فضائل المدينة النبوية ــ الجزء الأول
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
( أما بعد : فيا عباد الله )
حديثنا في هذا اليوم عن فضائل المدينة النبوية “
المدينة النبوية قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله :
” ما تعورف عن الناس واصطلح عليه من تخصيص المدينة بأنها المدينة المنورة فليس هنا دليل يحصر هذا الوصف فيها ، لأن كل مدينة دخلها الإسلام فقد استنارت به ، فيصح أن تقول في كل مدينة الإسلام أن تقول ” المدينة المنورة “
قلت
لكن جاء ذكرها في كتب السلف بكثرة
( من فضائل المدينة النبوية )
أن لها أسماء تدل على فضلها ، هذه الأسماء أوصلها بعض العلماء إلى أربعة وتسعين اسما ، سأذكر إن شاء الله ما دل عليه الدليل :
من أسمائها : ” المدينة “ وورد ذكرها في القرآن في أربعة مواطن ، قال تعالى :
{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ } التوبة101 .
وقال تعالى :
{لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً } الأحزاب60
وقال تعالى :
{يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ } المنافقون8
وقال تعالى :
{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ } التوبة120
” ومن أسماء المدنية “
( طابة )
كما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن ا لنبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الله سمى المدينة طابة )
” ومن أسماء المدينة ”
( طيبة )
كما جاء في صحيح مسلم في حديث فاطمة بن قيس في قصة الجساسة ، قال صلى الله عليه وسلم :
( هذه طيبة ، هذه طيبة ، هذه طيبة )
وما جاء من حديث من تسميتها ” مسكينة وجابرة ومجبورة ويندد والدار وجبار وبحبورة “
فإنه حديث موضوع لا يصح عنه صلى الله عليه وسلم .
وما ورد عند ابن أبي حيثمة من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه :
( من تسميتها بالدار ومن تسميتها بالإيمان )
فهو حديث ضعيف جدا .
ولو قال قائل :
ما رأيكم في تسميتها بيثرب ؟ فهل يصح أن نقول عن المدينة يثرب ؟
لتعلموا أن المدينة كانت تسمى في الجاهلية بيثرب ، لكن لما جاء الإنسان كره النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاسم ، ولذا جاء في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم في قضية الهجرة ، قال :
( أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة )
فكره النبي صلى الله عليه وسلم تسميتها بيثرب ، لم ؟
لأنه إما من ” الثَّرْب “ وهو الفساد .
أو من ” التثريب ” وهو التوبيخ والتقريع .
وكان صلى الله عليه وسلم يغير الاسم القبيح إلى الاسم الحسن .
لكن لو قال قائل :
قوله عز وجل :
{ وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا } الأحزاب13 ؟
فيقال : هذا قول لبعض المنافقين ولا يدل على الجواز .
وما جاء من حديث في المسند وهو حديث البراء بن عازب رضي الله عنه :
( من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة ، هي طابة )
هذا الحديث ضعفه الأئمة كابن كثير رحمه الله ، وأسرف ابن الجوزي رحمه الله في الحكم عليه بأنه موضوع .
وما جاء من حديث ، وهو حديث سعد بن أبي وقاص عند البخاري في تاريخه معلقا :
( من قال يثرب مرة فليقل ) من باب التوبة ( فليقل المدينة عشر مرات )
فإنه حديث لا يصح .
خلاصة القول : أنه يبغي للمسلم ألا يصف المدينة وألا يسميها بأنها يثرب .
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن الشرع جعل لها حرما ، هذا الحرم لا يعتدى فيه على الصيد ، ولا يؤخذ من شجره ، ولا يحمل فيه السلاح للقتال ، والمدينة حرم عند جمهور العلماء ، وأما مكة فحرمها مجمع عليه بالاتفاق .
وحدود هذا الحرم كالتالي :
” من جهة الشمال إلى جهة الجنوب “
من الجنوب : جبل عَيْر ” وهو جبل ممتد من جهة المغرب إلى المشرق يشرف طرفه الغربي على ميقات المدينة وهو ذو الحليفة .
ومن الشمال : ” جبل ثور “ جبل ثور معروف أنه في مكة ، لكن هناك جبل صغير خلف جبل أحد من جهة الشمال يسمى بجبل ثور .
ولذا قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :
( المدينة حرم ما بين عير إلى ثور )
” ومن جهة الشرق والغرب “
فحدود حرم المدينة الحرة الشرقية والحرة الغربية ، قال صلى الله عليه وسلم عند مسلم :
( المدينة حرم مما بين لابتيها )
وهذه الحرة الشرقية والغربية سألت عنها بعض أهل المدينة فقالوا إنها قد امتلأت بالناس .
لو قال قائل :
هل الحرتان الشرقية والغربية أهي من حدود الحرم أم أنهما خارج حدود الحرم ؟
أشار النووي رحمه الله في المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ” من أن الحرتين داخلتان ضمن حدود الحرم “
وما جاء من أحاديث تدل على أن ما زاد عن هذه الحدود أنه حرم فإنها أحاديث ضعيفة ، فحدود حرم المدينة ما ذكرته لكم ، وما زاد عن ذلك فإنه لا يصح فيه حديث .
لكن لو قال قائل :
جاء عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
أن النبي صلى الله عليه وسلم :
( حرَّم ما بين لابتي المدينة وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى ) ؟
فهذه المسافة تزيد عن الحدود .
قال الإمام مالك رحمه الله : هذا خاص بالشجر ولا يتعلق بما ذكرنا ، وكذلك ذكره ابن عبد البر في الاستذكار عن عبد الله بن وهب .
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم للشجر حمى .
( ومن فضائل المدينة )
لو قال قائل : من حرَّم المدينة ؟
جاء في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن زيد :
( إن إبراهيم حرَّم مكة ودعا لها وحرَّمت المدنية ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم لمكة )
وفي رواية عند مسلم :
( مثلي ما دعا إبراهيم لمكة )
ومعظم روايات مسلم ( مثل )
( ومن فضائل المدينة النبوية )
لو قال قائل : ما الذي يحرم في حدود الحرم ؟
يحرم الصيد فيه وقلع شجره “
قال صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم من حديث جابر بن عبد الله :
( لا يقطع عضاؤها ) يعني شجرها ( ولا يصاد صيدها )
لكن بالنسبة إلى الشجر يتسامح فيه ، فإذا أراد الإنسان أن يعلف لدوابه فلا بأس في ذلك كما جاء الجواز في مسند الإمام أحمد ، لكن حرم مكة لا يجوز أن يؤخذ من الشجر لعلف الدواب ، وإنما الحكم في شجر الحرمين كالتالي :
حرم مكة : لا يجوز أن يقطع إلا للضرورة .
وحرم المدينة : فيجوز عند الحاجة .
وقال صلى الله عليه وسلم عند النسائي من حديث علي رضي الله عنه :
( ولا يحمل فيه السلاح لقتال )
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن الله عز وجل حماها من أن يدخلها الدجال “
جاء في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أنس رضي الله عنه :
( ما من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس لها من أنقابها نقب ) يعني طريق وباب ( إلا وعليه ملائكة صافين يحرسونها ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر ومنافق )
( بل من فضائل المدينة النبوية )
” أن رعب الدجال لا يدخل “
جاء في صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم :
( لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملك )
ومعلوم أن الدجال يخرج من جهة المشرق كما جاء بذلك حديث أبي هريرة عند مسلم من جهة المشرق العراق وخراسان ونحوهما :
( يأتي إلى المدينة ويقف عند جبل أحد ثم تصرفه الملائكة إلى الشام حيث يقتله عيسى ابن مريم عليه السلام )
وجاء عند أبي داود قوله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وحسنه ابن حجر في الفتح :
( ما من باب من أبوابها إلا ملك سالط سيفه يمنعه منها وبمكة مثل ذلك )
سالط سيفه : أخرجه من غمده .
وإذا أتى هذا الدجال يصعد جبل أحد ويقول لأصحابه قولا يصف به مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، جاء في المسند من حديث محجن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( يوم الخلاص وما أدراكم ما يوم الخلاص ؟ )
كررها صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات
( قالوا يا رسول الله وما يوم الخلاص ؟ قال : يجيء الدجال فيصعد أحدا فينظر إلى المدينة فيقول لأصحابه ألا ترون هذا القصر الأبيض ؟ هذا مسجد أحمد )
يعني مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يوصف بأنه قصر أبيض .
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن الله عز وجل حماها من أن يدخلها الطاعون “
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم :
( على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون )
وفي حديث أنس عند البخاري :
( إن شاء الله )
ما هو هذا الطاعون ؟
جاء في المسند من حديث عائشة رضي الله عنها :
( أنه غدة كغدة البعير )
وفي حديث آخر عند أحمد :
( هو وخز أعدائكم من الجن )
والطاعون شهادة – سبحان الله – لو قال قائل :
بما أن الطاعون شهادة لم لا يدخل المدينة ؟
لأن الشهادة لها فضيلة ، وبما أنه شهادة لم قُرن مع الدجال بعدم دخول الطاعون إلى المدينة ؟
قال ابن حجر رحمه الله :
” ليس معنى هذا أن الطاعون هو شهادة– وإنما ما يسببه الطاعون هو الشهادة ، ومن تأمل أن الطاعون هو وخز كفار الجن تبين له حينها فضل المدينة إذ لا يدخلها الطاعون ، لأن كفار الجن ممنوعون من دخول المدينة ، وبالتالي لو دخلها بعضهم اتفاقا فإنه لا ينجم منه شر لأهلها “
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن المدينة فيما مضى كانت موبوءة ، بها أوبئة تهلك أهلها ، وأعظم هذه الأوبئة ” الحمَّى “ ولذلك صح من حديث جابر في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم :
( استأذنت عليه الحمِّى ، فقال صلى الله عليه وسلم من هذه ؟ قالت أم ملدم ،فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تذهب إلى أهل قباء ، فلما ذهبت إلى أهل قباء عانوا منها معاناة شديدة وتعبوا منها ما الله به عليم ، فأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن شئتم دعوت الله أن يكشفها لكم ، وإن شئتم صبرتم وهي لكم طهور ، فقالوا يا رسول الله أو تفعل ذلك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم نعم ، قالوا فدعها )
ثم بعد ذلك كما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله أن ينقلها إلى الجحفة )
لمَ لمْ ينقلها في أول الأمر ؟
قال ابن حجر رحمه الله كما في الفتح :
” لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا في قلة من العدد والعتاد وكانت موبوءة ، ثم هو صلى الله عليه وسلم خُيّر بين إخراجها وبين بقائها فاختارها صلى الله عليه وسلم على الطاعون ، لكن لما احتاج إلى الجهاد ورأى أن هذه الحمى أنها مظنة أن تهلك أصحابه دعا صلى الله عليه وسلم أن تنقل إلى الجحفة ، فأصبحت المدينة أصح ما كانت من البلدان بعد أن كانت بخلاف ذلك .
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن سكنى المدينة لها فضل “
وهذا في حق من أطاع الله ، ومن لم يطع الله فلا خير فيه سكن المدينة أو غيرها
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :
( والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون )
وأما ما جاء من حديث عند البخاري في تاريخه معلقا
( أول من أشفع له من أمتي هم أهل المدينة وأهل مكة وأهل الطائف )
فإنه حديث لا يصح .
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن من سكنها وصبر على بلائها وشدتها فإن له فضلا “
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما :
( لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة )
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لها بالبركة في مدها وفي صاعها “
في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال ، قال صلى الله عليه وسلم :
( اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة )
وعند ابن حبان :
( اللهم اجعل مع البركة بركتين )
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أنه صلى الله عليه وسلم دعا للمدينة أن يقبل أهل الآفاق عليها بقلوبهم “
في المسند من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
( أنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى الشام فقال اللهم أقبل بقلوبهم ، ثم نظر إلى العراق فقال اللهم أقبل بقلوبهم ، ثم نظر إلى كل أفق فقال اللهم أقبل بقلوبهم ، ثم قال اللهم ارزقنا من ثمرات الأرض )
أخرجه الإمام أحمد وحسنه الهيثمي رحمه الله .
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن من أحدث فيها حدثا يخالف شرع الله فإن له هذا العذاب “
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث علي رضي الله عنه :
( من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه عدل ولا صرف )
( لا يقبل منه عدل ) يعني فداء من مال .
( ولا صرف ) يعني توبة .
وقيل : ( لا يقبل منه عدل ) يعني فريضة .
( ولا صرف ) يعني نافلة .
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن من كاد أهلها وأراد بهم السوء فإن له هذا العقاب “
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري :
( لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح )
وعند مسلم :
( من أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء )
بل إن من أراد بأهلها السوء فإنه آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جاء عند ابن أبي شيبة قوله صلى الله عليه وسلم :
( من أخاف ) فقط مجرد جوف
( من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين هذين وأشار إلى جنبيه )
صلوات ربي وسلامه عليه .
الخطبة الثانية
أما بعد فيا عباد الله /
( ومن فضائل المدينة النبوية )
” أن المدينة تنفي الخبث فيها وتبقي الطيب “
جاء في الصحيحين :
( أن أعرابيا بايع النبي صلى الله عليه وسلم فأصابته الحمى ، فقال أقلني بيعتي يا محمد ، ثم رجع في اليوم الثاني فقال أقلني بيعتي ، فرفض صلى الله عليه وسلم ، فخرج الأعرابي ، فقال صلى الله عليه وسلم إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها )
قال ابن حجر رحمه الله ” إذا خلَّصت الخبيث منها استبان واتضح حينها الطيب .
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن الموت فيها فيه خير إن اتقى الله عز وجل “
جاء عند أحمد والترمذي وابن ماجه قوله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما :
( من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل فإني أشفع لمن مات بها )
الخاتمة : ………………