لو سمعت هذه الخطبة لأيقنت أن ( رزقك سيأتيك ) بإذن الله عز وجل

لو سمعت هذه الخطبة لأيقنت أن ( رزقك سيأتيك ) بإذن الله عز وجل

مشاهدات: 606

خطبة

لو سمعت هذه الخطبة لأيقنت أن ( رزقك سيأتيك ) بإذن الله عز وجل

‏‏ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

elbahre.com/zaid

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يقول المُثَنَّى الأنباريّ وهو أَحَد أتباع الإمام أحمد رحمه الله ، يقول : لا تكونوا لِلمَضمون مُهتَمِّين فَتَكُونوا لِلضَّامِن مُتَّهِمين وبِرِزقِه غَيرَ راضِين

معنىٰ هذا الكلام :

لا تكونوا لِلمَضمون ( وهو الرِّزق ) مُهتَمِّين

صحيحٌ أنّ الإنسان يَفْعَل الأسباب لَكِنّ رِزقك مضمون

لا تكونوا لِلمَضمون مُهتَمِّين فَتَكُونوا لِلضَّامِن ( الذي ضَمِنَ لك رِزقك وهو الله ) فتكونوا لِلضَّامِن مُتَّهِمين وبِرِزقِه غَيرَ راضِين

تَأَمَّلْ معي قَولَ الله عزّ وجلّ : { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا }

قال { عَلَى } التي تدلّ على الوُجوب ، أَوجَبَ ذلك على نفسه عزّ وجلّ تَفَضُّلًا مِنْهُ

أيّ دابّة في الأرض

{ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا .. } يَعْلَم تفاصيلَ أحوالها مِن حيثُ ما تَستَقِرُّ في هذه الدنيا أو تُستَودَع فيه وما يكون في قبرها وما يكون لها مِن مَصيرٍ في الآخرة

{ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } رِزقُ الله لِكُلّ دابّة مكتوبٌ في اللوح المحفوظ

بل كما قال صلّى الله عليه وآله وسلّم مِن أنّ رِزقك وكُلَّ ما يَتعلَّق بك كَتَبَه عزّ وجلّ قَبْلَ أن يَخْلُقَ السموات والأرض بِخَمسين ألفَ سَنَة ،

عند مسلم : ” كَتَبَ اللهُ مَقاديرَ الخَلائق ” ..

كما قال عليه الصلاة والسلام : ” كَتَبَ اللهُ مَقاديرَ الخَلائِق قَبْلَ أَنْ يَخلُقَ السمواتِ والأرضَ بِخَمسينَ أَلْفَ سَنَة وعَرشُهُ على الماء “

رِزقُك مكتوبٌ وأنتَ في بَطن أُمِّك

في الصَّحيحَين ، المَلَكُ المُوَكَّلُ بِالإنسانِ في بَطنِ أُمِّه وهو جَنينٌ في أَطوارِه ، يُؤمَر المَلَكُ فيُكتَبُ لَهُ رِزقُه وَأجَلُه وَعَمَلُه وَشَقِيٌّ أَو سَعِيد

بل في كُلّ سَنَة في ليلة القدر يُكتَبُ لك ما قُدِّرَ لك مِن رِزقٍ أو غَيرِه { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) }

بل في كُلّ يَوْمٍ يُغَيِّر اللهُ عزّ وجلّ الأحوالَ ، ما بَينَ لحظةٍ وأخرى إذا بِالحال يَتَغَيَّر بِتَقديرٍ مِنْهُ عزّ وجلّ ، التَّقدير اليَومِيّ { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } يُعطي فقيرًا ، يُغني مسكينًا ، يَشفي مريضًا ، يُعافي مُبتَلى ، يُفَرِّجُ هَمًّا ، يُنَفِّسُ كَربًا

فرِزقُكَ مكتوبٌ لَك

وَتَأَمَّل تِلْك الطُّيور التي تكون في أوّل الصَّباح لَيسَ في بطنها شيءٌ مِن الطَّعام فَتَعود آخِرَ النَّهار وقد امتَلَأَت بُطونُها

قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عنه عند أحمدَ والترمذيّ : ” لَو أنَّكم تَتَوَكَّلونَ على اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِه لَرَزَقَكم كما يَرزُقُ الطَّيرَ ، تَغدُو خِماصًا وَتَرُوحُ بِطانًا “

 –  ( تغدو خماصًا ) في أَوَّل النَّهار

 –  خِماصًا  فارِغة البطون

 –  ( وَتَرُوحُ بِطانًا ) أيْ تَرجِع وقد امتَلَأَت بُطونُها

وَتَأَمَّل معي -رعاكَ الله- تِلْك الدوابّ والحشرات الصغيرة التي نراها في البَرّ وتلك الدوابّ التي تكون في أعماق البحر ، مَن يَرزُقُها مَن يُوصِلُ إليها الرِّزق

قال تعالى { وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }

سميعٌ لِكلامِكم وَمِن ذلك الدُّعاء إذا دَعَوتُم اللهَ عزّ وجلّ أن يُوَسِّعَ لَكُم في الأرزاق ، عَلِيمٌ بِأحوالكم وما يُصلِحُكُم

لِمَ ؟ لِأنّ الخزائنَ كُلَّها بِيَدِ الله

المُغْنِي هو الله عزّ وجلّ لأنّه هو الغنيّ { لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } ما الذي بَعدَها ؟ { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } بِكُلّ شيءٍ عليم ، وَمِن ذلك ما يَتَعَلَّقُ بِأحوالِكم مَن يُصلِحُهُ الغِنَىٰ ، مَن يُصلِحُهُ الفَقرُ ، يَعْلَم ذلكم الزَّمَن الذي يناسب هذا العبد مِن حيثُ غِناه ، مِن حيثُ فَقرُه

وَتَأَمَّل حالَ هاجر أُمِّ إسماعيل ، تَرَكَها إبراهيمُ في ذلكم الوادي الذي لا ماءَ به ولا أَنِيس

فقال إبراهيم { رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ..} ما الذي بَعدَها { وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }

 

قال عزّ وجلّ عن تلك البُقعة -التي لا ماءَ بها ولا أنِيس- بَعدَ ذلك { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ }

{ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } تُجبَىٰ ، ما يأتون بها بل تأتي إليهم { .. رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }

وَتَأَمَّل حالَ مريم ماتَ أبوها وهي في بطن أُمِّها فَكَفَّلَها زَكَرِيّا ، أصبحت تحت كفالة زكريّا { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

المهاجِرون خَرَجوا مِن مكّةَ وخَرَجوا مِن دِيارهِم و أموالِهم فَأَغناهُم اللهُ عزّ وجلّ بَعدَما أَتَوا إلى المدينة حتّى قال عبدُالرحمن بن عَوف -كما ذَكَرَ ذلك عنه ابن كثيرٍ في البداية-  يقول : واللهِ لَو رَفَعتُ حَجَرًا لَرَجَوتُ أنْ أَجِدَ تَحتَهُ درهمًا

فَاطْمَئِنّ ، رِزقُك مُقَدَّرٌ مكتوب

وَوَالله لَن تَخرُجَ روحُك مِن هذه الدنيا إلَّا وقد أَخَذتَ رِزقَكَ كُلَّه ، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عند أبي نُعَيم ” إنّه لَن تَموتَ نَفْسٌ حَتّىٰ تَستَكمِلَ رِزقَها وَأَجَلَها “

والنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عنه قَولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم عند ابن حِبّان ، قال : ” إنّ الرِّزقَ لَيَطلُبُ ابنَ آدَمَ كما يَطلُبُهُ أَجَلُه “

كما أنّ أجَلَك يَطلُبُك ، رِزقُك أيضًا يَطلُبُك

وفِي مُسنَد الشَّامِيِّين : ” إنّ الرِّزقَ لَيَطلُبُ العَبدَ أكثَر مِمّا يَطلُبُهُ “

فَاطْمَئِنّ رِزقُكَ مُقَدَّرٌ  ، وما كُتِبَ لك سيأتيكَ طالَ الزَّمَن أَم قَصُرَ

لَكِن كُلٌّ مِنّا يُفَتِّش عَن حالِهِ مَع رَبِّه

أين نحن مِن الصلاة التي هي سَبَبٌ مِن أسباب الرِّزق { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ }

أين حالُنا مِن قراءة القرآن ؟ أين حالُنا مِن ذِكرِ الله ؟ أين حالُنا مِن عبادة الله عزّ وجلّ بِجَميع أنواعها

{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ .. }{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا }

{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }

 اللَّهُمَّ إنَّا نسألكَ مِن الخيرِ كُلِّه عاجِلهِ وآجِلهِ ما عَلِمنا مِنهُ وما لَمْ نَعلم ، ونعوذُ بِكَ مِن الشَّرِّ كلّهِ عاجِلهِ وآجِلهِ ما عَلِمنا منه وما لَمْ نعلَم . اللَّهُمَّ اكفِنا بِحلالِكَ عن حَرامِك ، وأغْنِنا بِفَضْلِكَ عَمَّن سِواك

  هَذِهِ خُطبة بِها تَذكيرٌ لِنَفسي أوّلًا ، ثمّ لَكُمْ ثانيًا

وَفَّقَ اللهُ الجميع لِلعِلم النافِع والعَمَل الصَّالِح