كيف يثبت شهر رمضان ـ شروط من يلزمه الصوم ( 1 )

كيف يثبت شهر رمضان ـ شروط من يلزمه الصوم ( 1 )

مشاهدات: 660

 

 ( ثبوت دخول الشهر ( 1 ) )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

أما بعد :

أيها الأحبة في الله ، أخذنا في الدرس الماضي كيف يثبت الشهر وما هي الطريقة التي يعرف بها رؤية الهلال ، وقلنا إن ثبوت دخول الشهر يكون برؤية الهلال أو بإكمال شعبان ثلاثين يوما ، ويكتفى في ثبوته برؤية مسلم سواء كان رجلا أم امرأة ، فإذا رآه رجل أو امرأة ثقة فإن الشهر يثبت برؤيتهما ، يقول ابن عمر رضي الله عنهما كما في سنن أبي داود ( تراءى الناس الهلال فرأيته فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فأمر الناس أن يصوموا )

واعلم بأن دخول الأشهر أو خروجها لا يثبت إلا برؤية عدلين مسلمين ما عدا شهر رمضان فيستثنى دخوله فيكتفى فيه بواحد .

لو قال قائل : ما العلة وما الحكمة في كون شهر رمضان يثبت دخوله برجل أو امرأة عدل ، بينما خروجه لا يثبت إلا برؤية اثنين ؟

الحكمة هي أمر الشرع ، هذا أولا .

لكن من الحكم:  أن النفوس معظمها لا ترغب في الصيام فتجد أن الحرص لا يكون شديدا على رؤيته فاحتيط لدخول الشهر لكون الناس لا يرغبون في الصيام بأن يثبت بشهادة واحد ، بينما ترك الصيام فالنفوس ترغب وتطمح إلى الفطر فلذلك أيضا احتيط لهذا الشهر بأن لا يثبت إلا برؤية مسلميْن عدلين .

ويشترط مع أنه يكون عدلا ثقة، يشترط أن يكون قوي البصر ، واعلم بأن العمل لا يمكن أن يكمل إلا بأمرين ثقتك في الشخص وقدرته على هذا العمل ، قد يكون الإنسان ثقة في دينه لكنه لا يحسن العمل فلا يكون العمل تاما ، وقد يكون قادرا على العمل لكنه ليس بأمين فلا يحصل تمام العمل ، إذاً العمل سواء كان عملا دينيا أو دنيويا لا يكمل إلا بالأمانة وبالقدرة على العمل قال الله عز وجل في قصة موسى مع بنت ذلك الرجل الصالح { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } القصص26، ( موسى عليه الصلاة والسلام دخل المدينة في القائلة وإذا به يرى قبطيا وإسرائيليا من بني جنسه فرأى من هو على دينه يستغيث به من ذلك القبطي فأراد موسى عليه الصلاة والسلام أن يغيثه فضرب موسى هذا القبطي ضربة يريد أن يزيحه عن هذا الإسرائيلي لكن كانت هي الضربة القاتلة فندم موسى على هذا الفعل ، ولما جاء من الغد إذا به يبصر ذلك الإسرائيلي يستغيث به وقد تشاجر مع قبطي ) لكن كيف عُرف فيما بعد أن القاتل له موسى ؟ موسى في اليوم الذي يلي ذلك اليوم يرى الإسرائيلي يتشاجر مع قبطي فاستغاث به الإسرائيلي نفسه فموسى بادر إلى أن يغيثه فظن الإسرائيلي أن موسى سيضربه فقال له ( أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ) حينها شاع الخبر وتبين أن موسى هو الذي قتل القبطي الذي بالأمس ( فاجتمع فرعون مع حاشيته وقرروا وأجمعوا على أن يقتلوا موسى ، لكن من بينهم رجل صالح أتى إليه { قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ }القصص20 فخرج موسى متوجها إلى مدين وهو لا يعلم طريقها فقال عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ }القصص22.

فانتهى به المقام إلى مدْيَنَ وإذا به يجلس أمام بئرهم وإذا بالرعاة معهم مواشيهم يحيطون بهذه البئر وإذا بامرأتين منعزلتين عنهم ينتظرن متى ما فرغ هؤلاء الرعاة أن يسقوا مواشيهم،  فسألهم موسى فأجابوه ، فقام عليهم الصلاة والسلام ثم سقى لهما فرجعتا إلى أبيهما على غير عادة ) كن يتأخرن في المجيء ( فحدثنه بما رأينه من ذلك الرجل ، فقالت إحداهما {  يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }القصص26، فقال هذا الرجل : كن عندي أجيرا عشر سنين أو ثماني سنين وأزوجك إحدى ابنتي )

ومن هنا يجوز أن يتزوج الرجل بامرأة ليس على نقود يجوز أن يكون المهر عملا من الأعمال كأن يقدم لها خدمة أو عملا ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج ذلك الرجل تلك المرأة بما معه من القرآن ، هذا مهرها ( قال : التمس ولو خاتما من حديد ، قال : إني لا أجد ، قال : هل عندك شيء من القرآن ؟ قال : نعم ، عندي سورة كذا وكذا ، فقال : زوجتكها بما معك من القرآن ) إذاً يشترط في العمل لكي يكون صحيحا كاملا أن يكون الرجل القائم به أمينا قادرا على هذا العمل .

قال تعالى { قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } النمل39 ، سليمان عليه الصلاة والسلام لما تفقَّد الطير وتفقَّد جيوشه والجيش كان متنوعا طيور ووحوش وجن وإنس فلم يعثر على الهدهد فغضب قال { لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً } قيل : إن من أنواع العذاب أن يقطِّع ريشه ، فإذا بالهدهد يأتي ويقول { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } وهنا أيضا يستفاد أن المفضول قد يفيد الفاضل ، وأن يفيد العالم من هو أعلم منه ، فما الذي أتى به هذا الهدهد ؟

أتى من اليمن وإذا به يأتي بخبر ، إذا به يرى امرأة تسوس رجالا ولكن هؤلاء ليسوا على دين الله بل يعبدون الكواكب يعبدون الشمس والقمر ، فقال سليمان { سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } فأرسل بكتاب ، فلما وقع هذا الكتاب في يدي ( بلقيس ) هذا اسمها كما ذكر المفسرون ، قالت : {  إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } لماذا كان كريما ؟ لأنه مفتتح بـ [ البسملة ] فاستشارت أعوانها وأجمعوا على أن يعرفوا هل سليمان مَلِك أم نبي ، فما هي الطريقة ؟ قالوا : نبعث إليه بهدايا إن قبلها فهو ملك وإن لم يقبلها فهو نبي ، وبالفعل ردها قال { أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } أنتم إذا أهدي إليكم فرحتم بهذه الهدايا وبهذه العطايا ، فقال : لجنوده من يحضر لي عرش بلقيس ؟   { قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } لكن { قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } وإذا بالعرش يكون بين يديه قبل أن يرتد إليه طرفه. فإذاً / العمل لا يكون تاما حسنا إلا بهاتين الصفتين ، إذاً يشترط في رؤية الهلال لمن رآه أن يكون ثقة قوي البصر ،فمن كان ضعيف البصر ولو كان ثقة في دينه أمينا فإنه لا يقبل قوله .

إذا ثبت الشهر يلزم الصوم كل [ مسلم – بالغ – عاقل – مقيم – قادر سالم من الموانع ]

يلزم الصوم كل [ مسلم ] يُخرج الكافر .

بالغ / يخرج الصغير ، فلا يجب عليه .

عاقل / يخرج المجنون .

قادر / يخرج المريض والعاجز .

مقيم / يخرج المسافر .

سالم من الموانع / يخرج الحائض والنفساء .

هذه أضداد هذا التعريف مختصرة وإليكم التفصيل :

( المسلم )  يخرج الكافر ، فالكافر لو صام لا يصح منه الصوم ولا يقبل منه قال الله تعالى  { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ } التوبة54 ، لكن لو أسلم الكافر في منتصف الشهر لا يطالب بما سبق وإنما يطالب بما سيأتي ، لو أسلم في نفس اليوم نقول له أمّسك ولا يلزمك القضاء على الصحيح ،وإنما يلزمك أن تمسك قال تعالى  { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } الأنفال38 ، لكن لو بقي على كفره فإن أعماله ولو كانت عظمية جليلة لا تقبل ، كان هناك رجل يقال له ( عبد الله بن جدعان ) هذا الرجل من أثرى قريش في الجاهلية ، فقالت عائشة رضي الله عنها ذات يوم للنبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم ( إن ابن جدعان في الجاهلية كان يقري الضيف ويغيث الملهوف ويطعم المسكين أينفعه ذلك ؟ قال : لا ، إنه لم يقل في يوم من الأيام رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) هذا الرجل له قصة ذكرها ابن كثير رحمه الله في البداية ( كان هذا الرجل عبد الله بن جدعان منبوذا من قومه لا يرغبون فيه حتى من أبيه لا يُحب أن يراه ولا يحب أن يُجالسه فخرج تائها يريد الموت وإذا به يبصر غارا فقال أدخل هذا الغار لعل أن يكون به حية تلسعني أو عقرب تلدغني فأستريح ، فدخل وإذا به يُبصر كنوزا من الذهب والفضة على صورة ثعابين وعلى صورة حيوانات وإذا بجوارها وبجانبها أسماء رجال من [ جُرْهم ] ) قبيلة جُرهم هي التي قدمت على أم إسماعيل ، لما تركها إبراهيم عليه الصلاة والسلام في مكة وحصل ما حصل في قصة زمزم ، وإذا بهؤلاء القوم يأتون إليها وإذا بالطيور يرونها في الجو ، قالوا هذه الطيور لم تأت إلا لماء ، وهذا المكان ما عهدنا أن يكون به ماء ، فأتوا إلى أم إسماعيل فوجدوها وإذا بماء عندها فاستأذنوها فأذنت لهم في الشرب ، فلما كبُر إسماعيل عليه الصلاة والسلام تزوج منهم ، الشاهد من ذلك أن هذا الرجل رأى هذه الكنوز من الذهب والفضة وإذا بجانبها أسماء رجال من جرهم ( فأعلَمَ الغار وأخذ شيئا من هذه الكنوز وذهب إلى قومه وأنفق عليهم وأغدق عليهم حتى أحبوه وسودوه عليهم ) حتى إن هذا الرجل كانت له قصعة كبيرة جدا إلى درجة أن الراكب على البعير يأكل منها وهو على بعيره قائما ، حتى قيل إنه سقط فيها طفل صغير فغرق من سعتها وعظمها ، وكان يطعم وينفق ولكن لما لم يكن الإيمان في قلبه لم ينفعه ذلك لأنه لم يقل ( رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) لكن لو أدرك الإسلام فأسلم ستكتب له أعماله السابقة ، حكيم بن حزام كان يعلم أعمالا جليلة في جاهليته كان يعتق الرقاب وينفق ويتصدق فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم لما أسلم ، قال يا رسول الله ( أترى أعمالي التي عملتها في الجاهلية أؤجر عليها ؟ قال : أسلمت على ما أسلفت من خير ) يعني بإسلامك كتبت لك تلك الأعمال ، وإذا قيل لك مَنْ هو الصحابي الذي وُلد في جوف الكعبة ؟ فقل : هو حكيم بن حزام رضي الله عنه ، دخلت أمه مع نسوة في جوف الكعبة وإذا بالمخاض يأتيها فوضعت حكيما في جوف الكعبة ، وكان هذا الصحابي رضي الله عنه كريما إلى درجة أنه يقول ( إذا خرجتُ من بيتي في الصباح فلم أر مسكينا عددت ذلك من المصائب التي حلَّت بي ) وكان يملك دار الندوة التي كان يجتمع فيها كبراء قريش وهي مكرمتهم ، كان يملكها فلما أسلم باعها على معاوية فقال له عبد الله بن الزبير أتبيع مكرمة قريش ؟ فقال : يا أخي ذهبت المكارم ولم يبق إلا التقوى ، أشهدكم أنها صدقة لله عز وجل ، فهذا الصحابي رضي الله عنه عمل أعمالا في جاهليته لكن لما أسلم كتبت له تلك الأعمال ( أسلمت على ما أسلفت من خير ) .

وللحديث تتمة في الدرس القادم إن شاء الله تعالى ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .ولأو