بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة:
خمس عشرة فائدة من حديث: “أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها الجنة”
لفضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدِه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
أخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «أيُّما امرأةٍ سألت زوجَها الطلاقَ في غيرِ ما بأسٍ فالجنة عليها حرام»
- أيما امرأة: أي امرأة، عام سواء كانت كبيرة أم صغيرة، جميلة أو غير ذلك، ذات شرف أو لم يكن «أيُّما امرأةٍ سألت زوجَها»
- الزوج مأخوذ من الجمع والذي ينافي الجمع التفريق فذكرت المرأة بأنه زوجها وما يترتب على البقاء مع هذا الزوج من المنافع والمصالح الدينية والدنيوية.
- «أيُّما امرأةٍ سألت زوجَها الطلاقَ» وفي رواية الترمذي: “طلاقَ” «في غير ما بأسٍ» إن لم يكن هناك بأس في طلبها للطلاق فإن هذه العقوبة عقوبتها أن تحرم من الجنة فقال: «في غيرِ ما بأسٍ» البأس: الشدة والتلجئة كأن يكون هناك بأس عليها وضرر عليها وشدة عليها بالبقاء معه -هنا هذه مستثناة- ما عدا ذلك، فالأصل أن المرأة تحافظ على بيتها وعلى زوجها بالبقاء معه ولذلك جاء التأكيد قال: “في غير ما بأس” (ما): هنا زائدة للتأكيد لتأكيد هذا الأمر ولذلك جاءت موضحة في رواية الترمذي: “من غير بأس” بدون كلمة ما، “في غير ما بأس فالجنة عليها حرام”.
- إن وجد بأس يكون عليها إما لسوء خلقه، لأفعاله، في أقواله، أو فيما يتعلق بنقص في دينه، أو لأي أمر من الأمور التي تكون المرأة في بقائها معه في عدم راحة واستقرار هنا يجوز لها وسواء سألت الطلاق من غير عوض أو بعوض فإن كان بعوض بحيث ترد إليه ما دفعه إليها فهذا الخلع -حتى هذا الخلع إن لم يكن هناك بأس فلا يجوز لها وهي معرضة لهذا الوعيد-، لكن إن وجد الضرر أو الحاجة أو البأس فلا حرج عليها في ذلك.
- والدليل ما جاء في صحيح البخاري من أن زوجة ثابت بن قيس أتت رسول الله ﷺ: «فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ثابت لا أَعْتِبُ علَى ثَابِتٍ في دِينٍ وَلَا في خُلُقٍ» من العتاب وتأملوا معي قالت: في دين ولا خلق دل هذا على أنه لم يكن ذا أخلاق هذا سبيل للمرأة أن تطلب الطلاق أو كان ضعيفًا في دينه كذلك الشأن لها أن تطلب الطلاق.
- هذه الجملة قالت: (ما أعتِب عليه)، ويصح أن تنطق: (ما أعتُب) بضم التاء، (ما أعتب عليه في دين ولا في خلق) هذه الجملة تؤيد سند الحديث الذي عند الترمذي وابن ماجه: «إذا أتاكُم من ترضَوْنَ دينَهُ وخلُقَهُ فزوِّجوهُ»،
- دل هذا على أن ولي أمر المرأة عليه أن يحرص على دين الرجل وعلى خلقه مع أن الخلق من الدين لكن أُفرِد لأهميته لما يتعلق بالعلاقات ولاسيما العلاقات الزوجية.
- قالت: (ما أعتب عليه) في رواية البخاري قالت: (ما أنقم عليه في دين ولا في خلق) من النقمة، في رواية النسائي قالت: (ما أعيب عليه -من العيب- في دين ولا في خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام) مع أنه كان يضربها فكيف تقول: ما أعتب عليه في دين ولا في خلق؟ هي تتحمل ما يأتيها من ضرر منه فلم تعد هذا سببًا؛ لأن بعض النساء تتحمل ولذلك جاء في رواية النسائي أنه ضربها فكسر يدها، ما أعتب عليه في دين ولا في خلق فكيف جعلها تطلب الخلع؟ مع أنها لو طلبته من أجل ضربه لها لكان مسوغًا،
- في رواية البخاري قالت يا رسول الله: (إني لا أطيقه)، عند ابن ماجه قالت: (يا رسول الله، إني لا أطيقه بغضًا) لأنه كان دميم الخِلقة ليس حسنا تكرهه لخلقته لا لخلقه ولا لدينه تكرهه، قالت: (إني لا أطيقه بغضًا)،
- أما ما جاء عند ابن ماجه: من أنها قالت: (يا رسول الله، والله لولا مخافة الله لو دخل علي لبصقت في وجهه) وهذا ضعيف، لكن كونه كان دميم الخِلقة رضي الله عنه أتت بذلك أثر فكانت تكرهه لهذا الجانب، فدل هذا على أن المرأة لها أكثر من مسوغ في طلب الطلاق أو في طلب الخلع إذا كانت لا تستطيع البقاء معه.
- ولذلك أتت النبي ﷺ كما في موطأ الإمام مالك وقد خرج من بيته لصلاة الفجر فقال ﷺ: “ما شانك؟” قالت: (يا رسول الله لا أنا ولا ثابت) أي لن نجتمع لا أنا ولا ثابت! وقالت -كما عند البخاري- قالت: (يا رسول الله إني أكره الكفر في الإسلام)
- مقصودها: إما أنها تقول: إني أكره أن أتعامل معه معاملة الكافر التي لا تليق بالمسلم، أو إني أظهر الكفر حتى أنفصل منه، أو إني أكره الكفر بمعنى أني لا أقوم بحقوقه وهذا كفران العشير.
- قالت: إني أكره الكفر في الإسلام فقال ﷺ: “أتردين عليه حديقته؟” لأنه أعطاها حديقة مهرًا لها فقالت: (نعم يا رسول الله) فأمره عليه الصلاة والسلام بفراقها.
- فإذا لم يكن هناك موجِب فهناك العقاب الشديد لمن سأل الطلاق من غير بأس ولذلك قال ﷺ: “الجنة عليها حرام” في معجم الطبراني قال: “لم تَشَمَّ ريح الجنة”، في مستدرك الحاكم: “فإن الله حرم عليها أن تريح رائحة الجنة” هذا وعيد شديد وذلك لأنه يترتب ما يترتب على الطلاق من مضار دينية ودنيوية ولأن الأسرة نواة المجتمع فإذا كانت هذه النواة تتشتت فالمجتمع إذن تكون العواقب الوخيمة عليه فهذا وعيد شديد.
- أو كما قال بعض الشراح أنها تحرم في وقت من الأوقات من رائحة الجنة، وقال بعض العلماء: وإن دخلت الجنة -طبعا تدخل الجنة الموحد يدخل الجنة- فإنها تحرم من رائحة الجنة، ودل هذا على أن للجنة ريحًا وأن شمها من النعيم فنسأل الله عز وجل أن يحفظ لنا بيوتنا وبناتنا إنه ولي ذلك والقادر عليه أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا عباد الله اعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا، اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الرافضة الحاقدين اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنًا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها ورخائها واستقرارها اللهم من أراد بها بلاء وفتنة وشرا فاشغله في نفسه ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا قوي يا عزيز ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.