بسم الله الرحمن الرحيم
خُطبة عن: آداب المشي إلى الصلاة
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نتحدث في هذا اليوم عن آداب المشي إلى الصلاة، نذكرُ هذه الأحكام مختصرةً بأدلتها الشرعية:
أولاً/ يستحبُّ للإنسان أن يتوضأ في بيته، ولا يأتي إلى المسجد ليتوضأ في دورات مياهه إلا إن كان ذلك اتفاقاً لا قصدا، ودليلُ ذلك، قول النبي ﷺ كما في الصحيحين:
” صَلَاةُ الرَّجُلِ في الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ علَى صَلَاتِهِ في بَيْتِهِ، وفي سُوقِهِ، خَمْسًا وعِشْرِينَ ضِعْفًا، وذلكَ أنَّهُ ” هنا التعليل: ” إذَا تَوَضَّأَ، فأحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلى المَسْجِدِ، لا يُخْرِجُهُ إلَّا الصَّلَاةُ “
وفي رواية: ” لا يَنْهَزُهُ إلَّا الصَّلَاةُ، لا يُرِيدُ إلَّا الصَّلَاةَ “
” فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلَّا رُفِعَ له بهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عنْه بهَا خَطِيئَةٌ، حتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ كانَ في الصَّلَاةِ ما كَانَتِ الصَّلَاةُ هي تَحْبِسُهُ “
وهذه فائدة: بعضُ الناس قد يأتي إلى المسجد ويتأخر الإمام دقيقة أو دقيقتين أو خمس دقائق؛ فإذا به يلتفت أو ربما يرفعُ صوتَه أو ما شابه ذلك! أنتَ في صلاة ما كانت الصلاةُ تحبسُكَ.
ثم قال ﷺ: ” وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ علَى أَحَدِكُمْ ما دَامَ في مَجْلِسِهِ الذي صَلَّى فيه يقولونَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عليه، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ له، اللَّهُمَّ تُبْ عليه، ما لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، ما لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ ” يعني: حَدَث الوُضوء.
وقد جاء التصريحُ بالوضوء في البيت عند الدارِمي مِن حديث أبو هريرةَ رضي الله عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانياً/ إذا خرج يَستاك وهو في طريقِه إلى المسجد: لما ثبت عند الطبراني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثاً/ عليه بالسكينة وبالوقار:
كما جاء في الصحيحين، قال ﷺ: ” فَامْشُوا إلى الصَّلَاةِ وعلَيْكُم بالسَّكِينَةِ والوَقَارِ “
السكينة والوقار: قيل هما بمعنى واحد من باب التأكيد، والقول الآخَر -وهو الذي يظهر- أن بينهما فرقا،
فالسكينة: في حركاتِ الإنسان؛ بحيث لا يُكثر العبث؛ وما شابه ذلك.
وأما الوقار: في هيئته؛ بمعنى: أنه لا يأتي مثلاً إلى الصلاة وأكمامُه لم تسوَّ، أو أن مثلاً الشماغ يكونُ الثلث منه على الرأس والأكثر تحت ذلك.
يعني: ينبغي أن يكونَ مرتباً في هيئته، ولا يكن صاحبَ صوتٍ مزعجٍ إذا خرج إلى الصلاة.
هذا هو الفرقُ بينهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعاً/ إذا خرج إلى المسجد لا يُشبك بين أصابعه، مِن خروجه من بيته إلى المسجد، بل إلى أن تُقام الصلاة.
وقد جاء في ذلك حديثٌ عند أحمدَ والترمذي وابن ماجه، وهو حديث كعب بن عُجره، وفيه اختلافٌ؛
ولذلك قيل إنه مضطرب في متنه؛ لأن الواسطة بين كعب بن عُجره والمَقبُري: قيل: لا واسطة، وقيل: هناك واسطة مُبهمة، وقيل: هناك رجل غير مُبهَم.
وقيل: إن فيه اضطراباً في مَتْنِه، لأنه قيل: ” إذا خرج من المسجد “، وجاء في حديث: ” أنه كان في صلاة “
لكن هذه المسألة لها أصل؛ وهو: ما جاء عند الدارِمي مِن رواية إسماعيل بن أمية، ولا اضطراب فيها، من حديث المَقبُري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ﷺ:
” إِذا تَوَضَّأَ أحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ كانَ فِي صلاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ؛ فَلَا يَقُلْ هَكَذا: وشَبَّكَ بَيْنَ أصابِعِهِ “
وفي حديث: ” إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلاَ يُشَبِّكَنَّ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِي صَلاَةٍ “.
قوله ﷺ: ” إِذا تَوَضَّأَ أحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ ” هذا هو دليل على أن الوضوء أيضاً يكونُ في البيت، وهي الرواية التي أردُتها في أول حديثي.
وقوله ﷺ: ” كانَ فِي صلاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ “، يدل هذا على ماذا؟
يدل على أنه لا يشبك إذا خرج إلى الصلاة؛ ولا عند انتظار الصلاة؛ ولا في الصلاة.
لكن: بعد الصلاة؟ ورد في ذلك مِن فِعل النبي ﷺ؛ ولا إشكال في ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال ﷺ كما جاء عند مسلم: ” إذا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوابَ رَحْمَتِكَ،
وإذا خَرَجَ، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ “
خامساً/ إذا دخل المسجد يُقدم رِجلَه اليُمنى؛ ويقول ما ورد:
مما ورد عند مسلم: ” اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوابَ رَحْمَتِكَ “
وإذا خرج من المسجد يُقدم رجلَه اليسرى، ويقول ما ورد:
مما ورد عند مسلم: ” اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ “
فيقول ما ورد عند دخوله للمسجد؛ وعند خروجه من المسجد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سادساً/ إذا دخل المسجد:
إن كانت هناك صلاة راتبة: فَلْيُصَلِّها؛ وتُغني عن تحية المسجد،
إن لم يكن هناك سنة راتبة: فليصلِّ ركعتين قبل أن يجلس.
لما جاء في الصحيحين من حديث أبي قتادة قولُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
” إِذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلاَ يَجْلِسْ حتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سابعاً/ إذا خرج من بيته يقولُ ما ورد، سواءً إذا خرج من بيته للصلاة أو لغير الصلاة:
كما ثبت عند أبي داود: ” بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ “، وكذلك قوله ﷺ:
” اللَّهُمَّ إني أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَىَّ “.
ويقول أيضاً:
” اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ خَلْفِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللَّهُمَّ وَأَعْظِمْ لِي نُورًا “
هذا جاء من مجموع رواياته في الصحيحين وعند أبي داود وعند غير هؤلاء.
وبعضُ الناس يمنع من ذلك باعتبار أن هذا الدعاء لم يُقَل إلا في السجود أو في صلاة الليل!
فقد ورد هو حديث ابن عباس أنه قال ذلك في السجود، وجاء أنه بعد انقضاء صلاة الليل، وجاء بالتصريح عند أبي داود بإسناد صحيح:
” ثُمَّ خَرَجَ ﷺ إِلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ يَقُولُ: ” اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ خَلْفِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللَّهُمَّ وَأَعْظِمْ لِي نُورًا “.
قوله: ” ثُمَّ خَرَجَ ﷺ إِلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ يَقُولُ ” جملة حالية؛ حالَ خروجِه
إذاً/ لا يُمنع أحدٌ من أن يقول هذا القول.
مَن قال: إنه يقال في السجود فقط، هذا رأيُه؛ لكن هذا يدل على ماذا؟ ج/ على أنه له أن يقول هذا مرة وهذا مرة،
أو وهو الأقرب عندي: أنه يقول هذا الدعاء ” اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا ” إلى آخره
يقول في السجود وحالَ خروجه إلى الصلاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثامناً/ إذا أُقيمت الصلاة متى يقوم المأموم؟
هل يقوم إذا قال المؤذن: ” قد قامت الصلاة “؟ أو في أول الأذان؟ أو في ثناياه؟
ج/ ليس هناك دليل، قُمْ متى ما شئت، اللهم إلا في حاله واحدة:
إذا كان الإمام يصلي في بيته السنة، يعني: لا يأتي مع الناس مبكراً؛ وإنما يأتي من بيته أو يكون له مثلاً غرفة في أو مكتب في المسجد ويكونُ جالساً فيها؛ ويأتي حالَ إقامة الصلاة، هنا متى يقوم؟
ج/ يقوم إذا رآه، ولذلك في الصحيحين قال ﷺ: ” إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي “.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاسعاً/ تسوية الصفوف:
إذا أقيمت الصلاة فالواجب -وهو الصحيح- الواجب على الناس أن يسووا صفوفَهم بحيث لا يتقدم أحد ولا يتأخر أحد؛ لأن هناك وعيداً شديداً كما في الصحيحين قال ﷺ: ” لَتُسَوُّونَ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ “
هذا وعيد شديد يدل على أن مَن وقع فيه فقد وقع في أمْرٍ عظيم،
إذًا/ يجب أن تُسوّى الصفوف بحيث لا يتقدم أحدٌ على أحد، والتسوية تكون بالمناكب أو بالأكعُب.
وقوله ﷺ: ” أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ “؛ محتمل أنه عذاب حسي، بمعنى: أنه يُخالف الوجه؛ بحيث الوجه يكون الذي في المقدمة يكون في المؤخرة، وجاءت رواية عند مسلم: ” اسْتَوُوا، وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ “
كلمة القلوب هنا تدل على اختلاف وجهات النظر، يدل على ماذا؟ على أن القلوب تختلف فيما بينها بين المصلين فيكون التنافر بين المصلين، فلذا يجب أن تُسَوَّى الصفوف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عاشراً/ إذا أحدث المصلي أو تذكر أنه على غير وضوء، فيحرم عليه البقاء في الصلاة:
(سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا)
الشرح/ إذا كبَّرَ الإمام أو كبّرَ أي مصلي فالواجبُ عليه إذا تذكر أنه على غيرِ وضوء، أو أنه إذا أحدث.
وبالأخص هذه تحصل من الإمام؛ فيبقى في صلاته حياءً! بعضُ الناس يبقى في صلاته حياءً!
وهذا ليس بحياءٍ محمود؛ بل هو خجل ومذموم، فمتى ما أحدثتَ أو تذكرتَ أنك على غيرِ وُضوء: فاخرُج مِن الصلاة وأنِبْ غيرَك.
وقد لا يكونُ وَقَع حَدَث مِن الإمام في الصلاة؛ قد ينسى أنه على غير وضوء؛ ثم يأتي ويصلي ويكبر وإذا به يتذكر أنه على غير طهارة، أو أنه أحدث في صلاته، فلا يجوزُ للإنسان البقاء في الصلاة، بل عد ذلك جمهور العلماء من الكبائر، وبعضُ العلماء كأبي حنيفة -وإن كان قوله قولاً مبالغاً فيه- من أنه يكفر، يقول: لأنه ما بقي في الصلاة إلا لأنه مستهزئ
لكن الصحيح: أنه على جُرم عظيم أن يبقى.
بعضُ الناس يقول: كيف يفعل؟! وماذا يقول الناس، وربما تحصل بلبلة!
ج/ إذا تعلم الناس هذا العلم، وخصوصاً أنه شيءٌ يجب أن تفعله، فهنا يتعود الناس على أن مِثل هذا الأمر هو أمْرٌ مِن الشرع، ولذلك النبي ﷺ قال كما في الصحيحين: ” لَا يقبل الله صَلَاة أحدكُم إِذا أحدث حَتَّى يتَوَضَّأ “
فلْيخُرج مِن الصلاة، ولْيُنِبْ غيرَه (يستخلف)
لذلك عمر رضي الله عنه كما عند البخاري لما قُتل تناول يدَ عبد الرحمن بن عوف وقدَّمَه؛ وصلّى بهم عبد الرحمن رضي الله عنه.
إذاً/ بعضُ الناس ربما أنه يقول: أستحي من هذا الأمر، خصوصاً الإمام!
ج/ ليُتنبه، لأنك إن بقيتَ فقد أثِمتَ إثماً عظيماً، ووقعتَ في كبيرة من كبائر الذنوب،
وأما إن فعلتَ يُستغرب في أول الأمر، لكن إذا بُين ووضحَ للناس هذا الأمر هنا لا مُستَغرَب،
وإذا أحدث الإنسان ما الذي جرى!؟ ولذلك النبي ﷺ وَعَظَهُمْ فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ؛ قال:
“عَلَامَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ؟ “
مثلا: ضَرَطَ إنسان مِن غيرِ اختياره، أو أنه أحدث، يقول: لماذا تضحك! هذا تفعلُه أنتَ، ويفعلُه فلان وفلان وفلان هذا أمر طبيعي، فالشاهد من هذا: أن هذه المسألة يجب أن تُبين وأن تُوضح وأن تُطبَّق فيما لو أن الإنسان أحدث في صلاته فيجب عليه أن يخرج ويتوضأ، ويرجع ويصلي مع الناس، وصلاة المأمومين صحيحة لا تأثير عليها، فإذا تقدم أحدُهم فإن صلاتهم صحيحة ولا تأثيراً لصلاتهم بما تأثرت به صلاةُ الإمام على الصحيح.
أسألُ اللهَ لي ولكم العلمَ النافعَ والعملَ الصالح.