خطبة ( خمس كلمات أمر الله بهن يحيى وعيسى ومحمدا ) عليهم الصلاة والسلام

خطبة ( خمس كلمات أمر الله بهن يحيى وعيسى ومحمدا ) عليهم الصلاة والسلام

مشاهدات: 1677

                            بسم الله الرحمن الرحيم

             خطبة خمس كلمات أمر الله بهن يحيى وعيسى ومحمد ﷺ

                    لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له

ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ .

 

أمابعد:

 

فيا عباد الله ، خمسٌ أمر الله عزوجل بهن يحيى وعيسى ومحمدًا عليهم الصلاة والسلام، أخرج الإمام أحمد والترمذي وغيرهما من أئمة كتب السنة – وإذا ذكرت روايةً فإني ربما أعزوها إلى غير الإمام أحمد وإلى غير سنن الترمذي من باب الاختصار – أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال( إن الله أمر يحيى عليه السلام بخمس كلمات بأن يعمل بها وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ) فكأن يحيى تباطأ في أمره لبني إسرائيل ، والسبب يبينه أثر علي الذي هو في مصنف عبدالرزاق، من أن هذه الكلمات أعجبن يحيى فأمسكهن لنفسه – لعله من باب التأمل فيها ولعظم مافيها ولا يعني أنه لن يأمر بني إسرائيل بهذا ، فأُمِرَ عيسى عليه السلام أن يأتيَ إلى يحيى فقال له : إنك أُمرْت بخمس كلمات لتعمل بهن وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن ، فإما أن تأمرهم أو أنا آمُرُهم ، فقال يحيى لعيسى وفي رواية : ( ياروح الله إنك إن سبقتني خشيت أن أُعذَّب أو أن يُخسف بي الأرض ، فجمع يحيى عليه السلام بني إسرائيل في المسجدالأقصى حتى امتلأ ، وقعد الناس على الشُّرَف ،وفي رواية : على الشرفات – يعني الأماكن العالية – فخطبهم ، حمد الله وأثنى عليه – وهذا يدل على أن الحمد والثناء سنة من سنن الأنبياء فيما مضى – فحمدالله وأثنى عليه ، فوعظهم -ودل هذا على أن هذه الخمس  الكلمات هي وعظ؛ لأن هذه الخمس فيها توحيد ، فيها صلاة ، فيها صوم ، فيها صدقة ، فيها ذكر لله وهذا خلاف ما يُتبادر في الذهن من أن الوعظ محصور في الترغيب في جنة أو في نار أو في عذاب القبر ؛ نعم هذا وعظ لكن العلم الشرعي كله وعظ ، قال قوم هود عليه السلام له : ﴿ سَواءٌ عَلَينا أَوَعَظتَ أَم لَم تَكُن مِنَ الواعِظينَ﴾ وقد وعظهم بالتوحيد قال تعالى في سياق آيات وأحكام الظهار

﴿ ذلِكُم توعَظونَ بِهِ ﴾ والأدلة كثيرة..

 

 فوعظهم فقال : إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وأن آمركم أن تعملوا بهن ، أوَّلُهُنَّ : أن تعبدوا الله

ولاتشركوا به شيئًا  – وهذا يدل على أن أعظم مايدعو إليه طلاب العلم هو التوحيد ، فهي طريقة الأنبياء وهي التي أمر الله عزوجل بها أنبياءه عليهم السلام ، لأنه لا فائدة من عمل  بدون توحيد – أوَّلُهُن : أن تعبدوا الله ولاتشركوا به شيئًا ، فإن مثل من أشرك بالله – هذه الأمثال في ظاهر أثر علي رضي الله عنه في مصنف عبدالرزاق أنها من يحيى ، لأنه قال : أمره بخمس كلمات وأن يضرب لهن أمثالا ، قال في شأن من أشرك بالله مَثَلُهُ –  كمثل رجل اشترى عبدًا من خالص ماله بذهب أو وَرِق يعني : فضة

فأسكنه داره وقال اعمل لي ، فجعل هذا العبد يعمل ويؤدي لغير سيده ، أيحب أحدكم أن يكون عبده كذلك ؟

وفي رواية : أيرضى أحدكم أن يكون عبده كذلك ؟

وفي رواية : أيسُرُّ ؟

يعمل ويؤدي إلى غير سيده ، وفي هذا دليل به رد على من قال إن الشرك لايُعرّف بالتعريف المشهور : صرف شئ من العبادة

 لغير الله ، هذا التعريف صحيح ، وهذا دليل عليه ، دليل واضح ، كما أن الشرك يُعَرّف أيضًا : مساواة غير الله بالله فيما هو من خصائص الله ، كما قال أهل النار إذا دخلوها﴿إِذ نُسَوّيكُم بِرَبِّ العالَمينَ﴾ ثم قال : فإن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئًا – يعني من خلق ورزق هو الذي يُعبد عزوجل ﴿اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُم ثُمَّ رَزَقَكُم ثُمَّ يُميتُكُم ثُمَّ يُحييكُم هَل مِن شُرَكائِكُم مَن يَفعَلُ مِن ذلِكُم مِن شَيءٍ ﴾ الجواب : لا ﴿ سُبحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشرِكونَ﴾

هذه هي الكلمة الأولى والأمر الأول فيما يتعلق بالتوحيد .

 

قال : وآمُرُكم بالصلاة فإذا صلى أحدكم فلا يلتفت ، فإن الله ينصِبُ وجْهَهُ لوَجهِه – وفي رواية – يُقْبل بوجهه

وفي رواية : فلاينصرف حتى ينصرف العبد وفي أثر علي رضي الله عنه في مصنف عبدالرزاق قال : وإن مثل الصلاة كمثل رجل أتى سلطانًا مهيبًا لا يرجو أن يأذن له بأن يكلمه ؛ فأذن له بأن يكلمه بماشاء ، وإن العبد إذا صلى فإن الله عزوجل يعطيه من دعائه ما أحب فدل هذا على أن الصلاة مناجاة لله وفيها يطلب العبد حوائجه من الله عزوجل .

هذه هي الكلمة الثانية – والجمل في اللغة العربية قد يطلق عليها كلمة ، كما نقول : كلمة التوحيد ، ماهي كلمة التوحيد ؟

لا إله إلا الله فالكلمة تتضمن كلمات كثيرة .

 

وآمركم بالصوم فإن مَثَلَهُ كمثل رجل في عصابة – يعني في مجموعة –  ومعه صرّةٌ من مسك – يعني من طيب – وفي رواية :

 معه صُرر وليس مع أحد مسك غيرِهِ ، فيعجب ، وفي رواية : فيشتهي هؤلاء أن يَشَموا ريح المسك فإن الصيام عند الله

 أطيب من ريح المسك ، وفي رواية : فإن ريح الصيام ، وفي رواية : فإن ريح الصائم ، وفي رواية : فإن فم الصائم ، وفي رواية : فإن ريح فم الصائم ، وفي رواية : لخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك .

فدل هذا على أن هذا ثناء على الصوم ذاته ، وعلى رائحته ، وعلى الصائم ، وعلى ماتنبعث منه من رائحة ، وما تنبعث من رائحةٍ من فمه ، بل إن فمه مُثنى عليه ، وهذا لايُحصر بصيام الفرض ، بل كل نوع من أنواع الصيام ، الواجب وغير الواجب ، كذلك الشأن في الصلاة فيما مضى في الكلمة التي قبل هذه فإنها تشمل الفرائض والنوافل .

هذه هي الكلمة الثالثة والأمر الثالث .

 

وآمركم بالصدقة ، فإن مثل ذلك كمثل رجل أسَرَه العدو فأوثقوا يده إلى عنقه وقدموا لقتله ، فقال : أفدي نفسي فأطلقوه ، فمازال يفدي نفسه حتى عتق ، وفي رواية : حتى افتك نفسَهُ – وهنا عندنا في اللهجة العامية كما يقال : افتك من فلان أو افتك من هذا الأمر ، هنا هذه لغة عربية كما في هذا الحديث – حتى افتك نفسه فكذلك الصدقة تكفر الخطايا ، وفي رواية : فإن الصدقة ينجو بها العبد من عذاب الله ، وفي أثر عليٍّ فإن الزكاة ؛ دل هذا على أن الزكاة الواجبة والصدقة المتنفل بها هي تكفير للسيئات وهي نجاة من عذاب الله .

هذه هي الكلمة الرابعة والأمر الرابع .

 

وآمركم بذكر الله ، وفي رواية : بكثرة ذكر الله فإن مثل ذلك كمثل رجل ، تبعه العدو سراعاً حتى أتى إلى حصنٍ حصينٍ فأحرز نفسه منهم – يعني نجا ومنع نفسه منهم – وإن العبد أحصن مايكون من الشيطان إذا ذكر الله ، وفي رواية : فإن العباد لايحرزون أنفسهم من الشيطان إلا بذكر الله – لأن أعظم مايذكر الله به قراءة القران – وفي أثر علي في مصنف عبدالرزاق : كمثل قوم تحصنوا في حصنٍ حصين كلما أتاهم العدو وجدهم حذرين فكذلك مثل صاحب القران مع الشيطان ، يعني أنه يكون حذرا ومنجّىً من الشيطان ، دل هذا على عظيم كثرة ذكر الله عزوجل .

هذه هي الكلمة الخامسة والأمر الخامس التي أُمر بها يحيى ، فلما تباطأ ، أُمر عيسى أن يأمُرَهُ ؛ إما أن يأمُرَ هو ، وإما أن يقوم عيسى عليه السلام بتبليغ بني إسرائيل .

 

 قال النبي ﷺ وأنا آمركم بخمس أمرني الله بها : السمع والطاعة – السمع لما أتى به الشرع وطاعة ما جاء به الشرع ومن ذلك السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف في غير معصية الله عزوجل – ؛ (السمع) هذه هي الأولى ، ( الطاعة ) هذه هي الثانية ، الهجرة : وهي الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام إذا لم يُقم بشعائر الدين ، وكذلك يدخل في ذلك أن يهجر العبد كلما نهى الله عنه لحديث 🙁 المهاجر من هجر ما نهى الله عنه) .

الرابع / الجهاد .

 الخامس / الجماعة  : جماعة المسلمين ، تلك الجماعة هي مرتبطة بما سلف ، فالجماعة هنا : ماكان عليه أصحاب النبي ﷺ ومن جاء بعدهم واتبعهم بإحسان . والجماعة !!

قال : ﷺ ومن خلع جماعة المسلمين ؛ خلع ربقة الإسلام أو الإيمان – شك من الراوي – من عنقه أو – شك من الراوي – من رأسه حتى يرجع ، وفي رواية : حتى يراجع ، وفي رواية : خلع رِبقَ – جمع ربقة ؛ يعني الربقة هي : عروة تكون في حبل يُربط بها الحيوان حتى يُتمكن منه ، فدل هذا على أن الإنسان يفوته من دين الله عزوجل إذا خلع جماعة المسلمين – قال ﷺ : ومن دعا بدعوى الجاهلية – كأن يقول يا آل فلان يا آل فلان لينصروه على حق أو على باطل كعادة أهل الجاهلية – ومن دعا بدعوى الجاهلية ؛ قال ﷺ: فهو جُثاء جهنم ، يعني : جماعة من جماعة جهنم وضُبِطت : فهو جُثِيّ ، يعني أنه يكون باركًا على ركبته في نار جهنم ، فدل هذا على خطورة التنادي باسم الجاهلية ، ولذلك ماذا قال بعدها ؟

فادعوا بدعوى الله الذي سماكم بها المسلمين المؤمنين عباد الله ، يعني تكون الدعوة في دين الله عزوجل أن يُنصر المسلم باعتبار ماجاء في دين الله عزوجل ، لا باعتبار ما جاء به أهل الجاهلية .

 

إذًا خمس كلمات أمر بهن يحيى وأمر بهن عيسى إن لم يأمر بها يحيى ؛ فأمر بها يحيى ، وخمس أمر بها نبينا محمد ﷺ وما أعظم هذا الحديث الذي اشتمل على قواعد الدين .

 

أسأل الله عزوجل أن يمن علي وعليكم في هذه الساعة المباركة بالعلم النافع بالعلم النافع والعمل الصالح وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .

 

الحمدلله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ

أما بعد فيا عباد الله :

هذا الحديث الذي سُقتُه برواياته حديث عظيم ينبغي لكل منا أن يتأمله وأن يعيد قراءته وإن لم يتيسر فليعد سماعه مرارًا ، فإنه يشتمل على قواعد الدين .

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، وانصر عبادك الموحدين .

 

اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود ، اللهم كن لهم ناصرا ومعينًا ، اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الرافضة الحاقدين .

 

اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين .

 

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحبه وترضاه ياكريم ، اللهم هيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة التي تعينهم على الخير وتدلهم عليه .

 

اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم سنة نبيك محمدٍ ﷺ  .

 

اللهم ادفع عنا الغلا والوباء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ماظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يارب العالمين .

اللهم من أراد بهذه البلاد في دينها وفي عقيدتها وفي أمنها وفي رخائها بلاءً وشرًا وفتنةً اللهم فأشغله في نفسه  اللهم فأشغله في نفسه  اللهم فأشغله في نفسه  ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرا عليه ياقوي ياعزيز .

ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كماصليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.