شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ الدرس 32 حديث 35
( باب الوضوء )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( أما بعد )
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه — في صفة الوضوء قال :
ومسح صلى الله عليه وسلم برأسه ، فأقبل بيده وأدبر ” متفق عليه .
وفي لفظ : ” بدأ بمقدم رأسه ، حتى ذهب بها إلى قفاه ، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه “
( من الفوائد )
ذكر ابن حجر رحمه الله هذا الحديث بعد الحديث السابق الذي أُكِّد فيه على أن مسح الرأس مرة ، وأراد بذكر هذا الحديث أن يبين صفة مسح الرأس ، فذكر رحمه الله روايتين .
رواية ( أقبل بيديه وأدبر )
وراية ( بدأ بمقدم رأسه )
وهناك رواية أخرى ( أقبل بهما وأدبر )
فكيف يوفق بين هذه الأحاديث ؟
لأن هذه الروايات نحى بعض من العلماء منحىً آخر وهو اختيار صفة معينة .
فقال بعض العلماء : إن مسح الرأس يستحب أن يبدأ بمؤخرة الرأس ثم إلى المقدمة ثم يعود إلى المؤخرة مرة أخرى ، ويستدلون على ذلك بالرواية الأولى :
( أقبل بيديه وأدبر )
والإقبال لا يكون إلا من مؤخرة الرأس ، بل جاءت رواية تنص على أنه بدأ بمؤخر رأسه .
وبعض العلماء يرى : أنه يبدأ من المقدمة ، للرواية الثانية :
( بدأ بمقدم رأسه ، حتى ذهب بها إلى قفاه ، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه “
ويؤكدها : ( أدبر بيديه )
والإدبار لا يحصل إلى إذا بدأ بالمقدمة .
وقال بعض العلماء : نوفق بين هذه الروايات ، فيبدأ من الناصية ، يضع يديه على ناصية رأسه ثم يتقدم إلى مقدمة الرأس ثم يعود إلى المؤخرة ثم يرجع إلى ما ابتدأ منه وهي الناصية .
فيكون هناك توفيق بين الروايات ، بمعنى أنه صدق عليه أنه أقبل بيديه وأدبر وأنه أدبر بيديه وأقبل .
والصحيح في مثل هذا : أن هذه الروايات ثابتة ، ويحمل ما جاء فيها على التعدد ، فيطبق المسلم صفة في حين وصفة أخرى في حين آخر .
( ومن الفوائد )
أن هذا المسح مستحب ، فلو مسح بأي صفة كانت فلا بأس في ذلك لقوله تعالى: { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ }المائدة6 ، فأطلق عز وجل ، فيدل على أنه على أي صفة مسح رأسه أجزأه .
( ومن الفوائد )
يستحب في مسح الرأس أن يكون بكلتا اليدين لا بيد واحدة ، ولو مسح بيدٍّ واحدة وعمم الرأس أجزأ ، لكن الحديث هنا عن الأفضل ، وهو أن يمسح بكلتا يديه ، بمعنى أنه يضع كفيه على رأسه أثناء المسح .
( ومن الفوائد )
أن ابن حجر رحمه الله ذكر الراوي منسوبا إلى ثالث اسم ، وهو ( عبد الله بن زيد بن عاصم ) لعله يريد التنبيه على خطأ بعض أئمة الحديث الذين لم يميزوا بين ” عبد الله بن زيد بن عاصم ” راوي هذا الحديث وبين “عبد الله بن زيد بن عبد ربه “الذي روى حديث الأذان ، فإنهما يختلفان ، فبعض العلماء من أئمة الحديث ظن أنهما واحد ، والصواب أنهما صحابيان مختلفان .
( ومن الفوائد )
أن الإقبال والإدبار في المسح لا يدل على أنه مسح رأسه أكثر من مرة ، قد يتصور إنسان أن هذا الفعل مسح للرأس مرتين ” بدأ بالمقدمة ثم بالمؤخرة ثم عاد مرة أخرى “
فيقال : هي مسحة واحدة ، لم ؟
لأنه لما بدأ بمقدم رأسه مسح ظاهر وأصول شعره المقدمة ، فلما عاد مرة أخرى مسح ظاهر شعر رأسه المؤخر ، فيكو ن الشعر كله ناله المسح .