بسم الله الرحمن الرحيم
هل تريد الخشوع؟ فعليك بهذه الأشياء التي توصلك إلى الخشوع بإذن الله
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
أخرج الطبراني رحمه الله عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “أوَّلُ شَيءٍ يرفعُ مِن هذِهِ الأمَّةِ الخُشوعُ” ترى أين نجد هذا الكنز المفقود؟
أظن والعلم عند الله أن هناك أسبابًا تهيئ الإنسان إلى أن يظفر بهذا الخشوع الذي هو في الحقيقة كنز عظيم من افتقده فقد افتقد خيرًا عظيمًا، أوصي نفسي وأوصيكم بهذه الأسباب.
أولًا: أن يستحضر الإنسان حينما يصلي أنه يناجي ربه، وأن الله بقبلته كما ثبت بذلك الحديث الصحيح، ولذا نحن إذا شرعنا في الصلاة ماذا نقول؟
الله أكبر ما معنى هذه الكلمة؟
يعني أن الله أكبر من كل شيء، يعني عليك أن تلغي كل شيء
يخطر في قلبك لمَ؟
لأنه لا أكبر من الله، الله أكبر، ولذا نقولها في انتقالاتنا في السجود،
في الركوع، في الانتقال من ركن إلى ركن، بل إذا رفعنا من الركوع
ماذا نقول؟
نقول: سمع الله لمن حمده، نحن نريد أن نستشعر بأن الله يسمعنا،
وأنه يستجيب لدعائنا لمَ؟
لأنك تناجي الله عز وجل، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ” إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ ” نحن إذا قرأنا الفاتحة قرأنها من غير تدبر وتمعن، إذا ركعنا قلنا: سبحان ربي العظيم، بل ربما أن بعضنا يدخل مع الإمام، ولا يدري أن الإمام قد فرغ من جميع الركعات، وأنه على وشك أن يسلم لمَ؟
لأن القلب منصرف إلى غير هذه الصلاة، والله لو دخلنا إلى هذه الصلاة بخشوع وطمأنينة لخرجنا منها بإيمان غير الإيمان الذي دخلنا به، ولذلك ماذا قال عز وجل؟
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1] أول صفة: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:2]
الله عز وجل سمى الصلاة إيمانًا لأنها تأتي بالإيمان وتزيد الإيمان، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143] يعني صلاتكم.
السبب الثاني أن نستشعر الموت في صلاتنا عند الديلمي بسند حسنه ابن حجر رحمه الله أن النبي ﷺ قال: “اذكرْ الموتَ في صلاتِكَ فإنَّ الرجلَ إذا ذكرَ الموتَ في صلاتِهِ لحريٌّ أنْ تُحَسَّنَ صلاتهُ“.
ولذا بعض السلف يقول: أدخل الصلاة وأستشعر أن النار عن يساري، والجنة عن يميني، والصراط تحت قدمي والله مُطَّلع علي، ولا أدري أقبلت أم لم تقبل، ولذا في مسند الإمام أحمد قال عليه الصلاة والسلام:
” إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ ” يعني كأنك ما تعيش بعدها.
لو علم أحدنا بأن هذه الصلاة التي دخل فيها ستقبض روحه بعدها، كيف حاله في هذه الصلاة ماذا ترى؟
ترى الدموع، ترى الخشوع، فإذا اعتنى الإنسان بهذه الصلاة وصلى وهو معتقد أن هذه الصلاة ربما تكون هي الصلاة الأخيرة التي يؤديها تحسنت صلاته.
ومن الأسباب المعينة على الخشوع أن يتخلى الإنسان عن الصوارف والشواغل التي تشغله، ومن بين هذه الشواغل الدنيا، فإذا زاحمت الدنيا الآخرة، ولا يعني أن الإنسان يترك الدنيا كلا {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77]، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] لكن لا تزاحم الدنيا الآخرة زحامًا عظيمًا شديدًا كحالنا.
الصحابة رضي الله عنهم كانوا يطلبون الدنيا، ولكن الدنيا لم تزاحم الآخرة.
ولذا يقول الذهبي رحمه الله كما في سير أعلام النبلاء يقول: إن عبد الله بن الزبير إذا رأيته في تجارته قلت هذا لا يريد الآخرة طرفة عين، وإذا رأيته بالليل قلت هذا رجل لا يريد الدنيا طرفة عين في اعتدال.
ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما أعطي خميصة أبي جهم رضي الله عنه صحابي خميصة كساء لها أعلام خطوط فألهته عن صلاته قال: “اذْهَبُوا بخَمِيصَتي هذِه إلى أبِي جَهْمٍ وأْتُونِي بأَنْبِجَانِيَّةِ أبِي جَهْمٍ” يعني كساء ليس فيه قطن يعني قال: “فإنَّهَا ألْهَتْنِي آنِفًا عن صَلَاتي” وهي خطوط يسيرة ألهت النبي عليه الصلاة والسلام عن صلاته، فكيف بحالك؟
ومن الأسباب التي تعين الإنسان على الخشوع أن يستحضر أنه بتركه للخشوع قد سرق سرقة، نحن قد نُصنَّفْ من السراق إذا لم نخشع في صلاتنا، كما جاء في المسند قوله عليه الصلاة والسلام:
” أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً، الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ “. قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَسْرِقُ صَلَاتَهُ ؟ قَالَ : ” لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا “.
ولذلك حذر النبي عليه الصلاة والسلام من الالتفات كما عند البخاري
من حديث عائشة قال: “اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِن صَلَاةِ العَبْدِ“.
ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله: إن الالتفات نوعان حسي، ومعنوي.
الحسي: أن يلتفت برأسه.
المعنوي: أن يلتفت بقلبه، وهذه مشكلة.
ولذلك في الحديث “لا يزالُ اللهُ مُقبِلًا على العبدِ ما لم يلتفتْ فإذا صرف وجهَه انصرف عنه” أنت تناجي الله عز وجل.
ومن الأسباب التي تعين على الخشوع أن يتذكر العبد أنه كلما فاته الخشوع، كلما فاته الأجر من الله عز وجل، ولذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود وعند أحمد في مسنده قال: ” إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ، تُسْعُهَا، ثُمْنُهَا، سُبْعُهَا، سُدْسُهَا، خُمْسُهَا، رُبْعُهَا، ثُلْثُهَا، نِصْفُهَا .” فالناس يتفاوتون في هذه الصلاة.
ومن الأسباب التي تعين على الخشوع أن يدعو العبد ربه عز وجل، أن يعطيه قلبًا خاشعًا، ولذلك من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ ……مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ،” لأن المصاب إذا لم يخشع القلب، لم تدمع العين هذه حقيقة، من لم يخشع قلبه لن تدمع عينه.
ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله: إذا قسى القلب قحطت العين.
قال: وما ضُرِب عبد بعقوبة أعظم من أن يقسو قلبه، لأنه إذا قسى قلبه لا تسأل عن حاله، نسأل الله العافية، فيدعو العبد ربه أن يرزقه الخشوع.
ولذلك لو أننا خشعنا في صلاتنا، نهتنا هذه الصلاة عن الفحشاء:
{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].