صلاة العشاء لإن صلاة العشاء التي أديتها باطلة لا تصح لأنه لم يدخل وقتُها، لأنه لم يدخل وقتها .

خامسًا : ابنُ عباس رضي الله عنهما كما في صحيح مسلم قال : ( جمعَ النبي صلى الله عليه وسلم  بين الظهر والعصر ، وبين المغربِ والعشاء من غير خوف ولا مطر ) قيل لابن عباس: لمَ ؟ قال : ( أراد أن لا يُحرجَ أُمَّتَه )، حتى لا يُستدل بذلك على أنه يُباح الجمع في أي وقت، لا! متى ما وُجِدَ الحرج فيُجمع بين الصلاتين.

أُعطيكم مثالًا: إنسان مثلًا ستُجرى له عملية، أو -وهذا يشمل يدخل في ذلك الطبيب سيُجري عملية لمريض- وهذه العملية تبدأ من بعد الظهر ولا يمكن أن يخرجَ منها إلا عند المغرب، ماذا نقول لهذا الطبيب ولهذا المريض؟

صلوا الظهر واجمعوا معها العصر، لأن وقتَ العملية وقتٌ طويل سيدخُل وقتُ المغرب وينتهي وقتُ العصر،

لكنَّ الجمع كما أسلفنا تُصلى الظهر أربعًا والعصر أربعًا.

سادسًا : الجمع كما جاءت بذلك النصوص الشرعية إنما هو بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء.

العشاء لا تجمع إلى الفجر، الفجر ما تُجمع مع الظهر.

ومن ثَمَّ فلم تأتِ النصوصُ الشرعية بالجمع بين صلاةِ الجُمُعَة والعصر، ليس هناك دليل، الأدلة فقط وردت في الظهر والعصر والمغرب والعشاء

ومن ثَمَّ بعضٌ من الناس ربما يُصلي في مكة الجمعة أو في المدينة أو في أي سَفْرةٍ سافَرَها، فيقول: أجمع معها العصر -بعدما صلى الجمعة- نقول : لا، لم تأتِ النصوص الشرعية بذلك، صَلِّ الجمعة وسافر وإذا دخل وقتُ صلاةِ العصر فصلِّ صلاةَ العصر إذا دخل وقتُها، إذا دخل وقتها.

سابعًا : لا يُشترط للجمع نية، كيف؟ يعني أنت ممن يُباحُ لك الجمع -كأن تكون مسافرًا أو مريضًا أو ما شابه ذلك- يُباح لك الجمع:

فصليتَ مثلًا الظهر وأنت لم تُرد الجمع، لم تُرد جمع العصر مع الظهر، فلما فرغتَ من الصلاة أردتَ أن تجمع، يجوز ؟

نعم يجوز، بدليل: أن الصحابةَّ رضي الله عنهم صَلَّوا مع النبي عليه الصلاة والسلام وهم لا يعلمون أنه سيَجمع في سفرِه، ومع ذلك لم يَقُل صلى الله عليه وسلم من أنَّ فِعلَكم غير صحيح، ولم يُخبرهم صلى الله عليه وسلم بأنه سيجمع، بأنه سيجمع .

ومن ثَمَّ من هذه القاعدة تتفرع بعضُ المسائل منها: لو أنَّ الناسَ صَلَّوا المغرب وليس هناك غيوم ولا سُحُب، وبعد الفراغ من الصلاة هطلت الأمطار بغزارة، بغزارةٍ شديدةٍ، هنا هم في الأصل لم ينووا الجمع فنقول:

إذا كان بهذا المطر مشقة فَلْيَجْمَعوا ولا حرجَ في ذلك، لمَ ؟ لأن سببَ الجمع وهو المطر موجود، ومن ثَمَّ على الصحيح فإن فعلَهُم صحيح.

ولذلك عكسُها: نحن ننظر إلى سبب الجمع، إن وجد سبب الجمع، نقول : اجمع، ما وُجِد: لا تجمع.

عكسُها: لو أنَّ الأمطار هَطَلَت بغزارةٍ شديدةٍ في صلاة المغرب، الناس يقولون  هذا المطر سيكون سببًا للجمع، فلما كانوا في آخر الصلاة أو بعد الصلاة توقف المطر نهائيًا:

لا جمع، لأن سببَ الجمع انتهى .

يتفرَّع منها : لو أن الإنسان -وليُتنبه إلى أمر- وهو: من أنه فيما يتفرع عن هذه المسألة:

لو أنَّ الناسَ صَلَّوا المغرب وهناك أمطار غزيرة، فجمعوا والمطر يهطل -السبب موجود ما زال موجودًا- فلما كبّروا لصلاةِ العشاء توقفت الأمطار؟

صلاة العشاء صحيحة لأنهم جمعوا والسبب موجود والسبب موجود.

وكما قُلنا: المطر إذا كان به مشقة، والمشقة تختلف -المشقة تختلف باختلاف المدن، باختلاف القرى، باختلاف الطرق المسفلتة من غيرها؛ لأن بعضا من الناس يقول : لا جمعَ في المدن بتاتًا! ليس بصحيح.

بعض المساجد قد تهطل عليها الأمطار وحولَها طرق غير مسفلتة، ومن ثَمَّ فإنه يحصل بذلك طين ومشقة على الناس.

أيضًا بعضُ المساجد قد تكون في علو، والأمطار تنزل من علو إلى سُفل وبغزارة، فيقولون : لا جمع! لا، إذا: ضابطها: المشقة، لا تنظر من أنه لا جمع في المدن! لا، متى ما وُجِدَت المشقة فإنه يُجمع بين الصلاتين .

مما يتفرع أيضًا من المسألةِ السابقة:

لو أنك مسافر ولك الجمع مثلا بين الظهر وبين العصر، فلم تجمع في طريقك ، فوصلتَ بلدتَك، هنا: لما وصلت لم يدخل وقتُ العصر، هل تصلي العصر؟

نقولُ : لا، صَلِّ فقط الظهر، لمَ ؟ لأن سببَ الجمع وهو السفر انتهى.

لو أنك جمعت في طريقك لا إشكالَ في ذلك، لكن لما وصلت إلى بلدتك ولم يدخل وقت صلاة العصر أو لم يدخل وقت العشاء كمثال آخر، فإنك تُصلي الظهر ثم تنتظر وقت العصر فتصلي مع الناس، فتصلي مع الناس .

أقولُ قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله …

ثامنًا : لا تُشترط نية اتحاد الإمام والمأموم في الجمع بين الصلاتين، ليست مُشترطة، مثالُ ذلك:

أنتَ صليتَ -مثلا كمسافر- صليتَ صلاة الظهر مع إمام، ثم لما فرغ إذا بإمام مع جماعة أُخرى يُصلون فدخلت معهم، فلا إشكال في ذلك.

أنت صليتَ مثلًا صلاة الظهر وحدك، ثم لما فرغت إذا بجماعة تُصلي فدخلتَ معهم بنيةِ العصر جماعةً: فلا إشكالَ في ذلك.

أنت صليتَ صلاةَ الظهر إمامًا بجماعة، فلما فرغت وجدت جماعةً أخرى تُصلي العصر فَصِرْتَ مأمومًا، أنت في الأولى في الظهر صرت إمامًا صرت إمامًا، الآن أنت مأموم: لا إشكال في ذلك.

اتحاد نية الإمام والمأموم في الجمع بين الصلاة غيرُ مُشترطة، غيرُ مُشترطة.

هذه جملة من المسائل المختصرة حول الجمع بين الصلاتين، أسأل الله لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين.

اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الرافضة الحاقدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحبه وترضاه يا كريم اللهم هيء لهم البطانة الصالحة الناصحة التي تعينهم على الخير وتدلهم عليه. اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم من أراد بهذه البلاد في دينها وفي عقيدتها وفي أمنها وفي رخائها سوءا وبلاءً وفتنة اللهم فأشغله في نفسه اللهم فأشغله في نفسه اللهم فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره وجعل تدبيره تدميراً عليه يا قوي يا عزيز، الله ادفع عنا الغلاء والوباء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما . ربنا آتنا في الدنيا حسنة والأخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.