خُطبة : (سلسلة مسائل المعاملات) الخطبة رقم [ 1 ]

خُطبة : (سلسلة مسائل المعاملات) الخطبة رقم [ 1 ]

مشاهدات: 664

خُطَب: (سلسلة مسائل المعاملات) [1]

فضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،

من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢] ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا﴾ [النساء: ١]

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا (٧٠)  يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا (٧١)﴾ [الأحزاب]

أما بعد فيا عباد الله:

يقول النبي ﷺ:”[مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ” وهذا يشمل تعلُّم كل ما يتعلق بأمور الدين، وفيما مضى من سنواتٍ قد تخللتها خُطَبٌ مني عن مسائل: “فقه العبادات”،

وسأشرع بإذن الله تعالى في ذكر مسائل تتعلق بالمعاملات على وجه الاختصار مع الدليل، وذلك/ أولا: لحاجة الناس إلى الفقه في دينهم.

ثانيًا: أن كثيرا من الناس منصرفٌ عن العلم والتعلم ولا سيما فيما يتعلق بفقه المعاملات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

فمن المسائل:

البيع: مبادلةُ مال بمال، متى ما تمت المبادلة هذا هو البيع.

مثال/ يعني هذا الجهاز، لو أعطيتك هذا الجهاز وأخذتُ منك جهازًا آخر هذا بيع، يترتب عليه ما يترتب على البيع.

مثال آخر/ لو كنت في المسجد وقلتَ لشخص: هذا الشماغ خذه وأنا آخذ شماغك: حرام؛ لأنه مبادلة مال بمال لكن أين وقع؟

في المسجد، ولو وقع خارج المسجد لا إشكال لكن داخل المسجد هذا بيع، والبيع في المسجد قد قال عنه النبي ﷺ كما عند الترمذي:

” إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ، أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ “

مجرد مبادلة شيء بشيء هذا بيع تُلزَمُ به.

ـــــــــــــــــــــــــــ

 

ومن المسائل: لو اشتريت شيئًا من إنسان، وقال: أبيعُك هذا الشيء بشرط:

ألا تبيعه، أو بشرط ألا تتصرف فيه، فقل له: قبلتُ؛ البيع صحيح والشرط فاسد، لمَ؟

لأن مقتضى البيع أن هذا الشيء الذي اشتريتُه منك أن أتصرف فيه تصرفًا كاملًا، ولذلك لو أن هذا الشيء تلف هل هو من ضمانك أو من ضماني؟ من ضماني لأنه دخل مُلكي؛ فشرطه فاسد والبيع صحيح لأن مقتضى البيع أن السلعة أملكها وأتصرف فيها دون أن تتدخلَ فيها.

ولذلك النبي ﷺ كما في الصحيحين لما أرادت عائشة -رضي الله عنها- أن تشتريَ جارية لتُعتقها اشترط أهلُها: أن الولاء لهم،

الولاء معناه: أن المملوكين إذا أعتق الحر أحدًا منهم، لو مات هذا العبد الذي أُعتِق وعنده مال أنت تكون من بين الورثة -على مسائل لها شروط في الفرائض- لكن هذا معنى الولاء،

فقالوا: نبيعها لكِ بشرط أن الولاء لنا، فرفضت عائشة فعَلِمَ النبيُّ ﷺ فقال:

“اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق” ثم خطب ﷺ فقال منكرًا على هذا الفعل:

” ما بالُ أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، كلُّ شرطٍ ليس في كتاب الله فهو شرطٌ باطل وإن كان مائة شرط”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن المسائل: البيع يتم بالإيجاب وبالقَبول؛ لو قلتَ لإنسان: بعتُكَ هذا الشيء،

فقال: قبلت أو اشتريت، تم البيع.

ولذا بعض الناس يجهل هذه المسألة جهلًا واضحًا!

مثال/ قد يكون لديه بيت في مكتب عقار أو أرض والأمثلة كثيرة ما تنحصر في عقارات وفي غيرها، البيع: لما أتحدث عن البيع، البيع بشتى صوره من عقارات وأجهزة ونحو ذلك، لكن أضرب بعض الأمثلة التي قد توافق الواقع أو تكثر في الواقع،

فيتم البيع بينهما بالكلام، هو ما دام في المكتب له أن يتراجع،

لو قال: بعتك، فقال الآخر: اشتريت، ما داما موجودين فله أن يتراجع، لهُ خيار المجلس – وسيأتي توضيحه إن شاء الله فيما يُستقبل-

لكن إذا خرجَ من المكتب يُتصَل عليه: يا فلان

– وهذا أيضًا يحدث لما يتصل المكتب على إنسان هذه صورتها عند الناس أيضا، يتصل المكتب على صاحب الأرض ويقول: أرضك بكم؟

قال مثلًا: بمائة ألف قال: عندي من يشتري، المُشتري موجود وقد اشترى، فيُغلق السماعة.

يُتصل به -سواءً في مسألة من خرج من مكتب العقار أو بعد الاتصال- متى يتم الإفراغ،

فيقول: لن أبيع. لمَ؟ قال: ما استلمتُ شيئًا!

لو لم تستلم؛ مادام قلت: بعتك، فقال الآخر: اشتريت تم البيع ولا يجوز لك أن تتراجع لأن هذه السلعة ليست لك؛ انتقلت إلى ملك فلان.

ولذلك بعضهم يقول: ما استلمتُ شيئًا! يظن -بعض الناس- أن البيع بالكتابة!

الكتابة مجرد توثيق فقط لكن متى ما تلفظتَ هنا يتم البيع.

ولذلك الناس يقولون: فلان غيَّر نيته.

ما يجوز لك على قولهم وقولُهم سليم، ما يجوز أن تغيرَ نيتك، لأن مقصودَهم أنك تلفظتَ بالبيع

وتم الشراء، حتى لو لم يُسلَّم العربون، إن أردت أن تشترط العربون فلا إشكال، وأما حديث كما عند أبي داوود وابن ماجه: “نهى النبي ﷺ عن بيع العُربان” فإنه حديثٌ ضعيف، ولذلك جاء عن بعض الصحابة إجازة العربون كعمر بن الخطاب رضي الله عنه،

فلا إشكال أن تطلب العربون لكن لو لم تطلب فبعت واشترى: تمت البيعة.

هنا العربون هو جزء من الثمن، إن تم البيع يُحسب من الثمن

مثلا/ مائة ألف ريال قيمة الأرض كمثال، وسَلَّمَ خمسة آلاف ريال، لم يبقَ في ذمته إلا خمسةٌ وتسعون ألف ريال.

هنا لو أن المشتري لم يُتمم؟

لك أن تأخذ هذا العربون لا إشكال في ذلك، وإن تركته له فهذا أفضل.

ـــــــــــــــــــــــــ

ومن المسائل: لابد في البيع من الرضا التام بين البائع والمشتري

قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَأكُلوا أَموالَكُم بَينَكُم بِالباطِلِ إِلّا أَن تَكونَ تِجارَةً عَن تَراضٍ مِنكُم﴾ [النساء: ٢٩] وقال النبي ﷺ: “إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ”

في الأصل أنه لن يبيع إلا برضا لكن يُتنبه لمسألة:

بعض الناس قد يبيعك وأنت تعلم أنه ما باعك إلا حياءً منك، فلا يجوز أن تُقدِم على هذه البيعة لأنه لم يرض

أو بعض الناس يُلِح: يا فلان، وخصوصًا بعض الألفاظ عندنا: “تكفى يا فلان، تكفى يا فلان بعني هذا الشيء” فبإلحاحه هو يعلم أنه ما باعه عن رغبة وإنما باعه بسبب إلحاحه وقد يصحب هذا الإلحاح حياء، أو لو لم يصحبه حياء، فبمجرد ما تعلم أن فلانًا باعك ليس عن رضا فلا يجوز، ولذلك لا يجوز أن تكرهه لأن هذا حقٌ له، إلا إن كانت عليه ديون:

هنا يكرهه الحاكم للبيع ويكون هذا البيع صحيحًا حتى يوفيَ الناسَ حقوقهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن المسائل: لا يجوز ولا يصح أن تبيعَ شيئًا هو لك لكنه ليس بمقدورك أن تُسَلِّمَهُ للمشتري، وهذا قد يصدُق، مثال/ بعض الناس قد يكون لديه جمل شارد ولم يتحصل عليه،

 قال: يا فلان ما رأيك أن أبيعك جملي الشارد؟ -هو لما يبيعه؛ سيبيعه بنفس الثمن؟ لا سيبيعه بأقل لأنه ليس في يده وذاك سيشتري لأنه سيشتريه برخص-

الحكم: هذا لا يصح البيع ولا يجوز لأنه غَرَر، ربما يتحصل هذا المشتري على هذا الجمل فما الذي يحصل؟ الذي باعه بثمنٍ زهيد يقول: لا يا فلان!

وذلك الذي اشتراه ربما لا يتحصل عليه فيقول: يا فلان “راحت فلوسي” -كما يقال- أريد الثمن فيحصل بينهما البغضاء، ولذلك النبي ﷺ كما في صحيح مسلم” “نهى عن بيع الغرر”

 

 

هذه قاعدة انتبه! أُلخصها لك حتى تستوعبَ ما طُرح من مسائل

أو ما سيُطرح في مستقبل الأمر بإذن الله من مسائل:

 

المعاملات المحرمة في الشرع في الغالب يرجِعُ تحريمُها إلى واحدٍ من أربعة أمور:

أولًا / إما أن تكونَ المعاملةُ ربًا.

ثانيًا/ أن تكونَ المعاملةُ ليست ربا لكنها وسيلة إلى الربا.

الأمر الثالث/ أن تُفضيَ هذه المعاملة إلى الشقاق والنزاع والبغضاء بين الطرفين أو بين أحدِهِما.

الأمر الرابع / أن يكون في البيعة جَهَالة وهو ما يسمى بـ: “الغَرر”

 نهى النبيُّ ﷺ عن بيع الغَرَر، وهو: الشيء المجهول

 كمثال: من أحاديث النبي ﷺ في الصحيحين: ” نهى النبيُّ ﷺ عن بيعِ الحَبَل” الحَبَل: هو الحمل، وهذا الحديث له معانٍ متعددة لكن من المعاني التي قد تصدق بكثرة في وقتنا هذا:

 ” نهى عن بيع حَبَل الحَبلَ”: عنده ناقة حامل، فيقول: يا فلان أبيعك حمْل هذه الناقة.

-هو لم يبعه الناقة لا، هو باعه ما في بطنها- الحكم: هذا غَرَر وجهالة، لمَ؟

 يمكن أن تموت هذه الناقة، يمكن أنَّ هذه الناقة يموت ما في بطنها!

 إذن لو ماتت أو مات ما في بطنها؟ غرر وجهالة يُفضي إلى نزاعٍ وشقاقٍ،

 يا فلان أين نقودي؟ لم يأتِ الحمل!

 أو ربما أن هذه الناقة تأتي باثنين أو بثلاثة

فيقول البائع: أنا ما بعتك إلا واحدًا من بطنها!

فهذا غرر وجهالة.

 

لو قال بصورة أخرى: أبيعك هذه الناقة بعشرةِ آلاف، وأبيعك ما في بطنها بخمسة آلاف،

 كل واحدة لها عقد، يقول: لو مات ما في بطنها هنا أرد لك الخمسة آلاف؛ الحكم: لا يجوز، سواءً بِيعَ ما في بطنها بعقدٍ واحد معها أو بعقد منفرد ما يجوز لأنه غرر وجهالة، إذًا ما الحل؟ قل له: بعتك هذه الناقة الحامل بعشرة آلاف ريال بقطع النظر عما في بطنها، جاء ما في بطنها أو لم يأتِ، تعدد ما في بطنها أو لم يتعدد، هنا: يجوز بيع الحمل تبعًا لأمه، للقاعدة الفقهية:

 “يثبُتُ تبعًا ما لا يثبت استقلالًا”

فإذا باع الناقة الحامل بعقدٍ واحد بعشرة آلاف ريال هنا انتهى الأمر أتى ما في بطنها أو لم يأتِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 وكما ذكرت لكم: أي عقدٍ يُفضي إلى ربا

 أو إلى وسيلة من وسائل الربا

أو يُفضي إلى نزاعٍ وشقاق

 أو به غرر وهو الجهالة

 هنا يأتي تحريمُ تلك المعاملة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخُطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد فيا عباد الله:

 

قد يبدُرُ كلامٌ من بعض الناس فيقول: معظم المعاملات التي تُطرح على المشايخ محرمة!

فنقول: القاعدة الشرعية، وهذا ما أتى به الشرع وجاء في كتاب الله:

﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيعَ وَحَرَّمَ الرِّبا﴾ [البقرة:275]

قاعدة: الأصل في البيع الحل.

لكن ما الذي جعل هذه المعاملة محرمة وتلك محرمة وتلك وتلك وتلك وتلك؟

 الناس لا يُطبقون القواعدَ الشرعية التي ذكرتُها في الخُطبة الأولى،

لو طبقوها لكثرُت المعاملات المباحة، لمَ؟

 لأنه من حيثُ الأصل: المعاملات الأصلُ فيها الحل؛ لكن:

من جهة: لجشع بعض الناس؛ من جهة أخرى: لجهل بعض الناس

 من جهة ثالثة: لتهاون بعض الناس

هنا: تلك المعاملاتُ المباحة انتقلت من الحل إلى التحريم بسبب تعاملات الناس وليس من أن الشرع هو الذي ضيق على الناس لا! ما هناك أعظم من هذه الآية فيما يتعلق بالمعاملات:

 ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيعَ وَحَرَّمَ الرِّبا﴾ [البقرة:275] هذا هو الأصل، فلْيُتَنبه إلى هذا الأمر.

للحديث إن شاء الله تتمة فيما يتعلق بمسائل المعاملات بإذن الله تعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الرافضة الحاقدين

 اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين

 اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك

 اللهم من أراد بهذه البلاد فتنة وزعزعة فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا قوي يا عزيز.

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

 ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

 اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.