بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة: (عشرون فائدة بها موعظة بليغة عن ذكر الموت في القرآن)
لفضيلة الشيخ: زيد البحري -حفظه الله-
13/8/1445هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموت جاء ذكره في القرآن وله في القرآن عدة معان منها:
أقرأوا أول سورة الحج {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج:5]، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِين ٍثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:12-16].
الحكمة مِن خلقنا لنعمل، {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2] ولذلك نحن مساكين لا ندري متى يأتي أحدنا الموت {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} [آل عمران:145] مكتوب ومقدر في زمنه ولا تدري في أي مكان {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34] ولو كان لديك من الأموال والحرس والجنود والحصون {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] فلا نتغافل هذه حقيقة والله حقيقة لا بد أن تذوقها كل نفس أين أبوك؟ أين جدك؟ أين أمك؟ أين جدتك؟ أين أخوك؟ أين قريبك؟ أين جارك؟
أما أن يسرح الإنسان بنفسه في متع الدنيا، وفي ملذاتها وفعل الناس كذا نفعل! لا، انقذ نفسك لأنه لا رجعى، {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون:10-11]، {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99-100].
حينئذ إذا حصل مثل هذا يعض أصابه الندم مَن كان مفرطا، ولنا آية ذكرها عز وجل، لنا فيما يتعلق بهذا الموت، النوم يعتبر وفاة {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر:42] على أحد التفسيرين أنه عز وجل يقبض أرواح الموتى، فمن كتبت عليه الموتى الكبرى مفارقة الحياة يمسكها، والذي باقي لها مِن عمرها ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى، لكن المردّ لمن أرسلت بعد أن استيقظت مِن النوم المردّ ماذا؟ المردُّ إلى الموت.
ولذلك لا حياة كاملة لنا، فالإنسان يعلق قلبه بالحي الذي له الحياة الكاملة الدائمة، ويتوكل على الله في أمور رزقه في صلاح أولاده، في ثباته على هذا الدين، يجعل قلبه لله، ولذلك ماذا قال عز وجل؟ {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] لا تنظر إلى المخلوق، المخلوق ولو كان حيا حياة ناقصة سيموت، فتوكل على الحي الذي لا يموت {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33].
والقرآن مليء بالمواعظ، وأردت بذلك أن أبين وأوضح أنه وللأسف غفل عن هذا الأمر، {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] ما كنت منه تهرب في الدنيا، بعضهم لا يريد سماع الموت، دعنا نستمتع بحياتنا استمتع بحياتك، الله عز وجل ما حرمك، لكن قم بما أوجب الله عليك واترك ما حرم الله عليك، استمتع {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]، أما أنت قل دعنا حتى لا تكدر صفو حياتنا، وأنت باق على ما يغضب الله فأي متعة! أي وربي أي متعة!
{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:8] الرسل ماتت عليهم السلام، لما تباطأ كفار قريش موت النبي عليه الصلاة والسلام ماذا قال؟ {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]، {أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34] فنسأل الله أن يوقظنا مِن رقدات الغفلة.
أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد.
فيا عباد الله هذا الموت الذي خلقه الله من دلائل عظمة الله، نعم يتحدى المعبودات التي تعبد مِن دون الله أن تخلق هذا الموت، {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الروم:40] الجواب معروف: لا، ولذلك نزه نفسه بعد ذلك {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم: 40].
والموت في هذه الحياة، بعد الموت وبعد أن يبعث الناس لا موت، والإنسان يقف أمام هذه الآيات وينظر مِن أي الفريقين سيكون؟ أهل النار؟ {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [طه:74] لا يموت فيستريح من العذاب ولا يحيا حياة طيبة، لا يموت فيها ولا يحيا نعم، ويأتيه الموت من كل مكان، كل عذاب هو سبب لإماتته؛ لعظمه، لكن ما يموت ليتعذب {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:17] نعوذ بالله مِن هذه الحال، لكن اقرأ الآيات الأخرى التي منها قوله عز وجل عن أهل الجنة {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى} [الدخان:56] في الدنيا فقط {وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [الدخان:56] الكرم مِن الله {فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الدخان:57] إي وربي هو الفوز العظيم والله لا جاه ولا مال ولا شهرة ولا أي متعة من متع الدنيا، هذا هو الفوز العظيم.
فنسأل الله أن يختم لنا بخاتمة خير، ولذلك ماذا قال عز وجل؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] الموت على العقيدة الصافية.
ولذلك إبراهيم ويعقوب أوصيا أبنائهم: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ} [البقرة:132] هذا هو النعمة الحقيقية نعمة الدين أن توفق لهذا الدين في حياتك وأن تموت عليه {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132] فإذا قرأت القرآن ستجد، لكن للأسف البعض متى يقرأ القرآن؟ متى يقرأ حتى يتدبر؟ والله المستعان.
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، ونسأله ألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، والموفق من وفقه الله، والمخذول من خذله الله، فنسأل الله أن نكون من الموفقين المباركين أينما كنا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في فلسطين، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا، اللهم أطعم جائعهم وأمن خائفهم واجعل دائرة السوء على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنًا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا ووفق ولاة أمرنا اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك، اللهم من أراد بهذه البلاد شرا وفتنة فاشغله في نفسه ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا قوي يا عزيز، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.