بسم الله الرحمن الرحيم
(خطبة/ عشرون فائدة عن بعض ما جاء عن: لا حول ولا قوة إلا بالله في كتب السُّنَّة)
لفضيلة الشيخ/ زيد البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات، أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد.
فيا عباد الله نتحدث في هذا اليوم عن بعض فضائل ” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ ” مما جاء في كتب السُّنَّة،
هذه الكلمة معناها على وجه الاختصار:
” لا حول” أي: لا حركة ولا تحوُّلَ لي مِن شيء إلى آخَر، ولا قوّة ولا استطاعة، إلا بقوّةٍ مِن الله،
سواء كان هذا التحوُّل فيما يتعلق بمصالح العبد الدينية أو الدنيوية.
ولذلك جاء في المسند: أن النبي ﷺ قال لأبي هريرة رضي الله عنه: ” ألَا أدلُّكَ على كنزٍ مِن كنوزِ الجنَّةِ؟ قلتُ: بلَى، قالَ ﷺ: لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ، ولا مَلجَأَ مِنَ اللهِ إلَّا إليهِ،
فإن الله عز وجل يقول: أسْلَمَ عَبدِي واسْتَسْلَمَ “.
” أسْلَمَ ” يعني: انقادَ مُخلِصًا لله، وفوّضَ أمورَ الخلائق إلى الله.
” واسْتَسْلَمَ “: أي: بالَغ في الانقياد لله عز وجل ظاهرًا وباطنًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ “
يُذَكِّرُ بها الإنسانُ نفسَه إذا رأى ما قد يُعجبه مِن كثرةٍ في هذه الدنيا، فإنه جاء مِن حديثِ صُهيب بن سِنان في المسند وسنن الترمذي قال: ” كان النبي ﷺ بعدما يصلي العصر” وفي رواية: ” الفجر” – من مجموع ما جاء في المسند وسنن الترمذي-
” كان يحرك شفتيه، فقلنا يا رسول الله: رأيناك تفعلُ شيئًا لم تكن تفعلُه مِن قبل، فماذا تقول؟
فقال ﷺ: ” ذَكَرْتُ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ – ممن كان قبلكم أعجبته كثرةُ قومه – أُعْطِيَ جُنُودًا مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ: مَنْ يُكَافِئُ هَؤُلَاءِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ لِهَؤُلَاءِ – يعني: من يستطيع أن يواجه هؤلاء-؟
قَالَ: ” فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: اخْتَرْ لِقَوْمِكَ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ:
إِمَّا أَنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ – فيستبيحَهم- ، أَوِ الْجُوعَ، أَوِ الْمَوْتَ.
قَالَ: فَاسْتَشَارَ قَوْمَهُ فِي ذَلِكَ، – فاستشار هذا النبيُّ قومَه-
– فقالوا: أما العدو فلا طاقة لنا به، وأما الجوع فلن نصبر عليه، الموت، فمات في ثلاثة أيام سبعون ألفا-
الحديث: ” فَقَالُوا: أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ، نَكِلُ ذَلِكَ إِلَيْكَ، فَخِرْ لَنَا. قَالَ: فَقَامَ إِلَى صَلَاتِهِ، قَالَ: وَكَانُوا يَفْزَعُونَ إِذَا فَزِعُوا إِلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: فَصَلَّى، قَالَ: أَمَّا عَدُوٌّ مِنْ غَيْرِهِمْ فَلَا، أَوِ الْجُوعُ فَلَا، وَلَكِنِ الْمَوْتُ. قَالَ: فَسُلِّطَ عَلَيْهِمُ الْمَوْتُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَمَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا،
فَهَمْسِي الَّذِي تَرَوْنَ أَنِّي أَقُولُ: اللَّهُمَّ يَا رَبِّ، بِكَ أُقَاتِلُ، وَبِكَ أُصَاوِلُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ “.
– وكان هذا في غزوة حنين-
فقال عليه الصلاة والسلام: رأيتُ كثرَتكم – لأن الصحابة كثروا في غزوة حنين:
{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 25]
فقال عليه الصلاة والسلام: رأيتُ كثرَتكم، فكنت أقول أحرك شفتي:
” بِكَ أُقَاتِلُ، وَبِكَ أُصَاوِلُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِك “
ما يَغْتَرّ أحد بما لديه
ولذلك/ يُتنبَّه –هذه هي القصة الصحيحة التي ورد بها الحديث-
أحد علماء الشافعية يُقالُ له أبو محمد القاضي حسين، يقول: أوحى الله إلى نبي من الأنبياء لما رأى قومَه وأعجبوه، مات في ساعة سبعون ألفا، فقال الله عز وجل: إنك قد عِنتَهم – يعني: أصبتهم بالعين – فلو حصّنتهم ما ماتوا، فقال: بماذا أحصنهم؟ قال: لو قلت: حصّنتكم بالحي القيوم الذي لا يموت، ودفعتُ عنكم السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فكان هذا العالِم إذا رأى ما يعجبُه من طلابه حصنهم بذلك! هذا لا سند له، انتبه! ولا يقال هذا الدعاء، ليس واردا عن النبي عليه الصلاة والسلام،
فلا يُقال هذا الدعاء فيرتب عليه ما يرتب عليه، بل إن هذه القصة التي ذكر هذا العالم تخالف الحديث الصحيح وهو حديث صُهيب بن سِنان الذي ذكرتُه آنِفًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ “
إذا قيلت مع هذه الجُمَل حينما يخرج الإنسان مِن بيته، هداه الله وكَفاه وصَدَّ عنه السوء وصَدَّ عنه الشياطين، في سنن أبي داود والترمذي وابن حِبان مِن مجموع ما ذُكِر قال ﷺ:
«إذا خرج الرجلُ من بيتِه فقال: بسمِ اللهِ، توكَّلتُ على اللهِ، لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ، فيُقالُ له:
حسبُكَ، قد هُدِيتَ وكُفيتَ ووُقِيتَ. فيتنحَّى له الشيطانُ،
فيقول له شيطانٌ آخرُ: كيف لك برجلٍ قد هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ؟ “
” كيف لك برجلٍ” أي: كيف تُضِل رجلا وتتسلط عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ “
كان النبي ﷺ يُهللُ بها دُبُرَ كلِّ صلاة كما في صحيح مسلم:
«كانَ ابنُ الزُّبَيْرِ يقولُ: في دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ:
لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، لا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ، له النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَنُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ ولو كَرِهَ الكَافِرُونَ وَقالَ: كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُهَلِّلُ بهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ “
من بين جُمَل إن ذَكَرتها إذا أويتَ إلى فراشك غَفَرَ اللهُ لك ذنوبَك وإن كانت مِثْلَ زَبَد البحر،
في صحيح ابن حِبان: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبي ﷺ:
” مَن قال حينَ يَأوي إلى فِراشِه: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ، وله الحَمدُ، وهو على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، سبحانَ اللهِ، والحَمدُ اللهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبَرُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ-غفَر اللهُ له ذُنوبَه وإن كانت أكثَرَ مِن زَبدِ البحر”.
بل إن قول ” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ ” مطلقًا في أي وقت مع هذه الجُمَل تُغفَر ذنوبك وإن كانت مثل زَبَدِ البحر؛ في حديث عبد الله بن عمرو في مسند الإمام أحمد قال النبي ﷺ:
” من قال سبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ ولا إلَه إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكبرُ ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ، غُفِرَت لهُ ذنوبُه وإن كانت مثلَ زبدِ البحرِ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ “
إذا قيلت مع جُمَل حينما يستيقظ الإنسان مِن نومِه، إن سألَ اللهِ المغفرة غَفَر له، وإن دعاه أجابه، وإن صلّى قُبلت صلاتُه، قال النبي ﷺ كما في صحيح البخاري وسنن أبي داود مِن مجموعهما:
«مَن تَعارَّ مِنَ اللَّيْلِ» يعني: استيقظ مع صوت، لماذا لم يقل: مَن استيقظ أو انتبه؟
لأن كلمة ” تَعارَّ “: يعني استيقظ مع صوت، لأن بعضا من الناس يستيقظ بصوت لكن ليس بذكر، فنبّه على أنه إذا استيقظ فلْيَقُل مُصَوِّتًا بهذا الذكر، يعني: قائلا له، هذه رواية أبي داود: ” مَن تَعارَّ مِنَ اللَّيْلِ فقال حين يستيقظُ ” يدل على أنه يقولها إذا استيقظ مباشرة:
” مَن تَعارَّ مِنَ اللَّيْلِ فقال حين يستيقظُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وسُبْحَانَ اللَّهِ، ولَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، ثُمَّ قالَ:
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أوْ دَعَا؛ اسْتُجِيبَ له، فإنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ».
(إن استغفَر: غُفِرَ له؛ وإن دعا اسْتُجِيبَ له؛ فإن قام فصلّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ “
كان النبي ﷺ يقولُها مِن ضِمن دعاء استفتاحه في صلاة الليل
في الصحيحين وفي المسند وفي سنن أبي داود وفي غيرهم من مجموع ما ذُكِر، مِن حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ كان إذا قام في جوف الليل، فيقول بعد ما يقول ” الله أكبر ” لتُبين أنه في دعاء الاستفتاح في ثنايا الصلاة وليس قبل الصلاة، بعدما يقول ” الله أكبر “:
«اللَّهمَّ لَكَ الحمدُ أنتَ نورُ السَّماواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ، ولَكَ الحمدُ أنتَ قيَّامُ السَّماواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، ولَكَ الحمدُ أنتَ ملِكُ السَّماواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ، ولَكَ الحمدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، والنَّبيُّونَ حقٌّ، ومحمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقٌّ،
اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ؛ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ،
أنتَ المقدِّمُ وأنتَ المؤخِّرُ، أَنْتَ إِلَهِي، لا إلَهَ إلَّا أنتَ ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بِك “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ “
من الباقيات الصالحات، مِن جملة الباقيات الصالحات التي تبقى لك، {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46] مِن بينها قول ” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ “
في المسند: عن مولًى لعثمان رضي الله عنه، قال: أذّن المؤذن للظهر، فأُتِيَ عثمان بماء فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ ﷺ:
” مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى صَلَاةَ الظُّهْرِ، غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصُّبْحِ “
-انظروا إلى عِظَمِ هذه الصلاة التي فُرِّطَ فيها!-
قَالَ ﷺ: ” ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ لَعَلَّهُ أَنْ يَبِيتَ يَتَمَرَّغُ لَيْلَتَهُ “
” يَتَمَرَّغُ “: عند أهلِ اللغة، يعني: يتقلب، إما يتقلب في حُسن حال بعدما صلّى، أو أنه يتمرغ في شيءٍ مِن الرذائل؛ يصدُق على هذا وعلى هذا.
قَالَ ﷺ: ” ثُمَّ لَعَلَّهُ أَنْ يَبِيتَ يَتَمَرَّغُ لَيْلَتَهُ، ثُمَّ إِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الصُّبْحَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَهُنَّ الْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ “. قَالُوا: هَذِهِ الْحَسَنَاتُ؟ فَمَا الْبَاقِيَاتُ يَا عُثْمَانُ؟ قَالَ: هُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ “. هذا موضع الشاهد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمة ” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ “
إذا قيلت مِن ضِمن جُمَل في مرضِ الإنسان فمات لَمْ تَطْعَمْهُ النَّارُ،
في سنن الترمذي وابن ماجه: قال النبي ﷺ:
” مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، صَدَّقَهُ رَبُّهُ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَأَنَا أَكْبَرُ،
وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي،
وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَالَ اللَّهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي لَا شَرِيكَ لِي،
وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، قَالَ اللَّهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا لِيَ الْمُلْكُ وَلِيَ الْحَمْدُ،
وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِي “
وَكَانَ يَقُولُ ﷺ: ” مَنْ قَالَهَا فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَطْعَمْهُ النَّارُ “.
أي: لم تمسَّه النار، كما في رواية ابن ماجه: ” لم تمَسَّه النَّارُ “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ “
كنز مِن كنوزِ الجنة، في الصحيحين: مَرَّ النبيُّ ﷺ على عبدِ اللهِ بنِ قَيس وهو يقول:
” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ، فقالَ له: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّة؟ قال: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ:
لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ؛ فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ “.
سبحان الله! هو سَمِعَه يقولُها، لكن لماذا قالها؟ مِن باب تبيين وتوضيح أن هذه الكلمة قد اكتنزَت معانيَ عظيمة قد تخفى على بعضٍ مِن الناس، وهي معاني تتعلق بالتوحيد، فيها تفويض الأمر لله، منها:
تجريد العبد قلبَه وقَالَبَه وجوارِحَه مِن كلِّ شيء إلّا مِن الله، فهو مُتعلقٌ بالله،
وأيضًا ” كَنْز ” الكنز هو الذي يُدَّخَر لوقتِ الحاجة، لأن كلمة ” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ “
سببٌ مِن أسباب دخول الجنة، وأعظِم بِه مِن كَنز.
بل إنَّ ” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ ” كَنْزٌ مِن تحتِ العرش؛
في المسند: قال النبي ﷺ لأبي ذر رضي الله عنه:
” يا أبا ذر أُكثِرَ من قولِ: لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ، فإنَّهنَّ من كنزٍ تحت العرشِ “.
يقول أبو ذر: ” أَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ؛ فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ”.
كلمة عالية عُلْويّة لها نفعُها العظيم، هذا النفع الذي يبقى، وليست كلمةً سُفْلِيّة دنيويّة زائلة تزولُ بهذه الدنيا! فهي في علو؛ وأيضًا هي ” مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ” مثل ما قال النبي ﷺ في المسند:
” أُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَلَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي “
ويُحتَمَل أنَّ قولَه: ” مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ” أنها في الجنة، لمَ؟
لأن النبي ﷺ قال في صحيح البخاري: ” فإذا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فإنَّه أوْسَطُ الجَنَّةِ، وأَعْلَى الجَنَّةِ، وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ” فالعرش قُبّة المخلوقات، والجنّة تحتَه، ولذلك قال: ” فإنَّه أوْسَطُ “
يعني: الفردوس ” فإنَّه أوْسَطُ الجَنَّةِ، وأَعلَى الجَنَّةِ، وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بل إن كلمة ” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ ” باب مِن أبواب الجنة
وتُوصِل العبد إلى الدخول إلى الجنة مِن هذا الباب،
في المسند: عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ دَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَخْدُمُهُ، فيقول:
أتاني النبي ﷺ وَقَدْ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، فحركني برجله، وقال ﷺ:
” أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ “. قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: ” لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ “.
ــــــــــــــــــــــ
تريد أن تغرِسَ في الجنّة: أكثِر مِن قول ” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ “
عند الطبراني: قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
” أكْثِروا مِن غَرْسِ الجَنَّةِ فإنَّه عَذبٌ ماؤُها طَيِّبٌ تُرابُها فأكْثِروا مِن غِراسِها، لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ “
سبحان الله، تأمَّلْ هذا الحديث، إذا كانت التربة طيبة والماء عذب، الغِراس ماذا سيكون؟
سيكونُ طيّبًا، فما ظنُّكَ إذا كان هذا المغروس طيّبًا وهي كلمة ” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ “
إذًا/ مَن أراد أن يُغرَسَ له غِراسٌ في الجنة، فَلْيُكثِر مِن: ” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقولُ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعدُ، فيا عباد الله:
كلمة ” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ ” جملة مِن جُمَل إذا قيلت ملأ الإنسانُ كَفَّيهِ مِن الخير
في صحيح مسلم وفي المسند وفي سنن النَّسائي وفي غيرهم مِن مجموع ما ذُكِر مِن الروايات:
” جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ آخُذُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنَ القرآن،
فقال ﷺ: قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
فقالَها وجَمَع كَفّه وعَدّ أصابِعَه حتى الإبهام، فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا لِي؟
فقال ﷺ: قُلِ: ” اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي ” فقالَها الرجل،
” ثمَّ أَدْبَرَ وَهُوَ مُمْسِكُ كَفَّيْهِ ” -ضَمَّ كَفّه وعَدّ أصابِعَه حتى الإبهام بعدما قالَها،
فقال ﷺ: ” أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ “.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه كلمة ” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ ” كلمة عظيمة؛ والأحاديث عن الحديث عنها كثير، لكن نقتصِر على ما ذَكَرنا، أسال الله عز وجل لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح،
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا، اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الرافضة الحاقدين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك
اللهم من أراد بهذه البلاد فتنة وشرا وزعزعة فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرا عليه يا قوي يا عزيز
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}
{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد،
وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.