شرح حديث عائشة رضي الله عنها :
( دخلت عليَّ ذات يوم مسكينة ومعها ابنتان … )
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت دخلت علي ذات يوم مسكينة (يعني فقيرة) ومعها ابنتان لها فأعطيت كل واحدة تمرة فأكلت البنتان التمرتين فلما أرادت الأم أن ترفع التمرة إلى فمها لتأكلها استطعمتها ابنتاها فقامت هذه الأم إلى هذه التمرة فشقتها شقين (يعني نصفين) فأعطت كل شق لواحدة تقول عائشة فأعجبني شأنها فلما دخل النبي عليه الصلاة و السلام أخبرته بالخبر من صنيع هذه المرأة فقال عليه الصلاة و السلام (إن الله أدخلها بها الجنة أو حرمها الله بها على النار) .
هذا الحديث تندرج تحته عدة فوائد :
- بيان شظف العيش الذي كان في بيت النبي عليه الصلاة و السلام فإن عائشة رضي الله عنه لو كانت تملك في بيتها أكثر من هذه التمرات الثلاث لقامت وأعطت هذه الأم تمرة تسد بها جوعتها فانظروا رعاكم الله كيف ببيت من بيوت النبي عليه الصلاة و السلام يخلو من الطعام كله وليس فيه إلا ماء فإذا نظر الإنسان وسمع مثل هذا الكلام يحمد الله عزوجل على ما أنعم به علينا من هذه النعم العظيمة ولا ينظر الإنسان إلى من هو أعلى منه في أمور الدنيا إنما ينظر إلى من هو أقل منه ولذا قال عليه الصلاة و السلام (فإنه أحرى ألا تزدروا نعمة الله عليكم) .
- بيان عظم الأجر الذي يحصل للوالد إذا قدم الطعام لأبنائه فالنفقة واجبة عليه وإطعامهم واجب عليه ومع ذلك يؤجر هذا الأجر ولا سيما في البنات , وبطبيعة ابن آدم يحب الذكور على الإناث وهذه جبلة جبل الله عليها النفوس ولكن لو رزق ببنت لا يتذمر كصنيع أهل الجاهلية لأن البعض من الناس نسأل الله العافية إذا رزق ببنت أقام الدنيا ولم يقعدها فإني لأعرف بعض الأشخاص يقول لزوجته لما أتت بأكثر من ثلاث بنات قال إن أتى هذا الحمل وفيه بنت فأنتِ طالق هي لا تملك هذا الأمر فلربما تكون هذه البنت أفضل لك عند الله عزوجل من هذا الذكر قال تعالى [لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا] ولذا قدمها الله عزوجل في الذكر [للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا] يدل على عظيم الأجر الذي يحصل للأب أو للوالد إذا قدم شيئا لهؤلاء البنات , حقيقة إن البنات من الابتلاء سواءً في العصر القديم أو في هذا العصر لكن في هذا العصر أكثر فظروف الناس والعادات والتقاليد فرضت حتى في هذا العصر أن يتكلف الوالد شيئاً كثيراً لأن البنت بطبيعتها تحب الزينة تحب أن تتواكب مع العصر فكيف بهذا العصر والعادات فرضت أحكامها على الناس فالنبي عليه الصلاة و السلام ماذا يقول ؟ كما في الصحيحين يقول (من ابتلي [سماها بلوى] بشيء من هذه البنات فصبر عليهن كن له حجاباً من النار) عدَّها النبي عليه الصلاة و السلام ابتلاء لأن البعض قد يتذمر وربما يسب ويلعن إذا طلبت منه البنت شيئاً مع أنه سينفذ ولكنه يخسر الأجر يعني في نهاية الأمر سينفذ مبتغاها أو شيئاً من مبتغاها , فيا أخي لا تحرم نفسك الأجر فالنبي عليه الصلاة و السلام يقول (إن الرجل إذا أنفق النفقة يحتسبها كانت له صدقة) ويقول عليه الصلاة و السلام كما في الصحيحين (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فيّ امرأتك) بل إن إطعامك لنفسك إذا احتسبته لك فيه أجر قال النبي عليه الصلاة و السلام (تصدقوا على أنفسكم) يعني لو أكلت أكلةً أو شريت شيئاً من أجل أن تغذي به بدنك فأنت على أجر إن احتسبتها.
- أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا حريصين على ذكر الأشياء الغريبة العجيبة للنبي عليه الصلاة و السلام ولذا من رأى شيئاً عجيباً حتى ولو في الدول الكافرة فليخبر به أهل العلم لأن أم حبيبة و أم سلمة لما هاجرتا إلى الحبشة رأتا كنائس فيها صور فلما رجعتا أخبرتا النبي عليه الصلاة و السلام بهذا فحكم النبي عليه الصلاة و السلام بحكم فـلذلك عائشة رضي الله عنها لما رأت هذا الأمر العجيب , تمرة تكاد تصل إلى الفم ثم تأتي هاتان البنتان وتستطعمان أمهما ثم تقوم بشق هذه التمرة وتطعم كل واحدة الشق هذا أمر عجيب وهذا يدل على ماذا؟ على حديث النبي عليه الصلاة و السلام لما قال (إن الله أدخلها بها الجنة أو حرمها الله بها على النار) الحديث الآخر في الصحيحين (اتقوا النار ولو بشق تمرة) انظر كيف يتوافق هذا الحديث مع هذا الحديث.
- بيان رحمة الله عزوجل , كيف ظهرت رحمة الله عزوجل في هذا الحديث ؟ نعم ظهرت فالله عزوجل كما قال النبي عليه الصلاة و السلام (خلق مئة رحمة أنزل رحمة في الأرض فبها يتراحم الخلق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه واستبقى تسعا وتسعين رحمه فإذا جاء يوم القيامة ضم بها هذه الواحدة فأصبحت مئة) .
- هذه المرأة رحمت ابنتيها فالنبي عليه الصلاة و السلام رأى من بين السبايا امرأة تكاد أن تفجع فإذا بها تبحث في السبايا عن الأطفال والصغار حتى وجدت صبياً لها صغير فضمته في صدرها فالضم ناشئ عن رحمة أو لا ؟ ناشئ عن رحمة كم رحمة أنزلها الله عزوجل ؟ واحده واستبقى تسعاً وتسعين رحمة ويوم القيامة تكمل بها هذه الواحدة حتى تصبح مئة فقال عليه الصلاة و السلام (أتظنون أن هذه طارحة ولدها في النار) قالوا: لا يا رسول الله كيف وهذا صنيعها قال (لله أرحم بعبادة من هذه بولدها) .
وصلى الله على نبينا محمد و آله وصحبه أجمعين