( أما بعد : فيا عباد الله )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( من فضائل المدينة النبوية )
جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في المسند وسنن ابن ماجه والترمذي ، قوله صلى الله عليه وسلم :
( من استطاع أن يموت في المدينة فليفعل فإني أشفع لمن مات فيها )
( من فضائل المدينة النبوية )
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم :
( إن الإيمان ليأرز ) يعني ليجتمع ( إن الإيمان ليأرز كما تأرز الحية إلى جحرها )
( من فضائل المدينة النبوية )
حديث يذكر عند الطبراني وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
( المدينة قبة الإسلام ودار الإيمان وأرض الهجرة ومبوأ الحلال والحرام )
لكنه حديث لا يصح .
وكذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند أبي نعيم الأصفهاني :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم طلع من المدينة ثم رجع من سفره فما رأى المدينة إلا قال يا طيبة يا سيدة البلدان )
وكذلك لا يصح حديث عائشة رضي الله عنها في فضائل المدينة وهو :
( تكون المدينة كالرمانة المحشوة من الناس )
يعني يكثر الناس فيها
( فقالت يا رسول الله من أين يأكل الناس ؟ قال من فوقهم ومن تحتهم ويطعمهم الله من جنة عدن )
فلا يصح هذا الحديث .
( و من فضائل المدينة النبوية )
في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها :
( لما جاء صلى الله عليه وسلم والمدينة موبوءة بالحمى قال اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد )
( إذا قدم من سفر فرأى المدينة من بعد حرَّك صلى الله عليه وسلم دابته مسرعا بها )
من حبه صلى الله عليه وسلم للمدينة .
( و من فضائل المدينة النبوية )
ما جاء عند الترمذي وابن ماجه :
( أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة وقف على مكان عند حدودها يسمى بالحزورة فقال اللهم إنك لخير أرض الله إلى الله ، وأحب أرض الله إلى الله ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت )
هذا الحديث يبين فضل مكة ، وقد اختلف العلماء أيهما أفضل مكة أم المدينة ؟
جمهور العلماء – كما نقل ذلك ابن حجر رحمه الله – أن مكة أفضل .
بينما المالكية وتراجع بعضهم : يرون أن المدينة أفضل من مكة .
على كل حال هذا الحديث :
( اللهم إنك لخير أرض الله إلى الله ، وأحب أرض الله إلى الله ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت )
يرد ذلك الحديث الموضوع المختلق على النبي صلى الله عليه وسلم – كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله – وهو قوله :
( اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إلي فأسكني في أحب البلاد إليك )
فهذا حديث لا يصح .
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن الصلاة تضعَّف في المسجد النبوي بألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام “
كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين :
( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام )
معلوم أن المسجد الحرام الصلاة فيه بمائة ألف صلاة ، كما دلت على ذلك الأحاديث الكثيرة في مسند الإمام أحمد وفي غيره ، فهي أحاديث كثيرة تبين أن الصلاة في مكة أفضل بمائة ألف صلاة .
بينما الصلاة في المسجد النبوي : تعدل ألف صلاة كما في الصحيحين .
أما المسجد الأقصى فما ورد من حديث :
( أن الصلاة فيه بخمسين ألف صلاة )
فقد أنكره ابن القيم رحمه الله كما في المنار ، كذلك ردَّه ابن حجر رحمه الله في الفتح .
قال ابن القيم : هذا محال أن يكون المسجد الأقصى أفضل من المسجد النبوي .
لكن لو قال قائل :
ما فضل الصلاة في المسجد الأقصى ؟
جاء حديث عند البزار وحسنه البزار ، وكذلك الهيثمي في المجمع ، ويرى جملة من العلماء أنه لا يثبت :
( أن الصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة )
ولتعلموا أن هناك فضلا عظيما وهو قوله صلى الله عليه وسلم :
( إن سليمان بن داود لما فرغ من بناء المسجد الأقصى سأل الله عز وجل ثلاثا ” أن يصادف حكمه حكم الله ، وأن يؤتى ملكا لا ينبغي لأحد أن يملكه ، وما من أحد يخرج إلى المسجد الأقصى لا ينهزه إلا الصلاة فيه ، أنه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه “)
قال صلى الله عليه وسلم :
( أعطي الاثنتين وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة )
ما هي الثالثة ؟
أن الصلاة في المسجد الأقصى تكفر ذنوب العبد .
و” الرجاء “ من الله عز وجل أو من النبي صلى الله عليه وسلم واقع ومحتم وقوعه “
كما قال ابن حجر رحمه الله في الفتح .
وأما ما ورد من حديث :
( أن صلاة الجمعة في المسجد النبوي بألف صلاة ، وأن صيام رمضان في المدينة يعدل ألف رمضان فيما سواها )
فكل ما ورد من أحاديث في تفضيل الأعمال إلى الألف سوى الصلاة كلها أحاديث ضعيفة لا تصح عنه صلى الله عليه وسلم .
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن بعض العلماء فضَّل المدينة على مكة لأن النبي صلى الله عليه وسلم خُلق من تربتها ، وإذا خلق من تربتها وهي أصله فإن المدينة تكون أفضل من غيرها .
ولكن لتعلموا / أنه ما ورد من حديث يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم فضَّل المدينة أو ذكر أنه خُلِق من تربة المدينة فإنها أحاديث كلها ضعيفة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى :
وما ذكره بعضهم من تفضيل قبره على المساجد فهو قول محدث لا يعرف عن السلف .
وقال : وما روي من حديث :
( كل مولود يذر عليه من تراب حفرته )
ولو ثبت فإنه لا يدل على كون النبي صلى الله عليه وسلم خلق من ترابها أن تكون أفضل .
وقال رحمه الله : إن جسم النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من المساجد كلها ، فهو أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم ، ولكن لا يلزم إذا كان هناك فضل لتربتها أن تفضل بفضله صلى الله عليه وسلم .
وقال : وما يحكى عن القاضي عياض رحمه الله من أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من المسجد الحرام ومن المسجد النبوي ومن المسجد الأقصى ، فإن هذا لا يعرف إلا عن القاضي عياض ولا يعرف لغيره ولا حجة له في ذلك .
فالتربة لا يكون لها فضل من أجل فضل صاحبها ، أو من أجل أن صاحبها دفن فيها .
( ومن فضائل المدينة النبوية )
جاء حديث :
( أن المدينة لا يقع فيها الشرك )
فهو حديث لا يصح ، وإنما الوارد عند مسلم فيما يخص جزيرة العرب قوله صلى الله عليه وسلم :
( إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم )
فتدخل المدينة من ضمن هذا الفضل لأنها من جزيرة العرب ، أما ما ورد فيها من حديث خاص فلا يصح .
لكن لو قال قائل : ألم يقع الشرك في جزيرة العرب ؟
فيقال :
( إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب )
ليس معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم حتَّم أن الشرك لا يقع – لا – وإنما أخبر أن الشيطان لما رأى الناس قد دخلوا في دين الله أفواجا في عصره صلى الله عليه وسلم وقع في نفسه أنه لن يُعبد ، فهذا ما وقع في نفس الشيطان ولا يلزم منه ألا يقع في الواقع .
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن ما جاء من أحاديث تبين الفضل بين المدينة النبوية وبين أي مدينة من سائر البلدان فكلها أحاديث لا تصح
( ومن فضائل المدينة النبوية )
ما هو المسجد الذي أسس على التقوى ؟
مسجد قُباء نزلت فيه الآية :
{ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } التوبة 108
فكيف يكون المسجد النبوي أسس على التقوى والآية نزلت في مسجد قباء ؟
ولذلك عند مسلم :
( أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى ؟ قال مسجدي هذا )
قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى :
” إن مسجده صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء أسسا على التقوى ، ومسجده صلى الله عليه وسلم أحق بهذا الوصف من مسجد قباء ، ومسجد قباء هو الذي نزلت فيه الآية “
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح :
” إنما قال ذلك ليرفع توهم من يظن أن الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء فقط ، بل إن مسجده صلى الله عليه وسلم يدخل في هذا الفضل .
( ومن فضائل المدينة النبوية )
” أنه لا يجوز أن يشد الرحل إليها ولا إلى قبره صلى الله عليه وسلم وإنما يشد الرحل فقط من أجل زيارة المسجد النبوي “
والمراد على وجه التعبد ، أما زيارة الأقارب والأصدقاء فلا إشكال في ذلك .
فلا يجوز للمسلم أن يسافر إلى المدينة تعبدا إلا من أجل أن يزور المسجد النبوي ويصلي فيه ، ولذلك في حديث أبي سعيد رضي الله عنه كما في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم :
( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ” مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى )
( ومن فضائل المدينة النبوية )
ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
( ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة )
وجاء في رواية :
( ما بين قبري ) وهذه الرواية خطأ ، وإنما رويت بالمعنى ، ولكن اللفظ الصحيح :
( ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة )
وما ورد من حديث :
( ما بين بيوتي ومنبري روضة من رياض الجنة )
فلا يصح ، لأنه لو قيل بهذا شمل بيوته المحيطة بالمسجد النبوي التي في الجهة الجنوبية والشرقية والشمالية امتدادا إلى الجهة الغربية عند المنبر ، وإنما المقصود بيت عائشة رضي الله عنها .
لو قال قائل : ما معنى هذا الحديث ؟
( ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة )
هنا ثلاثة معاني ذكرها ابن حجر رحمه الله في الفتح
المعنى الأول : ( روضة ) يعني ( كروضة ) فحذفت أداة التشبيه ، بمعنى أن ما يقع فيها من ذكر ومن طلب للعلم ولاسيما في زمنه صلى الله عليه وسلم أنه روضة من رياض العلم ، كما جاء في الحديث :
( إذا مررت برياض الجنة فارتعوا ، قيل ما رياض الجنة يا رسول الله ؟ قال حلق الذكر )
المعنى الثاني :
أن العبادة فيها تؤدي بإذن الله تعالى إلى دخول الجنة .
المعنى الثالث : أن هذا المكان ينقل إلى الجنة .
ذكر هذه المعاني ابن حجر رحمه الله وقال أقواها ما كان على هذا الترتيب :
” أنها كحلق الذكر ، أو أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة ، أو أن هذا المكان ينقل إلى الجنة “
وجاء عند البخاري من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال :
( رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عند الأسطوانة )
ما هي هذه الأسطوانة ؟
هي في ظهر محرابه صلى الله عليه وسلم مائلة إلى الجهة اليمنى ، ولذلك يسمونها بـ ( المُخَلَّقة ) لأنهم يضعون فيها الطيب ، هذا الموضع هو الموضع الذي كان يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالناس إماماً في المسجد .
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن بها المنبر ، ولذلك في الصحيحين :
( ومنبري على حوضي )
وفي المسند :
( منبري على ترعة من ترع الجنة )
وعند الطبراني :
( قوائم منبري رواتب في الجنة )
يعني في مكان في الجنة
وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم قال :
( وإني لقائم عليه الساعة )
وهو حديث حسن .
فهذا المنبر يكون على حوضه صلى الله عليه وسلم ، لكن هل هو منبر يوضع له يوم القيامة أم أنه هو هذا الموضع الذي في الدنيا وينقل بحاله ؟
قيل بهذا ، وقيل بهذا ، والقول الذي عليه الجمهور :
” أن هذا المنبر الموجود في الدنيا يوضع على حوضه صلى الله عليه وسلم “
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن هذا المنبر له مقام شريف ، فليتبنه المسلم من أن يحلف عنده بالله كاذبا “
جاء في حديث جابر في المسند في سنن أبي داود وابن ماجه قوله صلى الله عليه وسلم :
( من حلف على منبري إثما فليتبوأ مقعده من النار )
( ومن فضائل المدينة النبوية )
جاء حديث عند الطحاوي وهو حديث حذيفة :
( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا )
والقول الصحيح فيه : أن هذا الحديث موقوف على حذيفة رضي الله عنه من قوله ، وقد حكم بعض العلماء كالألباني رحمه الله من أنه من قوله صلى الله عليه وسلم ،
ومعنى هذا الحديث :
أنه لا اعتكاف أكمل وأكثر أجرا من الاعتكاف في هذه المساجد الثلاثة ، ولا ينفي أن الاعتكاف في مساجد الأرض لها فضل أيضا .
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أن يحرص المسلم إذا ذهب إلى المسجد النبوي سواء كان ممن هو ساكن فيها أو ممن هو يريد أن يشد الرحل إلى المسجد النبوي أن يخرج وفي نيته أن يعلم الناس علما أو أن يتلقى العلم من العلماء الذين يعقدون الدروس هناك ،لم ؟
لأن الذهاب إلى المسجد النبوي بنية التعلم أو التعليم له فضل ، قال صلى الله عليه وسلم في المسند وسنن ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
( من دخل مسجدي هذا ليتعلم خيرا أو ليعلمه كان كأجر المجاهد في سبيل الله ومن دخله لغير ذلك فهو كالناظر إلى ما ليس له )
بل ليحرص المسلم على طلب العلم وإلى الحضور إلى المساجد التي تعقد فيها الدروس ولو كان في غير المسجد النبوي – ولاسيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه فتن الشبهات وفتن الشهوات – ولذلك جاء حديث عام و يدخل فيه المسجد النبوي ولا شك في ذلك ، جاء عند الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال :
( من غدا إلى المسجد )
عام ، وقد تكون ( أل ) للعهد الذهني ولكن فضل الله واسع
( من غدا إلى المسجد ليتعلم خيرا أو يعلمه كان كأجر من حج حجة تامة )
قال المنذري والعراقي والألباني : إسناده لا بأس به .
( ومن فضائل المدينة النبوية )
أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبني مسجده وردت أحاديث لكنها لا تصح :
( من أن الكعبة رفعت ومثلت أمامه حتى رآها فحدَّد جهة قبلة مسجده إليها )
فكل حديث ورد في كونه صلى الله عليه وسلم رفعت إليه الكعبة من أجل أن يضع قبلته نحوها حتى يصيبها بعينها حقيقة فإنها أحاديث لا تصح ، ومما يدل على بطلانها :
أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر بأن يتوجه من بيت المقدس بالصلاة إلى الكعبة أمره أن يتوجه إلى شطر المسجد الحرام :
{ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } البقرة 144
وهذا لا يلزم منه التعيين .
لكن قال الزركشي رحمه الله : لا شك أن المسجد النبوي متجه قطعيا إلى الكعبة .
الخاتمة : …………….