بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة: [خمس عشرة فائدة علمية وتربوية في اغتنام فصل الشتاء]
30 / 6 / 1445 هـ
لفضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري
——————————————————
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾
﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا﴾
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا – يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا﴾ أما بعد:
فيا عباد الله، نحن في فصل الشتاء ومما يَحْسُن أن يُذْكَر، أن يُذَكَّر الناس بما جاء في الشرع من فوائد علمية وتربوية عن فصل الشتاء.
الشتاء كما جاء في مسند الإمام أحمد وحسنه الهيثمي في مَجمع الزوائد من أن رسول الله ﷺ قال:
” الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ “
والربيع تزدهرُ فيه الأشجارُ وتتنوع، فتأكلُ البهائم منه ما لذ وطاب لها حتى تَصِحَّ أبدانها، فكذلك الشتاء هو ربيع للمؤمن، يُبيِّنُ ذلك رواية البيهقي:
” الشتَاء ربيع الْمُؤمن طَال ليله فَقَامَ وَقصر نَهَاره فصَام “
يعني: المؤمن قصر نهاره فصام، وطال ليله فقام.
وهو ربيع؛ ينتفع منه المؤمن لدينه، ويستغل قِصَر النهار وطول الليل،
والموفق مَن وفقه الله.
———————
الشتاء كما جاء في مسند الإمام أحمد فيما يتعلق بالصوم قال ﷺ:
” الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ ” غنيمة! يغنم الإنسان المؤمن في الشتاء إذا صام.
غنيمة: وهو الشيء الثمين النفيس، فإذا اغتنم الإنسانُ شيئًا قيل: فلان اغتنم. فغنيمة المؤمن الصوم في الشتاء، ووصفه بأن الصوم في الشتاء: “الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ ” ليست بحارَّة تكَلَّفَ فيها وتَعِب، لا
باردة وسلسة باعتبار قِصَر النهار.
————————
الشتاء يعظُمُ فيه البرد، ومن نِعَم الله عز وجل أن سخَّرَ للإنسان ما يستدفئ به من البرد؛ ما يدفع عنه برد، ﴿ لَكُم فيها دِفءٌ﴾ [النحل: ٥]
﴿ وَمِن أَصوافِها وَأَوبارِها وَأَشعارِها أَثاثًا وَمَتاعًا إِلى حينٍ﴾ [النحل: ٨٠]
هذي نعمة من الله
فمجيء البرد نعمة، ومجيء الحر نعمة
ما أتى بهما عز وجل إلا لحكمة، وأما ما جاء من أن عمر رضي الله عنه قال:
” ان الشتاء قد حضر وهو عدو” فليس بصحيح؛ إسناده ضعيف جدًا.
فخلق الله عز وجل وأتى بالشتاء لتجميد الأخلاط التي تكون في معدة الإنسان
والصيف لتحليل تلك الأبخرة التي تكون في بطنه
ولذا ذكر ابنُ رجب رحمه الله عن أحد من الأمراء السابقين كان لا يتعرض لحر ولا برد، قال: فتلِفَ بطنُه!
وذلك لأن الله عز وجل ما أتى بالصيف وما أتى بالشتاء إلا لحكمة.
————————-
الشتاء كما قال الأصمعي: كانت العرب تسميه بالفاضح لم؟ -لا نقيس علينا في هذه البلاد التي أنعم عليها بفضل منه عز وجل-
تسميه بالفاضح، قال: لأنه يفضح ويبين ويُظهرُ حال الفقراء مما يتعلق بمطعم أو بمشرب أو بملبس.
ولذلك في حلية الأولياء: مرَّ مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ وهو أحد رواة الحديث وهو من الثقات الكبار، شيخ بغداد كان يُلقب بالمصحف لشدة حفظه، كان زاهدًا ورعًا، يقول سفيان الثوري -وهو جبل في الحديث- يقول: كنا إذا أشكل علينا شيئًا أتينا إلى مِسعَر، وهو لم يرحل لطلب الحديث ألبته وكان لا يفارق الجامع الذي حوله، ما يذهب إلى المساجد الأخرى، الناس يأتون إليه ويتعلمون منه العلم وكان مسعر من أعظم الناس برًا بوالدته -رحمه الله-
الشاهد من هذا:
مرَّ مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ -رحمه الله- بِأَعْرَابِيٍّ يَتَشَرَّقُ الشَّمْسَ وَهُوَ يَقُولُ:
جَاءَ الشِّتَاءُ وَلَيْسَ عِنْدِي دِرْهَمُ … وَلَقَدْ يُخَصُّ بِمِثْلِ ذَاكَ الْمُسْلِمُ
قَدْ قَطَّعَ النَّاسُ الْجِبَابَ وَغَيْرَهَا … وَكَأَنَّنِي بِفِنَاءِ مَكَّةَ مُحْرِمُ
قَالَ: فَنَزَعَ مِسْعَرٌ جُبَّتَهُ فَأَعْطَاهُ “
فكانت العرب تسمي الشتاء بالفاضح.
_________________
شدة البرد في الشتاء إذا اشتد وعَظُم من نَفَس جهنم، في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام:
” اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا ” اشتكت: في الصحيح أنها نطقت وليس ذلك بمعجز على الله عز وجل ” اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ : رَبِّ، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا” أعوذ بالله من نار جهنم، إذا كان بعضها يأكل بعضًا! فما هو حالنا نحن المساكين؟! نسأل الله أن يرحمنا
ولذلك في رواية البزار: ” قَالَتْ: يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِي نَفَسَيْنِ، فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ أَفِيضَ عَلَى خَلْقِكَ فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، كُلَّ سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ، فَشِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِهَا، وَشِدَّةُ الْبَرْدِ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا “
الزمهرير: شدةُ البرد، ولذلك أهل الجنة: ﴿ لا يَرَونَ فيها شَمسًا وَلا زَمهَريرًا﴾ [الإنسان: ١٣] والزمهرير محرق!
نعم، مثل ما أن النار بحرارتها محرقة، كذلك البرد.
ولذلك كمثال لما يشتد البرد عندنا -وهو نَفَس- كأن جسمَ الإنسان يحترق من شدة البرد فهذا هو الزمهرير -نَفَس- والزمهرير شدة البرد، وكما أن في نار جهنم زمهريرًا كذلك فيه الغساق:
﴿هذا فَليَذوقوهُ حَميمٌ وَغَسّاقٌ﴾ [ص: ٥٧] بعض المفسرين يقول: الغساق من غسَقَت العين يعني إذا سالت، الغساق: يعني صديد أهل النار وما يجري منهم وهو منتن من حيث الرائحة ومن حيث الطعم، وقيل: شدة البرد، والقولان صحيحان.
الغساق: شدة بردٍ مع نتانةٍ في طعمه وفي ريحه، ولذلك جمع الله عز وجل بين الغساق وبين الحميم ﴿هذا فَليَذوقوهُ حَميمٌ وَغَسّاقٌ﴾ [ص: ٥٧] ﴿لا يَذوقونَ فيها بَردًا وَلا شَرابًا – إِلّا حَميمًا وَغَسّاقًا﴾ [النبأ: ٢٤- ٢٥ ] فنعوذ بالله من النار ومن سَمومها ومن زمهريرها،
فالنار اشتكت إلى ربها: ” أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا ” وفي رواية: ” فنفسني ” ولذلك يتذكر المسلم -في تغير الأجواء- يتذكر، والتذكُّر ما يمكن أن يكون إلا بقراءة كتاب الله مع التدبر وقراءة سنة النبي عليه الصلاة والسلام مع التمعن فيها ممن شرحها صوتًا أو كتابة، فماذا قال عز وجل:
﴿ فَذَكِّر بِالقُرآنِ مَن يَخافُ وَعيدِ﴾ [ق: ٤٥] التذكير إنما يكون بالقرآن: ﴿وَأَنذِر بِهِ﴾ يعني بالقرآن
﴿ الَّذينَ يَخافونَ أَن يُحشَروا إِلى رَبِّهِم ﴾ [الأنعام: ٥١]
______________
في الشتاء تتساقط أوراق الشجر، ولذا جاء في الحديث الحسن، قال ﷺ:
” إِذَا لَقِيَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ، تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ بِالشِّتَاءِ “
وهذا يدل على عِظَم السلام مع مصافحة المسلم لأخيه المسلم.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
________________
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا عباد الله، في فصل الشتاء قد تهطل ثلوج، وهذه الثلوج كفائدة فقهية:
لو أراد الإنسان أن يصلي على الثلج فلا إشكال، لكن بشرط:
وهو أن يجد حجمَ الأرض إذا سجد؛ بمعنى: أنه إذا سجد يستقر أنفُه وتستقر جبهتُه على هذا الثلج، ويصدق هذا على ما يسمى بـ (الثيِّل) لأنه مُنتفش.
وهذا قول الفقهاء وعند الإمام أحمد قال عليه الصلاة والسلام:
” وَإِذَا سَجَدْتَ فَأَمْكِنْ جَبْهَتَكَ مِنَ الْأَرْضِ حَتَّى تَجِدَ حَجْمَ الْأَرْضِ “
هذا الحديث ليس متعلقًا بشتاء أو بغيره، لا لكن النبي ﷺ جعلها قاعدة في صحة السجود: على ثيِّل أو على أرض أو على أي مكان فقال عليه الصلاة والسلام:
” وَإِذَا سَجَدْتَ فَأَمْكِنْ جَبْهَتَكَ مِنَ الْأَرْضِ حَتَّى تَجِدَ حَجْمَ الْأَرْضِ “
ولذلك صلى ابن عمر على الثلج؛ كما جاء في صحيح البخاري.
________________
وأيضا فيما يتعلق بالثلج:
إذا هطلت الثلوج بعض من الناس يصور تماثيل ثلج؛ إن كانت بصورة فليُعلم أن هذا من أعظم التصوير في شرع الله وهو الذي فتح باب الشرك على المشركين، نعم، إذا كان مجسمًا برأس -بثلج أو بغيره- فإن هذا من أعظم التصاوير فلينتبه المسلم إلى مثل هذا الأمر.
لكن من غير رأس: لا إشكال، لأنه في حديث ابن عباس عند الإسماعيلي قال: ” الصُّورَةُ الرَّأْسُ فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ فَلَا صُورَةَ ” يؤيده ما جاء في المسند قال جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام:
“فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي بَابِ الْبَيْتِ يُقْطَعْ، فَيُصَيَّرَ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ “.
________________
هذي فوائد مختصرة فيما يتعلقُ بفصل الشتاء.
أسأل الله عز وجل أن يمن علينا وعليكم بالتوفيق وبالسداد وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعلنا ممن استغل هذه المواسم فيما يرضيه عز وجل.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في فلسطين،
اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا، اللهم آوِ طريدَهم واشفِ مريضهم واجعل دائرة السَّوْءِ على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنًا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين
اللهم آمنا في أوطاننا ووفق ولاة أمرنا، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك، اللهم من أراد بهذه البلاد شرًا وفتنة وزعزعة فأشغله في نفسه
ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا قوي يا عزيز اللهم ادفع عنا الغلا والوباء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين،
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
﴿رَبَّنا لا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ إِذ هَدَيتَنا وَهَب لَنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ﴾
﴿ رَبَّنا آتِنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً وَهَيِّئ لَنا مِن أَمرِنا رَشَدًا﴾، ﴿ رَبَّنا هَب لَنا مِن أَزواجِنا وَذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَاجعَلنا لِلمُتَّقينَ إِمامًا﴾، ﴿ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ﴾
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
________________