خطبة ( عشرون فائدة عن بعض ما جاء عن الحياء في كتب السنة )

خطبة ( عشرون فائدة عن بعض ما جاء عن الحياء في كتب السنة )

مشاهدات: 894

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة:

(عشرون فائدة عن بعض ما جاء عن الحياء في كتب السنة)

لفضيلة الشيخ: زيد بن مسفري البحري

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء: 1]، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:

 

فيا عباد الله أذكر بعض الأحاديث على وجه الندرة والقلة عن خلق فاضل وهو الحياء، الأحاديث كثيرة لكنني أقتصر على ما يتناسب مع هذا المقام خشية الإطالة:

  • الحياء هو أميز ما يميز هذه الأمة؛ لأن كل أمة لها خُلُق، وخُلُق هذا الإسلام هو الحياء، قال ﷺ -كما في الحديث الحسن إن شاء الله بمجموع طرقه- عند ابن ماجه قال ﷺ: «إنَّ لكلِّ دِينٍ خُلُقا» كل دين مما سبق له خلق، أصحابه من تميز به صار كاملًا في دينه وكذلك الشأن في الحياء في هذا الدين، قال ﷺ: «إن لكلِّ دينٍ خُلقا وإن خلقُ الإسلامِ الحياءُ».
  • ما هو الحياء؟ هو انقباض النفس والجوارح عما يشين الإنسان ويدنسه ويحثه على ما يجمله ويزينه.
  • ولذلك لما ذكر النبي ﷺ كما في الصحيحين هذا الحياء قال: «فإنَّ الحياءَ من الإيمانِ»، لما ذكر شعب الإيمان أفرد الحياء قال: “والحياء شعبة من الإيمان” لماذا أفرده؟ لماذا أفرد الحياء بالذكر دون غيره من الشعب؟ لأن هذا الخلق النبيل متى ما حرص المسلم عليه فإنه يدعو إلى الشعب الأخرى؛ لأن الذي يستحيي يخشى لما به من الحياء يخشى من فضيحة الدنيا أو فضيحة الآخرة أو من كلتيهما، ولذا أفرده؛ لأنه يدعو إلى كل خصلة حميدة وينبذ كل خصلة ذميمة.
  • انظروا سبحان الله في الصحيحين الحديث تتوالى قال ﷺ عن الحياء: «الحياءُ لا يأتِي إلا بِخيرٍ» أفرده بالذكر في حديث وذكر في هذا الحديث من أنه لا يأتي إلا بخير-نعم والله لا يأتي إلا بخير- ولذلك من فرَّط فيه ففيه شعبة من شعب النفاق، كما أن من حرص عليه ففيه شعبة من شعب الإيمان.
  • ولذلك قال ﷺ وكما عند الترمذي: «الحياءُ والعِيُّ شُعبتان من الإيمانِ والبذاءُ والبيانُ شعبتانِ من النفاقِ» ما معنى هذا الحديث؟ ليفهم أولئك الذين لا يستحيون من الله ولا يستحيون من الخلق مما يصدر منهم في مجالس أو في وسائل التواصل من أقوال بذيئة فاحشة، ومن صفات رذيلة ومن أفعال مخلة بالعادات وبالدين ليفهموا عظم هذا الدين الذي حرص على الحياة.
  • ولذلك الحياء يمنع الإنسان من أن يتلفظ بشيء ليس بحسن.
  • ولذلك قال عند الترمذي في الحديث الذي ذكرته آنفا قال: «الحياءُ والعِيُّ شُعبتان من الإيمانِ» ليس به آفة في لسانه لا هو عي اللسان لأنه لا يريد أن ينطق بما به فحش.
  • ولذلك قال: «والبذاءُ» يعني الفحش في القول وفي الفعل «والبذاءُ والبيانُ» ليس البيان المحمود، وإنما هو كلام يتلفظ به بليله وبنهاره فيما يغضب الله عز وجل وفيما يدخل على سمعته وعرضه مما يقال فيه.
  • ولذلك الحياء من الإيمان وأصحابه من أهل الجنة؛ لأنهم كملوا في الدين ولذلك قال ﷺ كما عند الترمذي: «الحياءَ من الإيمانِ، والإيمان في الجنة»، سبحان الله الإيمان في الجنة، قال الطيبي -رحمه الله-: هنا فيه حذف قال أهل الإيمان لكن لما كان أصحابه قد بلغوا مرتبة عظمى في الحياء هنا كأنهم هم الإيمان والإيمان في الجنة.
  • وتتمة الحديث قال: “وإن البذاء” الفحش في القول وفي الفعل الذي ينبئ عن ترك الحياء قال: «وإن البَذَاء مِن الجَفَاء» من غلظة القلب من قساوة القلب لو كان القلب رقيقًا خاشعًا لله عز وجل ما صدرت منه هذه الأقوال وهذه الأفعال قال: «والبَذَاء مِن الجَفَاء، والجَفَاء في النَّار» فهذا الخلق النبيل أو الحياء ما حث ﷺ عليه إلا لعظمه.
  • صحيح أن بعض الناس قد يستفيد من هذه الدنيا إذا نزع ثياب الحياء من رجل أو امرأة، إذا نزعوا ثياب الحياء قد يستفيد في هذه الدنيا شهرة، ربما يحصل على أموال بسبب الأعداد التي تتابعه والناس وللأسف عليهم أن يرفعوا أنفسهم عن متابعة من يتأثرون به كما عند الترمذي قال ﷺ: «المَرْءُ على دِينِ خلِيلِه فليَنظُرِ المرءُ مَن يُخالِلُ» حديث حسن فلينظر من يخالل؟
  • الآن الخلة والصحبة أصبحت أعظم في وسائل التواصل من الاطلاع والمشاهدة فهي مؤثرة على خلقك وعلى وقتك وعلى كل ما فيه مصلحة في دينك ودنياك.

 

  • ولذلك ماذا قال ﷺ عند البيهقي قال: «إنَّ الحياءَ والعفافَ» انظروا العفاف؛ لأن من يستحيي يكون عفيفًا «إنَّ الحياءَ، والعفافَ، والفقه والعِيَّ”: هو عدم الكلام بالكلام الفاحش، “من الايمان، وإنهن يَزِدْنَ في الآخرةِ”: من الدرجات، «وينقُصْنَ من الدنيا» لأنه ليس بمشهور وليس بواضح ولا يتحصل على مال ولا على شورى ولا غرض من أغراض الدنيا قال: «وما يزِدْن في الآخرةِ أكثرَ مما ينقُصْنَ من الدنيا» الدنيا زائلة ثم قال ﷺ: «وإن البذاء والفحش والشح من النفاق وإنهن يزدن في الدنيا وينقصن من الآخرة وما ينقصن في الآخرة أكثر مما يزدن في الدنيا» الدنيا زائلة.
  • ولذلك لما كان هذا الحياء عظيمًا معظمًا في الشرع حث عليه ﷺ وهو في حالة ولذلك في صحيح البخاري كان ﷺ شديد الحياء وكان كما في الصحيحين: «كانَ النبيُّ ﷺ أشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا» أشد حياء من البكر فيما مضى ليست كالثيب تستحي حياء عظيمًا في خدرها: يعني في سترها وهذا إن دل يدل على أن الحياء مطلوب من الجنسين ومن المرأة أعظم وأعظم.
  • ولذلك ماذا قال ﷺ لأم الدرداء كما جاء عند أحمد والطبراني لما رآها تخرج من الحمام -الحمام فيما مضى مثل حمامات السونا الآن المعروفة من أجل استحمام من أجل أن يدفأ الإنسان من شدة البرد- فقال: «من أينَ جئتِ يا أمَّ الدَّرداءِ؟ فقالَت: منَ الحمَّامِ. فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ ﷺ: والذي نفسي بيده ما من امرأةٍ تنزعُ ثيابَها في غير بيتها” وفي رواية: “في غير بيت أحد من أمهاتها” إلا هتَكت الستر ما بينَها وبينَ ربها» هتكت ستر الحياء؛ لأن الله أمر بالستر مجرد نزع في حمام لا يختلط به الرجال فما ظن أولئك من الرجال أو النساء الذين في وسائل التواصل يخرجون شيء من عوراتهم أو من أجسادهم! أي أفظع؟ ما فعلته أم الدرداء -ولعله من باب الاجتهاد منها رضي الله عنها- فبين لها النبي ﷺ حالها، أم ما يكون في وسائل التواصل؟ كيف لو رأى النبي ﷺ حال أمته ممن اشتهر وممن أشهر المتابعون يشهرون فلا يتأفف أحد ويتضجر وهو ممن يتابع هؤلاء نسأل الله أن يهديهم.

 

  • ولذلك لعظم الحياء من أسمائه عز وجل الحيي في سنن أبي داود والنسائي قال ﷺ لما رأى رجلا يغتسل بالبراز -يعني في الفضاء الواسع- البراز معناه في اللغة: الفضاء الواسع الصحراء الواسعة من غير إزار قام النبي ﷺ فخطب فحمد الله وأثنى عليه وقال: «إنَّ اللهَ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يحب الحياء والستر، فإذا أراد أحَدُكم أن يغتَسِلَ فلْيَتوارَ بشَيءٍ» قال: «إنَّ اللهَ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ» كما ضبطه المناوي، وضبطه ممن سبقه قال: سَتِيْر على وزن فعيل كرحيم.
  • «إنَّ اللَّهَ حييٌّ سِتِيرٌ يحبُّ الحياءَ والسترَ» وانظروا كيف جمع بينهما الحياء والستر؟ يحب الحياء والستر أن يستر الإنسان على نفسه، أن يستر المسلم على أخيه المسلم «فإذا أراد أحَدُكم أن يغتَسِلَ فلْيَتوارَ بشَيءٍ».

 

 نسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:

 

فيا عباد الله، الحياء جمال في كل شيء، والفحش في القول وفي الطبع مشين في كل شيء

  • ولذلك قال ﷺ عند ابن ماجه: «ما كان الفُحْشُ في شيءٍ قَطُّ إلَّا شانه، ولا كان الحياءُ في شَيءٍ قَطُّ إلَّا زانه» ومن لم يستحِ من الله عز وجل فليستحِ من الخلق.
  • ولذلك النبي ﷺ لما أتاه رجل كما عند الإمام أحمد في الزهد قال أوصني يا رسول الله قال: «أوصيكَ أن تستَحي من اللهِ كما تستحي من الرجلِ الصالحِ من قومِك» من لم يستحي من الله ليستحي من الخلق!
  • أبو سفيان كما في الصحيحين لما قال هرقل لقومه أخبروني عن هذا النبي ومن أقربهم منكم؟ قال أبو سفيان: أنا -هذا اللقاء في حال الشرك- فقال: إني سائله عن هذا النبي فإن كذبني فكذبوه، فماذا قال أبو سفيان؟

قال: فوالله لولا الحياء من أن يأثر أصحابي عني الكذب لكذبت عليه، ولكني استحييت فصدقته، نعم؛ لأنه لو كذب لن يكذبوه قال: ولكني استحييت من أن يأثروا عني الكذب. -ولم يقل لكني خشيت أن يكذبوني؛ لأنهم لن يكذبوه؛ لأنهم يشتركون معه في عداوة النبي ﷺ، ولكنه خشي بعد أن يعود هو وهم أن يتحدثوا في مكة أن أبا سفيان قد كذب- فترفَّع بالحياء عن هذا الخلق وهو في حال الشرك.

 

النصوص كثيرة لكن لعل ما ذكرته من أحاديث وتعليقات على هذه الأحاديث تكون رسالة لمن هو واعي القلب ويتفطن لنفسه قبل حصول أجله.

 

 ونسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين اللهم حبب إلينا وإلى شباب وبنات المسلمين الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا وإليهم الكفر والفسوق والعصيان وأجعلنا وإياهم من الراشدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الرافضة الحاقدين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنًا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا ووفق ولاة أمرنا لما تحبه وترضاه يا كريم اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.