بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة:
رسالة مختصرة بها عشرة نداءات رقيقة لمن ضيّع الصلاة، فتح الله على قلبي وقلبك
لفضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحريّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه رسالةٌ مختصرةٌ لمن تَرَكَ الصلاة أو أهمَلَها أو أخرَجَها عن وقتِها
أسالُ الله أن يفتحَ على قلبي وعلى قلبِك:
نبيُّك صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في صحيح مسلم: «الصَّلاةُ نُورُ» نورٌ في الروح، نورٌ في القلب، نورٌ في الوجه، نورٌ في الحياة، نورٌ في القبر، نورٌ في الحشر، فإذا افتقدتَ هذا النور فما يكونُ إلا الظلام، ظُلمةُ الوجه، ظُلمةُ القلب، ظُلمة الدنيا، ظلمة القبر، ظلمة المحشَر.
اللهُ جلَّ وعلا يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ} [العنكبوت: 45]
ما سببُ اقتحامِ بعضٍ مِن الناس في الفواحش؟! تَرْكُ الصلاة.
ولذا قال عز وجل بعد ذلك: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] سبحان الله، التفسيرُ الصحيح كما قال ابنُ تيمية –رحمه الله- في مجموع الفتاوى:
ذِكْرُ الله في الصلاة، مِن تعظيمه، مِن محبتِه، من خوفه، من رجائه أعظم من نهيِ الصلاة عن الفحشاء والمنكر، سبحان الله هذه الصلاة التي ضُيّعَت تنهى عن الفحشاء والمنكر، وذِكْرُ الله وتعظيمُه فيها أعظم مِن نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر، لم؟
لأنه إذا عَظّمَ اللهَ عز وجل في هذه الصلاة، أحبَّ الله، وخافَ الله، ورجا ما عند الله، فيحصُلُ مِن محبته ومن خوفه ومن رجائه، يحصل داعٍ يدعوه إلى فِعلِ الخير، وإلى تَرْكِ الشر.
قال عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مريم:59] ما الذي نتج بعد تضييع الصلاة؟ {وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم:59] تضييعُها: هم يصلونها لكنهم يُخرجونها عن وقتِها!
أسالُ اللهَ أن يُصلِحَ حالي وحالَك.
لو قيل لك: ما جُرم وذنب مَن قتلَ النفسَ بغيرِ حق؟ ومَن سرَقَ؟ ومَن زنى؟ ومَن شَرِب الخمر؟
لقلتَ: إنه جُرمٌ عظيمٌ شنيعٌ فظيع!
ألا تعلم كما قال ابنُ القيم رحمه الله في كتاب الصلاة:
لا يختلف المسلمون أن إثم مَن تَرَكَ الصلاة أعظم مِن إثم مَن قتل النفس بغير حق، وأعظم ممن زنى وسرَق وشرِب الخمر، هذه فظائع، أفظعُ مِن ذلك: ترْك الصلاة،
وليس معنى ذلك أن يُقَللَ مِن شأنِ هذه الأمور الكبار العظائم الفواحش!
بل لتعلم أنَّ تَرْكَ الصلاة أعظم وأعظم!
إذا كنت ترى أن فِعلَ هذه الأشياء هي من الجرائم العظام، فترْكُكَ للصلاة أعظم وأعظم، لمَ؟
لأنها هي العلامة بينك وبين الكافر، علامةٌ بين المسلم وبين الكافر، يقولُ نبيك ﷺ كما في صحيح مسلم:
« بينَ الرجلِ وبينَ الشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ »
الصحابة رضي الله عنهم وردت عنهم أقوال على وجه الإجمال، وعلى وجه التفصيل مِن أعيانهم:
عبدُ الله بن شقيق العُقيلي كما ثبت عند الترمذي يقول:
” كان أصحابُ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يرَوْنَ شيئًا مِن الأعمال تَرْكُه كُفْرٌ غيرَ الصَّلاةِ “
عمر رضي الله عنه كان يبعث في الآفاق (في المدن) فيقول:
” إنَّ أَهَمَّ أمورِكُم عندي الصَّلاةُ مَن حفظَها وحافظَ عليها حفِظَ دينَهُ، ومن ضيَّعَها فَهوَ لما سِواها أضيَعُ،
وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ، وأول فرائض الدين هذه الصلاة، وآخر ما يُفقد من هذا الدين هذه الصلاة، قال: فإذا ذهب أولُ الشيء ذهبَ جميعُه “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
احذر هداني الله وإياك، وشَرَحَ اللهُ صدري وصدرَك للخير، احذر من العذاب الذي يكونُ لمن فَرّطَ في الصلاة ونام عنها، احذر مِن ذلك العذاب الذي يكونُ في القبر:
قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح:
” فأتيتُ علَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ “
تنبّه! قال: ” مُضْطَجِعٍ ” لأنه يضطجع في فراشه! نعم، عن صلاة الفجر، وعن صلاة العصر، وربما عن صلاة الجمعة! بعضُ الناس الآن في فُرُشِهِم -نسألُ اللهَ السلامةَ والعافية-
” وإذا آخَرُ قائِمٌ عليه بصَخْرَةٍ، وإذا هو يَهْوِي بالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ ” يشدخُ رأسَه.
” فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ ها هُنا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فلا يَرْجِعُ إلَيْهِ حتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كما كانَ، ثُمَّ يَعُودُ عليه فَيَفْعَلُ به مِثْلَ ما فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى ” وفي رواية: ” يُصنع به هكذا حتى تقوم الساعة “
” قلتُ: من هذا؟ قال: فإنَّه الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ ويَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ “.
نسألُ اللهَ السلامةَ والعافية
على العكس من ذلك: مَن يحافظ على الصلاة كما ثبت عند ابنِ حِبّان بإسنادٍ حسن:
قال ﷺ: ” إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ إِنَّهُ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا، كَانَتِ الصَّلَاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَكَانَ الصِّيَامُ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَانَتِ الزَّكَاةُ عَنْ شِمَالِهِ، وَكَانَ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ،
فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَتَقُولُ الصَّلَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ ” أيُفرّط في هذه الصلاة!؟
قال ﷺ: ” ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَمِينِهِ، فَيَقُولُ الصِّيَامُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ، فَتَقُولُ الزَّكَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، فَتَقُولُ فَعَلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، فَيُقَالُ لَهُ: اجْلِسْ فَيَجْلِسُ، وقد مُثِّلَتْ له الشَّمسُ وقد أُدنِيَت للغروبِ، فيُقالُ له: أرأَيْتَك هذا الرَّجلَ الَّذي كان فيكم ما تقولُ فيه وماذا تشهَدُ به عليه؟
فيقولُ: دعوني حتَّى أُصلِّيَ “ سبحان الله! وَقَرَ حبُّ الصلاة في قلبِه!
قال ﷺ: ” فيقولونَ: إنَّك ستفعَلُ، أخبِرْني عمَّا نسأَلُك عنه، أرأَيْتَك هذا الرَّجلَ الَّذي كان فيكم ما تقولُ فيه وماذا تشهَدُ عليه؟ قال: فيقولُ: محمَّدٌ أشهَدُ أنَّه رسولُ اللهِ وأنَّه جاء بالحقِّ مِن عندِ اللهِ، فيُقالُ له: على ذلك حَيِيتَ وعلى ذلك مِتَّ وعلى ذلك تُبعَثُ إنْ شاء اللهُ، ثمَّ يُفتَحُ له بابٌ مِن أبوابِ الجنَّةِ، فيُقالُ له: هذا مقعَدُك منها وما أعَدَّ اللهُ لك فيها، فيزدادُ غِبطةً وسرورًا، ثمَّ يُفتَحُ له بابٌ مِن أبوابِ النَّارِ فيُقالُ له: هذا مقعَدُك منها وما أعَدَّ اللهُ لك فيها لو عصَيْتَه فيزدادُ غِبطةً وسرورًا، ثمَّ يُفسَحُ له في قبرِه سبعونَ ذراعًا ويُنوَّرُ له فيه» الحديث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
احذر، أصلح اللهُ قلبي وقلبَك، احذر هذا عذابٌ في القبر، احذر من العذاب في الآخرة:
أهلُ الجنة لمّا يَطّلِعون على أهلِ النار إطلاعةً، يتساءلون فيما بينَهم:
{فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ – عَنِ الْمُجْرِمِينَ – مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَر} [المدثر: 40-42] ما الذي أدخَلَكُم في سقر؟ أول سبب: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43]
على العكس من ذلك:
كما قال ابن مسعود رضي الله عنه في صحيح مسلم:
« مَن سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ » انتبه « مَن سَرَّهُ ” سرور وغِبطة وفرح يوم تُقابل ربَّك
« مَن سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ علَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بهِنَّ، فإنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سُنَنَ الهُدَى، وإنَّهُنَّ مَن سُنَنَ الهُدَى، ولو أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكُمْ كما يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّفُ في بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، ولو تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُم، وَلقَدْ رَأَيْتُنَا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلقَدْ كانَ الرَّجُلُ ” وفي رواية: ” المريض “
” يُؤْتَى به يُهَادَى بيْنَ الرَّجُلَيْنِ حتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ “
وفي رواية كما عند مسلم عنه رضي الله عنه:
” إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
احذر فتح الله على قلبي وعلى قلبك، احذر أن تستحوذ عليك الشياطين، وإذا استحوذت عليك الشياطين حلت بك الأوجاعُ والأمراض والأوهام والوساوس، فتدخل في بوابةِ السحر والجن والعين وما شابه ذلك من أمراضٍ نفسية وأمراضٍ عضويّة:
النبي يقول ﷺ كما عند أبي داود كما ثبت عنه:
” ما من ثلاثةٍ في قَريةٍ، ولا بَدوٍ لا تُقامُ فيهمُ الصلاةُ إلَّا استَحوَذَ عليهمُ الشيطانُ “
” ما من ثلاثةٍ ” انظُر! ثلاثة فقط!
” إلَّا استَحوَذَ عليهمُ الشيطانُ ” وإذا استحوذت عليك الشياطين، فأين النجاة؟ فأين المهرب؟!
هذا إن دل: يدلُّ على أن الصلاة والمحافظةَ عليها، وفي المساجدِ جماعة مما يحفظُ الإنسان مِنَ الشياطين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
تتوجع مِن قلةِ الأرزاق، البيوت تتألم ويتوجع من قلة الأرزاق ومن ضيقِها!
كيف تأتي الأرزاق وتُدَر على البيوت، وفي بعضِ هذه البيوت من الشباب والفتيات مَن لا يصلي!
مِن أين يأتي الرزق؟!
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا – وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3]، وأعظم ما يتقى الله به بعد التوحيد هذه الصلاة، الصلاةُ رِزق، نعم الصلاةُ رزق، يفتحُ اللهُ لك بهذه الصلاة أبوابَ الرزق.
قال القرطبيّ رحمه الله: ” الصلاةُ سبب من أسباب الرزق ” الدليل؟
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} ما الذي بعدها؟
{لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132]
قال ابنُ كثير: ” يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيثُ لا تحتسب، كما قال تعالى:
{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا- وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}.
ــــــــــــــــــــــــــــ
أخيرًا:
والله لو كان للمسلم أقل عذر في تَرْكِ الصلاة، أو في التهاونِ بها جماعة، لو كان له عذر، ما صلّاها رسولُ الله ﷺ في صلاة الخوف:
{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:102] الآية
العدو أمامَهم، ولا يصلي وحدَه، بل يصلي بالصحابةِ رضي اللهُ عنهم جماعةً، والعدو أمامه!
هذا يدل على ماذا؟
يدل على عِظَم الصلاة، بل لو كانت الصواريخ والقذائف يمنةً ويسرة، ما سَقَطَت عنك الصلاة،
فإذا خفتَ أن يخرُجَ وقتُها، والقذائفُ والصواريخُ عنك يمنةً ويسرة وتخشى منها، فتصلي إيماءً على حسب وسعك، الركوع تومئ إيماءً، السجود تومئ إيماءً، ولو كثُرت حركاتُك،
{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:239]
انتبه {فَإِنْ خِفْتُمْ} وليس هذا حتى في الحرب، {فَإِنْ خِفْتُمْ} خِفتَ مِن عدوّ، خفت من سَبُع، خفت من سيل، خفت من أيِّ شيءٍ يُخافُ منه، وخِفتَ أن يخرُجَ وقتُ الصلاة، فصلِّ على حالِك، على حسب وسعك، {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا} أي: تمشون على أقدامكم (على أرجُلِكُم)
{أَوْ رُكْبَانًا} أو أنكم راكبون، ما تسقُط عنك الصلاة.
احذر هداك الله، احذر مِن تضييع الصلاة، إلى متى!؟
سبحان الله، إن ضاعت الصلاة، ما الذي بقي؟ أسالُ اللهَ أن يشرَحَ صدري وصدرَكَ للخير.