بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة يونس
من آية 34 إلى آية 56
للشيخ زيد البحري – حفظه الله –
قال تعالى :
(قُلْ) يا محمد (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) (قُلْ) محاجاً لهؤلاء (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم) الذين تجعلونهم مع الله وتعبدونهم مع الله (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ من حيث أطواره وإذا مات الإنسان أعاده، (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) قُلْ أمره أن يجيب وإن لم يجيبهم لأن الجواب واضحٌ كما مر معنا في سورة الأنعام(قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّهِ) فقال هنا ( قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ). فَأَنَّىٰ أي كيف تُؤْفَكُونَ؟ أي فكيف تصرفون وتأتون بالإفك وتصرفون عن الحق، (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ بأن يأتي بشرعٍ أو بكتابٍ يمشي الناس عليه ويتبعونه ويكون الناس على خيرٍ وعلى هدى. (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ) فيما يأمر به، وفيما ينهى عنه (أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي) أي من لا يهتدي (إِلَّا أَن يُهْدَىٰ) بمعنى أنهم لا يهتدون إلا إذا هدوا، ولذا مر معنا قوله عز وجل. (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمْ ۚ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ) (أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ) استفهام؟ (كَيْفَ) استفهام ثاني؟ كُرر من أجل الإنكار والتوبيخ لهؤلاء (فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ( ما هذا الحكم الجائر، الظالم، الذي لا يستند على عقلٍ ولا على دليل. وقال هنا عن الهداية وقال قبلها عن الخلق مما يدل على ماذا؟ مما يدل على أن من دلائل قدرة الله، ووجود الله، ومن دلائل توحيد الله عز وجل أن يستدل بالخلق وبالهداية ولذا إبراهيم عليه السلام ماذا قال؟ (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) وقال عز وجل فيما يتعلق بموسى (الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ) وقال في شأن محمد (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ) (فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ((وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) إنما هو الظن قال هنا أَكْثَرُهُمْ ولم يقل الكل لمَ؟ لأن هناك منهم من يعرف أنه هو الحق لكنه يعاند مكابرة فقال عزوجل (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) يعني أن الظن لا يمكن أن يقوم في مقام الحق أبدا لأن الظن ظن، والحق حق، الحق هو واضح لا لبس فيه ولا شك
لكن الظن مبناه على ماذا؟ على اللبس والتدليس والتخرص (إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي) أي لا يفيد (مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) بمعنى أنه لا يمكن أن يكون هذا الظن الذي سرتم عليه أن يكون محل الحق إذاً الحق هو ماذا؟ كما قال عز وجل (فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) فهو عليمٌ بكل ما يفعلونه وبكل ما يقولونه ومن ثم سيجازيهم على ذلك (وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ) تأمل قال هنا (وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ) لأنهم ماذا قالوا كما ذكر عز وجل في أول السورة (قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي) فقال عز وجل هنا (وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ) لا يمكن أن يكون هذا القرآن من عند غير الله لأن من نظر إلى هذا القرآن ورأى ما فيه من الأحكام ومن الدلائل العظيمة ومن عظم الأسلوب ومن عظم ما فيه من الوعظ والوعد والوعيد لا يمكن أن يأتي به إلا الله عز وجل ولذا ما ذكرتموه من أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قد افتراه فهو كذبٌ مفترى، افتريتم على الله وافتريتم على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. ولذا مر معنا في أول السورة (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ) (وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَىٰ مِنْ دُونِ اللَّهِ) (وَلَٰكِن) هذا القرآن (تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) تَصْدِيقَ يصدق ما بين يديه أي مما تقدم من الكتب السابقة لأن الكتب السابقة أتت بالتوحيد. (وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ أي توضيح وتبيين للكتب السابقة، الكتاب هنا جنس للكتب السابقة فهو يفصل ما في الكتب السابقة ويحكم عليها مما يثبته ومما ينفيه، فقال هنا (وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ) وقال بعض العلماء (وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ) أي تفصيل القرآن ففيه الأحكام وفيه البيان. ومن ثم من هذه الكلمة من هذه الكلمة يظهر لي من أن قوله تعالى (وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ) من أن هذا القرآن من تدبره حق التدبر وتمعن فيه فإنه سيجد كثيراً وكثيراً وكثيراً من الآيات يفسر بعضها بعضا ولعل الله عز وجل ييسر لي بتوفيقٍ منه والإعانة نسأل الله ذلك لعل الله ييسر لي أن أفسر القرآن بالقرآن فقط فإن من تدبر وتمعن القرآن وجد أن الآيات يوضح بعضها بعضا ويكفي في ذلك ما مر معنا من سور وما سيأتي إن شاء الله من سور كم من آيات فسرناها بآياتٍ أخرى فما أعظم هذا القرآن (وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) نفى عنه الريب والشك لمَ؟ لأنه من رب العالمين وليس من الخلق. ولذا ماذا قال تعالى ( الم ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ) فقال هنا (لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ (. بل أيقولون افتراه؟ أم يقولون افتراه؟ (قُلْ فَأْتُوا) قل يا محمد لهؤلاء (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ)
ومر معنا في سورة البقرة (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) ولم يذكر هنا من فدل على أن من فيما مضى في سورة البقرة زائدة وبينا أيضا أن هناك أقوالًا فيها في سورة البقرة (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ)أي مثله من مثله إذا كنتم تزعمون أن محمداً أتى به فأتوا بسورة مثل هذا القرآن فيه ما فيه من الإعجاز وفيه ما فيه من الإحكام والإتقان (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ) في سورة البقرة (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ) أي من تعبدونهم هنا (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ) ادعوا شهداءكم، وادعوا من تستعينون به من فصحاء وبلغاء العرب، (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فيما تزعمون أن محمداً قد افتراه أو أتى به من تلقاء نفسه (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) سبحان الله من الجبروت والقسوة والغفلة. (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) لم يحيطوا بعلم هذا القرآن، ولم يتدبروه، ولم يتمعنوا فيه. بل كما قال تعالى. (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) فهنا كذبوا بالقرآن ولم يتدبروه ولم يتأملوه إنما هو العناد. (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) أيضاً عند بعض العلماء يقول (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) يعني بعدما أتاهم تأويله وتفسيره إذا بهم أيضا بعد التدبر أنكروه، لكن الذي يظهر والعلم عند الله أن القول الآخر هو أظهر (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) بمعنى (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) يعني فلينتظروا عاقبة ما أخبر به هذا القرآن من العذاب لهم يوم القيامة. ولذا مر معنا في سورة الأعراف (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ۚ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)وقال عز وجل (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) لَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا لا علم ولا عمل (أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ) فقال عز وجل هنا: (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) كما كذبك يا محمد قومك كذلك الأمم السابقة كذبت أنبياءها (كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) فهؤلاء ظلمة، هؤلاء الذين ظلموا من الأمم السابقة ما الذي جرى لهم؟ أهلكهم الله، فكذلك هؤلاء من قومك. ولذا مر معنا في نفس السورة، قوله عز وجل: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) لَمَّا ظَلَمُوا (وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) فقال هنا (فَانظُر) نظر تأمل وتدبر وعظة (فَانظُر) ليس نظراً مجردا (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) ما عاقبتهم؟ أسوأ مآلاً وأسوأ عاقبة (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لَّا يُؤْمِنُ بِه) وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ أي ممن هداه الله (وَمِنْهُم مَّن لَّا يُؤْمِنُ بِه) يعني بهذا القرآن ممن أضله الله عز وجل وقال بعض المفسرين (وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ) في قلبه لكنه كفر عنادا ومنهم من لا يؤمن به متبعاً للظن. ولعل ما مضى يدل على ذلك (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) ولا تعارض بين القولين فقال عز وجل (وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لَّا يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) فمن كذب هذا القرآن فهو مفسد وقال (أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) هذا العلم يترتب عليه الجزاء والحساب لمن أفسد (وَإِن كَذَّبُوكَ) يا محمد
(فَقُل لِّي) تسلية للنبي صلى الله عليه واله وسلم (فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ)
أنتم راضون بعملكم، أنا راضٍ بعملي (أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ) لا أتحمل ما تعملونه ولا تتحملون ما أعمله، فالله عز وجل سيجازي كل إنسانٍ بعمله. (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) انظر (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ مجرد سماع من غير تفكر ولا تدبر (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) يا محمد (أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ) أفأنت باستطاعتك أن تسمع الأصم الذي لا يسمع ثم مع أنه لا يسمع لا يعقل هو مجنون هل يمكن هذا؟ يعني لأن من كان أصم وبه عقل يمكن أن يفهم حسب الإشارات، لكن هؤلاء تتلو عليهم الآيات فهم بمثابة من؟ الأصم الذي لا عقل له (أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ). (وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ) ينظر إليك وينظر إلى ما جئت به وما أنت عليه من الهدى والحق (وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ) أفأنت تهدي من هو أعمى البصر وأيضاً هو لا يبصر بمعنى أنه أعمى البصيرة، إذاً هؤلاء حالهم كحال هؤلاء الذي هو به عمى البصر وعمى البصيرة (وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ) وهذا فيه ماذا؟ تسلية للنبي صلى الله عليه واله وسلم. (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا) يعني أنما ذكره عز وجل في ما مضى من عقوبة هؤلاء ليس ظلماً منه وإنما لكمال عدله عز وجل أوقع بهم ما أوقع جزاء أعمالهم (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا) بل كل الناس لا يظلمهم ولذا قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) وقال عز وجل (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ) (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)هم الذين جنوا على أنفسهم بالظلم فعاقبهم الله عز وجل بعدله. (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُم يوم القيامة (كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ) يوم يحشرهم يوم القيامة كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة فقط إلا ساعة، لكن لو قال قائل الله عز وجل قال في آياتٍ أُخر (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ) وقال عز وجل (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) وقال عز وجل (يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا) فيُحمل هذا على ماذا؟ على أن بعضهم اختلف في ذلك، بعضهم يقول أيام يعني بعض من في المحشر من هؤلاء هم اختلفوا فيما بينهم، بعضهم قال ما لبثنا في الدنيا إلا يوماً أو بعض يوم، وبعضهم قال عشرة أيام، وبعضهم قال يوم، وبعضهم قال ساعة، وبعضهم قال عشية أو ضحاها، أو يُحمل على ماذا؟ يُحمل على أن لكن الرأي الأول كأنه هو الأظهر والآخر أيضاً يدخل في ذلك لا إشكال في ذلك لأن الله عز وجل قال عن أولئك (يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا) أو وهذا داخل ولا تنافي ولا تعارض من أن يوم القيامة مواقف بعض المواقف يشتد معهم الأمر فإذا بهم يقولون ما لبثنا إلا ساعة أو عشية أو ضحاها فقال عز وجل هنا (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُم)
دل هذا على ماذا؟ على أن البقاء في الدنيا ليس بشيء، ليس بشيء، ولذلك النبي صلى الله عليه واله وسلم قال كما في صحيح مسلم
(يُؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار، فَيُغمس في النار غمسه، فيقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرًا قطُّ؟ هل مَرَّ بك نَعِيمٌ قطُّ؟ فيقول: لا والله يا ربِ) (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُم) يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُم أين يوم القيامة، وقال بعض المفسرين (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُم) يقولون كأننا لم نلبث في الدنيا إلا ساعة، تلك الساعة فقط للتعارف في الدنيا ثم انتهت. والأظهر هو الأول، وأيضاً هذا لا يتعارض مع ذلك لأن الجميع تحتملهما الآية. (كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُم) (قَدْ) تحقيق (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ لأن الله عز وجل ماذا قال في أول السورة: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا)
وقال تعالى: (قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا) وأيضاً (وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) لم يهتدوا بسبب ماذا؟ بسبب تلك الأسئلة والكبر والغطرسة من هؤلاء. (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) وإما إن الشرطية معها ماء الزائدة (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) أي ما وعدناهم من العذاب في الدنيا في حياتك جواب الشرط فذاك يعني فذاك واقع وإن مت قبل أن ترى العذاب يا محمد بهؤلاء فكما قال عز وجل :(أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ) إلينا مرجعهم ثم هو عز وجل شهيد ومراقب على فعلهم ومن ثم سيجازيهم. (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ) قال بعضَ الذي نعدهم دل هذا على أنه لو أخذهم بجميع ذنوبهم فكما قال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ) (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) ولذلك ماذا قال عز وجل في آيةٍ أُخرى مُبيناً أن في مثل هذه الآية لا يحزن عليه الصلاة والسلام، لمَ؟ لأنه قال: (وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) (فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ) (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ) كل أُمة سبقت لها رسول كما أنك رسول لهؤلاء يا محمد فلماذا يستغربون؟ (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ) هناك حذف فكذبوه. (فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ) أي بالعدل (وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) قضي بينهم بالقسط بالعدل، قضي بينهم في الدنيا فنجي أهل الإيمان وأهلك الله الكفار. وأيضاً قضي بينهم بالقسط في الآخرة فأهل الإيمان إلى الجنة وأهل النار إلى النار. فقال تعالى: (قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) لأنه قال عز وجل في الآيات السابقات: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا) (وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) سبحان الله قال عز وجل: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) هذا فيه وعيدٌ وتهديدٌ لهؤلاء، مع ذلك كله استعجلوا العذاب. (وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (قُل) يا محمد (لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) لماذا قدم الضر هنا على النفع؟ قدم الضر هنا على النفع لأنهم طلبوا ماذا نزول العذاب طلبوا نزول العذاب ونزوله ضرر فقدمه لكن في سورة الأعراف (قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا) لمَ؟ لأن الاصل ماذا؟ أن الإنسان يريد لنفسه النفع، والضر شيءٌ حادث وحاصل فتجد أن الإنسان يبحث عن ماذا؟ عما ينفعه، لكن الضر طارئ فإذا وقع دفعه لكن هنا ذكر الضر باعتبار أنهم طلبوا العذاب. (قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) لكن إذا شاء الله عز وجل فله الحكم التام والكامل. وهنا ماذا؟ (قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) فإذا كان صلى الله عليه واله وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا. فكيف يستغاث به؟ كيف يسأل من دون الله؟ كيف يتوسل به بعد موته من دون الله؟ (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) ۚ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ وزمن محدد في هذه الدنيا ثم تنتهي (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ) أي ما قدر لهم في هذه الدنيا (فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) فلا يستأخرون عنها ولا يستقدمون ولا يتقدمون عن أجلهم (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) قُلْ يا محمد لهؤلاء أَرَأَيْتُمْ أخبروني ولذلك أتى بالرؤيا ومعناها الخبر هي الرؤيا لأن من رأى شيئاً أخبر عنه (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا) بَيَاتًا أي بالليل وأنتم نائمون أَوْ نَهَارًا كما مر معنا في قوله عز وجل: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) يعني قل يا محمد لهؤلاء أخبروني (إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ)استفهام للتهويل والتعظيم أتدرون ماذا تستعجلون؟ تستعجلون العذاب العظيم الشديد. ولذا قال: (أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ) هذا العذاب (آمَنتُم بِهِ ۚ آلْآنَ) يعني يقال لكم الْآنَ تؤمنون وقد كنتم ولذا ماذا قال بعدها؟ (آلْآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) تَسْتَعْجِلُونَ نزوله (آلْآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ) العذاب المستمر (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ) هَلْ هنا للاستفهام للنفي أي ما تجزون إلا بما كنتم تكسبون. (وَيَسْتَنبِئُونَكَ) أي يستخبرونك ويستعلمونك، (وَيَسْتَنبِئُونَكَ) يستعلمونك (أَحَقٌّ هُوَ) أي هذا العذاب أهو حق هم لا يقولونه على سبيل البحث عن الحق لا، وإنما على سبيل الاستهزاء. هل ما قلته يا محمد عن هذا العذاب أهو حق أم أنك تمزح معنا؟ (وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ۖ قُلْ) يا محمد (إِي وَرَبِّي) أي يعني نعم وربي إي مثل نعم لكنها ما تأتي إلا مع القسم (قُلْ إِي وَرَبِّي) ولذلك أتى بعدها بالقسم. (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ) أي يوم القيامة حق، ولذلك أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه واله وسلم أن يُقسم به على يوم القيامة وعلى وجوده في ثلاثة مواطن هنا (وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ) وقال عز وجل: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ)
الثالث قال عز وجل: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) فقال عز وجل هنا للنبي صلى الله عليه واله وسلم (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ) لن تفوتوا الله ولن تفوتوا عذاب الله فهو نازلٌ بكم. (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) النفس الظالمة (وَلَوْ) على سبيل الفرض. (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ) لو كانت تملك كل ما في الأرض إذا نزل عذاب الله الذي تستعجلونه (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ) تفتدي به من أجل أن تخلص نفسها من هذا العذاب. (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ) أسروا الندم وأخفوا الندم لما رأوا عذاب الله. بعض العلماء يقول أسروا يعني أظهروا أظهروا والذي يظهر لي من أنهم أسروا ذلك من باب الجمع بين القولين أسروا ذلك في قلوبهم حتى ما كان في القلب من الندامة ظهر على أسارير وجوههم (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ۖ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ) وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ من؟ هؤلاء القوم الظالمين. قال تعالى لِكُلٍّ ضِعْفٌ (قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ) وقال بعض العلماء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ أي بين أهل الجنة وبين أهل النار. هذا وإن كان يدخل إلا أن سياق الآية يدل على أنه في هؤلاء المجرمين بدليل ماذا؟ أنه عز وجل لما ذكر في أول السورة ماذا قال؟ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ) وبينا ذلك في أول السورة. (وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (أَلَا إِنَّ لِلّهِ) ألا للتنبيه (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فهو له ما في السماوات وما في الأرض، ومن ثم فإن الواجب عليكم أن تعبدوه وأن تؤمنوا بأنه سيبعثكم ولذا ماذا قال بعدها مؤكداً ذلك؟ (أَلاَ) للتنبيه (أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) (وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ) (أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) لا يعلمون ما سيحل بهم وذلك من جراء أنهم لم يستمعوا لهذا القرآن ولم ينتفعوا به، فهم جُهال لأن الجاهل هو من أعرض عن دين الله عز وجل. (هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ) (هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ) هو عز وجل يحيي ويميت هذا من باب التأكيد والتقرير على أن ذلكم الذي وعدكم الله به وهو العذاب وهو في يوم القيامة حاصل، ولذا قال تعالى: (هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ) هو أحياكم وسيميتكم وسيحييكم (هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ) هو يحيي من خلقكم في تلك الأطوار؟ من أماتكم؟ هو الله بعد هذا الموت إليه المرجع (هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). فيجازى الإنسان بما عمل.