بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة عشر مسائل عن قصر الصلاة مع فوائد وتنبيهات مهمة
للشيخ زيد البحري حفظه الله
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ، {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ}
{يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا}، {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا (٧0) يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا} أما بعد فيا عباد الله:
نتحدث في هذا اليوم عن قَصْرِ الصلاة، وهذا موضوع يحتاج إليه كثير من المسافرين، فنتحدث عن هذا الموضوع على صور مسائلَ مختصرة بأدلتها الشرعية:
أولا / قَصْرُ الصلاة: هو قصر الرباعية إلى ركعتين، بمعنى أن الظهر بدل أن تكونَ أربعًا تكون اثنتين، وكذلك العصر وكذلك العشاء.
وهذا القصرُ لا يكون إلا في السفر، لا يكون في الحضَرِ أبدًا، إنما القَصْرُ-قصر الرباعية-: من أربع إلى ركعتين يكونُ في السفر فقط، ومن ثَمَّ فإنه لا قصر في صلاة المغرب ولا في صلاة الفجر حتى لو كان الانسان مسافرًا، قال تعالى:{ وَإِذا ضَرَبتُم فِي الأَرضِ } يعني سافرتم { وَإِذا ضَرَبتُم فِي الأَرضِ فَلَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَقصُروا مِنَ الصَّلاةِ إِن خِفتُم أَن يَفتِنَكُمُ الَّذينَ كَفَروا }
ثانيًا / إذا أراد الإنسانُ أن يسافر، فبعضٌ من الناس يصلي ويقصر الصلاة وهو في بلدته قبل أن يخرجَ منها، والذي عليه جماهيرُ الأمة من أنك لا تقصر الصلاة ولا تستبيح رُخَصَ السفر من الإفطار إذا كنت صائمًا وما شابه ذلك لا يكون إلا إذا خرجت من بلدتك، أما وأنت في البلد فلا؛ لأن هذه هي سُنَّة النبي ﷺ فما كان يستبيحُ رُخَصَ السفر إلا إذا خرج من المدينة، فإذا خرجت من مدينتك وفارقت عُمران بلدتك فلك ذلك.
مثال ذلك: نحن الآن في غرب الرياض، لو شاء الإنسان مثلًا أن يذهب إلى القصيم فإنه إن تحرك من هنا فلربما يحتاجُ إلى نصف ساعة أو أكثر حتى يفارق عُمران بلدته يعني الرياض، فإذًا لا يجوز لك- بما أن المباني تحيط بك- لا يجوز لك أن تستبيحَ رُخَص السفر.
ثالثًا: القصر يكون لأي سفر، فمن سافر لطاعة كعمرة أو حج أو أراد النزهة فكذلك له أن يستبيحَ رُخص السفر ومن ذلك قَصْرُ الصلاة قال تعالى: {وَإِذا ضَرَبتُم فِي الأَرضِ} عَمَّمَ عز وجل ولم يَخُصَّ سفرًا دون سفر {وَإِذا ضَرَبتُم فِي الأَرضِ فَلَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَقصُروا مِنَ الصَّلاةِ إِن خِفتُم أَن يَفتِنَكُمُ الَّذينَ كَفَروا}
رابعًا/ الإنسانُ مادام مسافرًا فالصحيح له أنه يقصر من الصلاة للأدلة منها: أنَّ النبي ﷺ قَصَرَ في بعض أسفاره تسعةَ عشر يومًا، وفي بعضها قَصَرَ عشرين يومًا، ومن شاء أن يأَخُذَ بالقول الآخر من أنه إذا أراد أن يقيم في بلدة أربعة أيام أنه يُتِم فله ذلك، لكن الأدلة واضحة هنا ويؤكد ذلك عمومُ قوله تعالى: { وَإِذا ضَرَبتُم فِي الأَرضِ فَلَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَقصُروا مِنَ الصَّلاةِ إِن خِفتُم أَن يَفتِنَكُمُ الَّذينَ كَفَروا }
خامسًا/ إذا كنت مسافرًا في بلدة وحولَك المساجد فَلْتُصَلِّ بها، فبعض الناس يقول أنا مسافر سأبقى وأصلي في مكاني في بيتي أو في شقتي أو عند أقربائي- والمساجد حولَهُ -!
وَلْيُعلم أن صلاةَ الجماعة واجبة على المسافر وعلى المقيم لعموم الأدلة التي جاءت بوجوب إجابةِ المؤذن إذا نادى بها ، لكن إن لم يكن حولَه مساجد إذا كان مسافرًا ولم يكن حولَهُ مساجد، أو أنه نام عن الصلاة لعذرٍ غَلَبَه نوم أو ما شابه ذلك فإن له أن يقصر الصلاة إذا فاتته صلاةُ الجماعة، أما والمساجدُ حوله فإنه يُجيب النداء لعموم الأدلة الواردة في ذلك .
سادسًا / حُكْمُ القصر: الصحيح أنه سُنَّة مؤكدة: بمعنى لو أنك لو لم ترد وأنت مسافر أن تقصر الصلاة؛ أردت أن تصلي أربعًا، فلك ذلك على الصحيح، والدليل: أنه جاء في الصحيحين أن عثمان رضي الله عنه صلى بِمِنى أربعَ ركعات، وتابَعَهُ الصحابةُ -رضي الله عنهم- فدل هذا على ماذا؟ على أنه إن شاء أن يقصر الصلاة فليقصر الصلاة، وإن شاء أن يتمها فله ذلك، لكن الأفضل الذي عليه سنة النبي ﷺ أنه يقصر الصلاة إذا كان مسافرًا.
سابعًا / الصحيح أنه لا يلزم المسافر أن ينويَ القَصْر أو أن ينويَ الإتمام؛ صورتُها- وهذه تقع- :
بعضُ الناس ربما يكون مسافرًا وإذا بشخصٍ مسافر يتقدم -هو لما دخل معه نوى القصر، نوى أن يقصر الصلاة- فإذا بهذا الإمام أتم؛ فإنه يُتم معه حتى لو أنه كان ناويًا القصر قبل دخوله في الصلاة ، فليست نية القصر أو الإتمام شرطًا في صحة الصلاة.
مثال آخر: لو أن الإنسان كان يصلي مسافرًا ودخل على أنه سيقصر الصلاة ثم بدا له وهو مسافر أنه يتم الصلاة فله ذلك، إذًا لا يؤثر ذلك على صحة الصلاة، والدليل أنَّ الصحابة -رضي الله عنهم- كما في الصحيحين: لما دخلوا مع عثمان وصلى بِمِنى ، هم نَوَوا ماذا ؟
نَوَوا القصر كعادة عثمان في أول خلافته وعادة النبي ﷺ وأبي بكر وعمر، لكنَّ عثمان رضي الله عنه أتم ومع ذلك أتموا معه، مع أنهم نووا ماذا؟ نووا القصر في أول الأمر.
عكسها : النبي ﷺ صلى بأصحابِه ، وأصحابُه رضي الله عنهم في أول الأمر دخلوا معه على أنه في السفر سيتم الصلاة ، وإذا به ﷺ يقصُرُ الصلاة.
ولذلك لو كنت تصلي خلف إنسان تظن أنه مُقيم سيصلي أربعًا – وأنت مسافر – ولْيُعلم أنه متى ما صليتَ خلف مقيم فصلى أربعًا فأَتِّم معه يلزمُكَ ذلك -كما سيأتي في المسألة الآتية- ؛ فإذًا لو أنك مثلًا أتيت إلى جماعة يصلون ، أنت مسافر ، ظننت أنهم سيتمون أربعًا؛ فأنت نويتَ الإتمام باعتبار ماذا؟ أنه يلزمك إذا صليت خلف من يتم أن تتم معه، فإذا بك تُفاجأ من أن هؤلاء ليسوا بمقيمين وإنما هم مسافرون فقصروا الصلاة!؟ اقصُر معهم، مع أنك نويت الإتمام، إذًا نية الإتمام ونية القصر لا تؤثر في صحة الصلاة.
ثامنًا / إذا صليت خلف مقيم وأنت مسافر فتَتِم بمعنى : لو أنك أتيت إلى إنسان مقيم وأنت مسافر فصليتَ خلفه؛ فيجب أن تُتِم، وبعض الناس يقول : هذا مقيم يصلي أربعًا، فإذا صلى ركعتين وقام قال: سأبقى وأُسَلِّم- هذا خطأ -متى ما صليتَ خلف من يُتم الصلاة وأنت مسافر فأتم ، حتى لو أتيت إلى هذا الإنسان وهو في التشهد الأخير سيُسَلِّم وصليتَ معه وهو صلى صلاة تمام فيلزمُكَ أن تتم معه، ولذلك ما يفعله بعض الناس يقول: والله أنا أدركت مع الإمام هذا أدركت معه ركعتين- الأخيرتين -اكتفي بها ، نقول : لا ، بما أنه يُتم ؛ أَتِم معه ، تُكمل أربعًا.
وتأتي مسألة والأدلة ظاهرة وواضحة عندي من أنه يتم فيما لو أنَّ الإنسان مثلًا صلّى العشاء والإمام يصلي المغرب!
قد يكون هذا الإمام مسافرًا ويصلي المغرب، صلاة المغرب هل فيها قصر؟ الجواب: لا، تمام هي ثلاث ركعات فبعض الناس يقول أنا مسافر، فإذا قام الإمام إلى الثالثة سأجلس وأصلي ركعتين وأسلم.
هذا خطأ، لم؟ لأن صلاة المغرب صلاة تمام ما فيها قصر والأمر الآخر أنت جلست من أجل ماذا؟ أن تتحصل على القصر، القصر سُنة أم واجب؟ سنة، ومتابعةُ الإمام واجبة كما جاء في الصحيحين: ” إنما جُعل الإمام ليؤتم به” فلْيُتنبه لذلك.
ولذلك كما أسلفنا متى ما صليتَ خلف إمامٍ يصلي أربعًا وأنت مسافر فصلِ أربعًا لو لم تدرك إلا التشهد؛ ولذلك في صحيح مسلم لما سئل ابن عباس رضي الله عنهما: إذا لم أُصلِ مع الإمام فقال رضي الله عنه: (صلِ ركعتين) ثم قال: (إنها سُنَّةُ أبي القاسم ﷺ) مما يدل على أنه إذا صلى خلف المقيم فأتَم فإنه يتم أربع ركعات.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ أما بعد فيا عباد الله:
تاسعًا/ البعضُ من الناس وهو مسافر -ونعطي مثالًا على صلاتي الظهر والعصر- هو له أن يقصر الصلاة حال سفره لكنه لم يصل في الطريق فحضر إلى بلدته ولم يصلِّ صلاة الظهر في الطريق، ولو صلى في الطريق صلى ركعتين، هنا لمّا وصل إلى بلدته ما الذي يلزمه؟
يلزمه أن يُتِم، إذًا هذه قاعدة خُذها: العبرة بحالك حالَ فِعلِ الصلاة، إذًا: كانت الصلاةُ لو صليتها وأنت مسافر كانت ركعتين، وصلت إلى بلدتك تريد أن تصلي، نقول: صَلِّ أربعًا.
مثال آخر: إنسان مثلًا أُذِّن للصلاة وهو في بلدته وسيسافر، ويقول لو صليت مع الجماعة انشغلت وفاتني شيء كثير في سفري- فهنا صلاة الظهر وجبت عليه في بلدته، خرج من بلدته، أراد أن يصلي صلاة الظهر هل يصلي أربعًا أم يصلي ركعتين؟ يصلي ركعتين.
انتبه: لمّا تأتي وتكبر للصلاة انظر إلى حالتك: هل أنت مسافر؟ اقصُر الصلاة.
هل أنت غير مسافر وصلت إلى بلدتك؟ أتِم الصلاة.
إذًا حالُك حال فعل الصلاة؛ بحالِك من حيثُ السفر ومن حيثُ الإقامة.
عاشرًا / وهذه عكُسها: بعضُ الناس يصلي في الطريق مثلًا الظهر والعصر، لما وصل إلى بلدته وصَلَ ولم ينتهِ الناسُ من صلاة العصر أو لم يدخل وقتُ صلاةِ العصر -مع أنه صلى الظهر والعصر في طريقه- هل تلزمه صلاة العصر؟
الصحيح: لا تلزمه صلاة العصر لأنه أداها بمقتضى الشرع، لأن السفر سبب لقصر الصلاة ولجمعها، فهو لما صلى في الطريق الظهرَ والعصر؛ إذًا: لو وصل إلى بلدته قبل العصر أو الناس يصلون فصلاةُ العصر برئت ذمته بفعلِها حالَ السفر.
أسأل الله لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، وانصر عبادك الموحدين ، اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود ، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا ، اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الرافضة الحاقدين، اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحبه وترضاه يا كريم، اللهم هيئ لهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير وتدلهم عليه.
اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم سنة نبيك محمد ﷺ ، اللهم من أراد بهذه البلاد في دينها وفي عقيدتها وفي أمنها وفي رخائها سوءًا وبلاءً وشرًا وفتنةً اللهم فأشغله في نفسه، اللهم فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا قوي يا عزيز، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .