أما بعد : ..
فقد روى جابر رضي الله عنه كما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو ليعتزل مساجدنا و ليقعد في بيته ) و أُوتي للنبي صلى الله عليه و سلم بقدر فيه خَضِرات أي : بُقُول فقال صلى الله عليه و سلم لمن حوله( كُلْ فإني أناجي من لا تناجي ) لو نظرنا لهذا الحديث لوجدنا فيه عظم النبي صلى الله عليه و سلم إذ أراد أن تتقارب قلوب المسلمين و تتآلف فيما بينهم ، بحيث لا يتقزز أحدٌ من أحدٍ و لاسيما في المجالس الدينية كالمساجد ،فإن هذه المساجد إن لم يُعنى بها عناية فائقة ليرتاح بها العباد و المصلون ما أُرتيد إليها إلا بصعوبة نفس، وقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن أكل الثومَ و البصل و الكراث كما في رواية مسلم ، و قاس العلماء كل من فيه أذيةٌ ألا يقرب المسجد و ليقعد في بيته ، حتى قاسوا أصحاب المهن ممن يأتون بثيابهم المنتنة و يضيقون على أنفاس إخوانهم المُصلّين ، قاس بعض العلماء على هذا الأمر من يتأذى الناس بلسانه ، بعض الناس لسانه مؤذي فقالوا العلماء مثل هذا يُمنع من المساجد ،كما منع النبي صلى الله عليه و سلم آكل الثوم و البصل حتى أنه كما جاء في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه و سلم أمر به أن يُخرج إلى البقيع ، أي يُبعد به بعيدا حتى لا تصل رائحته إلى المسجد ،و يقاس على ذلك كل ما يتأذى به المصلون، و نرى بعض الناس و للأسف و هم مسلمون و على خير لا يعتنون بنظافة ثيابهم و لا أبدانهم و لا روائحهم،كأنهم يأتون إلى أي مكان ، قد يأتون إلى المسجد و لاسيما في مثل هذا الوقت البارد و قد يحصل فيه زكام ، فنجد أن بعضا من الناس قد يمتخط مخطا شديدا كأنه قد اختلى بنفسه، قد يُبتلى بمرض، و لكن يمكنه أن يأخذ منديلا دون أن يصدر صوتا و يزيل ما نزل به و إذا خرج و كان وحده فليفعل ما يشاء ، بعض الناس نسال الله العافية إذا دخل دورات المياه يفعل ما يشاء كأن الأمر لا يعنيه ، فيقضي حاجته دون أن يُسكب ماءً (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) كما قال النبي صلى الله عليه و سلم ، كما تحب أن تدخل الحمام و تجده نظيفا اتركه نظيفا ، فلا يُعوّد الإنسان نفسه على أن يكون قذرا ، النبي صلى الله عليه و سلم كما في صحيح مسلم يقول ( إن الله جميل يحب الجمال ) وكانَ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم ــ كما في الصّحيحين ــ يَكْرَه أنْ تُوجَدَ منهُ الرَّائِحَةُ المُنْتنَة حتى أنه شرب عسلا عند زينب رضي الله عنها فأتت عائشة رضي الله عنها مع حفصة و أرادوا أن يُنفّروا النبي صلى الله عليه و سلم من أن يأتي زينب و يشرب عندها العسل، فقالت عائشة ( إذا أتى النبي صلى الله عليه و سلم إليك فقولي له أني أجد فيك ريح مغافير ) رائحة عشب و لكنه ليس بطيّب، فلما أتى حفصة ففعلت ،فحرم النبي صلى الله عليه و سلم على نفسه أن يشرب العسل من أجل ألا تكون منه رائحة فعاتبه الله تعالى بقوله [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {التَّحريم:1} الشاهد من هذا أن الإنسان عليه أن يعتني بنظافة نفسه و بدنه و رائحته و لا يزعج إخوانه الآخرين لا بأكل و لا بشرب ، و ليس بحرام ، و لذا لما سُئل النبي صلى الله عليه و سلم أهو حرام ؟ قال لا – هذا إذا أكله نيئاً ، أما إذا أكله مطبوخا فلا بأس ، النبي صلى الله عليه و سلم لما قُُدّم إليه القدر ،و فيه خضرات و هو مطبوخ قال لمن حوله ( كُلْ ) و النبي صلى الله عليه و سلم لم يأكل ، النبي صلى الله عليه و سلم من حبه للرائحة الطيبة و حرصه على ألا تصدر منه رائحة غير طيبة لم يأكله نيئا و لا مطبوخا ، و ما ورد عند أبي داود عنه أنه صلى الله عليه و سلم (ما مات حتى أكل طعاما فيه بصل) ضعيف ، إذاً النبي صلى الله عليه و سلم لا يأكل الثوم و البصل نيئا و لا مطبوخا و لذلك قال ( كل فإني أناجي من لا تناجي ) يناجي من ؟ الملائكة ، أنت يا عبد الله يا من تأتي و بك رائحة كريهة و لاسيما رائحة البصل و الثوم تؤذي الملائكة أيضا ، لا تؤذي المصلين فقط ، النبي صلى الله عليه و سلم ماذا قال ؟ قال ( إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ) و أنتم ترون إذا رأيتم الإنسان ذا مظهر حسن و رائحة طيبه ،فإنه يُقبل بينما إذا رؤي على عكس ذلك لا يُقبل ، و لذلك الناس يحكمون على الشخص قبل أن يعرفوه بلباسه، فلو جاءنا شخص الآن ،و نحن لا نعرفه أول ما نحكم عليه نحكم عليه من المظهر أليس كذلك ؟ بلى- فكلُ منا يُعمل عقله كيف يحكم على هذا الشخص؟ بهيئته ، و لا شك أن الهيئة ليست المُحكّم ، و لكن أقول على الإنسانِ أنْ يَحْرِصَ على أنْ يَعتَنِي بِمَظْهَرِه ( إن الله جميل يحب الجمال) و يؤجر على ذلك 0نسأل الله عز و جل أن ينفعنا بما نقول و نسمع ، هذا و الله أعلم ،و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم