مختصر صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم ــ الجزء الثاني

مختصر صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم ــ الجزء الثاني

مشاهدات: 621

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الثانية  ـ مختصر صفة صلاة الرسول ﷺ ــ الجزء الثاني

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما بعد، فيا عباد الله:

مازلنا في صفةِ الصلاة؛ وتوقفنا عند ” الرفع من الركوع “

فإذا رفعَ المصلي رأسَه فإنه يقول مِن حين الرفع إن كان إماما أو منفردا:

 ” سمع الله لمن حمده “

وإن كان مأموما فإنه يقول: “رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ “

 ويضيفُ الإمامُ والمنفردُ على التسميع الذي هو ” سمع الله لمن حمده “

يضيفوا إليه قولُ: “رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والقدرُ الواجب هو قول: “رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ”

وما زاد على ذلك فهو من السنن

 كما لو قال: “رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ” وأضاف: ” حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مُبَارَكًا عَلَيْهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ. أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ – وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ – : اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ  “.

 

وما ورد من غير هذه الأذكار فإن ما زاد على “رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ” فإنه سنة

وبالتالي: فإنه يجبُ على المصلي أن يقول: “رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ”.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تنبيه على زيادة لا أصل لها

ما يزيده البعض من كلمة ” الشكر ” فإنه لا يُعرف لها أصلٌ في السنة

البعض إذا قال: ” سمع الله لمن حمده ” قال: ” ربنا ولك الحمد والشكر “

كلمة ” الشكر ” لا يُعرف لها أصل في سنة النبي ﷺ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقد وردت أذكارٌ متنوعةٌ في هذا المقام:

 إما أن تقول: “رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ” بالواو

أو تقول: “رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ” بحذف الواو

 أو تقول: ” اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ “.

أو تقول: “اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ”

أو تقول: ” لِرَبِّيَ الْحَمْدُ” كلُّ هذا وارد عن النبي ﷺ

والأفضل لمن حفظ هذه: أن يفعل هذه تارة، وتلك تارة أخرى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تنبيه على خطأ عند البعض، وهو: عدم الاطمئنان بعد الرفع من الركوع

هنا يخطئ البعض، ولاسيما من بعض الأعاجم: فإنه من حين ما يقول: ” سمع الله لمن حمده “؛ يعني: من حين ما يرفع؛ مباشرة يخرُّ إلى السجود! دون أن يطمئن في هذا الركن الذي هو القيام بعد الركوع.

وهذا مُلاحَظ؛ لاسيما إذا كان منفردا.

 

وبالتالي: فإن الواجبَ على مَن له عِلمٌ بهذا الأمر- لأن مثل هذا لا يُجهل- أو مَن رأى أمثال هؤلاء أن يوجه إليهم النصيحة.

 

والنبي ﷺ كما في حديث أنس في الصحيحين كان يطيلُ هذا الركنَ إلى أن يقال:

” قَدْ نَسِيَ.” أي: قد نسي أنه في صلاة؛ من شدة طول هذا القيام منه ﷺ.

ولذا كما جاء عند أبي يعلى في مسنده وغيره: 

 رأى النبي ﷺ رجلا حالتُه كحالة من يصنع في هذا العصر من عدم الاطمئنان قال:

” لَوْ مَاتَ هَذَا عَلَى حَالِهِ هَذِهِ مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ “

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهل يضع يديه على صدره أو يرسلهما؟

ج/ قولان لأهل العلم:

ولكن الذي يظهر من حديث سَهْل بن سعد رضي الله عنه في صحيح البخاري:

 أنه يضع اليد اليمنى على اليد اليسرى على الصدر بعد هذا القيام؛ لقوله رضي الله عنه: ” كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ”  كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ: في عهد النبي ﷺ.

قال ” فِي الصَّلَاةِ “ ولم يقل في القيام؛ ومعلومٌ أنه إذا قال ” فِي الصَّلَاةِ ” فإن لكل مَوضِعٍ مِن مواضعِ الصلاة لليدين صفة معينة؛ فلم يَبقَ من هذه الصلاة إلا هذا القيام الذي يلي الرفعَ من الركوع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

[ثم يخر ساجدا، ويقول: ” الله أكبر ” من حين خروره]

 

تنبيه على خطأ عند البعض:

البعض من الناس يقول: “رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ” أثناء نزوله إلى السجود؛ ثم إذا سجد قال: ” الله أكبر”! وهذا خطأ

وإنما ذِكْر “رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ” يكونُ في القيام؛

 ثم من حين ما تنحني للسجود يُشرع لك ذِكر آخَر وهو: ” الله أكبر”.

 

أما ما يصنعه البعض: من الاستمرار في ذِكر القيام ” رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ” أثناء النزول للسجود؛ وإذا وصل إلى السجود قال: ” الله أكبر”! فهذا خطأ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وهل يقدم يديه أم ركبتيه؟

قولان لأهل العلم:

جمهور العلماء يرون أنه يقدم ركبتيه قبل يديه

 

توجيه لطلاب العلم:

في مثل هذا المقام ينبغي، ولاسيما لمن يطلبُ العلم أن يتسعَ عقلُه وقلبُه للخلاف الجاري بين العلماء في مثل هذه المسائل التي تكونُ من السنن

لأن البعض من الناس يجعل مثل هذه المسائل مناطا للعداء والولاء!

وهذا في الحقيقة يدل على جهل؛ لأن طالبَ العلم الذي عنده إدراكٌ وسَعةُ علمٍ واطلاع لأقوال العلماء؛ ولما جاء من أدلة الشرع يتسع عقله وقلبه.

الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا فيما بينهم، ومع ذلك لم تُشحَن نفوسهم بالبغضاء أو بالعداء نتيجةَ أن هذا خالفه في هذا الرأي! لا

لما انتهت غزوةُ الأحزاب جاء جبريل إلى النبي ﷺ قال: ” قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ، وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ، فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ. قَالَ: فَإِلَى أَيْنَ؟ ” قَالَ : هَاهُنَا. وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ،” الذين خالفوا العهد فقال النبي ﷺ لأصحابه:

 ” لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ” فسار الصحابة رضي الله عنهم، فكادت الشمس أن تغرُبَ؛ فبعضُ الصحابة قال: أراد النبي ﷺ أن نسرع فلابد أن نصلي قبل أن تغرب الشمس قبل أن يخرج وقتُ صلاة العصر

قال بعض الصحابة: ” لا؛ لا يمكن أن نصلي إلا في بني قريظة حتى لو غربت الشمس -أخْذا بالظاهر-

ومع ذلك فلم يُعَنِّف النبي ﷺ إحدى الطائفتين

وبالتالي: فإني أرى بعضا ممن ينتسب إلى العلم أرى أنه يُشحِنُ نفسَه بمثل هذه المسائل التي ينبغي للمسلم أن يكون أعلى وأعلى بكثير من هذا التصرف، ومن هذا الموقف الذي لا ينبغي له كطالبِ علم.

ـــــــــــــ

على كل حال: إن قدم يديه أو قدم ركبتيه الأمر في لك واسع

ولذلك نقل شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى: ” إن العلماء اتفقوا على أنه إن قدَّم الركبتين أو قدم اليدين لا بأس بذلك “

هذا ما نقله شيخ الإسلام رحمه الله؛ وإن كان هناك من يقول بالخلاف في هذا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ينبغي أن يكون السجود على الأعضاء السبعة

فإذا وصل إلى السجود يسجد على سبعة أعضاء:

يسجد على: الجبهة؛ والأنف؛ واليدين اللتان هما الكفان؛ والركبتين

وأطراف القدمين (يعني: أصابع القدمين)

سبعةُ أعضاء لابد آن تكون موجودةً في السجود -على الصحيح من أقوال العلماء-

قال ﷺ: ” أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ “

فلا بد أن يكون السجود على هذه الأعضاء السبعة؛ فمن أخلّ بشيءٍ مِنها فَحَرِّيٌّ بأن لا يصح سجودُه، ومِن ثَم: لا تصح صلاتُه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

تنبيه على بعض الأخطاء في السجود:

ـــ البعضُ من الناس إذا سجد يرفعُ أصابعَ قدميه عن الأرض!

هذا في الحقيقة أخلّ بعضوٍ من أعضاء السجود.

 

ــ البعض من الناس يسجد، لكن يسجد على جبهته، وأما أنفُه فإنه لا يُلاصِقُ الأرض!

وهذا خطأ.

 

ـــ البعض من الناس قد يشتغلُ بشيء في سجوده، ومِن ثَم فإن إحدى يديه قد تكونُ مرفوعةً عن الأرض إلى أن ينتهيَ السجود! مثل ما يُفعل ممن ينشغل بجواله!

 

وفي هذا المقام أنبه وأحذر مما يأتي به البعض من هذه الجوالات التي تشغل المسلمين في صلواتهم:

قد يشتغلُ بجواله أثناء السجود من أجل أن يُغلقَه!

يا أخي قبل أن تدخل المسجد أغلق جميع الاتصالات بالخَلْق، توجّه إلى الله عز وجل؛

يكفي أن الخشوع قد يُقال:

كاد أن يضمحلَّ من قلوب المسلمين إلا ما ندر، مع خلوِّ الصوارف، فكيف إذا جيء بهذه الصوارف؟!

ولا أدري: هل هذا الأمر عمد؟ أم أنه غير عمد؟

لسان الواقع؛ لسان الحال يقول: إنه عمْد؛ لم؟

لأن مَن دخل إلى المسجد واعتاد على أن يُغلِقَ جوالَه لا يمكن أن ينساه إلا في أندر الحالات؛ لماذا؟ لأنه اعتاد على هذا الأمر

ثم يا أخي ما هذه المصالح الكبرى التي ستفوتك إذا لم تُغلق الجوال؟!

أو إذا لم تضعه على وضع صامت؟!

ثم: هل من العقل لو اتصل بك ذو شخصية هامّة او ذو مصلحة هامة؛ أن ترد عليه في الصلاة؟!

ثم يضاف إلى ذلك: ما يوضع من نغماتٍ موسيقية التي لا تجوز خارج المسجد فكيف بها في داخل المسجد؟! فهذه نقطة مهمة

هذا الجوال نعمةٌ من الله عز وجل، فلنتقِ اللهَ في أنفسنا، فمثلُ هذه النعم قد تزولُ في أيِّ لحظةٍ مِن اللحظات

الآن أصبح هذا الجوال نِقمة على أهل الخير، نِقمة على من يرتاد هذه المساجد

فلماذا لا نوعِظ أنفسَنا؟ ولماذا لا نربي أنفسَنا على أن نغلق جميع الاتصالات بالخلق إذا دخلنا بيتَ اللهِ عز وجل! هذا أقل ما يكون

النبي ﷺ يقول: ” أَوَّلُ مَا يُرْفَعُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْخُشُوعُ حَتَّى لَا يُرَى فِيهِ خَاشِعًا “

 وهذا في آخِر الزمن ليس من باب الإقرار؛ أن نُحَلِّقَ بأذهاننا وأفهامنا وقلوبنا خارجَ المسجد! ( لا ) إنما من باب التحذير؛ لأن الصلاة المعيار والمَدار عليها هو “الخشوع”

ولذا النبي ﷺ يقول: ” إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ، تُسْعُهَا، ثُمْنُهَا، سُبْعُهَا، سُدْسُهَا، خُمْسُهَا، رُبْعُهَا، ثُلْثُهَا، نِصْفُهَا “. فلنتق الله في أنفسنا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشاهد من هذا:

أن البعض قد يُخِلُّ بعضوٍ مِن أعضاء السجود وهي الأعضاء السبعة:

الجبهةُ والأنف؛ الأنف داخل ضِمنَ الجبهة حُكمًا وليس داخلًا حقيقة

والكفان؛ والركبتان؛ وأطراف القدمين. لِيُتَنبَّه لمثل هذا الأمر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والسنة له في هذا بالنسبة إلى الكفين:

 أن يضم أصابعه وان يستقبلَ بأطراف أصابعه القبلة.

فيكونُ: ضامًّا لأصابع كَفَّيه مستقبلا بأطراف أصابعه القبلة.

 

وبالنسبة إلى الساعدين: فإنهما يرفعان عن الأرض؛ لأن النبي ﷺ قال:

” اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ “.وفي رواية:

” انْبِسَاطَ السَّبُعِ “.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن السنة: تكون اليدان -اللتان هما الكفان؛ إذا عُبر باليدين في الشرع وأُطلق فيراد منهما ” الكفان “-

فالسنة في الكفين: أن تكونا حذو المنكبين أثناء السجود؛ أو عند الأذنين

يعني في سجوده تكون الكفان حذو منكبيه؛ أو يكون الرأس بين كفيه.

ــــــــــــــــــــــــــ

والسنة له: أن يُجافِيَ بين عَضُدَيه:

ولذا كان الصحابة رضي الله عنهم يشفقون على النبي ﷺ مِن شدة المجافاة.

 

ولتعلموا: أن السنة في السجود كما هي المجافاة؛ كذلك السنة في الركوع المجافاة

ولذلك ” وَوَتَّرَ يَدَيْهِ ” يعني: جافى بين عضديه.

 

ولتعلموا: أن هناك فرقا بين السجود وبين الركوع:

قلنا في السجود: لا بد أن يسجد على سبعة أعضاء

بينما الركوع: يُلقِم بِكَفّيه ركبَتَيه؛ وهذا من السنة

بمعنى: أنه لو ركع من غير أن يضع كفيه على ركبتيه فإنه ترك السنة ولا تبطل صلاته؛ صلاتُه صحيحة؛ لكن بالنسبة إلى السجود يختلف الأمر.

ــــــــــــــــــــــ

فإذاً السنة في السجود: أن يضع الكفين حذو المنكبين أو عند أذنيه

(يعني: يكون الرأس بين الكفّين)

ـــــــــــــــــــ

ولذا/ النبيُّ ﷺ من شدة مجافاته كان الصحابة رضي الله عنهم يشفقون عليه،

حتى لو شاءت ” بَهْمَةً ” ان تمر بين جنبيه لمرت، من شدة مجافاته ﷺ.

” بَهْمَةً ” وهي: الصغيرة من الغنم.

 

هنا تنبيه:

لكن إن كان في جماعة، وستحصل مشقَّة وإيذاء لإخوانه المجاورين له في الصف؛

 فلا يعمل هذه المجافاة؛ لأنها سُنّة؛ والسنةُ إذا اتسع المجالُ للإتيان بها، فبها ونِعمَت؛

أما إذا ترتبَ على الإتيان بها إضرارٌ وأذيةٌ بالآخَرين فإنها لا تُعمل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم هنا تنبيه: لا انكماش ولا امتداد في السجود

النبي ﷺ قال: ” اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ “؛ والاعتدالُ في السجود ينبئ عن ماذا؟

ينبئ عن رغبةٍ ونشاط وإقبال للصلاة، لكن لو كان الإنسانُ منكمشا؟!

 كأن الصلاة عليه ثقيلة، ولو لم تكن ثقيلة في قلبه، لكن هيئتُه وحالُه وصورته تُنبئ عن هذا؛ ولذا: حتى يُقبلَ على الصلاة بنشاط يُجافي؛ لا سيما إذا كان منفردا؛ أو إذا كان إماما لا يزاحمهما شيء.

ـــــــــــــــــــــــــ

وهنا أمْرٌ آخر:

وهو أن البعض يبالغ فيمتد امتدادا حتى يصيرَ كهيئة المنبطح، وهذا خلاف السنة!

النبي ﷺ قال: ” اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ ” لا انكماش، ولا امتداد يزيدُ عن الحد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والسنة في القدمين في السجود: أن يضم قدميه حتى يلتصق العقِب بالعقب

بمعنى: أن يرص عَقِبَي قدَمَيه (العَقِب بالعقب) هذه هي السنة كما جاء في صحيح ابن خُزَيمة؛ فيضُم رِجلَيه حتى يلتصقَ العقب بالعقب؛ هذا هو السنة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والسنة أن يكون صدرُ القدم -ليس الباطن – إنما صدر القدم:

السنة: أن يكون مستقبلا القبلة بصدور قدميه؛ أطراف قدميه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ماذا يُقال في السجود؟

ج/ الواجب فيه: “سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى”؛ وأدنى الكمال: ثلاث؛ ولا حد له.

 

 ولو قال: “سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ “

 زاد: ” وَبِحَمْدِهِ ” هي ثابتة كما في سنن أبي داود.

 

ولو زاد من الأدعية ما زاد مما ورد في السنة فإنه شيء حسن؛

 لكن المعوَّل عليه في السجود هو: كثرة الدعاء إذا أتيت بالذكرِ الواجب، وما يُسن لك مما ورد في السنة أن تكثر من الدعاء في السجود.

بينما الركوع: السنة فيه ” التعظيم “

ولذا قال النبي ﷺ كما في صحيح مسلم: فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ ” يعني: حريٌّ” فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ “

ولكن ليس معنى هذا: أن تعظيم الله عز وجل لا يكونُ في السجود، لا؛ إنما ورد في السنة بأن هناك تعظيما في السجود:

  ” سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ “.

 هذا تعظيم في السجود

ولا يعني أنه لو دعا في الركوع أنه ممنوع؛ ففي الركوع:

” سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي “.واردٌ في الركوع كما هو واردٌ في السجود، ولذا قال: “ اغْفِرْ لِي “

لكن الأصل والغالب والمعول والمعتمد:

أن يكون الركوع فيه التعظيم؛ وان يكونَ السجود فيه الدعاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم يرفع رأسَه، ومن حين ما يرفع يقول: ” الله أكبر “

 

ما الذكرُ الواجبُ في الجلوس بين السجدتين؟

ج/ ” رَبِّ اغْفِرْ لِي” وورد: ” اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي”

فيقول: ” رَبِّ اغْفِرْ لِي” او ” اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي”

إحدى هاتين الصيغتين تُسقِطُ عنك الواجب.

لو زدتَ بعد ” ربِّ اغفرْ لي “:

” وَارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي؛ واجبُرْني؛ وارفَعْني ” فهذا واردٌ في السنة.

 

لكن هنا توجيه:

وهو أن البعض قد استمر على أمر؛ وهو: من حين ما يرفع يقول:

” رب اغفر، ولوالدي ” باستمرار؛ مثلُ هذا لم تأت به السنة فيما نعلم، ومن ثَمّ فإن المسلم يقتصر على ما ورد في هذا المَقام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لو أطال الإمام، وأنهى هذا الذكر فإن السنة وردت عن النبي ﷺ كما في حديث حذيفة

أن يكرر: ” رَبِّ اغْفِرْ لِي؛ رَبِّ اغْفِرْ لِي؛ رَبِّ اغْفِرْ لِي؛ رَبِّ اغْفِرْ لِي؛ رَبِّ اغْفِرْ لِي”

هذا وارد في السنة.

ـــــــــــــــــــــــ

 وهنا تنبيه على خطأ:

البعض من الناس، وهو ساجد يريد أن يرفع: ” الله أكبر؛ رب اغفر لي وارحمني.. “

هذا الذكر ” رب اغفر” لم يأتِ في هذا الموطن، فهو لم يأت به في مقامه،

ومن ثَمّ: فكأنه لم يأتِ به.

يُفترض: أن يكون هذا الذكر إذا اعتدلتَ جالسا تقول: ” رَبِّ اغْفِرْ لِي”.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذًا ما بين السجدتين: الواجب أن يقول: ” رَبِّ اغْفِرْ لِي

” إن زاد مما وردت به السنة فحسن؛ إن لم يعرف يكرر:

” رَبِّ اغْفِرْ لِي؛ رَبِّ اغْفِرْ لِي؛ رَبِّ اغْفِرْ لِي؛ رَبِّ اغْفِرْ لِي ” إلى أن يسجد الإمام.

ــــــــــــــــــــــــــ

 وهنا تنبيه على خطأ:

واقعٌ مِن بعضِ الأعاجم، وهو يظهر فيهم أكثر مِن غيرهم، وقد يقع في غيرهم:

 كما هو حاصلٌ في القيام من الركوع إلى القيام؛ حاصلٌ هنا:

قلنا: إن البعض من حين ما يقول: ” سمع الله لمن حمده ” يخر ساجدا!

كذلك: بعضهم إذا سجد، وأراد أن يرفع: ” الله أكبر ” ؛ ” الله أكبر “

دون أن يبقى في هذا المقام مطمئنا، ومِن ثَم: لا تصح صلاتُه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم يسجد السجدةَ الثانية

 ويصنع فيها ما صنع في السجدة الأولى، مِن حيثُ ما ورد، من الأقوال، والصفات في الأفعال؛ ثم يأتي بالركعة الثانية

ــــــــــــــــــــــــــ

وهنا تنبيه على خطأ:

إذا قام البعض من الركعة الأولى إلى الركعة الثانية:

قام من السجدة الثانية يريد أن يأتي بالركعة الثانية: ” الله أكبر”

بعض عوامِّ الناس يشرع في الفاتحة قبل أن يستتم قائما! وهذا خطأ

لأن مَحَلَّ قراءةِ الفاتحة في القيام، وهو الآن ليس في مَحَلِّ قيام.

 

وإنما يكونُ بين هذين الركنين: ” التكبيرة ” وهذه تسمى بـ ” تكبيرة الانتقال “

ما بين ركنٍ إلى آخَر تُسمى هذه التكبيرة “تكبيرةُ الانتقال”

فلا يقرأ الفاتحة إلا إذا استتمّ قائما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

هل يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم مرة أخرى أو لا؟

ج/ الأمر في ذلك واسع: إن استعاذ فحسن؛ وإن لم يستعذ: فلا يُعَنّفُ عليه.

ثم ” يبسمل ” ثم: ” يقرأ الفاتحة “.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهنا: لا استفتاح

الاستفتاح متى؟ ج/ الاستفتاح في الركعة الأولى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

تنبيه: البعض من الناس قد تفوتُه الركعةُ الأولى؛ فيُدرِك إمامَه في الركوع

 إذًا/ لن يقرأ دعاء الاستفتاح، ولن يقرأ الفاتحة؛ لأن الشرعَ أسقَطَ عنه دعاءَ الاستفتاح، وقراءةَ الفاتحة إذا أدرَكَ الإمام في الركوع؛ حتى يدركَ الركعة.

فالبعضُ من الناس إذا أدرك إمامَه في الركعة الأولى، لكنه لم يُدركه في القيام؛ أدركه في الركوع: سيكبر تكبيرة الإحرام، ويقول: ” الله أكبر ” ثم يكبر (تكبيرة الركوع)

هنا لم يقرأ الفاتحة، ولم يقرأ دعاء الاستفتاح.

 

هنا تنبيه على أن هذه السنة فات محلُّها:

البعضُ من الناس إذا قام مع الإمام يقرأ دعاء الاستفتاح! لم يا فلان؟!

قال: لأني لم أقرأ دعاء الاستفتاح في الركعة الأولى.

نقول: هذه سنة فات محلها، ففي الركعة الثانية لا استفتاح، سواء ذَكَره الإنسان في الركعة الأولى أو لم يذكره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيقرأ سورة الفاتحة، ويقرأ سورة أخرى، ويفعل في الركعة الثانية كما فعل في الركعة الأولى

فإن كانت الصلاة ثنائية: كصلاة الفجر ” أو كسنة راتبة، فإنه إذا قام من السجدة الثانية يجلس للتشهد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يُسن الافتراش:

إذا جلس للتشهد في الثنائية فإنه يُسنُّ له أن ” يفترش ” وهذا الافتراش كما هو مسنونٌ في التشهد الأول هو مسنون في الجلسة بين السجدتين

ما هو الافتراش؟

ج/ أن يفرش رِجلَه اليسرى، ويقعُدَ عليها، وينصب رِجله اليمنى، ثم يذكُر التشهد، وهو:

” التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ….. “

 إذا كان في ثنائية يُكمل ويأتي بالصلاة على النبي ﷺ، ويأتي بالدعاء الذي فيه الاستعاذة من أربع، لأن بعضَ العلماء أوجبه:

” اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ “. ليحرص على هذا الدعاء ولا يتركه.

 

هذا إذا كان في ثنائية فيُكمل، ويصلي الصلاة الإبراهيمية:

” اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ….. “.

ــــــــــــــــــــــــــ

وأنواعُ التشهد كثيرة: منها تشهد ابن مسعود كما رواه عن النبي ﷺ

تشهد عمر؛ تشهد عائشة؛ تشهد ابن عباس؛ تشهد أبي موسى الأشعري رضي الله عنهم

مَن حفِظَ هذه الأنواع فَحَرِّيٌّ به أن يأتيَ به تارة ًوتارة أخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قلنا/ إذا كان في صلاة ثنائية كصلاة الفجر فإنه يُكمل التشهد إلى أن يريد أن يُسَلِّمَ إذا كان منفردا؛ أو إلى أن يسلمَ إمامُه إن كان مأموما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما إذا كانت الصلاة ثلاثية: كالمغرب

 أو كانت رباعية: كصلاة الظهر أو العصر أو العشاء

 فإنه يكتفي بالتشهد الأول

فإن زاد الصلاةَ الإبراهيمية فهذا حسنٌ لورود الخلاف في ذلك

لكن التشهد الأول ينتهي بقوله:

” أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ “

 إن زاد الصلاة الإبراهيمية فهذا شيءٌ حسن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم إذا فرغ من التشهد الأول يقوم إلى الركعة الثالثة إن كانت الصلاة ثلاثية، وكذلك إن كانت رباعية.

فإذا قام فهنا: تُشرَع عدة أمور في الركعة الثالثة وفي الركعة الرابعة

 

نُكملُها إن شاء الله في الخُطبة القادمة.