بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة: عشرون فائدة من حديث: “إذا نظر أحدكم إلى مَن فُضِّل عليه
فلينظر إلى مَن هو أسفل منه”
لفضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ النساء: 1، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ الأحزاب: 70-71، أما بعد:
فيا عباد الله، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “إذا نظر أحدكم إلى مَن فُضِّل عليه في المال والخَلْق، فلينظر إلى مَن هو أسفلَ منه”. هذا الحديث نذكر بعض الروايات التي تتعلق به:
هذه الجمل منه ﷺ لو طُبِّقت في حياة كل انسان سَعِدَ في دنياه ونال خيرا في أخراه؛ لأن النفوس جُبِلت على حب ما في الدنيا، فإن هو نظر إلى من هو أعلى منه ما الذي يترتب على ذلك؟ أنه يزيده حرصا على هذه الدنيا! وما من انسان هو أعلى منك إلا هناك من هو أعلى منه، فيزداد الحرص، والواقع يشهد بهذا من بعض الأمثلة؛ لأن هذا الحديث يصدق على بعض الأغنياء بل على بعض الأثرياء! قد يكون لدى بعض الناس من الأموال مئات الملايين لكنه ينظر إلى من هو أكثر منه، هنا هذا الحديث يصدق عليه فلا يخص فقيرًا، لا! بل يدخل فيه بعض الأغنياء بل بعض الأثرياء، ومن ثم فإنه يزداد حرصا على هذه الدنيا.
يتولد من هذه النظرة ماذا؟
يتولد منه أنه قد يتسخط قضاء الله وقدره! والله عز وجل قسَّم الأرزاق حسب حكمته ومشيئته وإرادته.
يتولد من النظر إلى فوق مما في أيدي الناس:
إلى الحسد، قد يحسده! وهنا قد يقع في مغبَّات وأضرار الحسد.
يتولد من ذلك -ولا شك- ولذلك سبحان الله الذي يقلب عينيه يمنة ويسرة فيما لدى فلان، وتأمل قوله تعالى: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾: المدّ هو: النظر ببسطٍ وسَعة؛ لأن الانسان قد يقع نظره –أحيانًا- على شيءٍ مما في أيدي الناس لكن هنا –وأيضا إذا نظر إلى ما في أيدي الناس فليزجر هذه النفس وليكفّ هذه العين- ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ﴾: ما هذه المتعة؟ ﴿زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾: الزهرة في أول حياتها ذات منظر جميل ورائحة طيّبة لكن ما الذي يحصل لها؟ تذبل. هذه هي الدنيا ما من انسانٍ بين يديه أشياء إلا وسيتركها وراء ظهره: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾. ﴿زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾: ليس من أكرمه الله بهذه الدنيا أنه محبوب عند الله، لا! ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾: هو اختبار وابتلاء، هل يشكر نعمة الله؟ بما أسدى إليه هذه النعم أم أنه يجحدها؟ فلا يقلب الانسان نظره هنا وهنا؛ لأنه إن قلّب نظره هنا وهنا إلى ما في أيدي الناس من مال، من أولاد، من مناصب، من ومن…، أورثه ذلك هما وقلقًا وحسدًا وبالتالي لو كان لديه من المال ما لديه لا هو الذي استمتع بما في يديه ولا هو الذي وصل إلى ما في أيدي من هو أعلى منه! وصلوات ربي وسلامه عليه، انظروا: قال: “إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّل عليه في المال والخَلق” ما لديه من أموال بشتى أنواع هذه الأموال، وقال: “في الخَلق”: يعني في خِلقته، في صورته، لماذا هو أحسن مني أو أجمل مني! وهذا يصدق حتى على النساء، لماذا هذه أجمل مني لماذا هذه أحسن مني، وهكذا، يعني ليس مخصوصا بالرجال هو شامل.
وفي الرواية الأخرى عند أبي يعلى: “من فُضِّل عليه في المال والجسم” الجسم يختلف عن الخلق، الجسم يعني كقوّة البدن، ذو بدن قوي، ولا يلزم من قوة البدن أن يكون جميلا، لكن تلك الرواية لأن الناس ينظرون إلى ماذا؟ إما إلى المال، أو إلى الصفة الحسنة الخَلقية، أو قوة الجسم، أو الحسب، ولذلك عند ابن حبان: “إذا رأى أحدكم من فُضِّل عليه في المال والحسب فلينظر إلى من تحته في المال والحسب” أنا من القبيلة الفلانية أنا من كذا، أو أنا صاحب ذلك المنصب، بعض الناس ينظر إلى قبيلة فلان أو إلى منصب فلان أو إلى وظيفة فلان، وسبحان الله! ولذلك في رواية ابن حبان: “من فُضِّل عليه في المال أو الرزق” بعض الناس لديه مال قليل لكنه مرزوق ما يقرع بابا إلا وأتاه الرزق، يُحسد عليه. هذه حياة الانسان نظر إلى منصب إلى وظيفة إلى صورة حسنة إلى قوة بدن إلى أرزاق، لكن إن نظر إلى من فوقه تقطَّعت به الحسرات، نعم تقطعت به الحسرات وعظمت معه الهموم والأحزان وبالتالي سخط قضاء الله وقدره، ولذلك النبي ﷺ أرشد إلى أن ينظر الانسان إلى من هو دونه، لكن فيمَ من هو أعلى منه؟ جاءت رواية الامام أحمد تفصل في الموضوع، قال: “لا تنظروا” ما حال من يتابع أولئك الذين اشتهروا في وسائل التواصل وأظهروا ما لديهم من نِعَم وترف؟ تتقطع حسرة! سبحان الله، الانسان لا يرضى أن يبعد نفسه عما يشغل قلبه ولذلك قد يرى الانسان شيئا مما لدى هؤلاء من هؤلاء المشهورين -الذي ما اشتهروا إلا عن طريق كثرة المتابعين- والناس يتابعون ما يأتي عليهم بالحسرات! تلك المرأة رأت تلك الشنطة –أو الحقيبة- رأت ذلك اللباس رأت ذلك الشيء مما على تلك المرأة من ذهب من كذا، ذلكم الرجل رأى قصر فلان بيت فلان طعام فلان سفرة فلان! هنا، أولئك يزدادون عرضًا، لم؟ لأن الناس يتابعون وإذا كثر المتابعون قد يكون هناك فوائد وعوائد مالية من إعلانات أو غيرها! ولذلك الانسان يأتي بنفسه إلى ما يسوء قلبه ويولد الحسرات عنده، ولذلك انظروا، ماذا قال ﷺ في رواية الامام أحمد؟ قال: “لا تنظروا” نهي! هناك قال: “إذا رأى”، وفي رواية: “إذا نظر”، قال: “لا تنظروا إلى من هو فوقكم في المال أو الخَلق أو الخُلق” فلا يتَّبَّع الانسان! وبالتالي تقطّع حسرات، بالتالي إذا أخذ بالعلاج النبوي ما هو؟ قال: “فلينظر إلى من هو أسفل منه” ورواية الامام مسلم: “ممن فُضِّل عليه”. انظر إلى من هو دونك ممن فُضِّلتَ عليه بأشياء كثيرة أتتك من غير حول منك ولا قوة، لا تنظر إلى من هو أعلى فيما يتعلق بالأمور الدنيوية، أمور الدين إذا رأيت انسانا مجتهدا في عبادة في طلب علم في أمر يتعلق بالآخرة فاحرص على أن تقتدي به وأن تتسابق معه وأن تتسارع معه: ﴿وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾، أما ما يتعلق بهذه الدنيا والله ما تولد إلا شرورا لدى الانسان! ولذلك كم من حسرة وألم في يوم الانسان بسبب مشاهداته لما يعرض في وسائل التواصل من هؤلاء أو من هؤلاء، وبالتالي إذا لم ينظر إلى من هو دونه تلك النعمة التي بين يديه ما شكرها! بل ازدرءها واحتقرها مع أن لديه من المال –حتى لو كان قليلا- أو أن لديه ما يسعد به قلبه ولذلك قال عند ابن المبارك في الزهد قال ﷺ: “إذا أحب أحدكم أن يعرف قدر نعمة الله عليه فلينظر إلى من تحته ولا ينظر إلى من هو أعلى منه”. ولذلك في صحيح مسلم: “انظروا” أمر!، “انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم” لم؟ “فإنه أجدر”: أي أليَق، “أن لا تزدروا”: أي أن لا تحتقروا، “نعمة الله عليكم”.
ولماذا تتابع هؤلاء أو تنظر إلى ما في أيدي الناس -لأن الناس توسعوا في مثل هذا الزمن- أوّل الانسان إما أن يرى شيئا من مُتَع الدنيا على أخيه أو على ابن أخيه أو على عمه أو على ابن عمه أو على جاره، الآن لا! ينظر بالليل وبالنهار إلى من في العالم كله! ولذلك سبحان الله كما ذكر الترمذي قال: رُوي عن عون بن عبد الله قال: صحبتُ الأغنياء فلم أرَ أحدًا أعظم هما مني! –ليس هناك أعظم هما مني- لمَ؟ قال: لأني أرى دابةً أحسن من دابتي! وثيابا أحسن من ثيابي! قال: ثم صحبتُ الفقراء فاسترحتُ. فلماذا الانسان يودي بنفسه وبهلكته وبتشتت عقله سبحان الله يعني إلى هؤلاء والنظر إلى ما في لديهم! هذا الحديث سبحان الله العظيم يحفظ عليك ماذا؟ يحفظ عليك عقيدتك –على تسخط على قدر الله-، يحفظ عليك قلبك من الهموم والأحزان، يحفظ عليك عقلك من التشويش، يحفظ عليك حسناتك من الحسد، يحفظ ويحفظ! حديث جامع، لمَ؟ لأنه ما من انسان أعلى منك إلا من هو أعلى منه! وما من انسان هو أسفل منك إلا من هو أسفل منه وهكذا. ولذلك جاءت بعض الأحاديث –وإن كانت ضعيفة- لكنها من حيث المعنى تدل على ما ذكره عون بن عبد الله، عند الترمذي قال لعائشة عليه الصلاة والسلام –حديث ضعيف لكنه من باب المعنى-: “إياكِ ومجالسة الأغنياء” عند الحاكم والبيهقي: “أقلِّوا الدخول على الأغنياء فإنه أحرى أن لا تزدروا نعمة الله عليكم” –وإن كان ضعيفا- لكنه من حيث المعنى يسير إلى حيث ما قاله عون بن عبد الله.
انظر إلى من هو دونك في أمور الدنيا والله ستسعد وتريح نفسك، لكن والله إن قلبت هذا الجوال وهذا الجهاز في صفحة فلان وفي فلان وفي صفحة فلان وفي صفحة فلان أو تلك المرأة قلبت في صفحة فلانة أو فلانة! ماذا يجري!
أسأل الله عز وجل أن يرزقني وإياكم القناعة وأن يخرجنا من هذه الدنيا سالمين غانمين وهو راض عنا، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد:
لو قال قائل -لو تصوِّر-، قلنا: ما من انسان إلا من كان أسفل منه إلا أنه هناك من هو أسفل وهكذا، لو قال انسان –أو تُصوِّر- إذا قيل: ليس هناك أحدٌ أسفل مني، فأين النعمة؟ نقول له: على ما افترضتَه من أعظم نعم الله عز وجل على العبد –لكن الذي وُفِّق لفهم هذا الأمر وأعانه الله أن يُخلصه الله عز وجل من شقاء وعناء هذه الدنيا وكسبها وما يترتب عليها ولسرعة فنائها وزوالها، ألم يحصل لبعض الأنبياء ما حصل من الطرد من البلد ومن الضيق، رفعة في الدرجة، ولذلك ماذا قال ﷺ، ثبت عند الترمذي قوله ﷺ: “إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا كما يحمي أحدكم سقيمه الماء”، سبحان الله! أي شيء بعد الماء! أيستغني الانسان عن الماء طيلة حياته؟ لا، لكن نعم قد يمنع الانسان حبيبه من الماء بنصح الأطباء؛ لأن هذا المريض في تلك الحال خرج من عملية أو لظرف من الظروف الصحية من أنه لا يشرب الماء فترة من الزمن؛ لأن هذا الماء سيهلكه، فمن رحمة الله عز وجل لو افترض أن الانسان هو أقل ما يكون ليحمد الله عز وجل إذ قال ﷺ: “إن الله إذا أحب عبدا حماه”: أي صانه، تتعسر عليه أمور وهو في الدنيا، لا فيما يتعلق بمال أو بوظيفة أو بأمر من أمور هذه الدنيا، لكن هو لديه ما يعيش به؛ لأنه لا يمكن أن يكون انسان حيًّا إلا والأمور الضرورية قد وجدت له من أكل وشرب، “إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا كما يحمي أحدكم سقيمه”: يعني مريضه، “من الماء”. والموفّق من وفقه الله، الدنيا محبوبة –لا ننكر هذا- محبوبة لدى النفوس، لكن لا تنظر إلى فوق فتتعب، انظر إلى أسفل ممن هو دونك في الدنيا فتسعد، والموفق من وفقه الله والمعان من أعانه الله.
أسأل الله عز وجل أن يعينني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته فهي الثروة الحقيقية! كم من انسانٍ كان بيننا ثريا ذهَبَ، أين تلك الأموال؟ ذهبت! هذه هي الدنيا، والله المستعان!
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود اللهم كن لهم ناصرا ومعينا اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الرافضة الحاقدين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك اللهم من أراد بهذه البلاد شرا فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرا عليه يا قوي يا عزيز ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.