خطبة فوائد ومسائل نادرة عن الأمن
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمن من ضروريات بني آدم
ولذلك فإن إبراهيم عليه السلام كما قال ابن كثير في التفسير قال موجها للآيتين اللتين في سورة البقرة وفي سورة إبراهيم قال إن إبراهيم دعا لهذا البلد الحرام بالأمن مرتين مرة قبل أن يبني البيت والمرة الثانية بعد بنائه واستقرار أهله به
قال عز وجل في سورة البقرة { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا } يعني اجعل هذه البقعة التي سيكون عليها البيت اجعلها آمنة
قال أما في سورة إبراهيم فإن الدعوة التي أتت { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَام }
قال بعد أن بنى البيت واستقر أهله فيه وذلك لأن إسماعيل ولد قبل إسحاق وفي سورة إبراهيم ذكر إسحاق فدل هذا على أن الدعوة الثانية إنما هي بعد بناء البيت واستقرار أهله به
ولذلك قال في آخر دعواته { الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء }
ذكر إسحاق
وهذا البلد الحرام حرمه الله عز وجل متى ؟
يوم أن خلق السموات والأرض
في حديث ابن عباس كما في الصحيحين:
(( إن الله حرم هذا البلد يوم أن خلق الله السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ))
ولا يتعارض هذا مع ما جاء في صحيح مسلم :
من حديث عبد الله بن زيد أن النبي عليه الصلاة والسلام قال (( إن إبراهيم حرم هذا البيت ودعا لأهله ))
فإبراهيم أراد بذلك أن يذكر الناس بما كان عليه الحكم السابق في قضاء الله عز وجل كما قال القرطبي في التفسير وإنما الذي حرمها ابتداء هو الله
متى ؟
يوم خلق الله السموات والأرض
فجاء إبراهيم فبين ووضح وأشاع هذا الحكم مرة أخرى
وجاء النبي عليه الصلاة لما فتح مكة وقال : ( إنها لم تحل لأحد وإنما أحلت لي ساعة من نهار )
ثم قال (( فهي حرام لحرمة الله عز وجل إلى يوم القيامة ))
بل إن الله عز وجل على أحد وجهي التفسير أمر الناس أن يؤمنوا من دخل هذا البيت الحرام قال عز وجل { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا }
قول آخر وهو قول ابن العربي قال { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } يعني أن هذا خبر عما مضى ولا يعني أنه خبر وحكم مستقبلي سيأتي وإنما الأمن فيما مضى لكن القول الآخر { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } هو أمر لكنه جاء بصيغة الخبر
بمعنى :
{ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } يعني أمنوا من دخله كما قال عز وجل { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ }
يعني لا ترفثوا ولا تجادلوا ولا تفسقوا
ولذلك :
لم ينس رسول الله عليه الصلاة والسلام المدينة
ففي صحيح مسلم :
من حديث سهل بن حنيف أنه لما أقبل على المدينة أهوى بيده إليها ــ يعني أشار بيده إليها ــ وقال (( إنها حرم آمن ))
وبهذا الأمن :
الذي بهذا البلد الحرام استفادت منه قريش كما قال ابن كثير في التفسير استفادت منه في أسفارها وفي إقامتها في البلد الحرام
ففي السفر :
يعرفون فلا يتعرض لهم بل قال إن من انضم إليهم في السفر ولو لم يكن منهم فإنه يكون آمنا لأن الناس يحترمون قريشا لاعتبار احترامهم لهذا البيت
قال عز وجل :
{لإِيلاَفِ قُرَيْش إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْف }
لهم كما قال رحمه الله لهم رحلتان في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام
وفي هاتين السفرتين في تجارتهم وفي غيرها هم آمنون مطمئنون
{لإِيلاَفِ قُرَيْش إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْف فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف}
قال القرطبي : أطعمهم من جوع ليس من جوع واحد وإنما هو جوع بعد جوع
وأما في إقامتهم في البلد الحرام فتأتي الآية الأخرى كما قال ابن كثير في التفسير { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ }
ولعظم الأمن فإن أخبار الأمن وأخبار الخوف لا يختص بها إلا ولاة الأمر
أما آحاد الناس فإن الشرع حرم عليهم أن يشيعوا أي خبر حرم عليهم أن يشيعوا أي خبر يتعلق بالأمن او بالخوف إنما هذا مختص بولاة الأمر لأنهم يعرفون المصالح والمفاسد فإن كان في تلك الأخبار خير أشاعوها وإن كان فيها شر كتموها
قال تعالى { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } أهو خير فينشر أم أنه شر فيكتم
وهذا الأمن عباد الله :
الذي يحتاج إليه الناس في هذه الدنيا لا يمكن أن يتحقق إلا بهذه الأمور :
أولا :
شكر الله على نعمة الأمن باللسان وبالقلب وبالجوارح { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث } بالقلب { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ }
{ كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ }
بالجوارح { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُور }
ثانيا :
أن يغاث الملهوف بأن يقدم له الخير وتقدم له الإعانة فإنها بإذن الله سبب في حفظ الأمن
قال النبي عليه الصلاة والسلام كما عند الطبراني ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء )
الأمر الثالث :
أن يحرص على إقامة الصلاة التي فرط فيها في هذا الزمن وأن يحرص على إخراج الزكاة التي فيها فرط فيها في هذا الزمن لغلبة الشح في النفوس
وأن يقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مقتضى ما جاءت به القواعد الشرعية
الدليل :
{ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ } التمكين في الأرض لا يكون إلا بهذه الأشياء
{ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ }
رابعا :
أن يلتف حول العلماء وأن يؤخذ من العماء الراسخين وأن يقرأ في كتب السلف
ولذا ما نشأت مصيبة في الناس ولا عمت الفتن إلا بسبب بعد الناس عن طلب العلم الشرعي من أهله ومن مظانه وهي الكتب التي قرأها علماؤنا ودرسوها رحمهم الله
خامسا :
أن يلتفت حول الولاة وأن يكون الجميع يدا واحدة فإنه بالولاة تستقيم أمور الناس في الدين والدنيا بإذن الله وكتب السلف شاهدة بذلك
لم عظم الأمن ؟
لما ذكره إبراهيم في أول دعوته لأنه بالأمن بإذن الله تحفظ لك كل ضرورياتك في هذه الحياة
ما هي ضرورياتك في هذه الحياة ؟
دينك ، نفسك ، يعني دمك ، مالك ، عرضك ، عقلك
فبالأمن يحفظ الدين بإذن الله
بالأمن تحفظ النفوس والدماء بإن الله
بالأمن تحفظ الأعراض من أن تنتهك
بالأمن تحفظ العقول من المخدرات والمسكرات
بالأمن تحفظ الأموال
ضروريات خمس يحتاجها كل مسلم لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلا بوجود الأمن ولا أمن لا وجود لها إلا بالأمن بإذن الله
ولا وجود لأمن إلا بالولاة
سادسا :
أن يحرص على التوحيد الذي يقلل من شأنه في هذا الزمن
فلا تسمع هؤلاء إما جهال وإما مستعلمون يقولون لا حاجة لنا في تعلم التوحيد بل إن بعضهم يقول أين الشرك وأين البدع ؟
سبحان الله
أأعمى الله بصرك وبصيرتك وتلك الوسائل وسائل التواصل تتصبب على جوالات أبنائنا وأهلينا بالليل والنهار من خارج هذه البلاد من البدع والإلحاد والمنكرات وما شابه ذلك من هذه الفظائع
لا أمن إلا بالتمسك بالتوحيد { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ } يعني بشرك { أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون }
فتعلم التوحيد والحرص عليه بإذن الله يحفظ هذا الأمن بل تحفظ خيرات الدنيا وتحصل خيرات الآخرة بالأمن
أما أن يدعى غير الله أو تصرف عباد لغير الله أو تنشر وتستقبل البدع هنا تأتي المصائب على الأمة لأنه إذا نخر في توحيدها هنا يضيع الدين وإذا ضاع الدين ما الذي يكون للدنيا تضيع