الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
أما بعد :
فقد قال الله عز وجل { اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{48} وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ{49} فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{50}
{ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ } يعني يبسط هذا السحاب في السماء كيف يشاء ،
ثم { وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً } أي متراكبا بعضه على بعض .
{ فَتَرَى الْوَدْقَ } يعني المطر { يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ } يعني من شقوقه { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{48} في الساعات الماضية يقابل بعضنا بعضا وهو منبسط الصدر بسبب نزول هذا المطر { وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ{49} يعني آيسين { فَانظُرْ } يعني نظر اعتبار وتفكر { إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ } الرحمة هنا هي المطر ، ما آثار ها المطر ؟ { كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{50}
والله عز وجل يسوق هذه السحب إلى من يشاء { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا }الفرقان50 من باب الاعتبار ، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما ( ليس مطر عام أكثر من مطر عام آخر ) المطر كميته واحدة ، لكن الله عز وجل يصرفه كيفما يشاء إلى تلك البلاد أو إلى تلك البلاد الأخرى { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً } يعني يسوقه { ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } قال بعض المفسرين ( الجبال ) هنا عبارة عن السحب ، وصفت بأنها جبال لما فيها من الحمل والثقل من الأمطار ، وقال بعض العلماء – لا – الجبال هنا هي جبال على حقيقتها وأن في السماء جبالا من بَرَد
{ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ } يعني لمعان البرق { يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ }النور44
وهذا المطر نعمة من الله عز وجل وقد سماه الله عز وجل رزقا
{ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً }غافر13 – نعم- هو زرق يهطل هذا المطر فتمتلئ هذه الأرض فنأخذ منها الماء الطيب ، تنبت الأشجار ، ترعاه بهائمنا ودوابنا ، فهذا رزق لنا ، ولذا قال { وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ }الزمر6 لم ؟ لأن هذه الأنعام مصدر عيشها على هذا المطر الذي بسببه بإذن الله تعالى ينشأ وينبت الزرع ، فهو رزق وخير وبركة من الله عز وجل .
فهذا المطر نعمة من الله عز وجل وواجب علينا أن نشكر هذه النعمة وألا تكون مدعاة إلى الفسق وإلى غضب الله عز وجل ، لأن بعضا من الناس قد يذهب إلى البراري والصحاري ويفسق فيها ، وكان من الواجب عليه أن يشكر هذه النعمة ، ولذا وبَّخ الله عز وجل كفار قريش { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ }الواقعة82 ، الرزق هنا هو المطر ، لأنهم كانوا يقولون ” مطرنا بنوء كذا ” والنجم لا دخل له ، إنما الذي ينزل المطر هو الله عز وجل ، ولذا إذا نزل المطر يندب لنا أن نقول ( مطرنا بفضل الله ورحمته ) حتى نلغي تلك المقولة التي نشأت من كفار قريش ، وأيضا نقول ( اللهم صيبا نافعا )
صيبا : أي كثيرا .
نافعا :لأنه قد ينزل ويكون فيه ضرر ، فيما مضى في السنة الماضية وأيضا في الأيام الماضية ماذا حصل في غرب المملكة في ( جدة ) ؟ إذاً ( اللهم صيبا نافعا ) لا يكون ضارا ، ولذا الإنسان يسأل الله عز وجل أن تكون سقيا رحمة لا سقيا عذاب ، فيقول ( اللهم صيبا نافعا )
ويقول أيضا ( رحمة ) وهذا من السنة كما جاء عن مسلم ، يعني هذا المطر رحمة .
وأيضا يسن له أن يفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( كان يحسر عن ثوبه حتى يصيب المطر شيئا من بدنه ) لا يلزم أن يكون الرأس مكشوفا – لا – أي جزء من بدنك يستحب لك أن تخرجه حال نزول المطر تأسيا واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم .
أيضا إذا أُحرج الناس بنزول المطر في تفرقة الصلوات فيجمعون ، ابن عباس رضي الله عنهما كما في صحيح مسلم ماذا قال ؟ قال ( جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر ) من غير سبب ، فقالوا لابن عباس رضي الله عنهما لم فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ؟ قال ( أراد ألا يُحْرٍج أمته ) فهذا الحديث قاعدة لنا ، وهذا الجمع حقيقي ليس صوريا ، لأنه لو كان جمعا صوريا كما ذهب إليه بعض العلماء لما كان في ذلك رخصة ولا تيسير ، فقال ( أراد ألا يحرج أمته ) إذاً متى ما وجد المسلم حرجا في تفرقة الصلوات فيسن له الجمع ، وليس خاصا بالمطر –لا – لو اشتد البرد شدة عظيمة فيجمع ، لو أن الطبيب سيجري عملية وهذه العملية مثلا ستبدأ بعد الظهر ولن يخرج منها إلا إذا خرج وقت صلاة العصر نقول له صل العصر مع الظهر ، فمتى ما وجد الحرج فقد أكرمنا الله عز وجل بهذا النبي العظيم عليه الصلاة والسلام الذي هو حريص على أن يخفف عن أمته ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح لما اشتد المطر في ذات يوم من الأيام وحان وقت الصلاة ، والناس ليسوا في المسجد حتى يجمعوا ، الناس في بيوتهم ، قال عليه الصلاة والسلام للمؤذن قل ( صلوا في رحالكم ) يعني كلٌ يصلي في بيته .
فإذاً هذا من نعمة الله عز وجل علينا ، فلنشكر الله عز وجل على هذه النعمة ، نسأل الله عز وجل أن يجعله مطرا صيبا مباركا نافعا ، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .