خطبة(21)
(أصل مهم ) يحتاجه العامي وطالب العلم ليعصم من الزلل
(خطورة الاستهزاء بالدين)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
elbahre.com/zaid
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحدّثنا في خُطَبٍ سالِفة عن سِتّةٍ وسبعينَ أصلًا بعدَ المِئة مِن الأصول المهمّة التي يحتاجها الـعـامّـيّ وطالب العِلم في هذا الــزَّمــن حَتَّىٰ يُعصَمَ بإذن الله عزّ وجلّ مِن الزَّلَل
الأصلُ السَّابِعُ والسَّبعونَ بعدَ المِئة :
الله عزّ وجلّ يقول { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ* ۚ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) } التَّوبَة
ذَكَرَ المُفَسِّرون عن نُزول هذه الآية مِن مجموع ما ذَكروا أنّ بعضَ المنافقين كان مع النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في غزوة تبوك فقال : ( ما رَأيْنا .. ) يقصد بذلك النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والصحابةَ رضي الله عنهم
قال : ( ما رَأيْنا مِثلَ قُرّائنا هؤلاء أرغبَ بُطونًا -يعني : أكْثَرَ أكلًا- ولا أَكذَبَ أَلسُنًا ، ولا أَجْبَنَ عند اللقاء )
فَسَمِعَه عَوْفُ بن مالِك ، فقال : ( كَذَبتَ ، واللهِ لَأُخبِرَنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم )
فذهبَ عَوْفٌ فإذا بِهذه الآية نَزَلَت قَبْلَ مَجِيءِ عَوفٍ رضي الله عنه
فجاءَ ذلكم الرَّجُل المُنافِق لِيَعتَذِرَ
فكانَ صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يزيدُ على قَوْلِه { أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }
ولا يَلتَفِتُ إِلَيْهِ عليه الصلاة والسلام
هذا الأصل يتضمّنُ عِدَّةَ فوائد
مِن الفوائد:
الاستهزاءُ بالله أو بِرُسُلهِ عليهِم الصلاة والسلام أو بِشَرعِه أو بِآياتِه عزّ وجلّ ( الآيات الشَّرعِيَّة وهي القرآن أو الآيات الكَونِيَّة كَالشَّمس والقمر ) كَأَن يَسْتَهزِئَ بِهِما
هذا كُـــــفْـــــــرٌ بِالله عزّ وجلّ وَلَوْ كان على سبيل المِزاح
لأنّ هذا الرَّجُل أَتَى فقال : ( يا رسولَ الله ، إنّما كنّا نتحدَّثُ بهذا الحديث نُقَطِّعُ بهِ عنّا عَناءَ الطريق ) . فقرأ عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم { أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }
ومن الفوائد:
أنّ بعضًا مِن الناس قد يأتي بِالنُّكَت ويُؤَلِّفُها ويَخْتَلِقُها ، وبَعضُهم يَنقُلُها مِن باب الضَّحِك والمِزاح . ولا يدري أو أنّه يدري مِن أنّ في مَضامِينِها فيه استهزاء بِالدِّين أو بِالشَّرْع
فَالإسلامُ لا يَنهَى المسلم عن أن يُدخِلَ السُّرورَ على نفسِه
فكان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في أحاديثَ كثيرةٍ كانَ يُمازِح أصحابَه ولَكِنْ لا يَقولُ إلّا حقًّا ، ومِن غَيرِ كَثْرَة ؛ لأنّه ثَبَتَ عند التِّرمِذيّ قَولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم (( لا تُكثِر الضَّحِك ؛ فإنّ كَثْرَةَ الضَّحِك تُمِيتُ القلبَ ))
ومن الفوائد:
أنّ مَن استَهزَأَ بِالله وبِشَرْعِه وبِدِينِه في عَقْلِه خَلَل
سبحانَ الله !!
لَمْ يَبْقَ لِهذا المُستَهزِئ إلّا أن يَسْتَهزِئَ بِالله العظيم الجبّار وبِشَرْعِه أو بِآياته !!
فدلّ هذا على أنّه لا يُـقـدِم على هذا إلّا مَن هو سَفِيهُ الرَّأْي ضَعيفُ العَقل
ومن الفوائد:
أنّ هذا الرَّجُلَ تَكَلَّمَ وَحْــدَهُ – الذي هو المُنافق – فَعَمَّمَهُم الله عزّ وجلّ بِالحُكْم مَعَ أنّ القائِلَ وَاحِد
لِمَ ؟ لأنهم سكتوا
فإذا كُنتَ في مَجلِس يُسخَرُ فِيهِ بآياتِ الله . أو كُنْتَ مُتابعًا لِأَحَد في صَفَحات وسائل التواصل مِن تويتر وغَيرِه مِمَّن يَستهزِئُ بِدِين الله و بِشَرعِ الله ، فلا يجوزُ لكَ أن تُتابِعَه أو تَبقَى مُتابِعًا له ، بل يَجِبُ أن تَحذَرَ وأن تُحذِّرَ منه
جَمَعَهُم ، مَع أنّ القائل وَاحِد
قال تعالى { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} سورة النِّسَاء
ومن الفوائد:
أنّ عوْفَ بنَ مالِك رضي الله عنه لمّا قال ( كذَبتَ ، لَأُخبِرَنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لمْ يَكُن نَمّامًا معَ أنّه نَقَلَ الحديثَ
لأَنّ نَقْلَ الحديث يَكُونُ على نَوعَين :
– إذا نُقِلَ الحديث مِن باب الإفساد فتكونُ نَميمة
– إمّا إذا نُقِلَ الحديث كَحالِ عَوفٍ رضي الله عنه مع هؤلاء المنافقين مِن أَجْلِ الإصلاح فإنّ هذا لا يُعَدُّ مِن النَّميمة
ومن الفوائد:
أنّ ما قالَه هذا المُنافق مِن هذه الصِّفات الذميمة لا تَصدُق على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ولا على صحابتِه رضي الله عنهم وإنّما تَصدُقُ على المُنافقين ؛ فهم جُبَناء ، كَذَبَة ، يأكُلونَ الكثيرَ مِن الطعام
– أمّا كَثرةُ أَكلِهِم مِن الطعام فَكَما قال صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصَّحيحَين (( وَإِنَّ الكافِرَ لَيَأكُلُ في سَبْعةِ أمْعاء ))
وَأَمَّا كَونُهُم كَذَبَة ، قال تعالى { … وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} المنافقون
– وَأَمَّا كونُهُم جُبَناء ، فَفِي آياتٍ كثيرة ، مِنها ما جَرَى في غَزوةِ الأحزاب
قال تعالى { يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ } يعني المنافقين
{ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا .. }
يعني هؤلاء ، يَوَدّ هؤلاء المنافقون أنّهم في الصحراء ؛ حتّى لا يَلتَقوا بِالأحزاب الذين هُم كُفّارُ قريش
{ { يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا }
: ومِن الفوائد
مِن الأعذار مالا يَنبَغي قَبُولُه
الأصل أنّ الإنسان يَقبَل العُذر ، لَكِنْ بعضُ الأعذار لا تُـقْـبَــل ، ولا ينبغي قَبولُها
فَهذا الرَّجُل لَمّا قال في النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وصحابَتِه الكِرام ما قالَ . النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يلتَفِتُ عليه ولا يزيدُ على قوله { أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }
: ومِن الفوائد
أنّ عائشةَ رضي الله عنها بَرَّأَها الله عزّ وجلّ كما ذَكَرَ في سورة النُّور ، بَرَّأَها وبَيَّنَ أنّها طاهرةٌ مِن الزِّنى . فَــمَـــنْ قَذَفَها بَعْدَ ذلك فَهُوَ كَافِرٌ بِالله عزّ وجلّ . لِمَ ؟
لأنّه كَذَّبَ الله الذي ذَكَرَ عزّ وجلّ بَراءَتَها
وكذلك على القَوْل الصحيح لَوْ أنّ شخصًا قذَفَ إحدى زوجات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كَأُمِّ سَلَمَة وما شابَهَ هؤلاء رضي الله عنهنّ . فإنّه يَكفُر
لِمَ ؟
لأنّ اللهَ عزّ وجلّ ما دافعَ عن عائشة إلّا لِكَوْنِها زوجةً لِلنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
فَبَقِيّةُ زوجاتِه لَهُنّ مِن الحُكْم ما كان لِعائشةَ رضي الله عنها
: ومِن الفوائد
سَبُّ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم
ذَكَرَ شيخُ الإسلام -رحمه الله- كما في الصَّارِم المَسلُول ، وذَكَرَ الإمامُ المُجَدِّد محمّد بن عبدالوهّاب مِن مجموعِ ما ذَكَرَه أَهْلُ العِلم مِن أنّ سَبَّ الصحابة رضي الله عنهم يَكُونُ كُفْرًا في هذه الحالات :
– أوّلًا : مَن استَباحَ سَبَّهُم ( بِمَعْنَىٰ أنّه يقول : إنّ سَبَّهُم حلال ) فإنّه يَكفُر ؛ لِأنّه استحلَّ أمرًا مُحرَّمًا
– الحالةُ الثانية : مِن أنّه يَعتَقِد ويَزعُم مِن أنّ الصحابةَ رضي الله عنهم قد ارتَدُّوا عن دِينِ الله إلّا قليلًا ، فإنّه يَكفُر
– الحالةُ الثالثة : مَن زَعَمَ أنّ عامّة الصحابة رضي الله عنهم قد فَسَقوا ، فإنّه يَكفُر
– الحالةُ الرابعة : مَن سَبَّ مَن تَواتَرَ الثناءُ عليه كالشَّيْخَين أبي بكر وعُمَر رضي الله عنهما ، فإنّه يَكفُر
– وحتّى في بعض الحالات التي قال فيها بعضُ العُلماء مِن أنّه لا يَكفُر . ماذا قال الإمام أحمد ؟
قال : أيُّ سَبٍّ وَلَوْ قَلَّ في أَحَدٍ مِن الصحابة رضي الله عنهم -وَلَوْ قلَّ- حُكْمُه أن يُعَزَّر
أنْ يُعَزِّرَه وَليُّ أَمْرِ المسلمين بِأَنْ يَحبِسَه ، فلا يَـخْـرُج مِن السِّجن حَتَّىٰ يتوبَ ويُظهِرَ تَوبَتَه
لماذا كُلّ هذا ؟ لِمَ ؟
لِأنّ الصحابةَ رضي الله عنهم إذا قُدِحَ فيهِم ، ما الذي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ؟
يَتَرَتَّبُ عليه مَحاذير عظيمة خطيرة :
– أوّلًا : فيه قَدْحٌ للهِ عزّ وجلّ
قَدْحٌ لله ؛ لأنّه على هذا السَّبّ فهو عزّ وجلّ -وَتَعَالَىٰ الله عن ذلك- على قَوْلِ هذا القائل مِن أنّ اللهَ لَمْ يَختَرْ لِنَبِيِّه صلّى الله عليه وآله وسلّم الصُّحبة الطَّيِّبة
– ثانيًا : فيه سَبٌّ وقَدْحٌ في النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
على قَولِ هذا القائل مِن أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم لَمْ يُحسِن اختيار الصُّحبَة ، إذ صَحِبَ هؤلاء -على زَعْمِ هذا القائل
ثالِثًا : قَدْحٌ في القرآن ؛ لأنّ القرآن أثنى عليهم في آياتٍ كثيرة
وأيضًا مَن الذي نَقَلَ إلينا القرآن مِن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ونَقَلَه عن الصحابة همُ التابِعون إلى أن وَصَلَنا ؟ هُــمُ الصحابة رضي الله عنهم
فَفِي هذا مَحاذير عظيمة
فدلّ هذا على خُــطـــورة ماذا ؟
على خُــطـــورة الاستِهزاء بِالله وبِالرُّسُل عليهم السلام وبِالكُتُب المُنَزَّلة وبِآيات الله وبِصحابة رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
هذا أصلٌ عظيم بهِ هذه الفوائد ونَقتَصِرُ عليها
ولِهذه الأصول تَتِمّة – بإذن الله – لأنّها مهمّة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ