شرح حديث ( إن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل…. )

شرح حديث ( إن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل…. )

مشاهدات: 620

( كيف تُنال محبة الله ؟ ) 

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

أما بعد :

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيما يرويه عن ربه عز وجل كما جاء في الصحيحين ( إن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل فقال ” يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ” ثم ينادي جبريل في أهل السماء إن الله يُحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض )

لو سأل سائل فقال :

كيف يتأتَّى للإنسان أن يكون حبيبا لله عز وجل حتى يُحبه جبريل ويحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض ؟

أسهل وأسرع الطرق أن يكثر العبد من النوافل ، جاء في حديث أبي هريرة عند البخاري فيما يرويه عن ربه ( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) وانظروا إلى كلمة ( لا يزال ) تدل على الاستمرار ، هو في مجاهدة للتقرب إلى الله عز وجل من سائر أنواع النوافل ، من صلاة ، من صدقة ، من صوم ، وما شابه ذلك .

 

 

( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ) ما هي الثمرات ؟ ( كنت سمعه الذي يسمع به ) ليس معنى ذلك أن سمع المخلوق هو سمع الله عز وجل – كلا وحاشا ، تعالى الله عن ذلك – ولذا في إحدى الروايات ( فبي يسمع وبي يُبصر ) يعني أنه لا يسمع إلا ما يرضي الله عز وجل ، قال ( كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ) يعني لا تكون حركاته إلا لله ومن أجل الله ( ولئن سألني لأعطينه ، ولئن سألني لأعيذنَّه ) ثمرات وفوائد طيبة .

وكلما كانت هذه النوافل في الخفاء كانت أفضل ، الفرائض تُؤدى على مرأى من الناس ، ولكن هذه النوافل كلما كانت في الخفاء كلما كان أحسن وأطيب ، ولذا في صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله يُحب العبد التقي الغني الخفي )

( التقي ) هو تقي يعمل بالطاعات ويترك المنهيات .

( الغني ) يعني غني النفس .

( الخفي ) الذي يخفي أعماله ، قد يُرى ولا يؤبه له  ، وليس له قدر عند الناس ، لأنه في خفاء ، لكن ربه أعلم به ، فينال محبة الله ، والحديث الذي ذكرته في صدر كلامي هو تفسير لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً }مريم96 ، سبحان الله ، كلما كان هذا القلب مليئا بطاعة الله فنال محبة الله ، كلما كانت له آثار على الغير وعلى نفسه هو ، ولذلك في الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم ) يعني بالفراسة – سبحان الله – ما في قلبه من الصفاء والنقاء من خلال تقسيمات وجه شخص معين يعرف هذا العابد ماذا يختلج ويضمر في فؤاده ، هذه فراسة ، كما قال تعالى { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ }الحجر75 ، هو إذا رأى الناس حكم على ضمائرهم بما يظهر له من فراسة ، والفراسة مأخوذة من الافتراس ، مثلما يفترس الأسد فريسته ينقض عليها انقضاضا ، كذلك من امتلأ قلبه إيمانا وهدى وخيرا يكون في قلبه نور ، هذا النور يظهر على الجوارح ، ولذلك في الحديث الحسن الذي يحسنه ابن حجر والألباني رحمهما الله قال ( أولياء الله الذين إذا رُؤوا ذُكر الله ) من حين ما ترى هذا العبد – سبحان الله – تذكر الله ، لكن نحتاج إلى مسارعة ، وكلما كان العبد لله أسرع كلما كان الله عز وجل إليه أسرع وأسرع ، ولذلك في الحديث القدسي ( مَنْ تقرَّب إليّ شبرا تقربت منه ذراعا ) من أطراف الأصابع إلى المرفق ( ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ) مقدار ما يمد الإنسان يديه ( ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ) ولا يقل أحد إن هذا الفضل مسدود بابه علي – لا – من فضل الله عز وجل على هذه الأمة أن الخيرية لا تزال فيها ، ولذلك في مسند الإمام أحمد قوله عليه الصلاة والسلام ( لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم فيه بطاعته حتى تقوم الساعة ) انظروا ( لا يزال ) فيه استمرار من الله عز وجل للعباد الموفقين العاملين بطاعته المتقربين إليه بسائر أنواع النوافل أن يكونوا أولياء لله عز وجل ، أن يكونوا غرسا ، يغرسهم من ؟ ربهم الخالق عز وجل ، وإذا غرس الله عز وجل عبدا في دينه ، كان خيرا عظيما في دينه وفي أخراه ( لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم فيه بطاعته حتى تقوم الساعة )

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من أوليائه وأحبابه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .