خطبة عشرون فائدة عزيزة ونادرة تحت حديث ( اتقوا النار ولو بشق تمرة )

خطبة عشرون فائدة عزيزة ونادرة تحت حديث ( اتقوا النار ولو بشق تمرة )

مشاهدات: 1099

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة :

 عشرون فائدة عزيزة ونادرة تحت حديث : ” اتقوا النار ولو بشق تمرة “

لفضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري – حفظه الله –

 

«اتَّقوا النَّارَ ولَو بِشقِّ تمرةٍ»: هذا حديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث عدي بن حاتم -رضي الله عنه- وهذا الحديث له عدة فوائد، منها:

  • أن هذا الحديث له مقدمة قال ﷺ: «ما مِنكُم من أحَدٍ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ليسَ بيْنَهُ وبيْنَهُ تَرْجُمانٌ» ويصح بضم التاء، وهو الذي يبلغ لغة قوم لآخرين، وهذا دليل على أن الترجمة دل عليها هذا الحديث، دلت عليها سنة النبي ﷺ كما أشار إليها القرآن في قصة ذي القرنين لما أتى أولئك الذين لا يفقهون حديثًا كيف فهم حديثهم؟ إنما فهمه عن طريق الترجمة قال: «ما مِنكُم من أحَدٍ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ليسَ بيْنَهُ وبيْنَهُ تُرْجُمانٌ –أو: تَرجمان- فَيَنْظُرُ عن يمينه فلا يَرَى إلَّا ما قَدَّمَ، ويَنْظُرُ عن شماله فلا يَرَى إلَّا ما قَدَّمَ، ويَنْظُرُ تلقاء وجهه فلا يَرَى إلَّا النَّارَ، فاتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ» ومن فوائد هذا الحديث: أن الصدقة لها فضل ولو بما قل، بل وأقصد بذلك صدقة التطوع؛ لأن صدقة الفريضة واجبة متعينة لا خيار للإنسان فيها، أن لها فضل ولذلك يقول أبو مسعود -رضي الله عنه- كما في الصحيحين لما نزلت آية الصدقة -وفي رواية لما أمرنا بالصدقة- كان أحدنا يحامل يعني: يذهب لكي يحمل على ظهره حِملًا يتحصل على المال ولو قل ليتصدق به، فدل هذا على فضيلة الصدقة، ومن الفوائد: أن شق التمرة كما قال ابن حجر -رحمه الله- في الفتح قال: (نصفها أو جانبها) فدل هذا على ماذا؟ على أنه لا يبخل المسلم على نفسه ولو بما قل ولذا أتت كلمة (لو) هنا ولها معاني، معناها هنا: للتقليل، قال: ولو (لو) هنا للتقليل «ولو بشِقِّ تمرةٍ». من الفوائد: أن النبي ﷺ كما حثهم على ذلك حثهم لما أتاه ذلك الوفد من مُضَر وكانوا فقراء كما في صحيح مسلم، فلما رأى عليهم الفاقة تأثر ﷺ فخطب فقال: «تصدَّق رجلٌ من دِيناره، من درهمِه» إلى أن قال: «ولو بشِقِّ تمرةٍ» فبادر الصحابة رضي الله عنهم حتى جمعوا طعامًا، فإذا بوجه النبي ﷺ يسعد كأنه مَذْهَبة، كأنه قطعة فضة لها بريق من الفرح وهذا هو الضبط الأشهر، وضُبِط مَدهُنَة: يعني كالإناء الذي يدهن فيه؛ لنصاعته وبياضه من الفرح، قال الشراح -رحمهم الله-: وهذا يدل على أن المسلم يستبشر ويسعد ويفرح حينما ترفع الفاقة وترفع الحاجة عن إخوانه المسلمين فإذا نزل بهم خير أو ارتفعت عنهم مضرة فإنه يسعد بذلك وهذه هي سنته ﷺ.

 

ومن الفوائد:

  • أن الإنسان كما سبق لا يبخل على نفسه، ولذلك لما ذكر ابن عبد البر في التمهيد هذا الحديث وغيره من الأحاديث قال: كيف يغفل عاقل عن هذا الحديث مع قلته! شق تمرة لكن ماذا قال؟ قال: ومن الله التوفيق لا من حولك ولا من قوتك، بعض الناس لو بما أقل تعجزه نفسه عن أن يخرج شيئًا قال: ومن الله التوفيق، الموفق من وفقه الله مع أنه قليل قال: فكيف يغفل كثير من الناس عن ذلك؟ ولذلك ثبت في المسند أن يزيد بن أبي حبيب حدث عن أبي الخير وحدث أبو الخير عن عقبة بن عامر أن النبي ﷺ قال: «كلُّ امرئٍ في ظلِّ صدَقتِه يومَ القيامةِ، حتَّى يحكم الله بين العباد» في ظل صدقته يوم القيامة، فيقول يزيد بن أبي حبيب الراوي عن أبي الخير قال: (كان أبو الخير لا يذهب عليه يوم إلا تصدق ولو بكعكة أو بصلة أو بكذا) يعني بما قل، يعني ما يمضي عليه يوم إلا ويتصدق -رحمه الله-.

 

ومن الفوائد:

  • أن النبي ﷺ -وجاء ذلك في الصحيحين لكن البخاري أورد ضمن هذا الباب حديثًا وهو:- أن امرأة -كما في الصحيحين- أتت إلى عائشة رضي الله عنها -وعائشة رضي الله عنها كانت تتصدق ولو بما قل، ولذلك كانت تتصدق حتى بحبة عنبة، بحبة من العنب- فقالوا: كيف تتصدقين بهذه؟ قالت: “إنها تقع كما يقع المثاقيل” يعني لا تبخل على نفسك، وهذا من إرشاده ﷺ لها، في المسند كما ثبت قال ﷺ: «يا عائشةُ، استَتِري منَ النارِ ولو بشِقِّ تَمرةٍ، فإنَّها تَسُدُّ منَ الجائعِ» سبحان الله! شق تمرة ما الفائدة منها؟ أجر لك لا شك لكن ما فائدة الفقير؟ «قال: يا عائشةُ، استَتِري منَ النارِ ولو بشِقِّ تَمرةٍ، فإنَّها تَسُدُّ منَ الجائعِ مَسدَّها منَ الشبْعانِ» كيف؟ قال ابن حجر -رحمه الله-: لماذا اشتبهوا كيف تسد؟ شق التمرة من الجائع مسدها من الشبعان قال: بجامع الحلاوة، فإن التمرة يتحلى بها الشبعان كذلك لو أكل هذا الشق هذا الفقير فإنه سيشارك هذا الغني في ماذا؟ ليس في الشبع، ولكن في حلاوة هذه التمرة، فكانت تتصدق رضي الله عنها فالشاهد من هذا أن البخاري ذكر -وهذا الحديث في الصحيحين- أن -ولذلك ورد عند الترمذي ولكنه حديث ضعيف جدًا- قال: «يا عائشةُ لا تَرُدِّي مِسكينًا ولَوْ بِشِقِّ تَمْرةٍ، وأحبِّي المساكينَ وقرِّبِيهِمْ، فإنَّ اللهَ يُقَرِّبُكِ يومَ القِيامَةِ» ولا شك أن فضل الصدقة عظيم، الشاهد من هذا أن البخاري -رحمه الله- ذكر في فضل الصدقة ذكر هذا الحديث الذي في الصحيحين: أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله عنها وكانت مسكينة ومعها ابنتان لها، فلم تجد رضي الله عنها إلا تمرة -وفي رواية البخاري: غير تمرة واحدة- سبحان الله! بيت النبي ﷺ ما تجد عائشة إلا تمرة!، ولذلك في رواية مسلم: “وجدت ثلاث تمرات” قال العيني -رحمه الله-: لأنها في أول الأمر إنما وجدت تمرة ثم بحثت فوجدت تمرتين فأعطت هذه الثلاث تمرات لهذه الأم، أو يحتمل على تعدد القصة كما قال رحمه الله، الشاهد من هذا تمرة واحدة إنما توجد في بيت النبي ﷺ أو ثلاث تمرات! فأعطت هذه التمرات، فقسمتها بين ابنتيها، فلما جاء ﷺ أخبرته عائشة رضي الله عنها فماذا قال؟ قال ﷺ: «مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ البَنَاتِ بشيءٍ، فأحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ» وفي رواية مسلم لما ذكرت عائشة حال هذه المرأة للنبي ﷺ قال: «قد أَعْتَقَهَا الله بهَا» يعني هذه التمرة من النار «أو أَوْجَبَ الله لَهَا بهَا الجَنَّةَ» فلماذا ذكره البخاري؟ قال: لأن حديث «مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ البَنَاتِ بشيءٍ، فأحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ» هذه التمرة ماذا صنعت بهذه الأم؟ كانت هذه التمرة سترًا لها من النار فيتوافق مع حديث: «اتَّقوا النَّارَ ولَو بِشقِّ تمرةٍ»، ولتعلم -وهي لطيفة هنا بما إني ذكرت ذلك- قوله ﷺ في الصحيحين «مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ البَنَاتِ بشيءٍ، فأحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ» الابتلاء هنا باعتبار عادة الناس، بعض الناس جرت العادة أنه لا يحب البنات، ربما لكثرة ما يطلبن، أو لخوف العار، أو لأنهن لسن كالأولاد يبحثن عن المعيشة -وإن كان الحال تغير في مثل هذا الزمان بعض الشيء- المهم هذا بما جرت به العادة، لكن الشرع لا يقر أن تكره البنات، ولذلك يقول العيني -رحمه الله- قال: دل هذا على أن الإحسان إلى البنات من الأسباب المنجية من النار، بل أحبِب بناتك، أحبِبهنّ، قال النبي ﷺ كما في المسند -وهو حديث ثابت لأن قتبية بن سعيد رواه عن ابن لهيعة، ورواية قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة مقبولة كرواية العبادلة عن ابن لهيعة وله مرسل من حديث عروة- الشاهد من هذا: قال ﷺ كما في المسند كما ثبت عنه قال: «لا تَكرَهوا البناتِ فإنَّهنَّ المؤنِساتُ الغالياتُ» يؤنسن الأب وهذا شيء مشاهد يعني شفقة البنت ومؤانسة البنت لأبيها ليس كالابن فيقول: فإنهن المؤنسات يؤنسنك، الغاليات قلت: إما باعتبار إنهن غاليات لعظم الأجر إذا صبر الإنسان عليهن وأحسن إليهن، أو أنهن من الغالية وهي: الطيب، قال أهل اللغة: الغالية نوع من الطيب يجمع فيه أنواع الطيب من المسك من أفضل الأنواع، فهي بمثابة الطيب، البنت بمثابة الطيب الطيّب ولذلك قال: فإنهن المؤنسات الغاليات والنبي ﷺ كما جاء عند الترمذي وفي الأدب المفرد للبخاري كما ثبت عنه ماذا كان يفعل بفاطمة؟ تقول عائشة رضي الله عنها كانت إذا أتت فاطمة قام النبي ﷺ ورحب بها وقبلها وأجلسها في مكانه، وإذا أتاها ﷺ قامت إليه وقبلته وأجلسته في مكانها صلوات ربي وسلامه عليه.

ومن فوائد هذا الحديث: -وإضافة لما سبق- قال الشراح -سبحان الله- بيان رقة الأم، كانت محتاجة ليست شبعانة ولذلك يقول المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي قال: يبعد أن تكون شبعانة؛ لأنها مسكينة! ومع أنها كانت جائعة سبحان الله قدمت هذه التمرة اليسيرة لبناتها، فكان ثوابها ما ذكره ﷺ أن الله عز وجل أعتقها بها من النار أو أوجب لها بها الجنة.

 

ومن الفوائد:

  • أن اتقاء النار يوم القيامة جاء في قوله ﷺ كما عند الطبراني كما ثبت عنه من حديث فضالة بن عبيد قال: “اجعلوا بينكم وبين النار حجابًا ولو بشق تمرة” وثبت عند أحمد: -لأن وجهك من أعظم وأشرف الأعضاء- قال: «ليتقِ أحدُكم وجهَه من النارَ ولو بشقِّ تمرةٍ» وذلك لحرارتها، ولذلك عند الترمذي كما ثبت عنه ﷺ قال: «ليَتقِي أحدُكم حَرَّ جَهنمَ ولو بشِقِّ تمرةٍ».

 

 ومن الفوائد:

  • أن قوله: «اتَّقوا النَّارَ ولَو بِشقِّ تمرةٍ» -لو صح الحديث الذي ذكره أبو سلمة بن عبد الرحمن- كما ذكر ذلك ابن رجب في فتح الباري لكانت من أول الجمل في أول خطبة خطبها النبي ﷺ، لمّا خطبهم قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: لما خطبنا ﷺ خطبة بالمدينة ذكر هذا الحديث قال: «واتَّقوا النَّارَ ولَو بِشقِّ تمرةٍ» ثم قال ﷺ: “والسلام على رسول الله ورحمته وبركاته” قال ابن رجب: لم ينقل عنه ﷺ أنه صلى على نفسه في الخطبة، إنما كان يقر لنفسه ويشهد لنفسه بالعبودية وبالرسالة، قال: إلا في هذا الحديث، لكنه حديث مرسل.

 

ومن فوائد هذا الحديث:

  • كما قال ابن حجر -رحمه الله- في الفتح: قرب النار من الناس يوم القيامة؛ لأنه قال: فينظر أمامه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، لكن أمة محمد ﷺ أين هي؟ قال ابن حجر -رحمه الله-: وقد ثبت بالمسند أن أمة محمد ﷺ وسلم يوم القيامة على تلٍّ عال. لكن لا تنسَ أن تتقي الله عز وجل، ولو قلتُ -القول قولي- لا تنسَ أن تتقي الله عز وجل ولو أن تتصدق بما يتيسر لك.

 

ومن الفوائد:

  • أنه قال ﷺ: «فَيَنْظُرُ عن يمينه فلا يَرَى إلَّا ما قَدَّمَ، ويَنْظُرُ عن شماله فلا يَرَى إلَّا ما قَدَّمَ» لماذا يلتفت يمينًا وشمالا؟ قال بعض العلماء: كما قال ابن حجر -رحمه الله- في الفتح: إنما نظر يمينًا وشمالًا؛ لأن من باغته شيء التفت يمنة ويسرة، قال ابن حجر -رحمه الله-: ولعله التفت يمنة ويسرة من أجل أن يهرب لكن أين المفر؟ ولذلك في الرواية الأخرى قال: «فيلتفت عن يمينه فلا يرى إلا النار، ويلتفت عن يساره فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة».

 

ومن الفوائد:

  • أنه ﷺ لما ذكر هذا الحديث أشاح بوجهه ثلاثًا، يعني: أعرض، أعرض لما ذكر هذا الحديث، قال الشراح: -كما ذكر النووي في شرح مسلم- قال: أعرض بوجهه كأنه لما حدثهم بهذا الحديث كأنه يرى النار، أو أنه أشاح بوجهه ثلاثا لكي يؤكد للسامعين خطورة هذه النار، أو أنه ذكرها من أجل -لما أشاح بوجهه- من أجل أنه كالهارب عنها قال: وهذه المعاني تحتمل هذه الأشياء.

إذًا انظر كيف كان ﷺ حريصًا على أمته صلوات ربي وسلامه عليه.

 

ومن الفوائد:

  • لو قال قائل ما أجد شق تمرة؟ ما الذي يحل محلها؟ يحل محلها ما قاله ﷺ: «اتَّقوا النَّارَ ولَو بِشقِّ تمرةٍ، فمَن لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» سبحان الله! فالكلمة الطيبة تحل محل الصدقة؟ نعم. يقول كيف تحل محلها؟ يقول العيني -رحمه الله- كما في عمدة القاري قال: لأن الصدقة تفرح المسكين، فالكلمة الطيبة شابهت الصدقة؛ لأن الإنسان إذا تكلم لأخيه بكلمة طيبة ستفرحه، فاشتركا في ماذا؟ في أن كليهما مفرح للإنسان، لكن لما قال: «فمَن لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» في رواية أحمد لا بأس بها قال: “فبكلمة لينة” بعض الناس ربما يتكلم بكلمة لينة، لكنه حينما يتكلم بها يتكلم بها بعنف بغضب، إذًا مع أنها كلمة طيبة تقولها لا تنسَ أن تكون تلك الكلمة لينة لطيفة.

هل هي كلمة باعتبار أن الفقير إذا أتاك ليسألك ولم تجد شيئًا أنك تقول له قولًا حسنًا وتعتذر أم أنها شاملة؟ قولان، والصحيح: أنها شاملة، كل كلمة طيبة فتدخل ضمن هذا الحديث. سبحان الله! مثل ماذا؟ لو أصلحت بين اثنين بكلام: كلمة طيبة، لو سكّنت غضبان: كلمة طيبة، لو دعوت لإنسان: كلمة طيبة، لو كشفت أمرًا غامضًا عن إنسان بكلمة كانت كلمة طيبة، لو وضحت لإنسان مسألة من مسائل العلم الشرعي -وهذا لا شك أنه أعظم-

إذًا كلمة طيبة، العلم الشرعي من الكلام الطيب بل أعظم الكلام.

إذًا فمن لم يجد فبكلمة طيبة شاملة، هذه مما استحضر في الذهن حول هذا الحديث من فوائد، ولعل هناك فوائد ربما فاتت أثناء الإلقاء نكتفي بهذا القدر.