خطبة ( عشرون فائدة عن بعض ما جاء عن الخشوع في القرآن )

خطبة ( عشرون فائدة عن بعض ما جاء عن الخشوع في القرآن )

مشاهدات: 206

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة 

(عشرون فائدة عن بعض ما جاء عن الخشوع في القرآن)

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

23-10-1442

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد فيا عباد الله:

 نتحدث في هذا اليوم عن بعض ما جاء في القرآن عن الخشوع.

 

الخشوع: هو الضعف والانكسار، وهذا مأخوذ من قوله تعالى:

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً} [فصلت: 39]

فالخاشع متواضع لله، منكسر بين يدي الله.

 

الخشوع يجعل للصلاة لذة ويخففها حتى تكون سهلة ميسرة على العبد: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45].

 

الخشوع يزيد من الإيمان باليوم الآخر: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} ما صفة هؤلاء الخاشعين؟{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:46]

 

ذم الله عز وجل بني إسرائيل لمَا رأوا الآيات ما موقفهم تجاه هذه الآيات؟

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74]

 

 عاتب الله عز وجل الصحابة وهو تحذير للأمة، وإرشاد للامة في نفس الوقت: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد:16].

 

الخشوع النافع الذي يثاب عليه العبد هو لله، لا للتقرب لأي مخلوق،

أو لأي غرض من الأغراض: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ } [آل عمران:199] لا لغيره.

أمر الله عز وجل بالإنصات والاستماع عند تلاوة القرآن، ليكون القلب خاشعًا: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204]

 

 مدح الله عز وجل من يخشع، فيسيل دمعه عند سماع القرآن:

 {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [المائدة:83]

 {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:58]

 

 هذا القرآن من قرأه بتدبر زاد إيمانه، فكان بين الخوف وبين الرجاء، وأيضًا يحب الله عز وجل، فتكتمل عنده أركان العبادة المحبة لله والخوف من الله والرجاء؛ رجاء الله: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} عند ذكر الوعيد {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:23]

عند الوعد وهذا ما يتعلق عند الرجاء،

 والوعيد يتعلق بالخوف.

 

الخاشعون هم من أهل الفلاح، ومن أهل الفردوس إذا جمعوا مع الخشوع تلك الصفات التي ذكرها الله عز وجل في أول سورة المؤمنون:

 {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَالَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1-2] إلى أن قال: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَالَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:10-11].

 

القرآن إذا استُمع بخشوع وإقبال زاد هذا الخشوع خشوعًا آخر: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ}عند سماع القرآن {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء:109]

 

 أهل الخشوع مع الإيمان؛ دخولٌ للجنة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا} أي: خشعوا وتواضعوا {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [هود:23].

 

البشرى لأهل الخشوع، الذين اتصفوا بهذه الصفات: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الحج: 34-35].

 

أهل العلم كلما ازدادوا من هذا القرآن، كلما ازدادوا خشوعًا: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج:54]، فالمخبت هو الخاشع المتواضع.

 

أهل الخشوع مقتدون بالأنبياء، بل إن الخشوع سبب لإجابة الدعاء؛ لمَا ذكر عز وجل في سورة الأنبياء أولئك الأنبياء الذين دعوا الله عز وجل فاستجاب لهم بماذا وصفهم؟

{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90].

 

أهل الخشوع لهم المغفرة والدرجات العظيمة، {وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35]

 

 من لم يخشع لله عز وجل في هذه الدنيا بالإيمان به وباتباع شرعه أصابه الخشوع الذليل المهين المهان يوم القيامة: {خاشِعينَ مِنَ الذُّلِّ } [الشورى: ٤٥] {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} [الغاشية:2] يعني ذليلة مهانة، لأنها لم تخشع لله عز وجل في هذه الدنيا.

 

ذكر الله عز وجل مثالًا لتأثير القرآن على الجماد، فإنه لو أُنزل إليه لخشع فكيف بقلوب البشر لا تخشع مع هذا القرآن، كما قال عز وجل في سورة الحشر: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} ولمَا كان مثلًا يعتبر به ختم الآية بقوله: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21]

 أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم

 فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،

 وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد فيا عباد الله:

 

 الخشوع يكون في القلب، ويكون في البصر، ويكون في الوجوه،

ويكون في المشي، ويكون في الصوت،

 

 قال تعالى فيما يتعلق بخشوع القلب: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد:16]

 

الخشوع في الأبصار: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} [القلم: 43]

 

الخشوع على الوجوه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} [الغاشية:2]

 

 الخشوع في المشي وفي الصوت:

 {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه:108]

{وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ} الأصوات المعروفة على قول، وعلى قول آخر

 هو صوت دبيب الناس يوم القيامة لا يسمع منهم إلا همسٌ بالأقدام.

 

الحصول على الخشوع يكون بهذه الأمور حتى تظفر بالخشوع: أن يكون قلبك حاضرًا، وأن تلقي بسمعك لمَا يتلى عليك، وأن تبتعد عن الصوارف التي تصرفك عن الاستفادة من هذا القرآن تلاوة أو سماعًا قال تعالى جامعًا لهذه الأسباب التي تدعو إلى الخشوع، وتجلب الخشوع:

 {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} أي عقل، وقلب حاضر

 {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]

 قلبه شاهد وليس غائبًا مفكرًا بأمر آخر.

 

هذا ما يتعلق بالخشوع عن بعض ما ذكره عز وجل في القرآن.

 وإلا فهناك آيات كثيرة وكثيرة.

أسأل الله عز وجل أن يزيدني وإياكم خشوعًا

 وأن يمنحنا أعلى درجات الخشوع

 

 اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا، اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الرافضة الحاقدين، اللهم اجعل هذا البلد أمنا مطمئنًا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم أمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك، اللهم من أراد بهذه البلاد شرًا وفتنة، اللهم فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا قوي يا عزيز.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إمامًا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صلٍ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.