فوائد مجهولة وسنن مهجورة ــ الجزء السادس
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( أما بعد : فيا عباد الله )
ما زال الحديث يتبع بعضه بعضا عن أحاديث تضمنت ” إما فوائد مجهولة وإما سننا مهجورة “
( فمن الفوائد )
أن الناس يستعظمون ” أن يلعن بعضهم بعضا ” وخفي عليهم أن التلاعن بغضب الله ، كأن يقول شخص لشخص ” غضب الله عليك ” أو أن يقول ” جعلك الله في النار “
فإنه كحكم اللعن إن لم يكن أشد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود والترمذي من حديث سمرة رضي الله عنه :
( لا تلاعنوا بلعنة الله ، ولا بغضبه ، ولا بالنار )
( ومن الفوائد )
وهذه الفائدة تصلح في هذا الزمن ، لم ؟ لأن كثيرا من الناس حرص على أن يثنى عليه ، على أن يلقَّب بالأوصاف والمناقب وأن يظفر بالمناصب .
النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند ابن ماجه من حديث معاوية رضي الله عنه :
( إياكم والتمادح فإنه الذبح )
يعني لا يمدح بعضكم بعضاً ، والإنسان هو ابن بيئته ، كان فيما مضى إذا قيل لشخص ” يا شيخ ” استعظم هذا الأمر ، أما في هذا الأمر فإنه لا يرضى إلا أن يوصف بأوصاف أعظم من ذلك ، وهذا لا شك أنه مطعن في دين الإنسان .
( ومن الفوائد )
وهي تتبع الفائدة السابقة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما :
( اتقوا هذه المذابح يعني المحاريب )
المذابح : هي صدور المجالس ، يعني لا يحرص على أن يكون الإنسان متصدرا ، إلا إن دعت الحاجة والمصلحة الشرعية لذلك ، ولذلك قال ( اتقوا هذه المذابح ) لأنها تذبح الإنسان إذ يذبح دينه من حيث لا يشعر .
( ومن الفوائد )
أن من السنة في حق مجموعة تسافر فأرادوا أن يناموا في الصحراء ، السنة في حقهم ” ألا يفترقوا ، وإنما يكون بعضهم بجانب بعض ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود من حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه :
( أما تفرقكم في الأودية والشِّعاب فإنما هو من الشيطان )
( ومن الفوائد )
كما هو معلوم أنه لا يجوز أن يُهجر المسلم فوق ثلاث ليال ، فإن هجره أكثر من ذلك فإنه محرم ، ونسي بعض من الناس حديث النبي صلى الله عليه وسلم في المسند وسنن أبي داود :
( من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه )
إذا هجرت أخاك المسلم سنة فكأنك قتلته ، فكيف إذا كان أخاك من النسب ، بل إني أعرف بعض الأقارب قد هجر بعضهم بعضا أكثر من ستة عشر عاماً ، نسأل الله عز وجل السلامة والعافية ، وإذا استوضحت الأمور وجدت أن المشكلة لا تساوي شيئاً .
( ومن الفوائد )
أنه من المعلوم أن المسلم يحرص على أن يحفظ لسانه ، وجاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عند البيهقي من حديث أبي بكر رضي الله عنه :
( ليس شيء من الجسد إلا وهو يشكو ذرب اللسان )
يعني كل عضو في ابن آدم يشكو فحش اللسان ، لم ؟
لأن هذا اللسان إذا تحدث تعذب هذا البدن يوم القيامة .
( ومن الفوائد )
أن من قدح في شخص عند كبير في هذه الدنيا ، إما أن يكون ثريا وإما أن يكون أميرا أو وزيرا ، من أجل أن يظفر بشيء من هذا الكبير نظير ذمه لأخيه المسلم ، فليعلم أن ما يأخذه إنما يأخذ نظيره ومثيله من جهنم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند وسنن أبي داود من حديث المستورد بن شداد رضي الله عنه :
( من أكل بمسلم أُكلة )
يعني توصل إلى شيء من هذه الدنيا نظير أن يذم إنسانا ، قد لا يذمه بطلب هذا الكبير ، قد يذمه من أجل أن ذلك الرجل أراد أن ينافسه على شيء عند هذا الكبير ، قال صلى الله عليه وسلم :
( من أكل بمسلم أُكْلة فإن الله يطمعه مثلها من جهنم ، ومن اكتسى برجل مسلم ثوبا فإن الله يكسوه مثله من جهنم )
( ومن الفوائد )
أن من السنة ” أن ينام الإنسان على جنبه الأيمن ” ولو نام على جنبه الأيسر فلا إشكال في ذلك ، لكن المشكل أن ينام الإنسان على بطنه ” وهذه فائدة يجهلها بعض من الناس ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند وسنن أبي داود :
( لما مر على رجل قد اضطجع على بطنه ، قال : قمْ ، فإن هذه ضِجعةٌ يبغضها الله )
( ومن الفوائد )
أن من السنة إذا سهر المسلم وبقي شيء يسير على دخول الفجر ، السنة له :
” ألا ينام على هيئة يستغرق فيها في النوم ، حتى لا تفوته الصلاة “
النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أحمد وعند مسلم بنحوه :
( كان عليه الصلاة والسلام إذا عرَّس ) يعني استراح في مكان وهو في السفر
( كان عليه الصلاة والسلام إذا عرَّس وعليه ليل طويل توسَّد يمينه ، وإذا عرَّس قبل الصبح وضع رأسه على كفه وأقام ساعده ) من أجل ألا يستغرق في النوم فتفوته الصلاة
( ومن الفوائد )
أن من به مرضُ خَلْقي ” ينبغي للمسلم ألا يحدق النظر به ” حتى لا ينكسر خاطره ، كما وجَّه بعض العلماء هذا الحديث الذي سأذكره ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند ابن ماجه :
( لا تُدِيموا النظر إلى المجذومين )
الجذام : مرض – نسأل الله السلامة والعافية – كان فيما مضى إذا أصاب الإنسان سقط بدنه شيئا فشيئا .
( ومن الفوائد )
أن الناس انشغلوا في هذا الزمن ، بل أُشغلوا بأشياء ليست بشغل ، حتى اشغلوا عن أقاربهم ، من السنة على أقل الأحوال أن تسلم على ذوي أرحامك ، إن لم يتيسر الوصول إليهم ، على أقل الأحوال بالسلام ، ولاسيما مع توفر هذه الهواتف ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البزَّار :
( بُلُّوا أرحامكم ولو بالسلام )
يعني إن لم يكن عندك ماء – وهو كناية عن الفرح والحياة – إن لم يكن عندك ماء كثير تصبه على قرابتك من الإتيان إليهم ، والصلة بهم بالمال وما شابه ذلك ، فعلى أقل الأحوال أصبهم من البلل ، ولو شيئا يسيرا .
( ومن الفوائد )
أن من السنة – وهو صنيع بعض القبائل وبعض الأسر – وهي سنة معمول بها عند بعض من الناس ، ولكنهم يجهلون أنها من السنة :
هم يحرصون على أنسابهم أن يعرفوها ، لكن بشرط ” ألا يكون ذلك مدعاة إلى المفاخرة ” حتى إني بعض الأسر يضع شجرة في بيته تتفرع منها أنسابه ، ولا بأس بذلك ، لكن لا يكون على سبيل المفاخرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند وسنن الترمذي :
( تعلموا أنسابكم ما تصلون به أرحامكم )
( ومن الفوائد )
أنه معلوم ” حق الجار “ لكن من كانت بينه وبين جاره خصومه فليسارع بالصلح معه ، لم ؟ لأنه إن لم يصلح معه فإن أول خصمين يوم القيامة يقفان أمام رب العالمين هما ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الطبراني من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه :
( أول خصمين يوم القيامة جاران )
ويسري في هذا من يتتبع محارم جاره ، فإنه أعظم وأفظع ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند من حديث المقداد بن الأسود :
( لأن يزني أحدكم بعشر نسوة خير له من أن يزني بامرأة جاره ، ولأن يسرق من عشرة أبيات خير له من أن يسرق من بيت جاره )
( ومن الفوائد )
أن من السنة إذا أحب شخص شخصا في الله ” أن يخبره ” من أجل ماذا ؟
من أجل أن يبادله هذا الشعور فينالا الأجر من الله عز وجل ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند وسنن أبي داود من حديث المقداد بن معدي كرب :
( إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه )
جاءت زيادة عند ابن أبي الدنيا :
( فإنه أبقى في الألفة وأثبت في المودة )
وليعلم / أن من أحب أحدا في الله ، من هو أفضلهما ؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس رضي الله عنه كما عند ابن حبان :
( ما تحاب اثنان في الله إلا كان أفضلهما أشدَّ حبا لصحابه )
ويدخل في ذلك أن هناك أناسا يتحابون في الله ، لكن – سبحان الله – برهة من الزمن وإذا بهذين الشخصين يتنافران ، ما السبب ؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الأدب المفرد للبخاري من حديث أنس رضي الله عنه :
( ما توادَّ اثنان في الله فيُفَرَّق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما )
يعني إذا كان بينك وبين شخص محبة في الله ثم إذا بهذه المحبة تزول فاعلم أن هناك ذنباً أحدثه أحدكما .
( ومن الفوائد )
جاء عند الطبراني من حديث ابن حبان ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إنما يكفي أحدكم في هذه الدنيا مثل زاد الراكب )
الراكب الذي يركب البعير من أجل السفر يتزود زاداً ، هذا هو الذي يفترض أن يكون زادنا ونحن في دار الإقامة .
( ومن الفوائد )
أن من السنة في حق المسلم ” ألا يسكن في هجرة نائية عن الناس لا يصل إليه أحد ، يكون بمفرده لا يمر به أحد ، وليس المقصود بالهجرة التي هي هجرنا ، هجرنا فيها أناس مجتمعون ، هذه لا تدخل ضمن الحديث ، لكن هنا : أنه يسكن في منأى عن الناس بحيث لا يمر به أحد إلا نادرا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البيهقي من حديث ثوبان رضي الله عنه :
( لا تسكنوا الكفور ، فإن ساكن الكفور كساكن القبور )
الكفور : هي الأماكن النائية عن الناس ، اللهم إلا إذا كانت هناك فتن ويخشى الإنسان على دينه ، فمعلوم أن الفتنة يجب على المسلم أن يعتزلها ، حتى لا يتضرر دينه.
( ومن الفوائد )
أننا نعلم أن هناك أناساً تقبل دعواتهم ، ” المسافر، الوالد ، الصائم ” هذا معلوم ، لكننا نجهل أن هناك شخصاً تقبل دعوته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البيهقي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
( ثلاثة لا يَرُدُّ الله دعاءهم )
ذكر منهم :
( الذاكرين الله كثيرا )
( ومن الفوائد )
أن من السنة إذا أتاك خبر يفرحك أن تقول :
( الحمد لله الذي بنعمته الصالحات )
وإذا أتاك خبر يسوؤك قُلْ :
( الحمد لله على كل حال )
كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها من فعله صلوات ربي وسلامه عليه .
( و من الفوائد )
وهي سنة مجهولة عند بعض من الناس ، إذا أصابه الأرق ، تقلَّب ظهرا لبطن على فراشه ولم يأته النوم ، السنة له أن يقول كما عند النسائي :
( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تضوّر من الليل )
يعني انقلب ظهرا لبطن
( قال : لا إله إلا الله الواحد القهار ، رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار )
( ومن الفوائد )
جاء في المسند والسنن من حديث عائشة رضي الله عنها :
( كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن ينام يقرأ سورة الإسراء وسورة الزمر )
وفي حديث جابر رضي الله عنه :
( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ قبل أن ينام سورة السجدة وسورة تبارك )
الخطبة الثانية
( أما بعد فيا عباد الله )
( فمن الفوائد )
وهي سنة يتركها بعض من الناس ، أنه إذا رأى الهلال لا يقول هذا الذكر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسند وسنن الترمذي :
( اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ، هلال خير ورشد )
يقول هذا إذا رأى الهلال، ليس هلال رمضان فحسب وإنما أي شهر .
ولا يستقبل الهلال ، كما أشار إلى ذلك الألباني رحمه الله ، وإنما تقوله بغير استقبال للهلال ، وإن استقبلت القبلة فحسن .
( ومن الفوائد )
أن من السنة في حق المسلم إذا هبَّت الريح أن يقول أذكارا ، وهي أذكار معروفة لدى الناس ، لكن هناك ذكر يجهله كثير من الناس ، وهو ما جاء في حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه عند ابن حبان :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتدت الريح قال : اللهم لقحا لا عقيما )
يعني اجعل هذه الرياح تلقح الأشجار والسحب ، ولا تكون عقيما كما صنع الله عز وجل بعاد
( ومن الفوائد )
وهذه الفائدة تصلح لنا نحن البشر في غالب أمرنا ولاسيما في هذا الزمن ، قلة إنفاق ، قلة قيام بالليل، إلا من رحم ربي عز وجل ، ماذا يصنع من هذه صفته ؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي نعيم :
( من ضنَّ بالمال أن ينفقه )
يعني من بخل .
( من ضنَّ بالمال أن ينفقه ، وبالليل أن يكابده ، فعليه بسبحان الله وبحمده )
أكثر من هذا الذكر ( سبحان الله وبحمده ) طيلة يومك ، فإن هذه بإذن الله تعالى تكون موازية إلى حدٍّ للإنفاق ولقيام الليل .
( ومن الفوائد )
من رحمة الله عز وجل بالمؤمن ، أنه إذا أذنب ذنبا ” لا تكتب له سيئة فورا ” وإنما ينتظر به ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الطبراني من حديث أبي أمامة رضي الله عنه :
( إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن المسلم المخطئ ، فإن استغفر الله منها ألقاها ، وإلا كتبت واحدة )
وهذه رحمة من الله عز وجل تدعونا إلى أن نسارع بالتوبة متى ما أذنبنا .
( ومن الفوائد )
أن من السنة إذا أردت أن تذبح شيئا يؤكل ” أن يكون في قلبك رحمة لهذا المذبوح المأكول “
النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الطبراني :
( أتاه رجل فقال يا رسول الشاة أذبحها وأرحمها ، فقال صلى الله عليه وسلم “ رحمك الله إن رحمتها ” )
( ومن الفوائد )
وهذه ينبغي أن تكون عالقة في أذهاننا ، نحن نذهب إلى أعمالنا في الدوائر الحكومية ، أو لأعمالنا التجارية من أجل أن ننفق على أنفسنا أو أن ننفق على أولادنا أو أن ننفق على أبوينا ، لتعلم أن لك أجراً عظيما ، حينما تذهب إلى وظيفتك من أجل أن تسد جوعتك وجوعة من تعول “
النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الطبراني بإسناد صحيح من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال :
( مررنا على رجل ذي بأس شديد ، فقلنا يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله لكان خيرا ، فقال صلى الله عليه وسلم : ” إن كان خرج يسعى على وِلْده صغارا )
( وِلْدِه ) يعني أولاده ، وهذه صيغة من صيغ لفظ الولد .
( إن كان خرج يسعى على وِلْدِه صغارا فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى ليعف نفسه فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان )
( ومن الفوائد )
وهي سنة وللأسف مهجورة عند كثير من الخطباء ، وينبغي لمن يحضر عندنا إذا التقى بالخطباء أن يذكره بهذه ، إن كان جاهلا يعلمه ، وإن كان غير جاهل فليذكره بتطبيق هذه السنة ، أم هشام بنت النعمان بن الحارث قالت كما عند مسلم :
( ما حفظت سورة ” ق ” إلا من فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقرأها في خطبة الجمعة )
سورة ” ق “ كما يصل إلي أن كثيرا من الخطباء لا يعرف قراءتها على المنبر ، وهذا من ترك السنة .
وبهذا تم بحمد الله ما أردنا أن نتحدث عنه من فوائد مجهولة أو سنن مهجورة ، قد تكون هناك أشياء أخرى تركناها إما غفلة ، وإما عمدا خشية الإطالة .
الخاتمة : ………………………….